الدرالمنضود فی احکام الحدود المجلد 3

اشارة

سرشناسه : گلپایگانی، محمدرضا، 1372 - 1277

عنوان و نام پديدآور : الدرالمنضود فی احکام الحدود/ محمدرضا الگلپایگانی؛ بقلم علی الکریمی الجهرمی

مشخصات نشر : قم: دار القرآن الکریم، 1412ق. = 1370.

مشخصات ظاهری : ج.نمونه

شابک : 2600ریال(ج.1)

يادداشت : جلد سوم (چاپ اول: 1417ق. = 1375)؛ 10000 ریال

یادداشت : کتابنامه: ج. 1. به صورت زیرنویس

موضوع : حدود (فقه)

شناسه افزوده : کریمی جهرمی، علی، . - 1320

رده بندی کنگره : BP195/6/گ 8د4 1370

رده بندی دیویی : 297/375

شماره کتابشناسی ملی : م 71-1147

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ الذي فضل العلماء العالمين على الشهداء و عباده الصالحين و جعلهم في آية الشهادة قرينا لملائكته المقربين و الصلاة و السلام على من بعثه رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ أبي القاسم محمد و على آله و عترته الطيبين معادن الحكمة و ينابيع العلم و اليقين و مهابط الوحي و روح الأمين و اللعن الدائم و الخيب الخاذل على أعدائهم أصول الجهل و العصبية العمياء أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين.

و بعد فقد قال الله سبحانه و تعالى في كتابه المبين إِنّٰا جَعَلْنٰا مٰا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهٰا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «1».

من المسلم المصرح به في هذه الآية الكريمة أن اللّه تعالى قد جعل ما على وجه الأرض زينة و حلية لها، و أن المقصد و الهدف من ذلك هو الاختبار و الامتحان.

بالإطاعة و العصبيان.

______________________________

(1) سورة الكهف الآية 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 6

و إنما الإجمال و الإبهام من حيث المراد من «ما على الأرض الذي جعله الله زينة لها» ففيه وجوه و احتمالات:

أحدها: أن المراد منه هو الأنهار و الأشجار و الحيوان و النبات و الجماد و أنواع المخلوقات.

ثانيها: انه

هو الرجال.

ثالثها: الأنبياء و العلماء، و إذا صرفنا النظر عن الاحتمال الأول فإن الثاني و الثالث قابلان للجمع و لا منافاة بينهما، فإنه يبعد جدا ان يكون المراد من الرجال هو مطلق الجنس المذكر و ما يقابل الأنثى فكم من هو كذلك و تنفى عنه الرجولية كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:

يا أشباه الرجال و لا رجال حلوم الأطفال و عقول ربات الحجال. «1».

بل الظاهر منه هو الرجال المذكورون في القرآن الكريم الموصوفون على لسان الله تعالى تارة بقوله تعالى فِيهِ رِجٰالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «2» و أحرى بقوله تعالى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ إِقٰامِ الصَّلٰاةِ وَ إِيتٰاءِ الزَّكٰاةِ يَخٰافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصٰارُ «3».

و ثالثة بقوله سبحانه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ. «4».

إذا فلا غرو في أن يقال: إن زينة الأرض هم الأنبياء و العلماء و هم الرجال الذين عرفهم الله تعالى بتلك الأوصاف الجميلة.

و لو أريد من «ما على الأرض» مطلق ما على وجه الأرض على ما هو مقتضى

______________________________

(1) نهج البلاغة الخطبة 27.

(2) سورة التوبة الآية 108.

(3) سورة النور الآية 38.

(4) سورة الأحزاب الآية 23.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 7

الاحتمال الأول فإن العلماء من ابرز مصاديق ما على وجه الأرض و من أعلى نماذج الزينة لها، فلو لا العلماء لما كانت للأرض زينة أو لكانت زينة الأرض ناقصة جدا.

نعم لا بد من التنبيه على نكتة- و لعلها غير خافية على القارئ المحترم- و هي أن المراد

من العلماء ليس هو مطلق من درس الكتب الدارجة و تعلم و عرف الاصطلاحات المتداولة و القواعد و الأصول المعمولة فعن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ «1» قال: يعني بالعلماء من صدق فعله قوله و من لم يصدق فعله قوله فليس بعالم «2».

ثم ان من هؤلاء العلماء الأفذاد الذين يجدر بهم ان يكونوا زينة للأرض هو استأذنا الأفخم و أسوة العلماء الأعاظم و المراجع الدينية الذي تلمذنا لديه أعواما كثيرة و استفدنا من منهل علمه العذب الغزير و فقهه العميق سنين متوالية المرجع الديني الأعلى و آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني تغمده الله بغفرانه و رضوانه و أسكنه بحبوحات جناته و حشره الله مع أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

و من جملة ما استفدنا من إفاداته الجامعة و تلقيناه من دروسه العالية و ابحاثه الفاخرة مباحثه في الحدود التي هي من المسائل المهمة و قد كثر الابتلاء بها و كانت على حسب تأليفنا ثلاثة مجلدات.

و قد طبع المجلد الأول في أيام حياته- و يا لذكري تلك الأيام السعيدة- كما و ان المجلد الثاني كان تحت الطبع مشرفا على التمام فاذا حدث الحادث العظيم و وقعت الواقعة المؤلمة التي ابكت العيون و اولمت القلوب اعني حادث ارتحاله من دار الغرور الى مستقر النور و الى الرفيع الأعلى و صار ضيفا لربه الكريم.

______________________________

(1) سورة الفاطر الآية 28.

(2) الكافي ج 1 ص 36.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 8

و هذا هو المجلد الثالث الذي يخرج الى النور و قد فقدنا هذه الشخصية اللامعة القذة ما يقرب من سنتين و لم تنس

و لا تنسى تلك المصيبة العظمى.

و البقاع التي كان يعبد الله أو يصلي أو يقرء القرآن فيها أو يلقى دروسه على العلماء و المجتهدين فيها تفزع و تنادي بالغربة و الوحدة و على فقد هذا المرجع الكبير و الزعيم العظيم، و عسى أن يكون طبع هذا الكتاب مما يسره و يفرحه في عوالم القدس و يمن علينا بدعائه في مماته كما كان يمن علينا بذلك في حياته و السلام عليه و جزاه الله خير جزاء المحسنين.

و كيف كان فهذا الجزء أيضا قد حوى مباحث هامة و مطالب كانت محل الحاجة و الابتلاء و هي:

1- حدّ السرقة 2- حدّ المحاربة 3- حدّ الارتداد.

كما و قد اشتمل على مباحث «المفسد في الأرض» الذي قلّما تعرضوا له مستقلا في الكتب الفقهية.

و كل بحث من تلك الأبحاث متضمن لمطالب نافعة و نكات رائعة عسى الله سبحانه و تعالى أن ينفع بها العلماء البارعين كما و قد من علينا بان صار الجزءان الأولان من كتابنا مورد إقبال الأعلام و الأجلاء و أصبحت تلك الأبحاث واردة في الأندية العلمية و الدروس العالية التي تقام في الحوزة العلمية.

و الحق أنه نظرا إلى أهمية الموضوع و هو الحدود فإن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ماسة الى هذه الدراسات و الأخذ بما فيها من الأحكام كي ينالوا خيرا.

و عند ما طبع المجلد الأول من هذا الكتاب فقد وصل إلينا من بعض رجالات العلم و التقوى تقاريظ قد ابدى فيها عواطفهم الكريمة كما و أن غير واحد من الأعاظم و المشتغلين الأكارم في الحوزة العلمية المباركة قد طلبوا إكمال الأبحاث و طبع كل المطالب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 9

و انى اغتنم هذه الفرصة

و أقدم ثنائي العاطر و شكري الجزيل الخالص المتوافر إلى هؤلاء الأجلاء و الأفاضل القاطنين في الحوزة الشريفة أو سائر البلدان، شملهم الباري برحمته و إحسانه.

و أعترف أني لا أستطيع أن أؤدي حق تلك العواطف الكريمة الخالصة.

و الرجاء من الله تعالى ان يجعل هذا الكتاب ذخيرة صالحة ليوم فقري و فاقتي.

يَوْمَ لٰا يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «1».

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ مٰا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهٰا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً. «2».

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجٰادِلُ عَنْ نَفْسِهٰا وَ تُوَفّٰى كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ وَ هُمْ لٰا يُظْلَمُونَ «3».

و المأمول من المولى جل جلاله ان يجعله أثرا خالدا على مر الأعصار و الدهور و تصرم الأعوام و الشهور، و نكون بذلك ممن قد أدى قليلا من كثير من الحقوق التي كانت لسماحة سيدنا الأستاذ الأكبر قدس الله نفسه علينا إنه سميع مجيب و على كل شي ء قدير و السلام على عباد الله الصالحين و أفضل الصلاة و السلام على معلمي الخير و مفاتيح البركة محمد و آله الطاهرين.

قم الحوزة العلمية علي الكريمي الجهرمى

______________________________

(1) سورة الشعراء الآية 89.

(2) سورة آل عمران الآية 30.

(3) سورة النحل الآية 111.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 13

حدّ السّرقة

اشارة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 15

حدّ السرقة

قال المحقّق: الباب الخامس في حدّ السرقة، و الكلام في السارق و المسروق و الحجة و الحد و اللواحق.

الأول في السارق و يشترط في وجوب الحد عليه شروط: الأول البلوغ فلو سرق الطفل لم يحدّ و يؤدّب

أقول: لا شكّ في أن وجوب الحدّ على السارق مشروط بشرائط،

و قد اختلفوا في عددها فذكر بعض ثمانية و آخر عشرة، و يمكن ان تكون أزيد من ذلك و هذا بملاحظة الإخراج من الحرز كما في الجواهر، و قد ذكر في الشرائع ثمانية شروط، أولها البلوغ، و فرّع على ذلك انه لا يحدّ الطفل إذا سرق.

و قد عبّر رحمة الله عليه بالحدّ فلا يرد عليه الإشكال بعد ذلك عند تعرضه بأنه قد يقطع يد الصبي، و ذلك لأنه ليس من باب الحدّ، و هذا بخلاف من عبّر بالقطع

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 16

كالشيخ قدس سره حيث قال: لا قطع إلا على مكلف و هو البالغ العاقل فأما غير المكلف و هو الصبي أو المجنون فلا قطع على واحد منهما لقوله تعالى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ، و انما يعاقب من كان عاقلا انتهى «1».

و قال بعد ذلك: فان كان السارق مجنونا فلا قطع و ان كان غير بالغ فلا قطع انتهى.

و على الجملة فمن عبّر بالقطع لو قال بتعزير الصبي بالأمور المذكورة في الروايات حتى القطع يمكن ان يورد عليه بأنه كيف يحكم بتعزير الصبي بالقطع مع انه عقوبة و لا عقوبة على الصبي و ان كانت بصورة التعزير.

و قد استدلّ على عدم الحد على الطفل بالأصل و بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم.

و أورد عليه بعض المعاصرين قدس سره بأن الأصل لا وجه له بعد شمول العمومات.

ثم قال: و أما حديث رفع القلم فالتمسك به في المقام مشكل لإمكان أن يكون ترتّب الحد على السرقة كترتب لزوم الغسل على الجنابة من غير فرق بين البالغ و غير البالغ، فالعمدة الأخبار الواردة. «2».

و ما أفاده بالنسبة للأصل

تامّ لا غبار عليه فإنه مع وجود العمومات لا مجال للتمسك بالأصل بل لا بد من الأخذ بها لو لم تكن منصرفة كما في المجنون و غير المميز حيث انها منصرفة عنهما.

و أما ما افاده من احتمال جعل المقام مثل باب الجنابة فهو خلاف الظاهر و مشكل جدا، و ذلك للفرق الجليّ بين ما يوجب العقاب على فعله- و لو باعتبار ردعه و بلحاظ أن لا يفعل بعد ذلك- و بين ما لا يكون من هذا القبيل بل كان

______________________________

(1) المبسوط 8 ص 20.

(2) جامع المدارك ج 7 الطبع الأول ص 131.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 17

كالنجاسة الحاصلة من إصابة البول و الدم، أو الجنابة الحاصلة له من الدخول، و من المعلوم ان الصبي و ان عزّر كان بالنظر الى ما ارتكبه و اتى به و بلحاظ ما لا يناسبه ان يفعل و الا لكان يضرب من دون ارتكابه شيئا بل لمجرد التأديب و أن لا يفعل في ما يأتي من الأزمنة و على هذا فترتب آثار مثل النجاسة و الجنابة لا يوجب ترتب هذا الأثر و جعل القطع مثلها بعد أن القطع كان بلحاظ ما اتى به و كونه نوعا من العقوبة و المجازاة و ان لم يكن من العقوبات المصطلحة المترتبة على فعل الكبير.

و قال الشيخ الطوسي قدس سره في باب السرقة: فإن كان صبيا عفى عنه مرة فإن عاد أدّب فإن عاد ثالثة حكّت حتّى أصابعه تدمى فإن عاد قطعت أنامله فإن عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك كما يقطع الرجل سواء «1».

و قد نقل في الشرائع هذا المطلب بعينه عن الشيخ ثمّ

قال المحقق: و بهذا روايات.

و

في المسالك: و القول الذي نقله عن الشيخ في النهاية، وافقه عليه القاضي و العلامة في المختلف لكثرة الأخبار الواردة به.

و في المختلف بعد ذكر أقوال العلماء في المسألة قال: و المعتمد ما قاله الشيخ، لنا اشتهاره بين علماؤنا و فتوى أكثرهم به و الأحاديث المتظافرة الدالة عليه إلخ.

و في كشف اللثام عند ذكر كلام الشيخ: و هو خيرة المختلف و نسبه الى الأكثر و لم أظفر بخبر يتضمّن هذا التفصيل إلخ.

و في الجواهر بعد كلام الشيخ: و تبعه عليه القاضي [1] و الفاضل في محكي المختلف ناسبا له إلى الأكثر و ان كنا لم نتحققه، نعم بهذا في الجملة روايات كثيرة فيها الصحيح و غيره بل ربما قرب من التواتر مضمونها في الجملة إلا أنها على

______________________________

[1] أقول: لم أعثر على ذلك في كلمات القاضي لا في المهذب و لا في جواهر الفقه نعم قاله ابن حمزة في الوسيلة فراجع ص 418.

______________________________

(1) النهاية ص 716.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 18

كثرتها لم نقف فيها على خبر مشتمل على تمام التفصيل المزبور كما اعترف به في كشف اللثام و غيره.

ثم إنه لا مورد للتمسك بحديث الرفع في المقام و ذلك لأنه يرفع العقوبة المترتبة على العمل لأجل نفس العمل و وقوعه في الخارج، و الصبي ليس كذلك فإنه و ان قلنا فيه بالتعزيرات الواردة في الأخبار حتى القطع لكنه ليس من باب العقوبة بل المقام كاليد المؤفة التي أصيبت بالسرطان و لو لم تقطع لطال به الداء و أهلكه فعلى الولي قطع يد الصبي المبتلى بسرطان اليد تحفظا و تحذرا من نفوذ المرض و سريانه إلى سائر أعضاء البدن و على الجملة فهذا

ليس عقوبة في الحقيقة على اصطلاحه الخاص.

و لقد أجاد العلامة فيما أفاد حيث قال: و الاخبار في ذلك كثيرة و لا استبعاد في كون التأديب الواجب عليه بذلك، و لا يكون ذلك من باب التكليف بل من باب اللطف «1».

فهذا الكلام متين و لطيف. و القطع- فضلا عن غيره من التعزيرات- لطف بالنسبة إليه في ظروفه الخاصة و ليس هو تعذيبا و عقابا و نكالا- على ما ورد في الآية الكريمة جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ- و ذلك لعدم تكليف عليه و اختصاص التكليف بالكبير فلا مورد للتمسك بحديث الرفع.

و بعبارة اخرى إنّ من تمسك بالحديث الشريف يقول: ان القطع مثلا عقاب و لازمه التكليف، و حيث ان مقتضى جريان الرفع هو رفع التكليف فلم يبق مورد للعقاب و هو أيضا مرفوع كنفس التكليف.

و لكن الحق هو ما ذهب إليه العلامة من انه ليس من باب العقاب بل هو لطف إلى الصبي و مراعاة صلاحه إذا تلوّث بالسرقة، و على هذا فلو استفيد من الاخبار لزوم تلك التعزيرات و وجوبها فليس فيها ما لا يلائم العقل و ما لا يناسبه و يوافقه.

______________________________

(1) المختلف ص 770 كتاب الحدود ص 218.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 19

و قد يعبّر عن المطلب بحفظ النظام فإنه ربما ينجرّ أمر الصبي السارق الى فساد عظيم و يوجب ذلك بروز الاختلال في نظام المجتمع إذا خلّي سبيله و ترك بحاله و أطلق عنانه و فعل ما أراد.

و لا يخفى ان الأمر متوجه الى ولاة الأمر و نواب الأئمة عليهم السلام لا إلى الصبي كي يرتفع بحديث الرفع، الا ان قوله سبحانه جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ قد

قيد عموم قوله السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا «1» و خصه بالكبار منهما فلا محالة يحمل القطع في الصبي- إذا كان ذلك مفروغا عنه- على غير الجزاء و العقوبة.

و المهم هنا هو صرف الكلام الى تلك الروايات بعد أنّا نعلم انه لا يمكن القول بإهمال أمر الصبي و عدم الاعتناء بما يأتي و يرتكب حيث انه يفضي الى فساده و فساد المجتمع و يوجب الإخلال في النظم.

و النظر في الروايات إنما هو من ناحية دلالتها و أما سندها فلا كلام فيه و ذلك لأن فيها أخبارا صحاح و معتبرة فلا بد من إمعان النظر في دلالتها و كيفية ذلك و أنه هل يمكن الجمع بينهما أم لا و هل فيها ما هو المتيقن أم لا و انه هل التفصيل المزبور وارد فيها أم لا كما أن صاحب الجواهر قدس سره يقول: انها على كثرتها لم نقف فيها على خبر مشتمل على تمام التفصيل المزبور كما اعترف به في كشف اللثام و غيره انتهى.

فلو كان كذلك اي لم يكن فيها ما يدل على التفصيل فهناك تتساقط تلك الروايات و يرجع الأمر إلى الحاكم فيؤدّب على حسب ما يراه من المصلحة.

و قد خرج الشيخ المحدث العاملي ستة عشر رواية في الباب الذي عنونه بقوله:

باب حكم الصبيان إذا سرقوا و إليك هذه الاخبار:

عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصبي يسرق.

______________________________

(1) سورة مائدة- الآية 38.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 20

قال: يعفى عنه مرة و مرتين و يعزّر في الثالثة فإن عاد قطعت أطراف أصابعه فإن عاد قطع أسفل من ذلك «1».

يمكن أن يكون المراد من ذكر المرة و المرتين

أنه يستحب العفو عنه في المرة الاولى و يجوز ذلك في الثانية. و مقتضى ذلك أنه يعزر في المرة الثالثة و يقطع أطراف أصابعه في الرابعة و أسفل منه في الخامسة. و هذا غير منطبق على تمام ما ذكره الشيخ قدس سره.

و عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سرق الصبي عفى عنه فإن عاد عزر فإن عاد قطع أطراف الأصابع فإن عاد قطع أسفل من ذلك «2».

و مقتضى هذه العفو مرة أو مرتين و تعزيره في الثانية فلا ينطبق على ما ذكره الشيخ كما لا يلتئم مع الاولى.

و قال: أتى علي عليه السلام بغلام يشك في احتلامه فقطع أطراف الأصابع «3» و هنا لم يبيّن أنه كان ذلك منه في المرة الأولى أو الثانية أو الثالثة بل أهمل ذكر ذلك و يمكن الحمل على أنه كان في المرة الثالثة.

و عن محمد بن مسلم، قال: سألته عن الصبي يسرق فقال: إذا سرق مرة و هو صغير عفى عنه فإن عاد عفى عنه فإن عاد قطع بنانه فإن عاد قطع أسفل من ذلك.

قال الشيخ الحر: و رواه الشيخ بإسناده عن أبى على الأشعري إلّا أنه قال: فإن عاد قطع أسفل من بنانه فإن عاد قطع أسفل من ذلك «4».

و عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الصبيان إذا اتى بهم علي- عليا- عليه السلام قطع أناملهم من أين قطع؟ قال: من المفصل مفصل الأنامل «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح

3.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 4.

(5) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 21

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى علي عليه السلام بجارية لم تحض قد سرقت فضربها أسواطا و لم يقطعها «1».

و مقتضى هذه هو الفرق بين الذكر و الأنثى فإنه عليه السلام ضرب الجارية السارقة أسواطا و لم يقطع يدها، و الحال انه لا فرق في السرقة و حكمها بينهما.

و عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام في الصبي يسرق قال:

يعفى عنه مرة فإن عاد قطعت أنامله أو حكّت حتى تدمى فإن عاد قطعت أصابعه فإن عاد قطع أسفل من ذلك «2».

و مقتضى هذه إنه في المرة الثانية اما ان تقطع أنامله أو حكّت و في الثانية قطع أسفل من ذلك.

و هل المراد من الأسفل، هو الأسفل من أصول الأصابع حتى يقطع شي ء من الكف؟

و عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: اتى علي عليه السلام بغلام قد سرق فطرّف أصابعه ثم قال: اما لئن عدت لأقطعنّها ثم قال: اما انه ما عمل إلا رسول الله صلى الله عليه و آله و أنا «3».

و عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سرق الصبي و لم يحتلم فقطعت أطراف أصابعه قال: و قال: و لم يصنعه الا رسول الله صلى الله عليه و آله و أنا «4».

و لعله في هاتين الروايتين تعريض [1] على الخلفاء و تعطليهم للاحكام و شرائع الدين و منعهم عن اجراء ما سنه الرسول،

و ما أحدثوا في الإسلام من البدع الفاضحة.

______________________________

[1] أقول: و لعل فيهما اشعارا باختصاص ذلك بالمعصوم عليه السلام فلا يحق لغيره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 6.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 7.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 8.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 9.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 22

و عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصبي يسرق قال: ان كان له تسع سنين قطعت يده و لا يضيع حد من حدود الله تعالى «1».

و هنا قد جعل الملاك هو تسع سنين فعندها تقطع يده بلا تفصيل بين المرات أصلا.

و اما ما ذكره المحدث الحر العاملي رضوان الله عليه بقوله: هذا محمول على قطع بعض الأصابع لما مر. فهو خلاف الظاهر فان الظاهر منها هو قطع اليد كالكبير [1].

و عن محمد بن خالد بن عبد الله القسري قال: كنت على المدينة فأتيت بغلام قد سرق فسألت أبا عبد الله عليه السلام عنه، فقال: سله حيث سرق هل كان يعلم أنه عليه في السرقة عقوبة؟ فإن قال: نعم. قيل له: أي شي ء تلك العقوبة؟

فإن لم يعلم أن عليه في السرقة قطعا فخلّ عنه. فأخذت الغلام و سألته، فقلت له:

أ كنت تعلم أن في السرقة عقوبة؟ قال: نعم. قلت: اي شي ء هو؟ قال: الضرب أضرب فخليت عنه «2».

و لم أعثر على من قال بهذا التفصيل الوارد في هذه الرواية.

و عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصبي يسرق فقال: ان كان

له سبع سنين أو أقل يرفع عنه فان عاد بعد سبع سنين قطعت بنانه أو حكّت حتى تدمى فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه فان عاد بعد ذلك و قد بلغ تسع سنين قطع يده و لا يضيع حد من حدود الله عز و جل «3».

______________________________

[1] أظن عدم ورود الاشكال عليه لأنه لا ينكر هذا الظهور الا أنه يقول بذلك، بملاحظة سائر الروايات و الأدلة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 10.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 11.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 12.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 23

و عن سليمان بن حفص المروزي عن الرجل عليه السلام قال: إذا تم للغلام ثمان سنين فجائز أمره و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود، و إذا تم للجارية تسع سنين فكذلك «1».

و في الوسائل: حمله الشيخ على من تكرر منه الفعل.

و فيه انه أيضا خلاف الظاهر.

و عن سماعة قال: إذا سرق الصبي و لم يبلغ الحلم قطعت أنامله و قال أبو عبد الله عليه السلام: أتى أمير المؤمنين عليه السلام بغلام قد سرق و لم يبلغ الحلم فقطع من لحم أطراف أصابعه ثم قال: إن عدت قطعت «2».

و عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السلام قال: قلت: الصبي يسرق؟

قال: يعفى عنه مرتين فإن عاد الثالثة قطعت أنامله فإن عاد قطع المفصل الثاني فإن عاد قطع المفصل الثالث و تركت راحته و إبهامه «3».

و عن على عن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الصبي يسرق ما عليه؟ قال: إذا سرق

و هو صغير عفى عنه و إن عاد قطعت أنامله و إن عاد قطع أسفل من ذلك أو ما شاء الله «4».

هذه هي الأخبار الواردة في الباب مع اختلاف مضامينها و مؤدّاها فإن كان بينها متيقن اتفقت عليه هذه الأخبار المختلفة فلا بد من الأخذ به كما قد يقال بان القطع في المرة الخامسة كذلك، و لكن يشكل الجزم به مع عدم تعرض بعضها لذلك و إجمال بعضها المتعرض له و عدم صراحته في القطع على النحو المذكور في الكبير.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 13.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 14.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 15.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد السرقة ح 16.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 24

و على الجملة ففي هذه الاخبار شعب و ألوان من الاختلاف:

منها الاختلاف في العفو و عدمه و انه يختص بالمرة الأولى أو يجري في الثانية أيضا.

و منها الاختلاف في انه في الثالثة يعزّر كما في بعضها أو يقطع أطراف أصابعه كما في بعضها الآخر و يقطع بنانه كما في ثالث منها.

و منها الاختلاف في الثانية من حيث التخيير بين قطع الأنامل أو حكّها كما هو مفاد بعض أو العفو كما هو ظاهر بعض آخر.

و منها الاختلاف من حيث اشتمال بعضها على اشتراط العلم بالحد، و خلوّ بعضها عن ذلك.

و منها الاختلاف من حيث اشتمال بعضها على اعتبار تسع سنين و بعضها الآخر على ثمان سنين و عدم ذكر عن السنين أصلا كما في غير ذلك من الاخبار.

و منها الاختلاف في

انه في الرابعة يقطع أطراف أصابعه و في الخامسة أسفل من ذلك كما هو مذكور في بعضها أو انّه يقطع من المفصل الثاني في الرابعة و من المفصل الثالث في الخامسة كما في بعضها أيضا.

فهل ترى من نفسك إمكان الجمع بين هذه الاخبار مع تلك الاختلافات أو انه يوجد فيها ما هو المتيقن كي يؤخذ به؟.

فلعلّ الأقوى هو إيكال الأمر إلى نظر الحاكم كما قال المحقق قدس سره في النكت: و الذي أراه تعزير الصبي و الاقتصار على ما يراه الإمام أراد ع له و قد اختلفت الأخبار في كيفية حده فيسقط حكمها لاختلافها و عدم الوثوق بإرادة بعضها دون بعض و ما ذكره الشيخ خبر واحد لا يحكم به في الحدود لعدم افادته اليقين، و الحد يسقط بالاحتمال انتهى. «1».

______________________________

(1) نكت النهاية الطبع الجديد ج 3 ص 324.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 25

و إن أورد عليه في الجواهر بقوله: و لا يخفى عليك بعض ما فيه بل لا تنقيح في كلامه لجواز تأديب الحاكم له و لو بالقطع كما يقطع الرجل و عدمه.

و الوجه في عدم تنقيح كلام المحقق انه لم يتضح بالآخرة انه يقول بجواز قطع يد الصبي تأديبا أم لا؟.

و في الرياض بعد بيان طويل في عدم التئام هذه الاخبار: و بالجملة العمل بهذه الأخبار محل نظر و ان استفاض صحاحها و قرب من التواتر عددها لما مضى فينبغي حملها على كون الواقع تأديبا منوطا بنظر الحاكم لا حد كما ذكره في مسالك شيخنا و مقتضاه جواز بلوغ التعزير الحد هنا و لو في بعض الصور و لا بأس به لاتفاق أكثر النصوص في الدلالة عليه و لكنه لا

يلائم ما أطلقه بعض المتأخرين من التعزير بناءا على ما قرروه من اشتراط التعزير بعدم بلوغه الحد و في جريانه في محل البحث نظر لما مر لكن ينبغي الاحتياط بعدم القطع الا فيما اتفقت في الدلالة عليه و هو في الخامسة انتهى.

و قوله: لما مر إلخ يشير به الى الروايات.

و قد انتهى كلام صاحب الجواهر قدس سره إلى اختيار أنه لا يقطع يد الطفل و ان الحاكم يقتصر على أمور أخر و ان غاية التأديب و نهايته هو ادماء الأنامل بالحك أو بقطع اللحم منها و قرضه شيئا فشيئا.

و هذا هو الأقوى فإن الأخبار متعارضة، و العلماء لم يحكموا بذلك الا شاذ منهم بل و من حكم بذلك فلم يجزم به.

فترى الشيخ قدس الله نفسه الذي افتى بذلك في النهاية لم يفت به في المبسوط بل و حكم فيه بعدم القطع فقال:

لا قطع الا على مكلف و هو البالغ العاقل فاما غير المكلف و هو الصبي أو المجنون فلا قطع على واحد منهما لقوله تعالى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ، و إنما يعاقب من كان عاقلا و روى عن علي عليه السلام عن النبي

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 26

صلى الله عليه و آله انه قال: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى ينتبه و هو إجماع انتهى «1».

هذا خصوصا مع لحاظ أن النهاية من تأليفاته في أوائل عمره و بدء أمره بخلاف المبسوط الذي ألّفه أخيرا [1].

و أما نسبة العلامة في المختلف القول المزبور إلى الأكثر فقد أجاب عنه في الجواهر بقوله: (و ان كنا لم نتحققه). و

على هذا فيشكل جدا الحكم بقطع يد الطفل لا سيما بالنظر إلى قاعدة الدرء و كذا ما ورد عن عدم بلوغ التعزير الحد.

هذا كله بحسب الاستظهار من الأدلة فلو شك في استفادة الحكم من الاخبار فلعل الاحتياط هو عدم الإقدام على القطع و إن كان الطفل يحتاج إلى التأديب و للحاكم أن يؤدبه و لكن يقتصر على ما دون ذلك كالحك مثلا.

و ان أمكن أن يقال: إن الاحتياط يقتضي إقامة حدود الله تعالى أيضا، و الدرء يجري في كل المراحل لا في خصوص القطع.

و لعل الحق ان يقال: انه بعد كون الصبي محتاجا إلى التأديب لأنه يضيع و يفسد لو ترك تأديبه و لم يكن لتأديبه منهاج علم صدوره من الشرع فحينئذ يكون كالكبير و هو منوط بنظر الحاكم.

نعم لو كان الحكم في تعزير الكبير انه بعد ما عزر مرتين يقتل في الثالثة كما انهم حكموا بذلك بالنسبة الى من حد مرتين فجريان هذا الحكم بالنسبة إلى الطفل في غاية الإشكال.

______________________________

[1] أقول: لكن قد صرح الشيخ المرتضى قدس سره بأن النهاية هي آخر مصنفات الشيخ على ما قيل فراجع المكاسب ص 127.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 21.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 27

في شرط العقل

قال المحقق: الثاني: العقل فلا يقطع المجنون و يؤدّب و إن تكررت منه

أقول: لم يقيد المجنون بما إذا كان له نوع من التعقل أم لا بل أطلق ذلك كما انه لم يبين ان سرقته كانت في حال عقله أو جنونه.

لكن في المسالك بعد هذه الكلام من المحقق قال: هذا إذا سرق في حال جنونه اما لو سرق عاقلا و لو في حال إفاقته كذوي الأدوار قطع و لا يمنعه اعتراض

الجنون استصحابا لما ثبت قبله.

و في الجواهر: بعد كلام المحقق: فلا يقطع المجنون قال: و لو أدوارا إذا سرق حاله بلا خلاف أجده فيه بل هو إجماع كما عن بعض للأصل و حديث رفع القلم و نحوه. انتهى.

و لعل مراده من (نحو). ما ذكره هو دليل العقل فإنه آب جدا عن تجويز قطع يد المجنون إذا كان لا ينفعه ذلك شيئا و لا يؤثر فيه اىّ تأثير، و أيّ اثر لإقامة الحد على من كان مجنونا حين إقامة الحد عليه؟! بل هذا يجري فيما إذا كانت السرقة في حال عقله.

و أما الاستصحاب الذي تمسك به في المسالك ففيه أن جريانه مشكل و ذلك لاختلاف الموضوع فإن المجنون غير العاقل عرفا.

و على الجملة فمقتضى دليل العقل و كذا حديث الرفع هو انه لا يحدّ المجنون.

نعم صرح المحقق بأنه يؤدّب و إن تكررت منه السرقة.

و لكن العلامة أعلى الله مقامه في التحرير نسب القول بذلك الى القيل مشعرا بتمريضه فقال: و لو سرق المجنون لم يجب حد لسقوط التكليف عنه و قيل يؤدّب انتهى «1».

______________________________

(1) التحرير ص 227.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 28

و السر في ذلك انه لا تميز له كي يرتدع بما يقام عليه من التعزير كما قال في المسالك في توجيه كلام التحرير المذكور آنفا: و لعله لعدم تميزه الموجب لارتداعه بالتأديب على المعاودة (ثم قال:) و لكن هذا يختلف باختلاف أحوال المجانين فإن منهم من يردعه التأديب و هم الأكثر و منهم من لا يشعر بذلك، و الجنون فنون و اناطة التأديب برأي الحاكم تحصل المطلوب انتهى.

كما أن في الجواهر: عن التحرير نسبة التأديب فيه الى القيل مشعرا بالتردد فيه و

هو في محله إذا كان ممن لا يعقله بخلاف ما لو عقله فإنه يمكن القطع باستفادة ذلك و نحوه من النصوص حسما لمادة الفساد و نظما لأمور العباد في البلاد.

أقول: و يمكن أن يكون مراد المحقق من التأديب أيضا ذلك فإنه لا معنى لتأديب من لا يتأثر بالأدب و لا يلتفت إليه و لا يقبله بمقتضى حاله و لعدم تعقله و دركه و قصور شعوره بل التأديب متعلق بمن يقبل ذلك و يتأثر به و حيث إن الأمر منوط بنظر الحاكم فهو يرى الموارد فإن راى أنه ينفعه ذلك يؤدبه و إلا فإنه يخلّى سبيله و يدعه.

ثم ان المحقق ذكر أنه لا حدّ على المجنون حتى مع تكرّر وقوع السرقة منه و علق عليه في المسالك بقوله و نبه بقوله و إن تكرر منه، على مخالفة حكمه للصبي حيث قيل فيه مع التكرار بالقطع في الجملة، و الفارق النص. انتهى.

فان الروايات واردة في قطع يد الصبي و ليس في باب المجنون خبر يدل على ذلك فلذا لا يقال به هنا و ان قيل به في الصبي.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 29

ارتفاع الشبهة

قال المحقق: الثالث ارتفاع الشبهة فلو توهم الملك فبان غير مالك لم يقطع و كذا لو كان الملك مشتركا فأخذ ما يظن انه قدر نصيبه

أقول: انه فرض هنا للشبهة المسقطة للحد قسمين:

أحدهما: ما إذا توهم ان المال المخصوص، ماله و ملكه فأخذه فبان خلافه فإنه لا يقطع يده للشبهة الدارئة و ربما لا يصدق على أخذ هذا المال السرقة أصلا و ان كان مأخوذا من الحرز.

ثانيهما: ما إذا كان مال مشتركا بينه و بين غيره فأخذ منه ما يظن انه قدر

نصيبه. و لا كلام في القسم الأول و إنما البحث في الثاني فإنه قد ذكره بصورة الإطلاق أو الإجمال في حين أن له أقساما كثيرة و فروضا متعددة لأنه تارة يريد ان يأخذ حقه و نصيبه بالعدل و لا يبطن خيانة إلى شريكه و اخرى غير ذلك و على الأول فتارة يعلم برضا صاحبه و اخرى يعلم بعدم رضاه و ثالثة لا يعلم شيئا بل يشك في ذلك.

لا اشكال و لا كلام في الأول لمكان العلم برضاه فلا يحتاج أخذه إلى الاستئذان كما في مال الأجنبي مع العلم بالرضا قال الله تعالى في عداد من ذكره ممن يجوز الأكل من بيوتهم:. أَوْ صَدِيقِكُمْ. «1». فان جواز الأكل من بيت الصديق ليس الا للعلم برضاه.

و أما على الثاني و الثالث فتارة يأخذ بمقدار نصاب السرقة و هنا يصدق انه سارق فإنّ إطلاق (السارق و السارقة). يشمل ما أخذ و سرق من مال الأجنبي أو من مال الشريك فلذا يقطع يده و اخرى يأخذ بمقدار سهم نفسه مع العلم بعدم الرضا مثلا و مقتضى القاعدة أن الحكم هنا أيضا هو الحكم في الفرض السابق،

______________________________

(1) سورة نور آية 61.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 30

فإن المفروض كون المال مشاعا غير مفروز و الغرض أنه قد أخذه بلا إرادة أن يخبر بذلك شريكه كي يجيز ذلك. فاذا كان نصف كل جزء جزء من هذا الذي أخذه سهم شريكه و كان نصف هذا المال المأخوذ بقدر النصاب فلا بد من ان يقطع يده.

هذا هو مقتضى القاعدة بيد أن هنا روايات ربما تدل على خلاف ذلك.

فلنراجع اخبار الباب. باب حكم من سرق من المغنم و البيدر و بيت المال.

عن

محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام: إن عليا عليه السلام قال في رجل أخذ بيضة من المقسم- المغنم- فقالوا قد سرق اقطعه فقال إني لم اقطع أحدا له فيما أخذ شرك «1».

إطلاقه يشمل كل صور الشركة فمجرد كونه شريكا كاف في عدم اجراء القطع عليه إذا أخذ من المال المشترك سواء أخذ بقدر سهمه و نصيبه أو أقل أو أكثر.

و في هذه الرواية نكتة و هي أنه مع تصريح الراوي بقولهم: إنه قد سرق و نسبة السرقة اليه لم يستعمل الامام عليه السلام هذا العنوان بل بدّله بالتعبير بالأخذ فلعله قد أشعر بذلك الى أن الأخذ من هذا المورد ليس من باب السرقة.

و عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله عليه السلام: إن عليا عليه السلام اتى برجل سرق من بيت المال فقال: لا يقطع فإن له فيه نصيبا «2».

ترى التعليل فيها بأن له فيه نصيبا الظاهر في أن مجرد الشركة و أن له فيه سهما كاف في أن لا يقطع يده في أخذ شي ء من المال المشترك.

و عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السلام فقال: كانت بيضة حديد سرقها

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 24 من أبواب السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 24 من أبواب السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 31

رجل من المغنم فقطعه «1».

و هذه تنافي ما سبقها فلذا حملها الشيخ على ما لا ينافي الأخبار السابقة فقال في التهذيب بعد ذكر الخبر و التصريح بعدم تنافيه للروايتين السابقتين: لأن الوجه في هذا الخبر

أن يكون الحكم مقصورا على ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام و ليس في الخبر أن من سرق من المغنم يقطع فيكون منافيا للأول بل هو صريح بحكاية فعله. و لا يمتنع ان يكون أمير المؤمنين عليه السلام فعل ذلك لما اقتضته المصلحة في الحال، على أن في الخبرين الأولين صريحا بأنه لا قطع عليه إذا سرق من المغنم. [1].

ثم قال: على أنه يجوز أن يكون إنما قطع أمير المؤمنين عليه السلام من سرق من المغنم من لم يكن له فيه نصيب لأن من هذا حاله يجب عليه القطع، أو يكون له فيه حظ غير أن قيمة ما سرق يزيد على ماله بقيمة ربع دينار فإنّ من هذه حاله أيضا يجب عليه القطع.

هذا و لكن الحمل الأول لا يلائم قوله عليه السلام في الرواية الأولى: إني لم اقطع أحدا له فيما أخذ شرك، و كذا قوله عليه السلام في الرواية الثانية: لا يقطع فإن له فيه نصيبا.

كما أن الحمل الأخير لا يناسب الإطلاقات الظاهرة في عدم الفرق بين أن يسرق أزيد من نصيبه بربع دينار و عدمه.

نعم الوجه الثاني حسن و لا بد من الجميع بين الأخبار بالنحو المزبور.

و عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: رجل سرق من

______________________________

[1] و هنا ذكر الشيخ رواية السكوني تأكيدا لما ذكره ثم ذكر الوجهين الآخرين و جعل رواية عبد الله بن سنان دليلا على الحمل الأخير فراجع التهذيب ج 10 ص 105.

و لا يخفى ان سيدنا الأستاذ الأكبر نقل وجوه الجمع عن الشيخ بواسطة الوسائل و نحن قد نقلناها عن التهذيب نفسه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 24 من أبواب السرقة

ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 32

المغنم أيش الذي يجب عليه؟ أ يقطع؟ (الشي ء الذي يجبّ عليه القطع). قال: ينظر كم نصيبه فان كان الذي أخذ أقل من نصيبه عزّر و دفع اليه تمام ماله و ان كان الذي أخذ مثل الذي له فلا شي ء عليه و ان كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجنّ و هو ربع دينار قطع «1».

و مقتضى هذه انه إذا كان ما أخذه أقل من نصيبه فإنه يعزر و أمّا إذا كان بمقدار نصيبه فلا شي ء عليه و لو زاد على ذلك بمقدار ربع دينار الذي هو نصاب القطع فحينئذ قطع يده.

و لعل الوجه في التعزير إذا كان المأخوذ أقل من مقدار نصيبه و عدم شي ء عليه إذا كان بمقدار نصيبه الظاهر في عدم التعزير عليه أيضا أنه إذا كان بمقدار نصيبه فهو كاشف عن عدم كونه بصدد السرقة بخلاف ما إذا كان قد أخذ الأقل فإن الظاهر يقتضي أنه كان قاصدا للسوء عازما على السرقة فلذا يعزّر في الأقل دون المساوي.

نعم يبقى السؤال عن أنه إذا أخذ بمقدار سهمه فإنّه و إن كان الأمر على ما ذكر الا انه قد عصى بلا كلام فكيف لا يعزر على معصيته؟ [1].

و على الجملة فمقتضى صحيحة عبد الله بن سنان أنه إذا أخذ زائدا على مقدار حقه بمقدار النصاب الموجب للقطع فهناك تقطع يده دون غيره.

الى غير ذلك من الروايات. و مقتضى عبارة الشرائع أن مجرد الشركة يكون

______________________________

[1] أقول: لكن في الوافي ج 2 ص 63: فلا شي ء عليه، يعني به لا قطع عليه و إن وجب التعزير بل يزاد في تعزيره على أخذ الأقل كما صرح به في

الحديث الآتي انتهى.

أقول: و نعم ما قال، فان الحديث الآتي في نقله هو خبر عبد الله بن سنان أيضا، و فيه: فإن كان الذي أخذ أقلّ مما له أعطي بقية حقّه و لا شي ء عليه إلا انه يعزر لجرأته و ان كان الذي أخذ مثل حقه أقر في يده و زيد أيضا، و ان كان الذي سرق أكثر مما له بقدر مجنّ قطع و هو صاغر و ثمن مجنّ ربع دينار و قال المجلسي في ملاذ الأخيار ج 16 ص 256: و زيد أيضا في التعزير انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 من باب 24 من أبواب حدّ السرقة ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 33

كالشبهة و انها كافية في رفع القطع و إن لم يكن معها شبهة، فإنه بعد أن أفتى بأنه لو توهّم الملك و أخذ و بان بعد ذلك انه غير مالك فإنه لا يقطع. قال: و كذا لو كان الملك مشتركا، اي و كذلك لا يقطع إذا كان الملك مشتركا بينه و بين غيره.

لكن في الجواهر بعد ذلك: بتوهم أن له ذلك بدون اذن الشريك فإنه شبهة حتى لو فرض زيادته عن نصيبه بما يبلغ نصاب السرقة من غير فرق بين كون المال مما يجري فيه الإجبار على القسمة كالحبوب و غيره كالثياب و نحوها ضرورة تحقق الشبهة على التقديرين.

و على هذا فذكر الملك المشترك من باب أنه يوجب الشبهة، و هي على أقسام:

فتارة يأخذ المال بتخيّل انه ماله و اخرى يعلم انه مال الغير لكنه يتخيل كونه مجازا في أخذ شرعا و أنّ صاحبه راض بذلك. و ثالثة يأخذ من المال المشترك معتقدا جواز استقلاله بأخذه فلو كان

عالما بعدم جواز استبداد الشريك بدون اذن شريكه أو شركائه.

فلو أخذ بقدر النصاب فعلى حسب القاعدة يكون سارقا و يجري عليه الحد.

و أما بحسب الأخبار فهي على قسمين:

أحدهما ما يدل على عدم القطع إذا أخذ من المال المشترك و هو مطلق شامل لما إذا كان عالما بالشركة و بأنه لا يجوز الأخذ من المال المشترك بدون اذن الشريك سواء كان أقل من النصاب أو أكثر فمجرد الشركة مسقط للحد و ان كان قد عصى بالتصرف في المال المشترك.

ثانيهما ما يدل على أنه لو زاد ما أخذه عن نصيبه بقدر النصاب فهناك يحدّ فمن الأوّل رواية محمد بن قيس التي تقدم ذكرها آنفا فان مقتضى إطلاقها أن مجرد الشركة كاف في عدم القطع و ان كان ما أخذه زائدا على قدر النصاب.

و منها رواية مسمع و هي مثل الاولى بل دلالتها أقوى لكونها معللة و قد نقلناها آنفا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 34

و منها رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله الدالة على ان أمير المؤمنين عليه السلام قد قطع في بيضة حديد سرقها رجل من المغنم [و البيضة الخوذة من الحديد و هي من آلات الحرب لوقاية الرأس].

و في الجواهر: لكن الصحيح منها لا عموم فيه، و غيره لا جابر له.

أقول: و وجه ذلك أن الصحيح منها هو خبر عبد الله بن سنان و لا عمومية فيه فإن مقتضاه أنه إذا أخذ فضلا عن نصيبه أيضا بمقدار ربع دينار فهناك يقطع و إنما لا يقطع إذا كان أقل أو بقدر نصيبه، و ما كان مطلقا يدلّ على أن مجرد الشركة كاف في عدم القطع، فهو ليس بصحيح.

و قال قدس سره معترضا على

العلامة: و بذلك كله يظهر لك أنّ ما في القواعد لا يخلو من نظر، قال: و لو كان الشي ء قابلًا للقسمة و لم يزد المأخوذ على مقدار حقه حمل أخذه على قسمة فاسدة على اشكال أقربه ذلك إن قصدها و إلا قطع فإن دعوى ان ذلك شبهة و ان علم فسادها واضحة المنع انتهى.

توضيح إيراده على أساس ما افاده آنفا أنه لو كان يعتقد جواز أخذ هذا المال فهنا يصح أنه لا يقطع يده إذا أخذ بمقدار حقه. و اما إذا أخذ عالما بعدم جواز استبدادا لشريك و عدم جواز التصرف بدون اذن الشريك فمقتضى القاعدة هو القطع و ذلك لعدم شبهة في هذا الفرض فكيف افتى العلامة أعلى الله مقامه بأنه إذا كان الشي ء قابلًا للقسمة و لم يزد المأخوذ على مقدار حقه لم يقطع يده؟ اللهم الا ان يكون تعبدا من الاخبار.

أقول: و لكن الظاهر أنّ ما أفاده العلامة كلام جيد و وجه حسن فإنه إذا أخذ أقل من حقه أو بمقداره فإنه لا يصدق عليه أنه قد سرق بل قد أقدم على القسمة و حيث إنه كان بلا اذن من الشركاء تكون فاسدة، كالمأخوذ بالمعاملة الفاسدة كالربا حيث لا يصدق عليه السارق فلا حد عليه و إن صدق عليه آكل مال الناس، أو الآكل بالباطل. و هذا بخلاف ما إذا كان ما أخذه بمقدار نصاب السرقة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 35

مضافا الى سهمه فإنه يصدق عليه أنه قد سرق فلذا يقام عليه الحد.

و لا يبعد أن يكون المراد من صحيحة ابن سنان أيضا ذلك ففي الفرضين الأولين حيث إنه يصدق القسمة الفاسدة فلذا لا حدّ عليه، و في

الثالث لما صدقت السرقة لا القسمة الفاسدة فلذا تقطع يده.

و أما أنها قسمة فاسدة و معاملة باطلة فلأن القسمة هي نقل سهم كل شريك من الحصة التي بيد شريكه بإزاء سهم شريكه في الحصة التي بيده و حيث إن الشركة على سبيل الإشاعة فلذا كان نصف كل جزء مما بيد هذا لشريكه و كذلك الأمر بالنسبة للشريك فإن نصف كل جزء مما كان بيد الآخر متعلق بالأول و لمّا كان الشريك يرضى بما أخذه هذا الأخذ لا مجانا بل في قبال أن يكون له ما كان للآخذ في سهم شريكه فلذا تؤل القسمة إلى المعاملة لكنها في المقام فاسدة و من المعلوم ان المعاملة الفاسدة لا حدّ لها فلذا لا تقطع يده.

ثم لو فرض أن شكّ في كونه من باب القسمة الفاسدة حتى لا يكون له حد أو أنه من باب السرقة حتى يترتب عليها الحد فلا محالة يكون من باب الشبهة و يدرء الحد بها. لكن الظاهر أنه لا شك في المقام و أن ما ذكره صحيح و تامّ.

اشتراط ارتفاع الشركة

قال المحقق: الرابع ارتفاع الشركة فلو سرق من مال الغنيمة فيه روايتان إحداهما لا يقطع و الأخرى إن زاد ما سرقه عن نصيبه بقدر النصاب قطع و التفصيل حسن.

أقول: بعد ان ذكر أن من شرائط القطع عدم الشبهة فهنا يقول بان من شرائطه عدم الشركة و فرّع عليه أنه إذا سرق من مال الغنيمة ففيه روايتان. و المراد من الأولى رواية محمد بن قيس المذكور آنفا المصرحة بعدم القطع إذا كان له فيما أخذ شرك، و قريب منها رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص:

36

أمير المؤمنين عليه السلام: أربعة لا قطع عليهم: المختلس و الغلول و من سرق من الغنيمة و سرقة الأجير فإنها خيانة «1».

و أما الأخرى فهي صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة آنفا المفصّلة بين أخذ الأقل من النصيب أو أخذ الزائد عليه بمقدار النصاب. و لم يعمل بالأولى سوى عدة من الأصحاب مثل المفيد و سلار من المتقدمين و فخر الدين من المتأخرين بخلاف الثانية فإنه كما في المسالك قد عمل بها أكثر الأصحاب.

و في طريق الاولى كلام لأن في طريقها سهل بن زياد [1]. مع كون محمد بن قيس مشتركا، و ان كان الأمر في سهل سهلا. أما الثانية فحالها واضح بالسكوني.

في حين أن رواية ابن سنان صحيحة و موافقة للقواعد و على هذا فهي مقدمة و راجحة على الطائفة الاولى و لذا استحسن في الشرائع التفصيل و هو مفاد صحيح ابن سنان.

قال الشهيد الثاني: و فيها دلالة على أن الغانم يملك نصيبه من الغنيمة بالحيازة أو على أن القسمة كاشفة عن سبق ملكه بها.

أقول: و لكن يرد عليه أنه لو كان كذلك فلما ذا يعزّر عند ما كان المأخوذ أقل من حقه؟ و هل يعزر أحد على أخذ ما كان حلالا له؟ فهذا يدل على عدم ملك نصيبه بالحيازة و أن هذا ليس كحيازة المباحات في الجبال و البراري الموجبة للملك، و لعله نظرا الى ذلك أورد في الجواهر على المسالك بقوله: و ان كان لا يخلو بعضه عن نظر انتهى.

______________________________

[1] هو أبو سعيد الرازي ضعيف في الحديث غير معتمد عليه فيه و كان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو و الكذب و أخرجه من قم إلى الري و كان

يسكنها. راجع جامع الرواة للأردبيلي ج 1 ص 393. و اما محمد بن قيس فقد عدّ في جامع الرواة عشرة بهذا الاسم بعضهم ثقة و بعضهم ضعيف، فراجع ج 2 ص 184.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حد السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 37

و ذلك لأن المفروض أن المال مشاع و هو لا يفرز إلا برضا المالكين.

و أما صحيح عبد الرحمن الناطق بقطع أمير المؤمنين عليه السلام يد من أخذ بيضة من المغنم «1». فقد تقدّم وجوه الحمل الجارية فيها، و من جملتها أنها قضية في واقعة لا تعلم حقيقة الحال فيها.

قال في الجواهر: و على كل حال فالصحيحة أوضح سندا و دلالة و عملا، بل يمكن تنزيل السابقة عليها أيضا فالتردد الظاهر من جماعة في غير محله و إن وجّه بوحدتها و تعدد المقابل و قوة دلالته بما فيه من التعليل و إمكان اعتبار سنده لسهولة الأمر في سهل، بل ربما قيل بوثاقته و قوة السكوني و صاحبه، بل ربما قيل: إن الأولى مرويّة في الكافي صحيحا و لعله في كتاب الجهاد و لا أقل من حصول الشبهة الدارئة من ذلك، إذ جميعه كما ترى لا يصلح مخصصا للعموم فضلا عن معارضة الصحيح المزبور فيتّجه الحكم المذكور في خصوص الغنيمة و ان لم يكن شبهة انتهى.

أقول مراده من السابقة هو خبر محمد بن قيس، فيمكن حمله على صحيحة عبد الله بن سنان بأن يقال: ان قوله عليه السلام: إنى لم اقطع أحدا له فيما أخذ شرك، متعلق بما إذا كان ما أخذه بقدر النصيب أو دونه و لم يكن زائدا عليه.

و أما ما قد يقال من

أن الامام عليه السلام أتى بلفظ «لم» الجازمة الموجبة لقلب المضارع الى الماضي، فهو حكاية حال ما مضى و لا تعلّق له بحكم المسئلة فيما يأتي.

ففيه أنه ليس بشي ء و ذلك لان المراد هو أن الحكم ذلك، لا ان يكون عليه السلام قد ترك ما هو وظيفته و الواجب عليه.

و اما التردّد الذي استظهره من جماعة فهو التردّد في وجوب القطع و الميل الى عدمه سواء أخذ المساوي أو أكثر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 24 من أبواب حد السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 38

و وجه عدم كونه في محله تصريح الصحيح بوجوب القطع في فرض الزيادة على النصيب بمقدار النصاب.

قوله: و إن وجّه إلخ يعني و ان كان قد وجّه بعض التردد في المسئلة أوّلا بأن الرواية الدالة على القطع واحدة و الاخبار المعارضة لها الدالة على عدم القطع مطلقا متعددة.

و ثانيا بقوة الدلالة فيها لكونها معللة حيث ورد في خبر مسمع: لا تقطعه فإن له فيه نصيبا دون رواية ابن سنان فإنها غير مشتملة على التعليل.

و ثالثا بإمكان اعتبار سند المقابل لسهولة الأمر في سهل، بل ربما قيل بوثاقته، و قوّة السكوني و صاحبه [1].

و اما قوله: بل ربما قيل: إن الاولى مروية في الكافي صحيحا و لعله في كتاب الجهاد. فقد أورد عليه بأنه ليس في كتاب الجهاد بل هو في كتاب الحدود من الكافي ص 223 حيث نقل عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن ابن ابي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام.

قوله: و لا أقل من حصول الشبهة

إلخ يعني ليس أقل من كون المقام من قبيل الشبهة التي يدرء بها الحد.

و أما أنه مع وجود هذه الأمور يؤخذ برواية محمد بن قيس و يرفع اليد عن تلك الروايات المعارضة فقال قدس سره: إذ جميعه كما ترى لا يصلح مخصّصا للعموم فضلا عن معارضة الصحيح المزبور.

اي إنّ هذه الأمور لا تصلح لتخصيص العموم مثل السارق و السارقة فاقطعوا

______________________________

[1] أن السكوني هو إسماعيل بن زياد و كان عاميّا، و أما صاحبه فهو النوفلي الذي نقل هذه الرواية عن السكوني قال في جامع الرواة ج 2 ص 453: النوفلي الذي يروى عن السكوني اسمه الحسين بن يزيد، و في رجال النجاشي كان شاعرا أديبا و سكن الري و مات بها و قال قوم من القميين: انه غلا في آخر عمره و الله اعلم و ما رأينا له رواية تدل على هذا انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 39

أيديهما، فكيف بمعارضة صحيح عبد الله بن سنان.

ثم قال: فيتّجه الحكم المذكور في خصوص الغنيمة و إن لم تكن شبهة، لكن في القواعد و كذا البحث في ما للسارق فيه حق كبيت المال و مال الزكاة و الخمس للفقير و العلوي اى إن سرق منها ما زاد على نصيبه بقدر النصاب قطع و إلا فلا و عن الخلاف نقل الإجماع على القطع في بيت المال إذا زاد المسروق على نصيبه بقدر النصاب.

أقول: إن ما تقدّم منا في توجيه كلام العلامة يجري هنا أيضا فما يأخذه السارق من بيت المال و كذا ما يأخذه العلوي من الخمس، و الفقير غير العلوي من الزكاة فإنما هو كالقسمة الفاسدة و لا يجري عليها أحكام السرقة فإن البيان المزبور

لا يختص بباب الغنيمة كما أنه لو أخذ زائدا على حقه بمقدار النصاب لأقيم عليه الحد للصدق فيكون الأخذ من هذا المال المشترك كأخذ النصاب من مال الغير، الشخصي.

و أورد في الجواهر بقوله: قلت قد سمعت خبر مسمع المقتضى لعدم القطع في السرقة من بيت المال بل في القواعد (الأقرب عدم القطع في هذه الثلاثة). لعدم تعيّن شي ء منها للمالك بعينه أو ملاك بأعيانهم و لا تقدير لنصيب أحد من الشركاء فيها و لا أقل من الشبهة إلخ.

أقول: و قد قرّب العلامة عدم القطع في هذه الثلاثة لا لأجل القسمة الفاسدة بل لما وجّهوا به كلامه من عدم اختصاص هذه الأموال بمالك مشخص و عدم تقدير نصيب الشركاء و المستحقين حتى يصدق السرقة الموجبة للاندراج في إطلاق الأدلة.

ثم نقل حكاية علي بن أبي رافع و أن الامام عليه السلام أطلق في هذا الخبر السرقة على أخذ العقد من بيت المال و هدّد بالقطع. و إليك متن الخبر:

محمد بن الحسن. عن علي بن أبي رافع قال: كنت على بيت مال عليّ بن

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 40

أبي طالب عليه السلام و كاتبه، و كان في بيت ماله عقد لؤلؤ أصابه يوم البصرة قال: فأرسلت الىّ بنت أمير المؤمنين عليه السلام فقالت لي: بلغني أنّ في بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام عقد لؤلؤ و هو في يدك و أنا أحبّ ان تعيرينه أتجمّل به في أيام عيد الأضحى.

فأرسلت إليها: عارية مضمونة مردودة يا بنت أمير المؤمنين؟ قالت: نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام فدفعته إليها و إن أمير المؤمنين عليه السلام رآه عليها فعرفه. فقال لها: من أين صار إليك هذا

العقد؟ فقالت: استعرته من علي بن ابي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزيّن به في العيد ثم أردّه قال:

فبعث الىّ أمير المؤمنين عليه السلام فجئته فقال لي: أ تخون المسلمين يا بن أبي رافع؟ فقلت له: معاذ الله أن أخون المسلمين. فقال: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير اذني و رضاهم؟ فقلت:

يا أمير المؤمنين (عليه السلام). انها ابنتك و سألتني أن أعيرها إياه، تتزيّن به فأعرتها إيّاه عارية مضمونة مردودة فضمنته في مالي و علىّ أن أردّه سليما الى موضعه. قال:

فردّه من يومك و إياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي، ثم أولى لابنتي لو كانت أخذ العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذا أول هاشمية قطعت يدها في سرقة. الى ان قال: فقبضته منها و رددته الى موضعه [1].

لكن قال في كشف اللثام: و هو مع الضعف يحتمل أن لا يكون ابنته عليه السلام ممن له شركة فيه انتهى.

______________________________

[1] التهذيب ج 10 ص 151 و قال في ملاذ الأخيار ج 16 ص 301: مجهول. ثم قال: و قال في القاموس: اولى لك تهدد و وعيد اي قاربه ما يهلكه انتهى. ثم قال: و لعل ذكر القطع للتهديد تورية إذ ليس سرقة من الحرز الا ان يحمل عليها و ان كان بعيدا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 41

و قد يورد على هذا الخبر بأنه و لو فرض أن بنت الامام كانت تأخذ العقد على غير العارية المضمونة لم يكن وجه لقطع يدها بل كان اللازم ان يقطع يد علي بن ابي رافع الذي أخذ من بيت المال و دفع إليها.

و لعله يراد أنها لو أخذت

هي بنفسها من بيت المال لا بحيث يأخذ ابن أبي رافع و يدفعه إليها.

و كيف كان فقد أجاب في الجواهر عن ضعف الخبر بأنه موافق للعمومات فلا يقدح ضعفه.

هذا كله حكم الغنيمة و اما غيرها من الأموال المشتركة بين أشخاص بأعيانهم فهذا:

السرقة من المال المشترك

قال المحقق: و لو سرق من المال المشترك قدر نصيبه لم يقطع و لو زاد بقدر النصاب قطع.

أقول: هذا يفصح من اتحاد الحكم فيها و في الغنيمة فلو أخذ من المال المشترك بمقدار نصيبه أو أقل فلا قطع أما لو أخذ أكثر من ذلك الى مقدار نصاب السرقة فهناك تقطع يده.

و ظاهر كلامه عدم الفرق بين ما إذا أخذ بعنوان نصيبه أو بقصد السرقة بأن كان مع أخذه ذلك عازما على مطالبة حصته بعد ذلك و لذا قال في المسالك بعد ذكر هذا الفرع عن المحقق: قد تقدم الكلام في هذه المسئلة و إنما ذكرها مرتين لمناسبة الأولى بشرط ارتفاع الشبهة بتقدير عروضها للشريك و إن زاد عن نصيبه و مناسبة هذه بشرط انتفاء الشركة على تقدير انتفاء الشبهة و من ثم فرضها على تقدير أخذ الشريك بقدر نصيبه جزما و أخذه الزائد بقدر النصاب جزما.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 42

و وجه عدم القطع مع أخذه بقدر حصته و ثبوته مع الزيادة بقدر النصاب يظهر من الروايات المذكورة في السرقة من الغنيمة لأن شركة الغانم أضعف من شركة المالك الحقيقي للخلاف في تملكه فاذا قيل بعدم قطع الغانم فالشريك أولى.

أقول: و يمكن الاشكال فيما إذا أخذ بمقدار نصيبه بقصد السرقة بكون الدليل منصرفا عما إذا ثبت كونه قاصدا لها أو عدم إطلاق لصحيح ابن سنان يشمل المقام فلا يكون الفرض

من باب الشركة الفاسدة المذكورة في كلمات العامة المنقولة آنفا.

و كيف كان فالأولوية التي ذكرها الشهيد الثاني يراد منها أنّه إذا لم يكن في السرقة من الغنيمة قطع و لا يقطع يد الغانم، فالشريك الأخذ من مال الشركة الحقيقية أولى بعدم القطع و ذلك لان الملك في الغنيمة مورد الإشكال، و الشركة في الغنيمة أضعف من الشركة في الأموال الشخصية فإذا لم تقطع مع عدم ملك شخصي في البين فبالأولوية لا تقطع مع كونه ذا حصة حقيقية في البين فإن له حينئذ ملكا حقيقيّا.

هذا و لكن أورد عليه في الجواهر فقال: و فيه منع الأولوية المزبورة بالنسبة إلى المسروق منه في عدم القطع مع سرقته قدر النصيب مع فرض بلوغ حصة الشريك فيه نصاب السرقة كمنع استفادة حكم مطلق المال المشترك مما سمعته في الغنيمة انتهى.

و حاصل الكلام أنه يمكن أن يكون الأمر بالعكس فإن في الفرض الأول لم يكن للشركاء حق مسلّم ملكي بخلاف المقام فإن الشريك مالك حقيقي فإذا لم يكن هناك قطع فهذا لا يدل على عدم القطع في المقام.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 43

هتك الحرز منفردا أو مشاركا

قال المحقق: الخامس أن يهتك الحرز منفردا كان أو مشاركا فلو هتك غيره و أخرج هو لم يقطع.

أقول: هذا الكلام متضمن لشرطين: أحدهما كون المال محرزا اي كان في حرز، و قد قام الإجماع على اعتباره كما و انه قد دلت عليه النصوص.

ثانيهما أن يكون الأخذ هو الهاتك للحرز إما بالنقب أو فتح الباب أو كسر القفل و على هذا فلو هتك الحرز واحد و أخذ المال آخر فلا قطع على اي واحد منهما كما في المسالك و ذلك لعدم اجتماع الوصفين فيهما أما

الهاتك فلانة لم يأخذ شيئا و أما الأخذ فلأنه لم يهتك الحرز.

نعم يجب على الهاتك ضمان ما أفسده من الجدار و القفل و الباب و غير ذلك كما أن على الثاني ضمان المال.

و قد نقل عن بعض العامة ثبوت القطع على الأخذ كي لا يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحد، كما عن بعض آخر منهم ثبوت القطع على الهاتك لأنه ردء و عون للسارق و كأنه جعل السبب أقوى من المباشر. لكنّه فاسد لما ذكرناه، و ما ذكراه لا يتم على أصولنا. قال في المسالك: و ظاهر عدم صلاحية الأمرين لإثبات الحكم.

ثم تعرض لفروع و قال: و لو تعاونا على النقب و نحوه مما يحصل به إزالة الحرز و انفرد أحدهما بالإخراج فالقطع على المخرج خاصة و لو انعكس فانفرد أحدهما بالهتك و شارك غيره في إخراج النصاب فلا قطع على أحدهما لأن كلا منهما لم يسرق نصابا. نعم لو أخرجا نصابين بالاشتراك أو بانفراد كل منهما بنصاب قطعا [1]

______________________________

[1] و مثل كلام المسالك كلام السيد في الرياض فقد أفتيا بأنه في فرض التعاون على الهتك و انفرد أحدهما بالإخراج يقطع يد المخرج خاصة بخلاف العكس اى انفرد أحدهما بالهتك و المشاركة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 44

و وافقه صاحب الجواهر في الفرع الأول و خالفه في الثاني.

اما الأول فوجهه واضح فإن المخرج قد شارك الهاتك في هتكه فهو واجد للوصفين المعتبرين بخلاف الهاتك الآخر فإنه هاتك و ليس بمخرج.

و اما الثاني و هو ما إذا كان الهاتك واحدا و في مقام الإخراج كان هو مع غيره و أخرجا معا فأفتى في المسالك بعدم القطع و هو يقول بأنه يقطع و علل في

المسالك بان كل واحد منهما لم يسرق نصابا بل كان النصاب بينهما، و الجواهر يقول بأنّه يقطع الهاتك المنفرد، المخرج مشاركا.

و كان المفروض في الجواهر هو ما إذا أخرج كلّ منهما نصابا فيتمّ ما ذكره من قطع يد الهاتك و أما في عبارة المسالك فهو ما إذا لم يكن سهم كل منهما نصابا و إنما كان نصاب واحد بينهما.

و أما الفرع الثالث فهو ما إذا أخرجا نصابين اما بالاشتراك أو انفرد كل منهما بنصاب و هنا افتى بقطع يد كليهما.

و لم يتضح كاملا مورد كلامه فهل المفروض ما إذا كانا قد هتكا معا و أخرجا كذلك أو أن المفروض هو ما إذا اجتمعا و شاركا في الإخراج فقط و انفرد أحدهما بالهتك فإنه على الثاني لا وجه لقطع يد كليهما لان الجامع للوصفين المعتبرين في القطع واحد منهما لا كلاهما.

و أورد عليه في الجواهر بأنه مناف لاعتبار كون الأخذ الهاتك قال بعد ذلك فإن الفرض اختصاص أحدهما به. اي ان المفروض ان اجتماعهما كان على إخراج المال و اما الهتك فقد انفرد به واحد منهما.

______________________________

في الإخراج فلا قطع أصلا و ذلك لأن المخرج الآخر لم يكن هاتكا فلم يجتمع الوصفان فيه و أما الهاتك فهو و إن كان مخرجا أيضا و اجتمع فيه الوصفان إلا أن المخرج كان نصابا واحدا و هو ينقسم عليها فيكون سهمه نصف النصاب فلا قطع عليه أيضا نعم في الفرض الأخير لو أخرجا نصابين بالاشتراك أو بالانفراد فالظاهر انه يقطع يد جامع الوصفين لأنه مع ذلك سرق نصابا كاملا بخلاف الآخر فإنه و ان سرق نصابا لكنه لم يجتمع فيه الوصفان.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 45

ثم قال:

و أما الأول فهو أحد القولين و الآخر القطع على كل منهما للصدق كما عن النهاية و الاقتصار و المقعنة و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح و الجامع و لعله لا يخلو عن قوة لإرادة الجنس من السارق لا خصوص الشخص. انتهى.

يعني أما الفرض السابق و هو ما لو أخرجا معا مقدار النصاب فلا قطع على أحدهما. ففيه قولان: أحدهما ما ذكره المحقق و الآخر القطع على كل منهما و ذلك لصدق السرقة.

و هنا يرد عليه أنه لو كان المفروض الاجتماع في الإخراج و انفراد أحدهما بالهتك فكيف يحكم بالقطع فيهما؟ الم يدّع الإجماع و عدم الخلاف في اعتبار اشتراط الهتك؟ فاذا اعتبر الهتك و الإخراج من الحرز فكيف يقال بالقطع فيهما و يعلل بالصدق و الحال أن واحدا منهما لم يهتك الحرز أصلا؟ و إن كان المراد أنهما اجتمعا في الهتك و الإخراج و أخرجا نصابين فلما ذا يقول: و فيه أنه مناف لاعتبار كون الأخذ الهاتك فإن الفرض اختصاص أحدهما به. انتهى.

و الذي يبدو لي أنه قد وقع خلط في الجواهر بل و في المسالك أيضا بين مسئلتين لا تعلق لأحدهما بالآخر.

إحديهما مسألة انفراد أحدهما بالهتك و اجتماعهما في الإخراج، و الأخرى مسألة إخراج اثنين نصابا واحدا مع كونهما قد هتكا معا و أخرجا كذلك و أنه هل يقطع يد كليهما بإخراج نصاب واحد أم لا فقد ذهب بعض إلى أن الملاك هو النصاب فإذا كانت الشرائط كالهتك و الإخراج محقّقة فإنه يشمله العموم أو إطلاق الآية الكريمة و يقطع يدهما و إن كان لو قسم بينهما كان لكل واحد منهما نصف نصاب.

و هذا الخلط أوجب تشويش العبارات و عدم ملائمة

بعضها مع بعض.

و يشهد على وقوع هذا الخلط أن كلام هؤلاء الأعلام الذين ذكرهم كان في المسألة الثانية لا الاولى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 46

قال الشيخ قدس سره: و إذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار وجب عليهما القطع فإن انفرد كل واحد منهما ببعضه لم يجب عليهما القطع لأنه قد نقص عن المقدار الذي يجب فيه القطع و كان عليهما التعزير «1».

و قال أبو الصلاح الحلبي: فإن كان السّرّاق جماعة مشتركين في المسروق قطعوا جميعا بربع دينار فما زاد، و إن كانوا منفردين كل منهم يسرق لنفسه قطع منهم من بلغ ما أخذه ربع دينار فما فوقه و لا يقطع من نقصت سرقته عن ذلك «2».

و قال ابن حمزة: و إن سرق اثنان معا نصابا قطعا فإن كان كل واحد منهما تفرد بشي ء آخر لم يقطع إذا لم يسرق مقدار نصاب «3».

و أوضح من الجميع عبارة اللمعة و شرحها فإليك العبارة مزجا: و لو أخرجاه معا قطعا إذا بلغ نصيب كل واحد نصابا و إلا فمن بلغ نصيبه النصاب و إن بلغ المجموع نصابين فصاعدا على الأقوى و قيل يكفي بلوغ المجموع نصابا في قطع الجميع لتحقّق سرقة النصاب و قد صدر عن الجميع فيثبت عليهم القطع و هو ضعيف. انتهى.

و قد نسب لزوم القطع عليهم الى الضعف و هو كذلك فإن ظاهر أخذ النصاب الوارد في الروايات الموجب للقطع هو الاستقلال به بلا اشتراك و اجتماع اثنين في أخذ نصاب واحد حيث انه ينسب الى كل واحد أخذ نصف النصاب.

و كيف كان فالدليل على اعتبار الحرز هو الروايات فعن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوم

اصطلحوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع بعض فقال: هذا خائن لا يقطع و لكن يتبع بسرقته و خيانته «4».

______________________________

(1) النهاية ص 718.

(2) الكافي ص 411.

(3) الوسيلة ص 419.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 47

و هل المراد أن مجرد الاصطحاب و الرفاقة في السفر مسقط للحد و إن كان الأخذ من الحرز كان جعل المسروق ماله في صندوق و قد أغلق بابه، أو أن الحكم متعلق بالرفقاء في السفر المعلوم أنه لا حرز لهم بل كلّما كان لهم يعلنون به و يظهرونه فلا يجري في ما إذا كان لهم مال في حرز و قد سرق واحد منهم؟

الظاهر هو الثاني.

و عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام كل مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه يعني الحمامات و الخانيات و الأرحية «1».

قال المحدث العاملي رضوان الله عليه و بهذا الاسناد عنه قال: لا يقطع الا من نقب بيتا أو كسر قفلا «2».

و عن العياشي عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام قال:

لا يقطع إلا من نقب بيتا أو كسر قفلا «3».

نعم عن محمد بن علي بن الحسين قال: كان صفوان بن أمية بعد إسلامه نائما في المسجد فسرق رداؤه فتبع اللص و أخذ منه الرداء و جاء به الى رسول الله صلى الله عليه و آله و أقام بذلك شاهدين عليه فأمر صلى الله عليه و آله بقطع يمينه فقال صفوان يا رسول الله أ تقطعه من أجل ردائي؟ فقد و هبته له فقال عليه السلام: ألا

كان هذا قبل أن ترفعه إلى فقطعه فجرت السنة في الحد أنه إذا رفع إلى الإمام و قامت عليه البينة أن لا يعطل و يقام «4».

فلم يكن في هذه الرواية ذكر عن الحرز و يمكن أنه كان قد وضع ردائه تحت رأسه و توسّد به أو افترش به و وضعه و بسطه تحت بدنه و كيف كان فهو المورد

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب حد السرقة ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب حد السرقة ح 3.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب حد السرقة ح 5.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب حد السرقة ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 48

و لا يصلح أن يخصّص الأدلة الدالة على اعتبار الحرز.

قال في الوسائل: قال الصدوق: لا قطع على من سرق من المساجد و المواضع التي يدخل إليها بغير اذن مثل الحمامات و الأرحية و الخانات و إنما قطعه النبي صلى الله عليه و آله لأنه سرق الرداء و أخفاه فلإخفائه قطعه و لو لم يخفه يعزره و لم يقطعه انتهى. ثم قال المحدث العاملي: أقول: الظاهر أن مراده أن صفوان كان قد أخفى الرداء و أحرزه و لم يترك ظاهرا في المسجد.

في الإخراج

قال المحقق: السادس أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا و يتحقق الإخراج بالمباشرة و بالتسبيب مثل أن يشده بحبل ثم يجذبه من خارج أو يضعه على دابة أو جناح طائر من شأنه العود إليه.

أقول: و في الجواهر ادعى عدم الخلاف نصا و فتوى بل الإجماع بقسميه على اعتبار هذا الشرط.

و قد استظهر في المسالك حكم الفرع الذي ذكرناه آنفا

المذكور في كلمات الأعلام من هذا الشرط فقال: ظاهر اكتفائه بإخراجه بالمشاركة الحكم بالقطع على تقدير إخراج الاثنين فصاعدا نصابا واحدا. و يشكل بعدم صدق سرقة النصاب على كل واحد بخصوصه و قيل يشترط بلوغ نصيب من يحكم بقطعه نصابا فلا يقطع من قصر نصيبه عليه و لكل هذا أظهر انتهى.

و الأمثلة المذكورة كلها يصدق عليها أنه قد أخرج المال و سرقه من الحرز حتى لو وضع المتاع على الدابة و لا ساقها و لا قادها و انما فتح الباب لها و سارت حتى خرجت بنفسها كما صرح بذلك في المبسوط «1». معلّلا بأنها خرجت بفعله و هو نقل المتاع عليها، و وافقه على ذلك في كشف اللثام.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 27.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 49

نعم خالف في ذلك العلامة في التحرير فقال: و لو ترك المتاع على دابة فخرجت بنفسها من غير سوق أو ترك المتاع فانفتح فخرج المتاع أو على حائط في الحرز فأطارته الريح فالأقرب سقوط القطع. انتهى «1».

لكنه مشكل و ذلك لصدق الإخراج بفعله.

أمر الصبي غير المميّز بالإخراج

قال المحقق: و لو أمر صبيا غير مميز بإخراج تعلق بالأمر القطع لأن الصبي كالآلة.

أقول: إنه إذا كان الصبي المأمور بالإخراج غير مميز فإنه يصدق أن المخرج هو الآمر فإن الصبي كذلك يعدّ و يعتبر كالآلة و من المعلوم أنه لا يعتبر في تحقق السرقة و ترتب القطع إخراج المتاع من دون آلة. و لا يخفى أنه لو كان قد اخرج بالمجنون فهو أيضا كالإخراج بالصبي غير المميز.

و أما إذا كان مميزا فهو خارج عن موضوع كلام المحقق و عبارته.

و قال في كشف اللثام: أما مع التميز فلا قطع على الآمر لخروج

الصبي بتميزه عن الآلية و لا على المأمور لعدم التكليف انتهى.

و تنظّر فيه صاحب الجواهر و هو الحق و ذلك لأن مجرد تمييزه لا يوجب خروجه عن الآلية بل ربما يقطع أنه ليس له اختيار و استقلال في الرأي و النظر و لو لا أمر الآمر له بالسرقة لما أقدم على ذلك أصلا و لما تجرأ به أبدا و حينئذ يكون كالآلة و هذا يقتضي الحكم بقطع يد الآمر إذا كان كذلك.

ثم إن الشهيد الثاني رضوان الله عليه قد تعرض لذكر الخلاف في ما إذا اشترك اثنان مثلا في إخراج نصاب واحد و أنه هل يقطع يدهما أم لا.

و هذه هي المسئلة التي أشرنا آنفا وقوع الخلط بين مسئلة انفراد أحدهما

______________________________

(1) التحرير ص 232.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 50

بالهتك أو الإخراج و اجتماعهما على الآخر و بين هذه المسئلة فقال- بالنسبة لقول الشرائع: و يتحقق الإخراج بالمباشرة و بالتسبيب-: ظاهر اكتفائه بإخراجه بالمشاركة الحكم بالقطع على تقدير إخراج الاثنين فصاعدا نصابا واحدا و يشكل بعدم صدق سرقة النصاب على كل واحد بخصوصه و قيل يشترط بلوغ نصيب من يحكم بقطعه نصابا فلا يقطع من قصر نصيبه عنه ثم قال: و لعل هذا أظهر إلخ.

في اعتبار أن لا يكون والدا عن ولده

قال المحقق قدس سره: السابع أن لا يكون والدا من ولده و يقطع الولد إن سرق من الوالد و كذا يقطع الأقارب و كذا الأم لو سرقت من الولد.

أقول: و من الشرائط المعتبرة في القطع أن لا يكون السارق والدا عن ولده و إن كان مقتضى عموم آية السرقة عدم الفرق فإنه يشمله كما يشمل الابن إذا كان سارقا عن أبيه إلّا أنه خصّصت الآية الكريمة في

هذا المورد بدليل.

و في المسالك: خرج من ذلك سرقة الأب و إن علا من الولد بالإجماع فيبقى الباقي على العموم انتهى.

و على هذا فلا فرق بين الأب و الجد من الأب و هكذا.

ثم انه قد استدل على اعتبار هذا الشرط بوجوه:

أحدها عدم الخلاف فيه بل و الإجماع بقسميه عليه كما صرح بذلك في الجواهر.

ثانيها: فحوى عدم قتله به كما هو معلوم فإذا كان لا يقاد من الأب بقتله ابنه فلا يقطع يده في قبال مال ابنه بطريق الاولى.

و فيه أنه لا أولوية في البين و ذلك لأن القصاص هو القتل و إفناءه عن صفحة الوجود بخلاف القطع فإنه ابانة اليد و إذا حكم الشارع بعدم قتل الأب قصاصا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 51

عن قتله ابنه فهذا يستلزم عدم جواز إجراء الحد على الأب و الحال أنه عقوبة أسهل من القتل بلا كلام فيمكن أن يقتضي تعظيم الأب عدم قتله و لا يوجب ذلك رفع مطلق الحد عنه [1].

ثالثها قوله صلى الله عليه و آله: أنت و مالك لأبيك «1» فإذا كان الإنسان بنفسه و ماله لأبيه فكيف يقطع يد الوالد لمكان مال الولد الذي هو في الحقيقة ماله و على الجملة فكلامه صلى الله عليه و آله مشعر بالمطلوب. لكن العمدة في إثبات المطلوب هو الإجماع.

و مقتضى ما ذكرناه من عموم الآية و غيرها من الأدلة هو عدم الفرق بين الأقارب و الأجانب في غير الأب و إن كان أمّا و على هذا الأساس فهم لم يستثنوا أحدا سوى الأب.

نعم الحق أبو الصلاح الحلبي الأم بالأب، فإنه بعد ان تعرّض لشرائط السرقة الموجبة للقطع قال: فإذا تكاملت هذه الشروط وجب قطع

أصابع السارق الأربع. حرا كان أو عبدا مسلما أو ذميّا قريبا أو أجنبيّا إلا سرق الوالدين من ولدهما على كل حال «2».

و نفى عنه البأس في المختلف فقال: المشهور أن الأم يقطع إذا سرقت من مال الولد دون الأب و هنا ذكر كلام أبي الصلاح ثم قال: لنا العموم و قول أبي الصلاح لا بأس به لأنه أحد الأبوين فيسقط القطع عنها كما يسقط عن الأب لاشتراكهما في وجوب الإعظام انتهى «3».

______________________________

[1] أقول: لعلّ مراد المستدلّ من الفحوى هو أنه إذا كان الشارع قد أغمض عن القتل الواقع بيد الأب بالنسبة إلى الابن مع تلك الأهمية المعلومة المعهودة منه فمنع عن القصاص و حكم بالدية فبطريق أولى أغمض عن سرقة مال ابنه فلا يجوز قطع يده و إنما عليه أن يردّ ماله إليه. قال الأردبيلي:

لعل دليله الإجماع المخصّص بعموم الكتاب و السنة و ما سبق قوله (ص): أنت و مالك لأبيك، و لأنه لو قتله لا يقتل به فلا يقطع يده بيده فكيف يقطع بماله؟.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 12 باب 87 من أبواب ما يكتسب به ح 1 و 8 و 9.

(2) الكافي ص 411.

(3) المختلف ص 776.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 52

و فيه أما انها أحد الأبوين ففيه أنّه و ان أطلق عليهما الأبوان في القرآن الكريم [1] و غيره إلّا أن ذلك من باب التغليب نظر الشمسين أو القمرين فإطلاق الأب على الوالد على سبيل الحقيقة و على الوالدة على سبيل المجاز فكيف يترتب عليها ما يترتب على الأب؟

و أما اشتراكهما في وجوب التعظيم ففيه أنه لا يجوز تخصيص آية السرقة بهذا الاعتبار.

و في المسالك أنه الحق بعض العامة بهما

كل من تجب نفقته على الآخر لما بين الفروع و الأصول من الاتحاد و كون مال كل واحد من النوعين مرصدا لحاجة الآخر و من حاجاته أن لا يقطع يده بسرقة ذلك المال.

و ما ذكره يجري في الزوج و الزوجة أيضا [2]. و هو مشكل و هذه الوجوه الاعتبارية ليست ملاكا للحكم الشرعي فإنه و لو فرض امتناع الزوج عن أداء النفقة لكان للزوجة أن تأخذ مقدار نفقتها من ماله خفاء كما في قصة هند زوجة أبي سفيان و سيأتي ذلك و هو ليس من باب السرقة. و أما السرقة فغير جائزة لها و لا دافع للقطع أصلا و لا دليل على تخصيص الآية الكريمة.

قال قدس سره: و عمم آخرون الحكم في كل قريب. انتهى.

أقول: و ضعفه مما لا يكاد يخفى. و المعتمد هو عموم الآية في غير ما استثنى

______________________________

[1] كقوله تعالى: و ورثه أبواه. النساء- 11: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ. النساء- 11، كَمٰا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ. الأعراف- 27، كَمٰا أَتَمَّهٰا عَلىٰ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْحٰاقَ. يوسف- 6.

فَلَمّٰا دَخَلُوا عَلىٰ يُوسُفَ آوىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ. يوسف- 99.

[2] قال في الخلاف مسألة 64 من كتاب السرقة أن أبا حنيفة قال بعدم القطع في سرقة أحد الزوجين من الآخر انتهى.

و في الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 190: الحنفية قالوا: إذا سرق أحد الزوجين من الآخر فلا يقطع واحد منهما سواء سرق من بيت خاص لأحدهما أو من بيت يسكنان فيه جميعا لأن كلا من الزوجين متحد مع صاحبه كأنه هو و لتبادل المنافع بينهما انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 53

و على هذا فلو سرق الولد من مال

أبيه أو أمه فإنه يقطع يده مع اجتماع الشرائط و كذلك الأخ بالنسبة إلى أخيه و غير ذلك من أنواع النسب و القرابة.

و أما ما في الآية الكريمة:. وَ لٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً. «1». من نفى الحرج عن أكل ما في بيوت الآباء و الأبناء و غيرهما من المذكورين فهو بمعنى جوازه فيما لم يحرز عن الأخذ و الآكل.

و اما إذا جعلوها في حرز مثل الصندوق و غيره فهناك لا يجوز الأكل بل يترتب عليه أحكام السرقة كما يستفاد ذلك من رواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع بعض فقال: هذا خائن لا يقطع و لكن يتبع بسرقته و خيانته قيل له: فإن سرق من أبيه؟

فقال: لا يقطع لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه، هذا خائن و كذلك إن أخذ من منزل أخيه أو أخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول «2».

بقي في المقام شي ء و هو أنه يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار عدم جواز قطع يد الوالد بسرقته من مال ولده و هو رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قذف ابنه بالزنا قال: لو قتله ما قتل به و إن قذفه لم يجلد له «3».

فاذا صرح بأنّه كما لو قتله لم يقتل به كذلك لو قذفه لم يجلد له

فيمكن أن يستفاد منها أنه لو سرق من مال ابنه لا تقطع يده بيده.

______________________________

(1) سورة النور الآية 61.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب السرقة ح 1.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 14 من أبواب حد القذف ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 54

بل يمكن ان يستفاد منه الأولوية و ذلك لأنه إذا لم يقتل بقتله فبالأولوية لا يجلد بقذفه. و على هذا الأساس لو سرق من ماله لم يقطع كذلك.

و الحق أن استفادة هذا مشكل فقد مرّ أنه لا أولوية في البين و عدم ترتب الجلد لا يدل على عدم قطع اليد للسرقة.

اعتبار أخذه سرّا

قال المحقق قدس سره: الثامن أن يأخذه سرّا فهو هتك قهرا ظاهرا و أخذ لم يقطع و كذا المستأمن لو خان.

أقول: و ذلك لعدم صدق السارق بل هو غاصب في الأول و أما الثاني فهو لم يأخذه من الحرز لأن المال بيده بلا فرق بين كونه بعنوان الوديعة أو العارية و غير ذلك.

هذه هي الشرائط التي ذكرها المحقق رضوان الله عليه ثم

الذميّ كالمسلم و.

قال: و يقطع الذمّي كالمسلم و المملوك مع قيام البينة و حكم الأنثى في ذلك حكم الذكر.

أقول: اما الأول و هو قطع يد الذمي إذا سرق من مسلم فلأنه بحكم المسلم- و حكم المسلم السارق هو القطع و ان كان قد سرق من ذميّ فإن مال الذميّ محترم و يحكم بمالكيته له.

و أما عدم قتل المسلم إذا قتل ذميا فذلك لأن القصاص حق للمقتول و يعتبر فيه المكافأة و المساواة و حيث إن دم الذمي لا يكافؤ دم المسلم فلذا لا يقاد من المسلم بقتله الذمي بخلاف القطع الذي هو حق الله تعالى لمصلحة النظام فلا يلاحظ فيه المكافأة قال في الجواهر: مضافا إلى أعظمية القتل من القطع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 55

و لكن هنا كلام و هو أن يد المسلم أعظم احتراما، بحسب الاعتبار من ربع دينار الذمي مثلا و إن كان لا حرمة لليد الخائنة إلا أن الإنسان يأبى اعتبارا من قطع يد مسلم لربع دينار سرقه من ذمي فلو لا الأدلة الأخرى لم يكن ما ذكر دليلا يعتمد عليه.

نعم لو سرق المسلم مال حربي مستأمن ففي القواعد: لم يقطع قال عند ذكر الشرط الرابع: و لو سرق مال حربي مستأمن لم يقطع و لو سرق مال

ذمي قطع.

انتهى.

و الظاهر أن ذلك لعدم احترام ماله أصلا و إنما يخلّى سبيله لأجل الأمان الذي أعطيه و ليس شي ء وراء حفظ حرمة الأمان الذي أعطاه الحاكم أو غيره من المسلمين. و على هذا فلو سرق المسلم منه فلا يقطع يده لعدم احترام ماله أصلا.

نعم يعزر من سرقه و يؤدب لمخالفته الإمام في إعطائه الأمان فالحرام و الممنوع عنه هو معصيته أمان الإمام.

و أما الثاني و هو قطع يد المملوك مع قيام البينة فنقول: وجه تقييده بذلك أنه لو أقر فإقراره إقرار على مولاه فلا اعتبار به أما لو أقيمت البينة على ذلك فهناك تقطع يده و ذلك لإطلاق الأدلّة بلا فرق بين الآبق و غيره. و قال أبو حنيفة كما في الخلاف: لا قطع عليه إن كان آبقا [1]. بل قال الشيخ الصدوق قدس سره بعدم القطع لارتداده قال في المقنع: و العبد إذا أبق من مواليه ثم سرق لم يقطع و هو آبق لأنه مرتد عن الإسلام و لكن يدعى إلى الرجوع إلى مواليه و الدخول في الإسلام فإن أبى أن يرجع إلى مواليه قطعت يده في السرقة ثم يقتل و المرتدّ إذا سرق بمنزلته انتهى «2».

______________________________

[1] لا يخفى أن أبا حنيفة و إن قال بذلك إلا أنه قال بملاك آخر غير ما قاله الصدوق و هو أنه لا قطع بناءا على أصله في القضاء على الغائب فقال: قطع الآبق قضاء على سيده و السيد غائب فلا قطع انتهى. راجع المختلف ص 776.

______________________________

(2) المقنع ص 152.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 56

و قال في الفقيه: و العبد الآبق إذا سرق لم يقطع و كذلك المرتد إذا سرق و لكن يدعى العبد

الى الرجوع إلى مواليه و المرتد يدعى إلى الدخول في الإسلام فإن أبى واحد منهما قطعت يده في السرقة ثم قتل [1].

لكن هذا مشكل فكيف يرتد العبد بالسرقة أو الإباق؟ أما السرقة فواضح أنها لا توجب الارتداد و اما الإباق فهو أيضا بمجرده لا يوجب ذلك بعد أن كان هو معصية محضة و المفروض عدم اقترانه بإنكار شي ء أصلا و هل المعصية بلا رجوع إلى الإنكار تقتضي الارتداد؟.

نعم روى المشايخ الثلاثة عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العبد إذا أبق مواليه ثم سرق لم يقطع و هو آبق لأنه بمنزلة المرتد عن الإسلام و لكن يدعى إلى الرجوع إلى مواليه و الدخول في الإسلام فإن أبى أن يرجع إلى مواليه قطعت يده بالسرقة ثم قتل، و المرتد إذا سرق بمنزلته «1».

و الرواية صحيحة و متضمنة لما ذكره الصدوق إلا أنّ ما تضمنته أمر يشكل الالتزام به و لم يفت بذلك الا هو رضوان الله عليه.

و أمّا أنّ حكم الأنثى في ذلك حكم الذكر ففي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال.

و الدليل على ذلك هو عموم الأدلة و إطلاقها قال الله تعالى: السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما. و عدم مخصص أو فارق في البين.

______________________________

[1] من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 67 أقول: و إذا كان كلامه في المقنع دالا على ارتداد الآبق فان كلامه في الفقيه ليس كذلك بل هو ظاهر أو صريح في ان الآبق يدعى إلى الرجوع إلى مولاه و المرتد يدعى إلى الإسلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 32 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 57

في سرقة الراهن الرهن و.

اشارة

قال المحقق: مسائل،

[المسألة الأولى]

الأولى: لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن و إن استحق المرتهن الإمساك و لا الموجر العين المستأجرة و إن كان ممنوعا من الاستفادة مع القول بملك المنفعة لأنه لم يتحقق إخراج النصاب من مال المسروق منه حالة الإخراج.

أقول: و قد نفى صاحب الجواهر عنه الخلاف و الاشكال.

و الوجه في ذلك أنه و إن كان للمرتهن استحقاق إمساك العين كما أن المالك ممنوع عن التصرف فيه و الاستفادة منه إلّا أن هذا الاستحقاق لا مالية له حتى يكون الراهن أو المؤجر سارقا و المنفعة غير موجودة و إن قلنا بملكها شرعا لكن على معنى استحقاق الانتفاع و هو غير المنفعة.

قال في الجواهر: كل ذلك بعد المفروغية من اعتبار الملكية العينية في السرقة نصا و فتوى و للعرف انتهى.

و من المعلوم انهم رضوان الله عليهم أجمعين اعتبروا في السرقة، الملكية العينية و في المقام ليس كذلك.

هذا مضافا الى أن المنافع في المقام تدريجية، و لم يتحقق منها حين السرقة ما يكون بمقدار النصاب الى الربع دينار فلا وجه للقطع.

المسألة الثانية

قال المحقق: لا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله و لا عبد الغنيمة بالسرقة منها لأن فيه زيادة إضرار نعم يؤدب بما يحسم الجرأة.

أقول: و في الجواهر بعد الحكم الأول: بلا خلاف أجده فيه بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه صريحا و ظاهرا، كما عن المبسوط نفى الخلاف فيه انتهى.

و مستند هذا الحكم المخالف للأصل الروايات المستفيضة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 58

قال الشهيد الثاني في المسالك: و في طريق الروايات ضعف و لكن لا رادّ لها، و المصنف علّل الحكم بأن في القطع زيادة إضرار، و الحد شرّع لحسم الجرأة و دفع الضرر فلا يدفع الضرر

بالضرر و هو تعليل للنص بعد ثبوته. أما كونه علة برأسه فموضع نظر. انتهى.

و فيه بالنسبة إلى ضعف الروايات أن بعضها صحيحة كرواية محمد بن قيس و ليس كلها ضعيفة و سترى ذلك.

و أما ما أفاده بالنسبة إلى تعليل الحكم فهو كذلك و إن قال كاشف اللثام: و في الشرائع لأن فيه زيادة إضرار و لا يعجبني فإنه إنما يقطع إذا طالب المولى و رضي بهذا الضرر انتهى «1».

و قد علّل في كلمات بعضهم بأنه مال الرجل سرق من مال هذا الرجل و هذا التعليل مستفاد من الروايات كما ستمر عليك.

و كيف كان فالعمدة هو الأخبار فلنراجعها لاستفادة الحكم منها.

عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في عبد سرق و اختان من مال مولاه قال: ليس عليه قطع «2».

عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام عبدي إذا سرقني لم اقطعه و عبدي إذا سرق غيري قطعته و عبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه لأنه في ء «3».

عن يونس عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المملوك إذا سرق من مواليه لم يقطع فاذا سرق من غير مواليه قطع «4».

______________________________

(1) كشف اللثام: ج 2 ص 243.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 29 من أبواب حد السرقة ح 1.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 29 من أبواب حد السرقة ح 2.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 29 من أبواب حد السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 59

عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين قد سرقا من

مال الله أحدهما عبد مال الله و الآخر من عرض الناس فقال: أما هذا فمن مال الله ليس عليه شي ء مال الله أكل بعضه بعضا و أمّا الآخر فقدمه و قطع يده ثم أمر أن يطعم اللحم و السمن حتى برئت يده «1».

عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أخذ رقيق الإمام لم يقطع و إذا سرق واحد من رقيقي مال الإجارة قطعت يده قال: و سمعته يقول: إذا سرق عبد أو أجير من مال صاحبه فليس عليه قطع «2».

و لنعم التعليل ما ورد في الرواية السابقة من ان مال الله أكل بعضه بعضا فإن هذا يقرّب الى الذهن أنه لا مورد للقطع. و هذا يجري في عبد الإنسان أيضا لأنه ماله و سرق من ماله فلا معنى لقطع يده. نعم يؤدّب كلاهما لحسم جرأتهما.

المسألة الثالثة

قال المحقق: يقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه و في رواية لا يقطع و هي محمولة على حال الاستئمان و كذا الزوج إذا سرق من زوجته أو الزوجة إذا سرقت من الزوج و في الضيف قولان: أحدهما لا يقطع مطلقا و هو المروي و للآخر يقطع إذا أحرز من دونه و هو أشبه.

أقول: أما الأوّل و هو عدم قطع يد الأجير إذا سرق من مال المستأجر إذا كان محرزا فهو المشهور بين الأصحاب كما صرح بذلك في المسالك و الجواهر و مستند ذلك عموم الآية و الروايات فإن عمومها يشمل الأجير و غيره.

نعم بعض الروايات يدل على خلاف ذلك و إليك هذه الروايات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 29 من أبواب حد السرقة ح 4.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 29 من أبواب حد السرقة

ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 60

عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في رجل استأجر أجيرا و أقعده على متاعه فسرقه قال: هو مؤتمن «1».

عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أربعة لا قطع عليهم: المختلس و الغلول و من سرق من الغنيمة و سرقة الأجير فإنها خيانة. «2».

عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستأجر أجيرا فيسرق من بيته هل تقطع يده؟ فقال: هذا مؤتمن ليس بسارق هذا خائن «3».

عن سماعة قال: سألته عن رجل استأجر أجيرا فأخذ الأجير متاعه فسرقه فقال: هو مؤتمن ثم قال: الأجير و الضيف أمناء ليس يقع عليهم حد السرقة «4».

عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع الأجير و الضيف إذا سرقا لأنهما مؤتمنان «5».

و قد افتى بذلك شيخ الطائفة في النهاية فقال: و الأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن عليه قطع.

لكن الروايات محمولة على صورة الاستيمان كما يشهد بذلك التعليل الوارد في كثير منها حيث قال: انه مؤتمن. و قد كان المفروض أنه قد أقعده على متاعه بل كل هذه الروايات يدل على ذلك فإن الظاهر منها كون الأمتعة تحت يد الأجير و لم يكن في حرز عنه و لا أقل من كون المتيقن منها ذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 14 من أبواب حد السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 14 من أبواب حد السرقة ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 14 من أبواب حد السرقة ح 3.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب

14 من أبواب حد السرقة ح 4.

(5) وسائل الشيعة ج 18 باب 14 من أبواب حد السرقة ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 61

و على هذا فلا تنافي هذه الروايات قول المشهور و ذلك لأنه لا كلام في أن السرقة من غير الحرز لا يوجب القطع. و إنّى لا أدرى كيف افتى الشيخ بعدم القطع مطلقا و ان كان المال في حرز و سرق هو من الحرز.

و على الجملة فهذه الروايات بلحاظ اشتمالها على ما يفيد تعلقها بصورة الايتمان و كون المتاع تحت يده، لا تصلح لتخصيص العمومات الدالة على قطع يد السارق إذا كانت سرقته عن الحرز. هذا بالإضافة إلى ضعف هذه الأخبار فإن سليمان مثلا مشترك بين جماعة منهم مقبول و منهم غير مقبول. و سماعة كان واقفيا الى غير ذلك من الأمور.

فتحصّل أنّه لو سرق الأجير من الحرز و ما لم يؤتمن عليه فإنه يقطع يده.

و اما الثاني: و هو سرقة الزوج من مال زوجته و بالعكس فهو أيضا فيما لا حرز له و أما بالنسبة إلى ما جعله الزوج مثلا في حرز فالحكم هو القطع للعمومات المذكورة.

نعم بالنسبة للزوجة قد استثنى ما إذا امتنع الزوج من دفع النفقة فقد سوّغ لها أن تسرق من مال زوجها بمقدار نفقتها و نفقة أولادها حتى من الحرز ففي خبر هند زوج ابي سفيان أنه قالت للنبي صلّى الله عليه و آله: إن أبا سفيان رجل شحيح و إنه لا يعطيني و ولدي إلا ما آخذ منه سرّا و هو لا يعلم فهل علىّ فيه شي ء؟ فقال: خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف «1».

و أما الثالث و هو حكم الضيف ففيه قولان:

أحدهما أنه لا يقطع مطلقا ذهب إليه الشيخ في النهاية و ابن الجنيد و الصدوق و ابن إدريس.

و المستند في ذلك رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

الضيف إذا سرق لم يقطع و إذا أضاف الضيف ضيفا قطع ضيف الضيف «2».

______________________________

(1) يراجع طبقات ابن سعد ج 9 ص 172 و كنز العمال ج 8 ص 303.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 17 من أبواب حدّ السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 62

و رواية سماعة المذكورة آنفا أيضا تدل على ذلك. و قد ذكر المحقق ان هذا القول مروي.

ثانيهما أنه يقطع إذا سرق الضيف من الحرز لا مما كان تحت يده و ذكر المحقق أنه أشبه. أي بأصول المذهب و قواعده فإن العمومات شاملة له و لا فرق فيها بين الضيف و غيره.

و في الجواهر: بل و الأشهر بل المشهور بل لم نتحقق الخلاف فيه إلا عن الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار و قد رجع عنه في المحكى عن مبسوطه و خلافه الى آخر كلامه قدس سره.

أقول: و في عد الشيخ أيضا من القائلين بعدم القطع حتى بالنسبة للسرقة من الحرز إشكال لعدم صراحة كلامه في ذلك فإنه و إن قال في النهاية ص 717:

و كذلك الضيف إذا سرق من مال مضيفه لا يجب عليه قطع انتهى و هو ربما يكون ظاهرا في الإطلاق و عدم الفرق بين ما إذا سرق عما تحت يده أو عما أحرز عنه، إلّا أن قوله بعد ذلك: و إذا أضاف الضيف ضيفا آخر فسرق وجب عليه القطع لأنه دخل عليه بغير اذنه انتهى. ينقص من ظهور الأول في الإطلاق فإنه قد

علّل القطع في ضيف الضيف بأنه دخل بغير اذن صاحب الدار فيكون الدار بتمامها حرزا بالنسبة اليه.

و يستفاد من ذلك أن ما لم يكن الضيف مأذونا فيه كالحجرة المقفّلة و الصندوق كذلك و غير ذلك مما أحرز دونه فإن السرقة منه يوجب القطع.

هذا مضافا إلى تصريحه في سائر كتبه بالقطع، قال في المبسوط: فإن نزل برجل ضيف فسرق الضيف شيئا من مال صاحب المنزل فإن كان من البيت الذي نزل فيه فلا قطع و إن كان من بيت غيره من دون غلق و قفل و نحو ذلك فعليه القطع. و قال قوم: لا قطع على هذا الضيف. و روى أصحابنا أنه لا قطع على الضيف و لم يفصّلوا و ينبغي أن يفصّل مثل هذا، فإن أضاف هذا الضيف ضيفا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 63

آخر بغير إذن صاحب الدار فسرق الثاني كان عليه القطع على كل حال و لم يذكر هذه أحد من الفقهاء انتهى «1».

و هكذا كلام غير الشيخ ممن نسب إليهم القول بعدم القطع مطلقا ليس صريحا فيما نسب إليهم فترى أن المحكى عن ابن الجنيد انه قال: و سرقة الأجير و الضيف و الزوجة فيما ائتمنوا عليه خيانة لا قطع عليهم فإن سرقوا مما لم يوتمنوا عليه قطعوا.

و قال الصدوق قدس سره: و ليس على الأجير و لا على الضيف قطع لأنهما مؤتمنان «2».

و التعليل بأن الضيف مؤتمن يشعر بأنه لو لم يؤتمن على شي ء و جعل في حرز عنه فإن السرقة عنه يوجب القطع.

و أما ابن إدريس فراجع الجواهر حتى تجد ما كان في كلامه من الاضطراب و عدم ملائمة صدر كلامه مع ذيله و على هذا فليس

هنا من كان كلامه صريحا في الحكم بعدم قطع يد الضيف بالسرقة مطلقا أي و لو كانت من الحرز، و المتيقن مما خرج عن العمومات الدالة على القطع هو ما لم يكن من الحرز.

المسألة الرابعة

قال المحقق: لو أخرج متاعا فقال صاحب المنزل: سرقته. و قال المخرج: وهبتنيه، أو أذنت في إخراجه سقط الحد للشبهة و كان القول قول صاحب المنزل مع يمينه في المال.

أقول: لا بد من فرض المسألة فيما إذا شهد شاهد الحال بأنه قد سرق بحيث لو لا ادعائه الموجب للشبهة لكان تقطع يده إلا أن الشبهة الناشئة من دعواه قد

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 33.

(2) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 65، و المقنع ص 151.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 64

أسقطت الحدّ عنه و ذلك لأن الإخراج من منزله عنوان أعمّ يشمل السرقة و غيرها و لا يمكن إثبات الأخص بالأعم.

و مستند هذا الحكم هو الرواية فعن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نقب بيتا فأخذ قبل أن يصل إلى شي ء قال: يعاقب. فإن أخذ و قد اخرج متاعا فعليه القطع. قال: و سألته عن رجل أخذوه- أخذ- و قد حمل كارة من ثياب و قال: صاحب البيت أعطانيها قال: يدرأ عنه القطع إلا أن تقوم عليه بينة فإن قامت البينة عليه قطع «1».

لكن قال الصدوق: فإذا دخل السارق دار رجل فجمع الثياب و أخذ في الدار و معه المتاع فقال: دفعه إليّ ربّ الدار فليس عليه قطع فإذا أخرج المتاع من باب الدار فعليه القطع أو يجي ء بالمخرج منه. انتهى [1].

و ظاهر كلامه انه قد فصل بين إخراج السارق المال من الدار

و عدمه ففي الأول يقطع دون الثاني للشبهة و احتمال الصدق و إن لم يكن عليه دليل.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 3، ص: 64

و قد أورد عليه صاحب الجواهر بقوله: و لا وجه له.

أقول: و لعلّ وجهه انه لو أخذ في الخارج و هو في حال حمل الثياب أو غيرها من الأمتعة فهناك شاهد الحال يشهد بسرقته و لا أثر لشبهته و لا يسمع منه دعوى الإذن أو الهبة مع إقراره بكون الملك للمالك بل يثبت السرقة بالملازمة العرفية بخلاف ما إذا كان في داخل المنزل فإنه لا يصدق السرقة فإن تمّ هذا الوجه فهو و إلا فما ذكره رحمه الله غير تام.

هذا بالنسبة للقطع فإن الشبهة تدرأ الحد و اما بالنسبة للمال فالقول قول صاحب الدار فيثبت بيمينه و يؤخذ من المخرج و يدفع الى صاحب المنزل و هذا

______________________________

[1] من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 64. و في تذييلاته: ان كان (المخرج) بفتح الميم فمعناه إلا أن يجي ء بالمخلص و المفرّ منه بأن يدعى مثلا اذن المالك في إخراج المال من البيت و أمثال ذلك و إن كان بضم الميم فمعناه: أو يجي ء بالشخص الذي أخرج المتاع أو ادعى انه لم يخرجه. انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 8 من أبواب حدّ السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 65

اليمين لا يرفع الشبهة كي يترتب عليه القطع أيضا بل ان موضوع السرقة لا يثبت ما لم يخرج المال، و لذلك يرد على مثل عبارة المحقق بأنه لا

أثر لدعواه الإذن أو الهبة فإن السرقة لا بد من إثباتها كي يترتب القطع و بدون ذلك لا يقطع سواء ادعى ذلك أم لا.

نعم دعواه توجب الشبهة، فلا بد من حمل الكلام على ما إذا كانت السرقة ثابتة بشاهد الحال بحيث لولاها لتثبت السرقة.

إذا ادّعى كون المال له و أنكره صاحب المنزل

قال المحقق: و كذا لو قال: المال لي و أنكر صاحب المنزل فالقول قوله مع يمينه و يغرم المخرج و لا يقطع لمكان الشبهة.

أقول: فإذا كان المخرج معترفا بأنه قد أخذه من دار غيره فعليه إثبات ما يدّعيه من كون المال له لا لصاحب المنزل و إلا فصاحب المنزل يحلف بالله تعالى أن المال ليس للمخرج فيثبت قوله، فإنه ذو اليد و عليه فغرامة المال على الأخذ إلا أنه لا يقطع يده لمكان الشبهة لاحتمال كون المال في الواقع مالا له، و اليمين لا يرفع هذا الاحتمال و هذا كاف في تحقق الشبهة الدارئة للحد.

هذا كله بالنسبة إلى السارق.

الكلام في المسروق

قال المحقق: الثاني في المسروق. لا قطع فيما ينقص عن ربع دينار و يقطع فيما بلغه ذهبا خالصا مضروبا عليه السكة أو ما قيمته ربع دينار.

أقول: لا خلاف بين المسلمين و لا إشكال في أنه لا يقطع على سرقة أيّ شي ء و أيّ مقدار و لم يقل أحد بقطع اليد في قبال سرقة أيّ قدر من المال [1]. بل يعتبر

______________________________

[1] أقول: صرح في الخلاف مسألة 1 من السرقة أنه قال داود و أهل الظاهر: يقطع بقليل.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 66

عندهم بلوغ المسروق النصاب و المقدار المخصوص الذي يقطع به و إنما اختلفوا في تحديد ذلك أي في تعيين هذا النصاب إلى أقوال فذهب المشهور إلى أنه هو ربع دينار بل ربما ادّعى عليه الإجماع. قال الشيخ القدر الذي يقطع به السارق عندنا ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار من أي جنس كان «1».

و قال في المسالك: يعتبر في ثبوت القطع على السارق بلوغ سرقته قدر النصاب بإجماع علمائنا و لكن

اختلفوا في مقداره فالمشهور بينهم أنه ربع دينار من الذهب الخالص المضروب بسكة المعاملة أو ما قيمته ربع دينار فلا قطع فيما دون ذلك.

و في الجواهر: المشهور بين الأصحاب أنه لا قطع فيما ينقص عن ربع دينار و يقطع فيما بلغه. أو ما قيمته ربع دينار بل عن الخلاف و الاستبصار و الغنية و السرائر و كنز العرفان الإجاع عليه مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المروية من طرق العامة و الخاصة منها: النبوي: لا قطع إلا في ربع دينار. انتهى.

ثم إنه ذهب بعض إلى أن النصاب في القطع هو خمس الدينار فصاعدا و هو المحكى عن الشيخ الصدوق قدس سره كما ان المحكى عن العمّاني هو اعتبار الدينار و قد يقال باعتبار درهمين فصاعدا.

و منشأ هذه الأقوال المتعددة هو الأخبار المختلفة. و اللازم للباحث المراجعة إليها و النظر فيها و في مبلغ دلالتها و مفادها و هي اثنان و عشرون رواية أخرجها المحدث العاملي في باب (2) سماه: باب أن أقل ما يقطع فيه السارق ربع دينار أو قيمته و يقطع فيما زاد.

عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في كم يقطع السارق؟ قال: في ربع دينار قال: قلت له: في درهمين؟ قال: في ربع دينار بلغ

______________________________

الشي ء و كثيره و ليس لأقله حد و به قال الخوارج.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 كتاب الحدود ص 19.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 67

الدينار ما بلغ قال: قلت له: أ رأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ و هل هو عند الله سارق؟ فقال: كلّ من سرق من مسلم شيئا قد حواه و أحرزه فهو يقع

عليه اسم السارق و هو عند الله سارق و لكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر و لو قطعت أيدي السرّاق فيما أقل هو من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطّعين (ح 1).

عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع يد السارق إلا في شي ء تبلغ قيمته مجنّا و هو ربع دينار (ح 2).

عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: أدنى ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار (ح 3).

و في الوسائل: حمله الشيخ على التقية لما مضى و يأتي.

عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قطع أمير المؤمنين عليه السلام في بيضة قلت: و ما بيضة؟ قال: بيضة قيمتها ربع دينار. قلت: هو أدنى حد السارق؟ فسكت (ح 4).

عن علي بن أبي حمزة عن ابي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع يد السارق حتى تبلغ سرقته ربع دينار و قد قطع علي عليه السلام في بيضة حديد. (ح 5).

عن ابي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى ما يقطع فيه السارق فقال: في بيضة حديد قلت: و كم ثمنها؟ قال: ربع دينار (ح 6).

عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أقل ما يقطع فيه السارق خمس دينار (ح 7).

في الوسائل: قد عرفت وجهه انتهى يعنى إنها محمولة على التقية.

عن سلمة عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقطع السارق في ربع دينار (ح 8).

عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام في كم يقطع السارق؟ فجمع كفّيه ثم قال: في عددها من الدراهم (ح 9).

الدر المنضود

في أحكام الحدود، ج 3، ص: 68

في الوسائل: قال الشيخ: لا يمتنع أن يكون ما أشار إليه من الدراهم كانت ربع دينار و جوّز حمله على التقية.

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قطع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا في بيضة قلت: و أي بيضة؟ قال: بيضة حديد قيمتها ثلث دينار فقلت: هذا أدنى حد السارق؟ فسكت (ح 10). [1].

عن سماعة قال: سألته على كم يقطع السارق؟ قال: أدناه على ثلث دينار (ح 11).

و في الوسائل: حمله الشيخ على أنه حكاية حال سئل عنها و هو ما قطع أمير المؤمنين عليه السلام عليه.

أقول: و هذا مشكل و بعيد عن ظاهر السؤال لعدم ملائمته له أصلا و ذلك لأنه سئل عن مقدار يقطع السارق، و الجواب جواب عنه و لا ذكر في الجواب عن أنه حكاية حال [2].

عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقطع السارق في كل شي ء بلغ قيمته خمس دينار إن سرق من سوق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك (ح 12).

______________________________

[1] قد عرفت أنّه قال في ح 4: أنّه عليه السلام قطع في بيضة قيمتها ربع دينار. و هنا يقول بيضة حديد قيمتها ثلث دينار و قد سئل الراوي في كلا الموردين عن أنّه أدنى حدّ السارق و أنّه عليه السلام سكت.

[2] أقول: ربّما يرتفع الاشكال بذكر متن كلام الشيخ فإنّه قال في التهذيب ج 10 ص 101 عند ذكر الخبر: الوجه في هذا الخبر أنّه لا يمتنع ان يكون هذا حكاية حال سئل عليه السلام عنها و هو ما قطع أمير المؤمنين عليه السلام فقيل لسائل: ثلث دينار. و لا يكون إخبارا عن أنّ هذا

حدّه في جميع الأحوال. و الذي يكشف عن ذلك أنّ سماعة قد روى عن أبي عبد الله عليه السلام قصّة البيضة التي قطع أمير المؤمنين عليه السلام سارقها و ذكر أنّ قيمتها كانت ربع دينار. و الذي يزيد ذلك بيانا ما رواه. (و هنا نقل حديث أبي بصير و قصة البيضة و أنّ قيمتها ثلث دينار و سكوت الإمام في جواب السائل عن أنّه أدنى حدّ السارق.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 69

في الوسائل: حمله الشيخ على التقية كما مرّ و جوّز فيه و في أمثاله الحمل على ما لو رأى الإمام المصلحة في ذلك لما يأتي.

أقول: و يشكل الحمل الثاني فإنه على ذلك يكون حد السرقة من التعزيرات الموقوفة بنظر الامام و ما رآه من المصلحة.

عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: أدنى ما تقطع فيه يد السارق خمس دينار و الخمس الآخر الحد الذي لا يكون القطع في دونه و يقطع فيه و في ما فوقه (ح 13).

في الوسائل: تقدم وجهه انتهى أقول: يعني يحمل على التقية.

عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل سرق من بستان عذقا قيمته درهمان قال: يقطع به (ح 14).

العذق بالكسر كل غصن له شعب. قال في الوسائل: هذا محمول على كون الدرهمين قيمة ربع دينار لما مر و يحتمل الحمل على التقية لأن الدينار كان في ذلك الوقت بعشرة دراهم غالبا فيكون الدرهمان خمس دينار. انتهى.

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن سعد بن طريف عن ابي جعفر عليه السلام قال: قطع علي عليه السلام في بيضة حديد و في جنّة وزنهما ثمانية و ثلاثون رطلا (ح 15).

قال:

و سئل عليه السلام عن أدنى ما يقطع فيه السارق فقال: ثلث دينار. (ح 16).

قال: و في خبر آخر: خمس دينار (ح 17).

و في المقنع سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن أدنى ما يقطع فيه السارق فقال:

ثلث دينار (ح 18).

قال: و في حديث آخر: يقطع السارق في ربع دينار (ح 19).

قال: و روى أنه يقطع أيضا في خمس دينار أو في قيمة ذلك (ح 20).

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 70

قال: و روى أنه يقطع في عشرة دراهم (ح 21).

قال في الوسائل: ما زاد عن ربع دينار لا اشكال فيه و ما نقص محمول إما على التقية أو على المحارب.

عن علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن حد ما يقطع فيه السارق فقال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة (ح 22).

هذه هي الروايات الواردة في الباب و يتلخص التعابير الواردة فيها في هذه الأمور:

1- ربع دينار في ثمانية أحاديث فراجع 1 و 2 و 4 و 5 و 6 و 8 و 16 و 19.

2- خمس دينار في ستة أحاديث ح 3 و 7 و 12 و 13 و 17 و 20.

3- ثلث دينار في ثلاثة أحاديث ح 10 و 11 و 18.

4- عشرة دراهم في حديثين ح 9 و 21.

5- درهمان في حديث واحد و هو ح 14.

6- بيضة حديد و جنة وزنهما ثمانية و ثلاثون رطلا كما في ح 15.

7- بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة كما في ح 22.

و اما الأقوال فالمشهور هو الربع و ذهب الصدوق و ابن الجنيد الى الخمس و قال ابن أبي عقيل العماني باعتبار الدينار الكامل.

و هنا مشكلتان إحديهما الجمع بين

تلك الأخبار المختلفة بتعابيرها المتنوعة و كيفية حملها و الأخرى أنه على فرض اختيار ما دل على ربع الدينار مثلا يأتي البحث في أنه كيف يمكن ان يعلق الحكم بقطع اليد على شي ء يتغير قيمته بمضيّ الأزمنة و لا يبقى في الأعصار على حالة واحدة بل ربما يسقط عن كونه ثمنا و يصير كالعروض و الأمتعة و يعتبر مثمنا كما في الذهب فإنه صار في زماننا كالأجناس يباع و يعامل عليها.

أما بالنسبة إلى المقام الأول فنقول: إنه نسب في المسالك تحديد النصاب بربع دينار الى المذهب. قال: اختلفوا في مقدار فالمشهور بينهم أنه ربع دينار من

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 71

الذهب الخالص المضروب بسكة المعاملة أو ما قيمته ربع دينار فلا قطع فيما دون ذلك. ثم استدل بالروايات الدالة على ذلك. ثم قال: و اعتبر ابن أبي عقيل دينارا فصاعدا و قال ابن بابويه يقطع في خمس دينار أو في قيمة ذلك و يظهر من ابن الجنيد الميل اليه. ثم قال: و المذهب هو الأول انتهى.

و مقتضى كلامه قدس سره ان القول بغير ذلك خلاف مذهب الشيعة كما أنه قد مرّ ادعاء الإجماع من جمع من أكابر الفقهاء على ذلك هذا مضافا الى أنه لا شبهة في كون هذا القول هو المشهور بين الأصحاب.

لكن ظاهر كلام العلامة المجلسي قدس سره تقوية القول بالخمس فإنه عند التعرض لصحيح محمد بن مسلم الدال على الخمس قال: حسن كالصحيح. ثم قال: و هذا الخبر و الخبر الآتي- خبر زرارة- يدلان على ما ذهب إليه الصدوق و ابن الجنيد و لعله أقوى دليلا من المشهور لكون الأخبار الواردة فيه أقوى سندا و أبعد من موافقة

العامة، إذا الأشهر بينهم هو ربع الدينار و لم أر قائلًا منهم بالخمس و لو كان فيهم قائل به كان نادرا فحمل أخبار الربع على التقية أولى من حمل اخبار الخمس على التقية كما فعله الشيخ في التهذيب مع أن السكوت في خبر سماعة و غيره يشعر بالتقية، قال محيي السنة: روى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: القطع في ربع دينار فصاعدا.

ثم قال: هذا حديث متفق على صحته. و روى أيضا عن ابن عمران أن رسول الله صلى الله عليه و آله قطع سارقا في مجن ثمنه ثلاثمأة دراهم. ثم قال: اختلف أهل العلم فيما يقطع فيه يد السارق فذهب أكثرهم إلى حديث عائشة، روى ذلك عن أبي بكر و عمر و عثمان و علي عليه السلام و عائشة و هو قول عمر بن عبد العزيز و الأوزاعي و الشافعي و قال مالك: نصابها ثلاثة دراهم و قال أحمد: إن سرق ذهبا فربع دينار و إن سرق فضة فثلاثة دراهم و إن سرق متاعا فإذا بلغت قيمتها ثلاثة دراهم أو ربع دينار.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 72

و ذهب قوم إلى أنه لا يقطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم. روى ذلك عن ابن مسعود و إليه ذهب الثوري و أصحاب الرأي و قال قوم: لا يقطع إلا في خمسة دراهم. انتهى.

ثم قال المجلسي: فظهر أن خمس الدينار أبعد الأقوال عما ذهبوا إليه و الله يعلم [1].

أقول: و على هذا فمن جهة الموافقة للعامة و مخالفتهم يكون الترجيح لروايات الخمس لأنه ليس بينهم قول بذلك بخلاف الربع فإن فرقة منهم قائلون به كما أن مراعاة عموم

الآية و أن ظاهرها هو قطع يد كل سارق و سارقة تقتضي الأخذ بالخمس حيث إنه أقرب إليه من الربع فإذا خصص بما دون الربع يكون النتيجة أنه يقطع إلا في ما دون الخمس بخلاف العكس فإنّه يفيد أنّه يقطع إلا في ما دون الربع و على الأوّل يكون التخصيص أقل من الثاني فإنه على الثاني لا يقطع ما دون الربع و بعبارة أخرى المقدار الفاصل بين الربع و الخمس يكون مشمولا للآية على إرادة الخمس و هو خارج عنها لو أخذ بالربع و قد تحقق في موضعه أن قلة التخصيص أولى من كثرته. هذا بالنسبة إلى خمس دينار.

و لكن في قبال ذلك، القول بربع دينار و هو و إن كان ربما يوافق التقية لذهاب فرقة من العامة اليه إلا أن له أيضا وجوها من الترجيح فأولا صراحة دلالة رواية محمد بن مسلم الناطقة بالربع و كونها معللة بأنه لو قطع مطلقا و إن كان أقل من

______________________________

[1] مرآة العقول ج 23 ص 343 ثم إنى أقول: إن الجزيري لم يذكر القول بالخمس في جملة أقوالهم فإنه في كتابه: الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 157 قال: الحنفية قالوا نصاب حد السرقة دينار أو عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة أو قيمة إحداهما. الشافعية قالوا نصاب السرقة ربع دينار أو ما يساويه من الدراهم و الأثمان و العروض فصاعدا فالأصل في تقويم الأشياء هو الربع دينار و هو الأصل أيضا في الدراهم فلا يقطع في الثلاثة دراهم إلا أن تساوى ربع دينار. الحنابلة قالوا إن كل واحد من ربع الدينار و الثلاثة دراهم مرد شرعي فمن سرق واحدا منهما أو ما يساويه قطع. المالكية قالوا

نصاب حد السرقة ثلاثة دراهم مضروبة خالصة إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 73

ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين و بملاحظة أن الراوي و هو محمد بن مسلم كان بصدد الاستدلال بصدق العنوان و شمول الآية الكريمة لمن سرق أى مقدار كان، و قد أجابه الإمام عليه السلام بما يفيد أنه لا يؤخذ بظاهر إطلاق الآية و إنما يراد القدر الخاص.

و ثانيا ذهاب المشهور إليه.

و ثالثا أن رواياته أكثر، و العمدة هو كونه مشهورا و قد ورد في مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام الأخذ بهذا الترجيح أولا ثم الترجيح بموافقة الكتاب و مخالفته حيث قال عليه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قلت:

فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر قال: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه- الى أن قال:- قلت فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف الكتاب و السنة و وافق العامة إلخ.

و لذا قال في الجواهر بعد الاستدلال على المختار أي القول بربع دينار: خلافا للمحكي عن الصدوق من القطع بخمس دينار فصاعدا لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم. (ح 3). و الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي. (ح 12). بل و خبر إسحاق

بن عمار عنه عليه السلام. المحمولة على التقية أو اختلاف الدنانير أو على من راى الإمام عليه السلام المصلحة في قطعه أو غير ذلك بعد رجحان المعارض عليه من وجوه منها الشهرة العظيمة و الإجماعات المزبورة و كذا المحكى عن العماني من اعتبار الدينار و ان كان يشهد له صحيح

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 74

الثمالي: سأل أبا جعفر عليه السلام: في كم يقطع السارق؟ فجمع كفيّه و قال:

في عددها من الدراهم (ح 9). لكنه مخالف لبعض العامة و محتمل لكونها حينئذ قيمة ربع دينار و للقطع به لا عدم القطع بغيره و لغير ذلك مما لا بأس به بعد رجحان المعارض عليه من وجوه منها الاعتضاد بإطلاق السارق كتابا و سنة المقتصر في تقييده على المتيقن و هو الأقل من الربع أو الخمس كما عرفت و أضعف منها القول بالقطع بدرهمين و إن كنا إلخ.

و إن كان في بعض المواضع من كلامه نظر مثل ما ذكره بالنسبة إلى صحيح الثمالي من أن مقتضاه القطع بالدينار مثلا لا عدم القطع بغيره و ذلك لأنه عليه السلام ذكر ذلك في جواب السائل عما يقطع فيه فهو في مقام تحديد النصاب و تبيينه و ضبطه فكيف يقال بأنه لا يدل على عدم القطع بغير ذلك؟ و الحق أن الطرح من رأس خير من هذا الحمل و التوجيه، إلى غير ذلك؟

و على الجملة فالإجماعات المحكية و الشهرة المحققة توجب تقوية روايات الربع و القول به عند من يقول بتقوية الرواية بذلك و أن إعراض المشهور يسقطها عن الاعتبار و إن كانت بحسب السند في غاية الاعتبار، و موافقتهم تقوّيها و إن كانت في غاية الضعف

و السقوط.

فمع اشتمال كلتا الطائفتين بل و غيرهما على أخبار صحاح فكيف اشتهر القول بالربع بينهم و أعرضوا عن القول بخمس دينار خصوصا مع ملاحظة أن أخبار الخمس أوفق بالأخذ بمخالف العامة بخلاف القول بالربع. و أخبار الخمس أنسب بموافقة الكتاب لعدم التخصيص كثيرا في الآية بخلاف القول بالربع. فإن هذا مما يبعث في نفس الإنسان السؤال عن أن الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين الذين لا يزالون يؤكدون على الأخذ بما وافق الكتاب و طرح ما خالفه و على الأخذ بما خالف العامة كيف صاروا في هذا المقام إلى خلاف ما استقرت عليه طريقتهم في طول الأعصار و الأزمنة و هل هذا إلا لأنهم اعتمدوا جدا على

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 75

أخبار الربع و كان عندهم ما يوجب الذهاب اليه من الأمر بذلك من ناحية من لا يرتضون مخالفته و تحقق عندهم صحة خصوص هذا الوجه دون غيره و المخالف معلوم النسب و لا يضر بذلك.

هذا مضافا إلى ظهور بعض أخبار الربع في أنه كان عمل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على ذلك و لا يزال كان صلوات الله عليه يجري عليه فراجع و دقّق النظر في الاخبار تجد صدق هذا المقال فيها ظاهرا.

ثم إنه حيث اختار بعض الأصحاب القول بالدينار أو خمسه فلا بد من أن يحمل كلام المسالك- بأن المذهب هو الربع- على المذهب الرسمي فلا ينافي في ذلك الأقوال النادرة التي كانت من بعض علماء الأصحاب.

ثم لو لم يمكن الاستظهار من الأدلة، و الروايات المختلفة و شكّ في الأمر فمقتضى قاعدة الدرء بالشبهة القول بالدينار لأن قطع يد الغير في غاية الأهميّة لا يقدم عليه الا مع القطع

بالجواز، و القدر المتيقن هو قطعها لأجل الدينار فإن الأقل منه مشكوك أن يقطع به بخلاف الدينار الكامل فإن القطع به مقطوع به هذا كما أنه لو أريد الاحتياط فالاحتياط أيضا يقتضي القطع للدينار و ما زاد عليه لا ما نقص عنه لأن الأول متيقن و الآخر مشكوك فيه.

و على الجملة فالنتيجة على الأخذ بقاعدة الدرء و كذا على الأخذ بالاحتياط واحدة و هي جعل الملاك الدينار.

ثم إن المعتبر على ما تقدم هو ربع دينار من الذهب المسكوك فإذا سرق ذلك تقطع يده مع الشرائط المعتبرة في القطع و هكذا في الحكم كل شي ء له مالية و كان يساوي قيمته ربع دينار بلا اختصاص بشي ء أصلا و ذلك لإطلاق الآية الكريمة: السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما. و لذا:

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 76

الضابط الكلّي

قال المحقق: ثوبا كان أو طعاما أو فاكهة أو غيره سواء كان أصله الإباحة أو لم يكن و ضابطه ما يملكه المسلم.

أقول: و قد أبدى قدس سره ضابطة كلية لما يقطع فيه و هو ما يملكه المسلم من أي جنس كان حتى و لو كان هو الماء في البلاد التي له قيمة.

و السر في ذلك عموم الآية الكريمة و عدم ثبوت التخصيص في أنحاء المال خلافا لما عن بعض العامة كأبي حنيفة حيث ذهب إلى عدم القطع في بعض هذه الأجناس. و قد ذكر في الجواهر بعد (الفاكهة). المذكورة في كلام المحقق: أو ملحا أو ماءا أو ثلجا أو ترابا أو طينا أو حيوانا.

و في المسالك: و نبّه بقوله: ثوبا كان أو طعاما أو فاكهة، كان أصله الإباحة أو لم يكن على خلاف أبي حنيفة حيث ذهب إلى أنه

لا قطع فيما كان مباح الأصل إلا في خشب الساج و الحق به بعضهم الآبنوس و الصندل و العود، و زاد آخرون الخشب المعمول كالسرر و الأبواب. و لا فيما كان رطبا أو متعرضا للفساد كالرطب و التين و التفاح و البقول و الرياحين و الشواز و الهريسة و الفالوذج و الشمع المشتعل إلخ.

و إنى لا أدرى أن أبا حنيفة و تابعيه كيف يوجّهون ما ذكروه من استثناء الأمور المذكورة و على أي شي ء اعتمدوا في افتائهم بذلك و إخراجهم الأمور المذكورة بل لا فرق بين ما إذا كان ما سرقه من المباحات الأصلية أو غيرها كما إذا كان قد وجد لصاحبه مملوكا من أول الأمر، كان في معرض الفساد أم لم يكن الى غير ذلك من الجهات التي ربما يتوهّم كونها موجبة لخروج موارد عن حكم السرقة فكل الموارد يشمله العام إلى أن يرد دليل و حجة على استثناء شي ء عنه و ليس في ما بأيدينا ما يوجب ذلك.

نعم قد وردت روايات في خصوص الطير و حجارة الرخام و استثنائهما عن إطلاق الآية فلا قطع في سرقتها لكنها غير نقيّة السند و مع ذلك غير معمول بها.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 77

رواية بسقوط الحدّ

قال المحقق: و في الطير و حجارة الرخام رواية بسقوط الحد ضعيفة.

أقول: و ليست رواية واحدة بل هي عدة روايات ففي باب 22 الذي عنونه في الوسائل بقوله: باب أنه لا يقطع سارق الطير عن الكافي. عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام أن عليا عليه السلام أتى بالكوفة برجل سرق حماما، فلم يقطعه و قال: لا أقطع في الطير (ح 1).

و فيه أيضا عن السكوني

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا قطع في ريش يعنى الطير كله (ح 2).

و في باب 23: عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا قطع على من سرق الحجارة يعني الرخام و أشباه ذلك (ح 1).

[قال في المصباح المنير: الرخام حجر معروف الواحدة رخامة انتهى. و ذكر هذا بعينه في مجمع البحرين. و عن الصحاح الرخام حجر أبيض. و في فرهنگ لاروس ج 1 ص 1055: الرخام سنگ مرمر الرخامة قطعه اى از سنگ مرمر].

قوله: و أشباه ذلك يراد به أشباه الرخام فيكون المراد الأحجار المعدنية و ان لم تكن رخاما و يحتمل ان يكون المراد أشباه الحجارة.

و عن الكافي. قال قضى النبي صلى الله عليه و آله فيمن سرق الثمار في كمّه فما أكلوا منه فلا شي ء عليه و ما حمل فيعزّر و يغرم قيمته مرتين (ح 2).

و عنه. قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لا قطع في ثمر و لا كثر (ح 3).

و الكثر شحم النخل. و رواه الصدوق بإسناده إلى السكوني مثله إلا أنه قال:

و الكثر الجمار.

و عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أخذ الرجل من النخل و الزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع فإذا صرم النخل و حصد الزرع فأخذ قطع (ح 4).

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 78

و عن الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يقطع من سرق شيئا من الفاكهة و إذا مر بها فليأكل و لا يفسد (ح 5).

و عن الصدوق في وصية النبي صلى الله عليه و آله قال: يا علي لا قطع في ثمر

و لا كثر (ح 6).

و عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: لا قطع في شي ء من طعام غير مفروغ منه (ح 8).

هذه هي الأخبار الواردة في المقام و لكن سندها ضعيف مضافا إلى تصريح الجواهر بأنه لا عامل بها، و على هذا فلا يعتمد عليها في الخروج عن إطلاق الآية الكريمة.

هذا كله مضافا إلى إمكان حملها على موارد فقدان شرط من شرائط القطع كما أن رواية غياث بن إبراهيم يمكن حملها على ما إذا لم يكن سرقة الحمام من الحرز و كذا في الروايات الأخر كلها أو بعضها يجرى ذلك الكلام كرواية فضيل بن يسار الدالة على عدم القطع في الأخذ من النخل أو الزرع قبل ان يصرم و أنه يقطع في النخل إذا صرم، و الزرع إذا حصد.

ثم إنّ ما ذكر من ترتيب الحكم على سرقة ما كانت قيمته ربع دينار، ظاهر رواية عبد الله بن سنان (ب 2 ح 2). حيث قال تبلغ قيمته مجنا و هو ربع دينار.

فإن من المعلوم أن المراد بلوغ قيمته قيمة المجنّ أي قيمة ربع دينار.

قال في الجواهر: و كيف كان فلا فرق فيه بين عين الذهب و غيره فلو بلغ العين ربع دينار وزنا غير مضروب و لم يبلغ قيمة المضروب فلا قطع لأن الدينار حقيقة في المسكوك منه فيحمل عليه إطلاقه الوارد في النصوص خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط فلم يعتبر السكة و هو شاذ و لو انعكس بأن كان سدس دينار مصوغا قيمته ربع دينار مسكوكا قطع على الأقوى انتهى.

فالمعيار الكلى سرقة ما كانت قيمته ربع دينار من الذهب المسكوك بالسكة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص:

79

الرائجة من أي جنس كان ذهبا أو فضة أو نحاسا أو غير ذلك و لا خصوصية للذهب الخالص و لا للوزن اى ثمان عشر حمّصة بل يكفي قيمة هذا المقدار.

و يتفرّع على هذا أنه لو بلغ العين ربع دينار ذهبا غير مضروب لكن لم تبلغ قيمته قيمة المضروب فإنه لا يجوز قطع يده و الحال انه يقطع في عكسه و هو ما إذا كان سدس دينار قيمته ربع دينار مسكوك، لحصول ما هو الملاك أعني قيمة ربع دينار مسكوك الذي هو الدينار حقيقة و ليس مجرد ثمان عشر حمصة من الذهب بدينار و لا يطلق هو على غير المسكوك بالسكة الرائجة و هو صريح الجواهر خلافا للشيخ في الخلاف و المبسوط.

قال في الخلاف في المسألة الثانية من كتاب السرقة من الخلاف: إذا سرق ربع دينار من هذه الدنانير المعروفة المنقوشة وجب القطع بلا خلاف بيننا و بين الشافعي، و إن كان تبرأ من ذهب المعادن الذي يحتاج الى سبك و علاج فلا قطع، و إن كان ذهبا خالصا غير مضروب يقطع عندنا، و عنده على وجهين المذهب أنه يقطع، و قال أبو سعيد الإصطخري: لا يقطع لأنّ إطلاق الدينار لا يصرف اليه حتى يكون مضروبا و لأن التقويم لا يقع به. دليلنا عموم الأخبار التي وردت في أن القطع في ربع دينار و لم يفصّل. و ما قاله الشافعي من القول الآخر قويّ و يقوّيه أن الأصل براءة الذمة و الأول يقوّيه ظاهر الآية و قوله: إن إطلاق ذلك لا يصرف إلا إلى المضروب غير مسلّم. انتهى.

و ما أفاده قدس سره في محل المنع، و الحق هنا مع الإصطخري فإن إطلاق الدينار منصرف الى

المسكوك و هو المعيار في القيم فلا وجه لإنكار ذلك أو الترديد فيه.

و قال في المبسوط ج 8 ص 19: القدر الذي يقطع به السارق عندنا ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار من أي جنس كان فإن كان هذا المضروب المنقوش قطعناه به و إن كان تبرأ من ذهب المعادن الذي يحتاج إلى علاج و سبك فلا قطع عندنا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 80

و عند قوم و إن كان ذهبا خالصا غير مضروب فالأقوى عندي أنه يقطع به للخبر، و قال بعضهم لا يقطع لأن إطلاق الدينار لا ينصرف إليه حتى يكون مضروبا ألا ترى أن التقويم لا يقع إلا به. انتهى.

و فيه أيضا ما ذكرناه من أن مجرد الذهب الخالص لا يكفي في كونه دينارا حتى يكون ربعه قيمة ملاكا للقطع بل المعيار هو المسكوك منه بالسكة الرائجة على ما هو المتبادر منه فلا يجتزى بالذهب و لا بالسكة الرائجة و الا فالفضة أيضا من النقود الرائجة في الأسواق مع أنه ليس معيارا للقطع بل لا بد من أن يقاس هو أيضا بربع دينار قيمة و على الجملة فكل شي ء سرق يعتبر بالنسبة اليه و لو كان هو مقدارا من الذهب.

و اما بالنسبة للمقام الثاني فنقول: نعم إن ارتفاع قيمة الذهب بالسكة مختلف باختلاف الأعصار و الأزمان و ملاحظات الولاة و الحكام، و المسلم المقطوع به أنه لا يساوي قيمة مثقال من الذهب بلا سكة مثقالا من الذهب المسكوك و أما أنه بأي نسبة يكون هذا الارتفاع فهو غير معلوم. فالسكة المتعلقة بزمان القاجارية أغلى من السكة المتعلقة بعصر سائر السلاطين.

و حيث اختلف السكة و نسبة ارتفاعها على هذا

الوزن من الذهب الخالص فلا بد من أن يكون الملاك و المعيار عصر صدور الحكم كعصر النبي و الصادقين و الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين فإن تحقّق و ثبت لنا بحسب التأريخ نسبة ارتفاع السكة الرائجة في تلك الأزمنة ثلثا أو ربعا أو غير ذلك فيؤخذ به و تحاسب و تعتبر السكة في عصرنا على حسبها و إلا فلا بد من الاحتياط بأن لا يقدم على قطع الأيدي إلا مع العلم بحصول النسبة التي توجب القطع.

ثم إنه بعد ما تبين المعيار في المسروق فهناك لا فرق بين علمه بقيمته و عدمه و بين علمه بشخصه و عدمه و عليه فلو سرق زاعما أن ما سرقه فلس لكنه تبين كونه دينارا فإنه تقطع يده و كذلك إذا سرق ثوبا قيمته أقل من النصاب المزبور

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 81

لكن ظهر اشتماله على شي ء يبلغ النصاب و لو بضم الثوب إليه فإنه يقطع و ذلك لصدق الموضوع و هو سرقة النصاب و لو مع عدم القصد إلى ذلك.

و ما قد يتوهم- من عدم القطع حيث إنه لو كان عالما بأن ما يسرقه كان بحد النصاب لما أقدم على السرقة- غير صحيح و ذلك لأنه كان قاصدا إلى أصل السرقة و عازما على الإتيان بالحرام و هو موجب للعقاب، و عدم قصده الى النصاب لا يؤثر شيئا بعد ان كان قد قصد أصل الحرام و لا دليل على اعتبار قصد النصاب في القطع بسرقته أصلا.

و بذلك قد ظهر أنه لا مجال للتمسك بقاعدة الدرء أيضا فإنه لا شبهة بعد علمه بالسرقة و أنّ ما أتى به حرام [1].

يعتبر ان يكون محرزا

قال المحقق: و من شرطه

أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن، و قيل كل موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلا بإذنه.

أقول: قد تعرض سابقا لاشتراط الحرز و هنا أيضا قد كرر ذلك و الظاهر أنه ليس له حقيقة شرعية يؤخذ بها بل هو أمر عرفي. قال في مجمع البحرين: الحرز بالكسر الموضع الحصين و منه سمّى التعويذ حرزا إلخ و اعتبر بعض كالمحقق في الحرز أن يكون محفوظا بقفل أو غلق أو دفن- أي دفن المال في الأرض مثلا- أو نحو ذلك مما يعدّ حرزا لمثله في العرف.

______________________________

[1] أقول: قد تقدم نظير ذلك عند قول المحقق: و كما يسقط الحد عن المكره يسقط عمن جهل التحريم أو جهل المشروب. فقد فسر الجواهر في ص 455 جهل المشروب بقوله: إنه من المحرم بل ظن أنه ماء أو شراب محلل بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك. نعم لو علم الأول التحريم و لم يعلم أن فيه حد لم يعذر كما لا يعذر الثاني لو علم أنه من جنس المسكر و لكن ظن أن هذا القدر لا يسكر. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 82

و يدل على ذلك خبر السكوني عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يقطع الا من نقب بيتا أو كسر قفلا- ب 18 ح 3- و خبر العياشي عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام قال:

لا يقطع إلا من نقب بيتا أو كسر قفلا (ح 5).

و خالف في ذلك جمع منهم شيخ الطائفة فاكتفى في الحرز بمجرّد عدم جواز الدخول قال قدس سره في النهاية ص 714: و الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول اليه

إلا بإذنه أو يكون مقفّلا عليه أو مدفونا انتهى.

و قال في المبسوط ج 8 ص 22: إنّ أصحابنا قالوا إنّ الحرز هو كلّ موضع ليس لغير المالك أو المتصرّف فيه دخوله إلا بإذنه انتهى. و قال في التبيان ج 6 ص 513 عند شرح آية السرقة و تفسيرها: وحده أصحابنا بأنه كل موضع لم يكن لغيره الدخول اليه و التصرف فيه إلا بإذنه فهو حرز انتهى.

و قال السيد أبو المكارم بن زهرة في الغنية: و روى أصحابنا أن الحرز في المكان هو الذي لا يكون لغير مالكه أو مالك التصرف دخوله إلا بإذنه انتهى.

و قال السيوري في كنز العرفان ج 2 ص 350: يشترط أيضا الإخراج من حرز، و حدّه أصحابنا بأنه ما ليس لغير المالك الدخول إليه.

ترى أنهم نسبوا ذلك إلى الأصحاب و على هذا فلو منع صاحب الحمّام مثلا عن دخول أحد فهو حرز بالنسبة إليه دون الآخرين.

و أورد عليه في الجواهر بقوله: لكن فيه عدم الصدق عرفا على الدار التي لا باب لها أو غير مغلقة و لا مقفلة بل عن السرائر نفى الخلاف في عدم القطع بالسرقة منها و إن كان لا يجوز لأحد الدخول إليها إلا بإذن من المالك.

ثم إنه قد جمع ابن حمزة بين القولين فقال في الوسيلة ص 418: و الحرز كل موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه أو التصرف فيه بغير إذنه و كان مغلقا أو مقفلا. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 83

و يمكن أين يكون بصدد بيان أن نظر الشيخ أيضا إلى مورد كان له باب و غلق أو غير ذلك.

و قد صار العلامة أعلى الله مقامه بصدد توجيه كلام الشيخ فقال

في المختلف ص 769: و يحتمل أن يكون المراد بقوله: ليس لغير المتصرف الدخول فيه سلب القدرة لا الجواز الشرعي انتهى.

أقول: هذا خلاف الظاهر بل لعله مقطوع العدم فإن الظاهر من أنه ليس لغير المتصرف الدخول فيه، هو عدم الجواز شرعا لا عدم القدرة على الدخول فيه لكونه مقفّلا.

ثم إن صاحب الرياض قدس سره بعد أن حكى كلام الشيخ عن بعض آخر الذي نقلنا كلماتهم قال تأييدا له: و ربما كان في النصوص إيماء إليه و منها الصحيح المتقدّم المعلّل عدم قطع الرجل بسرقة مال ابنه و أخته و أخيه بعدم حجبه عن الدخول إلى منزلهم و ظاهر أن المراد من عدم الحجب حصول الإذن له في الدخول.

فمفهوم التعليل حينئذ أن مع عدم الإذن يقطع و هو عين هذا المذهب.

و أظهر منه القوى بالسكوني و صاحبه: كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه قال الراوي: يعني الحمّام و الأرحية.

و قريب منهما النصوص المتقدمة بعدم قطع الضيف و الأجير معللة بالاستئمان و ليس إلا من حيث الإذن في الدخول، فهذا القول غير بعيد لو لا ما أورد عليه جماعة و منهم الحلّي من النقض بالدور المفتحة الأبواب في العمران و صاحبها ليس فيها فإن السارق منها لا قطع عليه بلا خلاف كما في السرائر و لذا عن ابن حمزة أنه كل موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه أو التصرف بغير إذنه و كان معلقا أو مقفّلا.

و كأنّه حاول الجمع بين النصوص المزبورة و قويّة السكوني المتقدمة المتضمنة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 84

لأنه لا يقطع إلا من نقب أو كسر قفلا و لا بأس به، و مرجعه

إلى القول الأول كالقول بأن الحرز ما يكون سارقه على خطر من الاطلاع عليه، و عليه يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقا للأكثر فحرز الأثمان و الجواهر الصناديق المقفّلة و الأغلاق الوثيقة في العمران و حرز الثياب و ما خف من المتاع و آلات النحاس الدكاكين و البيوت المقفّلة في العمران أو خزائنها المقفّلة و إن كانت هي مفتوحة، و الإصطبل حرز للدوابّ مع الغلق و حرز الماشية في المرعى عين الراعي على ما تقرر و مثله متاع البائع في الأسواق و الطرقات و احترزنا بالدفن في العمران عما لو دفن خارجه فإنّه لا يعد حرزا و إن كان في داخل بيت مغلق لعدم قضاء العرف به مع عدم الخطر على سارقه. انتهى.

فقد أيّد كلام الشيخ و من قال بمقالته بأمور:

منها ما يومي اليه النصوص الدالة على عدم القطع بالأخذ من مال الابن و الأخت و الأخ كرواية أبي بصير (ب 18- ح 1). معللا بعدم الحجب الذي يراد منه الإذن فإنه يفيد أنه مع عدم الإذن تقطع يد الأخذ.

و منها رواية السكوني القوية ب 18- ح 2.

و منها النصوص الواردة في عدم قطع يد الضيف للاستيمان فإن كلها يدل على أن الملاك هو الإذن و عدمه و بذلك يرتفع الاستبعاد عن هذا القول لو لا النقض الذي أورده جماعة منهم الحلي. هذا و لكن أورد عليه في الجواهر بقوله: و فيه أن عدم القطع من هذه الجهة لا يقتضي عدمه أيضا من جهة أخرى و هو اعتبار كون المال في حرز، و لا ريب في عدم صدقه عرفا بمجرد المنع الشرعي عن الدخول كما هو واضح انتهى.

أقول: و يشهد لذلك أنه لو منع مالك الحمّام

شخصا مخصوصا عن الدخول فيه فعصى و دخل فيه و سرق فهل يلتزم أحد بجواز القطع لخصوص هذا الشخص بخلاف سائر الداخلين؟ كلا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 85

ثم إنه ذكر الشيخ في الخلاف مطلبا آخر في الحرز غير هذه الوجوه التي نقلناها فقال: في مسألة 6 من كتاب السرقة:

كل موضع كان حرزا لشي ء من الأشياء فهو حرز لجميع الأشياء و به قال أبو حنيفة و قال الشافعي: يختلف ذلك باختلاف الأشياء فحرز البقل و ما أشبهه من دكاكين البقالين تحت الشريحة المقفّلة و حرز الذهب و الفضة و الثياب و غيرها المواضع الحريزة من البيوت و الدور إذا كانت عليه أقفال وثيقة فمن ترك الجواهر أو الذهب أو الفضة في دكان البقل فقد ضيّع ماله لأنه ليس في حرز مثله.

ثم قال: دليلنا قوله تعالى: السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما. و ظاهره يقتضي قطع كل سارق الا من أخرجه الدليل و أيضا النبي (ص). قطع من سرق رداء صفوان من تحت رأسه في المسجد و إن كان المسجد ليس بحرز و هذا الموضع أحرز منه. انتهى.

و اختار ذلك في المبسوط أيضا كما اختاره الحلّي و العلامة في التحرير أيضا.

و على ما ذكره لو سرق شي ء كالجواهر من مثل الإصطبل الذي هو حرز للحيوان فهو السرقة من الحرز و يقطع يد السارق.

و هذا خلاف الظاهر كما أورد عليه في الرياض بقوله: و هو كما ترى. و في الجواهر بقوله: لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة اختلاف الحرز عرفا باختلاف المحرز فحرز الذهب و الفضة غير حرز الدابّة و الحطب و التبن و نحوها كما هو واضح. انتهى.

و مثل ذلك ما نقله في الرياض من

أن الحرز ما يكون سارقه على خطر من الاطلاع عليه و ذلك لأن من يختلس أموال الناس أيضا فهو على خطر من الاطلاع عليه فيشكل جعل ذلك أيضا ملاكا للحرز.

و قد تحصّل مما ذكرنا أن في المقام أقوالا مختلفة و آراء متشتّتة:

أحدها: قول الشيخ في النهاية و المبسوط و هو كون الملاك في الحرز هو المنع

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 86

الشرعي فكل موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه فهو حرز و اختار ذلك كثير من العلماء.

ثانيها: ما اختاره بعض كالمحقق و هو أن الحرز ما كان محفوظا بقفل أو غلق أو دفن أو غير ذلك.

ثالثها: الذي ذهب اليه ابن حمزة و هو أنه كل موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه و التصرف فيه بغير إذنه مع كونه مقفّلا أو مغلقا.

رابعها: ان ما صدق عليه أنه حرز لشي ء فهو حرز لجميع الأشياء.

خامسها: ما يكون سارقه على خطر من الاطلاع عليه، إلى غير ذلك مما ذكر في المقام ملاكا و معيارا للحرز، و الأول منها هو الميزان الشرعي دون البواقي.

و على الجملة فحيث إنه من الأمور العرفية و موكول الى نظر العرف فإن ثبت معيار محقق عرفي فهو و إلا كما هو الظاهر بمقتضى تلك الاختلافات و أنواع التعابير فلا بدّ من الاكتفاء بالقدر المتيقن فكلما قطعنا أنه حرز نحكم هنا بالقطع على من سرق منه و إلا فلا.

و لا يمكن التمسك بعموم آية السرقة لأنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

نعم ذكر بعض المعاصرين رضوان الله عليه- عند بحثه عن أنه إذا سرق باب الحرز أو شيئا من أبنيته المثبتة فيه قطع على تقدير الشك فالشبهة مفهومية و التقييد

منفصل فالمرجع هو الإطلاق بعد صدق السارق عليه حقيقة «1».

______________________________

(1) مباني تكملة المنهاج ج 1 ص 288.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 87

فيما ليس بمحرز

قال المحقق: فما ليس بمحرز لا يقطع كالمأخوذ من الأرحية و الحمامات و المواضع المأذون في غشيانها كالمساجد.

أقول: و من هذا القبيل الحسينيات و التكايا و أمثال ذلك من المواضع و الأماكن المأذون في دخولها كل أحد فإن السرقة منها لا توجب القطع و ذلك مقتضى اعتبار الحرز و اشتراطه في القطع على ما تقدم و مع ذلك فهنا اختلاف تراه:

إذا كان المالك مراعيا

قال المحقق: و قيل إذا كان المالك مراعيا له كان محرزا كما قطع النبي (ص). سارق مئزر صفوان في المسجد و فيه تردد.

أقول: القائل هو الشيخ قدس سره في المبسوط و الخلاف فإنه افتى بأنّ كون الشي ء تحت مراقبة المالك و مراعاته حرز و هو كاف في القطع. قال في الخلاف المسألة 7:

الإبل إذا كان مقطرة و كان سائقا لها فهي في حرز بلا خلاف و إن كان قائدا لها فلا تكون في حرز إلا الذي زمامه بيده و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي:

تكون في حرز بشرطين أحدهما أن تكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها كلها، و الثاني أن يكون مع الالتفات إليه مراعيا لها. دليلنا أن كون ذلك حرزا يحتاج إلى دليل و لا دليل على ذلك.

و قال في المبسوط: و ان كان يسوق قطارا من الإبل أو يقودها و يكثر الالتفات إليها فكلها في حرز و قال قوم: إن الذي زمامه في يده في حرز دون الذي بعده، و الأول أصح عندنا «1».

______________________________

(1) المبسوط كتاب السرقة ص 45.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 88

و الذي استدل به على ذلك على ما ذكره المحقق هو قصة صفوان. كما انه ذكر في المسالك بعد ذكر قول الشيخ: و لهذا قطع

النبي (ص). سارق رداء صفوان بن أمية من المسجد مع كونه غير محرز الا بمراعاته و الرواية وردت بطرق كثيرة إلخ.

أقول: روى محمد بن علي بن الحسين قال: كان صفوان بن أمية بعد إسلامه نائما في المسجد فسرق ردائه فتبع اللص و أخذ منه الرداء و جاء به الى رسول الله صلى الله عليه و آله و أقام بذلك شاهدين عليه فأمر صلى الله عليه و آله بقطع يمينه فقال صفوان: يا رسول الله أ تقطعه من أجل ردائي؟ فقد و هبته له فقال عليه السلام: الا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ فقطعه فجرت السنة في الحد أنه إذا رفع إلى الإمام و قامت عليه البينة أن لا يعطّل و يقام «1».

و لا دلالة في هذا النقل على ما ذكره الشيخ رحمه الله.

و في طريق آخر عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه؟ قال: إنّ صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع ردائه و خرج يهريق الماء فوجد ردائه قد سرق حين رجع إليه فقال:

من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبي (ص). فقال: اقطعوا يده فقال صفوان: يقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأنا أهبه له فقال رسول الله (ص). فهلّا كان هذا قبل أن يرفعه إليّ قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال: نعم.

أقول: و هذا أيضا لا يصح التمسك به للمقام لأن المفروض المصرّح به أنه قد سرق منه حينما كان غائبا و قد خرج لإراقة الماء و لذا قال في الجواهر: و هو صريح في غيبة صفوان لا مراعاته.

قال في المسالك:

و في الاستدلال بهذا الحديث للقول بأن المراعاة حرز نظر

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب حد السرقة ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 89

بيّن، لأن المفهوم منها و به صرّح كثير أن المراد بها النظر الى المال فإنّه لو نام أو غفل أو غاب زال الحرز فكيف يجمع الحكم بالمراعاة مع فرض كون المالك غائبا عنه؟

ثم قال: و في بعض الروايات: أنّ صفوان نام فأخذ من تحته. و الكلام فيه كما سبق، و إن كان النوم عليه أقرب الى المراعاة مع الغيبة عنه. و في المبسوط فرض المسألة على هذا التقدير و اكتفى في حرز الثوب بالنوم عليه أو الاتكاء عليه أو توسّده و احتجّ عليه بحديث صفوان فإنه سرقة من تحت رأسه من المسجد و إن كان متوسّدا فيه و هذا أوجه. انتهى.

أقول: قال الشيخ في المبسوط ص 42: و إن كان معه ثوب ففرشه و نام عليه أو اتّكأ عليه أو نام و توسّده فهو في حرز في أي موضع كان في البلد أو البادية لأن النبي صلى الله عليه و آله قطع سارق رداء صفوان و كان سرقه من تحت رأسه في المسجد لأنه كان متوسّدا له فإن تدحرج عن الثوب زال الحرز.

هذا و هنا إشكال آخر في جعل المراعاة حرزا و ذلك لأن السارق إن أخذ المال مع نظر المالك إليه فقد تحققت المراعاة و لم يحصل الشرط و هو أخذه سرا و إنما يكون مستلبا غاصبا و هو لا يقطع يده و إن كان مع الغفلة عنه لم يكن محرزا بالمراعاة. و في المسالك بعد ذلك: فظهر أن السرقة لا تتحقق مع المراعاة

و إن جعلناها حرزا و هذا هو الوجه.

و احتمل في الجواهر بعد الإشكال بأنه صريح في غيبة صفوان: و يمكن حمله على أنه قد أحرزه حال خروجه لإراقة الماء.

و فيه أنه خلاف الظاهر من لفظ الخبر.

ثم إن المحكى عن ابن أبي عقيل هو أن السارق يقطع من أي موضع سرق من بيت أو سوق أو غير ذلك و رواية صفوان على الوجه المروي تصلح دليلا على مذهبه كذا في المسالك إلا أنه يرد عليه كما في الجواهر بأنه مناف لاعتبار الحرز نصا و فتوى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 90

و قد حمل الصدوق قدس سره رواية صفوان على أنه قد سرق السارق الرداء فأخفاه و لذلك فقد قطع النبي (ص). يده و لو لم يخفه لعزّره فإنه لا قطع من المواضع التي يدخل إليها بغير إذن كالحمامات.

و في المسالك: و بعض العلماء فسّر الحرز بما على سارقه خطر لكونه ملحوظا غير مضيّع إمّا بلحاظ دائم أو بلحاظ معتادة و على هذا يتوجّه الحكم في الرواية بقطع سارق الرداء لأن سارقه في المسجد على خطر من أن يطّلع عليه و هذا التفسير متوجه و مناسب لما يقتضيه النظر من كون المراعاة بالعين حرزا في مجامعته لإمكان سرقته بمغافلة المالك إذ لا يشترط فيه دوام النظر بل المعتاد منه المجامع للغفلة على وجه يمكن سرقته منه و إلى هذا ذهب الشيخ في موضع من المبسوط و إن اختار الأول في مواضع انتهى.

أقول: و فيه ما أورده في الجواهر من أنه مختلس عرفا لا سارق يقطع.

قال في مجمع البحرين- في مادة خلس- لا يقطع المختلس و هو الذي يأخذ المال خفية من غير الحرز. و المستلب

هو الذي يأخذه جهرا و يهرب مع كونه غير محارب يقال: خلست الشي ء خلسا من باب ضرب اختطفته بسرعة على غفلة انتهى.

و قد تقدم أن كونه على خطر من أن يطّلع عليه يجري في موارد لا يحكم فيها بالسرقة كما في الأماكن المعدّة للعموم المأذون في دخولها للكل و عامّة الناس، فإن فيه خطر اطلاع صاحب المال أو غيره عليه فالحق هو أنه لا يعد المراقبة حرزا و لا أقل من الشك في تحقق شرط القطع و هذا بنفسه كاف في عدم الجواز لأن المشروط بشي ء لا بدّ من إحراز شرطه فلا حاجة إلى أصل العدم على ما في الجواهر و ذلك لما تقدم من أن الشرط لا بد و أن يحرز.

و أما التمسك بعموم آية السرقة ففي الجواهر أنه لا يجدي ذلك بعد العلم بتقييد السارق بالحرز. يعني أنه من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يجوز القطع حتى يقطع بالجواز.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 91

نعم مقتضى ما افاده بعض المعاصرين- و قد تقدم آنفا- جواز التمسك به و ذلك لأن المفهوم مجمل و المخصّص منفصل فيؤخذ بالقدر المتيقن من التخصيص و يتمسك فيما بقي بعموم العام.

ثم إنه قد اتضح أن المحقق اختار عدم القطع في المأخوذ من الأماكن المزبورة و نقل قولا بكفاية المراعاة في صدق الحرز و جواز القطع. لكن تردّد فيه بل منعه صاحب الجواهر و علل ذلك بقوله: ضرورة عدم صدق الحرز عرفا على ذلك بل لعله من المختلس الذي لا يقطع كما سمعته في النصوص السابقة و لا أقل من الشك في كونه سارقا أو مختلسا فيدرأ الحد عنه مضافا إلى خبر السكوني السابق إلخ.

و

الخبر هذا: عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كل مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه يعني الحمامات و الحانات و الأرحية. و رواه الصدوق بإسناده عن النوفلي و زاد:

و المساجد «1».

و ظاهره بمقتضى الإطلاق هو أنه لا يقطع في تلك الموارد سواء كانت تحت مراعاة المالك و مراقبته أم لا.

ثم إنك قد علمت أنّ المحقق قد ذكر من الشرائط أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن فجعل الدفن أيضا من الحرز. و قد قيّد ذلك بعض كصاحب الرياض بالعمران، و احترز به عما إذا دفن في خارجه فإنه لا يعدّ حرزا و إن كان في داخل بيت مغلق لعدم قضاء العرف به مع عدم الخطر على سارقه.

و قد نبّه على ذلك في الجواهر أيضا ثم أورد عليه بمنع عدم الصدق عرفا مع عدم العلم بالدفن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من أبواب حد السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 92

سارق ستارة الكعبة

قال المحقق: و هل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قال في المبسوط و الخلاف: نعم و فيه إشكال لأن الناس في غشيانها شرع.

أقول: قال الشيخ في الأول: من سرق من ستارة الكعبة ما قيمته ربع دينار كان عليه القطع عندنا إذا كانت مخيطة على الكعبة و قال قوم: لا قطع في ستارة الكعبة و روى أصحابنا أن القائم عليه السلام إذا قام قطع بني شيبة و قال: هؤلاء سرّاق الله، فدل ذلك على أن فيه القطع. انتهى «1».

و قال في الثاني: من سرق من ستارة الكعبة ما قيمته ربع دينار وجب قطعه و به قال الشافعي و

قال أبو حنيفة: لا قطع في جميع ذلك. دليلنا الآية و الخبر و هما على عمومهما و روى أصحابنا أن القائم إذا قام قطع أيدي بني شيبة و علّق أيديهم على البيت و نادى مناديه: هؤلاء سرّاق الله و لا يختلفون في ذلك. و روى أن سارقا سرق قبطيّة من منبر رسول الله (ص). فقطعه عثمان و لم ينكر ذلك أحد.

انتهى «2».

و ظاهر كلامه الأول أن كونها مخيطة على الكعبة أوجب كونها حرزا فيقطع يد السارق.

و كيف كان فالذي تمسك به في الحكم بالقطع عموم الآية و الروايات الدالة على القطع و خصوص رواية قطع أيدي بني شيبة [1].

______________________________

[1] أقول: في الوسائل ج 9 باب 22 من أبواب مقدمات الحج ح 3 عن ابن أبي حمزة قال يحج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشوراء اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام و يقطع أيدي بني شيبة و يعلقها في الكعبة.

و في ح 9 عن جعفر بن محمد: إن قائمنا لو قد قام لقد أخذهم- يعني بني شيبة- فقطع أيديهم و طاف بهم و قال: هؤلاء سراق الله.

______________________________

(1) المبسوط كتاب السرقة ص 33.

(2) الخلاف باب الحدود ص 163 مسألة 22.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 93

أقول: إن روايات قطع أيدي بني شيبة لا دلالة لها على المطلب بعد عدم كون ستارة الكعبة مما أحرز فإمّا أن تحمل الروايات على أنهم كانوا يسرقون أموال الناس و الزائرين مما أحرز في المسجد الحرام.

و إن كان يرد عليه أنّ من شرائط الحرز هو أن لا يكون بيد السارق فلو غصب غاصب دار غيره ثم أخذ ما فيها فليس هو بسارق. فإذا كانت حضانة البيت بأيدي بني

شيبة غصبا فأخذ ما فيه ليس من السرقة.

و إمّا أن تحمل على أنهم اغتصبوا الحق من بني هاشم و أخذوها من بداية الإسلام و من أوّل يوم من صاحبه و وليّ أمر المسلمين، و من يؤول أمر تلك المشاهد المشرفة و الأماكن المقدسة إليه و تصدوا بأنفسهم هذا المنصب الشريف فيكون إطلاق سرّاق الله عليهم من باب المجاز و الكناية فقطع أيديهم لمكان إفسادهم و اغتصابهم أمر الحرم الشريف و على هذا ليس قطع أيدي بني شيبة بيد الحجة عجل الله تعالى فرجه لأجل السرقة المصطلحة.

هذا مضافا إلى أن ستارة الكعبة ليست مملوكا لأحد فكيف يقطع سارقها إلا أن يمنع اعتبار المالك الشخصي و يقال بالاجتزاء بملك الجهة- كما في الوقف- في صدق السرقة و ترتيب أحكامها و على الجملة كيف يستدل بها على أن سرقة ستارة الكعبة توجب القطع بعد أنّها لم تكن في حرز عرفا و أنها ليست مملوكة لأحد من الناس [1].

______________________________

و في ح 13 عن عبد السلام عن الرضا عليه السلام قال: قلت له: بأي شي ء يبدأ القائم منكم إذا قام؟

قال: يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم لأنه- لأنهم ظ- سراق بيت الله تعالى. و في ح 6 أيضا ما يناسب المقام.

[1] أقول: و في دفتر مذكرات سيدنا الأستاذ الأكبر، هنا: اللهم إلا أن يقال بذلك بإطلاق الأدلة فيتجه حينئذ القطع مع فرض إحراز الشرائط التي فرضها في ستارة الكعبة و معلقات الحضرات المشرفة بأن يهتك حرزها المعلق عليها أو يثقب أو يتسلق إليها كما وقع في زماننا في روضة أمير المؤمنين و سيد الوصيّين عليه السلام. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 94

و قد استشكل المحقق أيضا في قطع

سارق ستارة الكعبة معللا بأن الناس في غشيانها شرع.

و في المنجد: الشرع و الشرع المثل. يقال: الناس في هذا شرع واحد. و هم في هذا شرع أي سواء و هما شرعان أي مثلان.

و في مجمع البحرين: و في الحديث: الغلام و الجارية شرع سواء. هو مصدر يستوي فيه الواحد و الاثنان و الجمع و المذكر و المؤنث و تفتح الراء و تسكن أي متساويان في الحكم لا فضل لأحدهما على الآخر. و قوله: شرع سواء كأنه من عطف البيان لأن الشرع هو السواء إلخ.

و على هذا فيكون السرقة منها كالسرقة من الحمامات و لا تكون حينئذ من الحرز و قد حكى عن ابن إدريس الجزم بالعدم لذلك.

هذا بالنسبة لقصة بني شيبة و أما العمومات كتابا و سنة فهي مخصصة بأدلة الحرز على ما مر.

و أما ما ذكره في الخلاف من قطع سارق القبطية و هي ثياب من كتّان منسوبة إلى القبط. و حيث انه صدر من عثمان فيمكن أن يكون قد استفاد هو أنّ الملاك هو كونه محل خطر فلذا أقدم على قطع يده و إلا فهناك أيضا يجري الإشكال.

السرقة من جيب الإنسان أو كمّه

قال المحقق: و لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمّه الظاهرين و يقطع لو كانا باطنين.

أقول: و في الجواهر: على المشهور بين الأصحاب بل في كشف اللثام إنهم قاطعون بالتفصيل المزبور كما عن غيره نفي الخلاف فيه بل عن الشيخ و ابن زهرة الإجماع عليه.

و مستند ذلك روايتان

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 95

إحديهما عن مسمع أبي سيّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام أتى بطرّار قد طرّ من رجل من ردنه دراهم قال:

إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم نقطعه و إن كان طرّ من قميصه الأسفل قطعناه «1».

و الأخرى رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام بطرّار قد طرّ دراهم من كمّ رجل قال: ان كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه و إن كان طرّ من قميصه السافل «الداخل» قطعته «2».

و مقتضاهما أن الملاك في الظاهر و الباطن هو الثوب الظاهر و الباطن فإذا سرق من الثوب الباطن أى الأسفل فهناك يقطع سواء كان من ظاهره أو باطنه و إذا سرق من الثوب الظاهر أي الأعلى فلا يقطع و إن سرق من جيبه الباطن. و الظاهر أن ذلك من باب مصداق الحرز فان الثوب الأسفل مصداق للحرز دون الظاهر كما أن للباطن مصونية عند العرف لعدم كونه في متناول السارقين و على الجملة فليس هذا تقييدا.

و قد ظهر من الروايتين أن الظاهر و الباطن صفتان للثوب لا للجيب و الكم و إن احتمل ذلك في بعض الكلمات و ذلك لجعلهما صفة للقميص فيهما هذا مضافا الى أن الظاهر و الباطن لا يتحققان في الكم و ان كانا يتحققان في الجيب.

قال الشيخ: من سرق من جيب غيره و كان باطنا بأن يكون فوقه قميص آخر أو من كمه و كان كذلك كان عليه القطع و إن سرق من الكم الأعلى أو الجيب الأعلى فلا قطع عليه سواء شده في الكم من داخل أو من خارج و قال جميع الفقهاء: عليه القطع و لم يعتبروا قميصا فوق قميص الا أن أبا حنيفة قال: إذا شده في كمه فإن شدّة من داخل و تركه من خارج فلا قطع عليه و إن

شدّه من خارج و تركه من داخل فعليه القطع، و الشافعي لم يفصل.

______________________________

(1) الكافي ج 7 ص 226 و الردن بالضمّ أصل الكمّ.

(2) الكافي ج 7 ص 226، و راجع الوسائل ج 18 باب 13 من أبواب حد السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 96

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و أيضا الأصل براءة الذمة و أيضا ما ذكرنا مجمع على وجوب القطع فيه و ما ذكروه ليس عليه دليل انتهى «1».

ثم إن بذلك يجمع بين سائر روايات الباب فإنها بين مطلق في قطع الطرّار و مطلق بعدم قطعه.

فمن الأول ما رواه منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يقطع النباش و الطرار و لا يقطع المختلس «2».

و من الثاني رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

ليس على الذي يستلب قطع و ليس على الذي يطرّ الدراهم من ثوب قطع «3».

و رواية عيسى بن صبيح قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطرّار و النباش و المختلس قال: لا يقطع [1].

و نتيجة الجمع و الحمل أن النافي متعلق بالظاهر، و المثبت متعلق بالباطن و لكن حيث إنّا قد استفدنا أن ذكر اللباس الباطن كان من باب صعوبة الأخذ منه فهو حرز بخلاف اللباس الظاهر فإنه يسهل الأخذ منه عرفا فلذا قد يكون الثوب الظاهر أيضا من الحرز كما إذا أخذ من الجيب الذي كان في باطن هذا الثوب خصوصا إذا كان قد شدّه هناك.

و لو شكّ في كونه حرزا أم لا فالأمر على ما تقدم في أشباهه و نظائره من أنه على رأي مثل صاحب الجواهر لا بد من الاحتياط

لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية خلافا لما يقوله بعض من كونه من باب الشبهة المفهومية فيؤخذ بالمتيقن من المخصص اي عدم الحرز و يتمسك فيما سواه بالعام.

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 13 من أبواب السرقة ح 4، ثم ان الطرّ هو الشق و القطع كما عن الصحاح و منه الطرّار.

______________________________

(1) الخلاف المسألة 51 من باب السرقة.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 13 من أبواب السرقة ح 3.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 13 من أبواب السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 97

لا يقال: إن إجمال القيد يسرى الى المطلق فلم يكن إطلاق بعد ذلك.

لأنا نقول: إن هذا جار في المخصّص المتصل دون المنفصل، و ما نحن فيه كذلك.

ثم إنه قد أورد في المسالك على رواية مسمع و رواية السكوني بقوله: و في الروايتين ضعف.

و فيه مضافا الى عدم تسلم ذلك في رواية السكوني كما قد عبّر عنها في الجواهر بالقوى، أنّ ضعفهما منجبر بالشهرة المحققة بين الأصحاب و الإجماع المحكى و غير ذلك مما تقدم.

سرقة الثمرة

قال المحقق: و لا قطع في ثمرة على شجرها و يقطع لو سرق بعد إحرازها.

أقول: هنا قد فصل بين ما إذا كانت الثمرة على الشجرة و ما إذا اقتطفت و أحرزت فلا يقطع في الأول و يقطع في الثاني، و لم يفصل بين كون الشجر ذات الثمرة في الحرز بقفل أو غلق أو غير ذلك و عدمه (فقد يكون الشجرة المثمرة في بستان له باب مقفل). كما أنه قد قيد الثمرة المقتطفة بكونها في حرز حتى يقطع لأجلها. و لم يتعرض لما إذا اقتطفت لكنها كانت تحت الشجرة و لم تحمل إلى مكان

حريز.

إلا أن يقال بأن الغالب في النخيلات الكثيرة هو كونها في أراضي بلا جدار و لا باب. و في المسالك بعد هذه العبارة من المحقق: هذا الحكم هو المشهور بين الأصحاب وردت به الأخبار الكثيرة و قد تقدم بعضها، و ظاهر عدم الفرق بين كون الثمرة على الشجرة و بين المحرزة بغلق و نحوه و غيرها و هي على إطلاقها مخالفة للأصول المقررة في الباب إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 98

و قد خالف في هذا الحكم العلامة في القواعد حيث إنه بعد الحكم بعدم القطع في ثمرة على شجرها بل بعد قطعها و إحرازها قال: و لو كانت الشجرة في موضع محرز كالدار فالأولى القطع مطلقا انتهى [و تبعه على ذلك ابنه فخر الدين في الشرح].

و في الجواهر قال في شرح الفرع الثاني من الفرعين في المقام: لا خلاف فيه و لا إشكال إنما الإشكال في إطلاق عدم القطع بالأول الذي مقتضاه ذلك حتى مع الإحراز بغلق و نحوه بقوة انصراف الإطلاق نصا بل فتوى إلى ما هو الغالب من عدم الحرز لها في حال كونها على الشجرة- و هنا أيّد ذلك بكلام العلامة في القواعد و تبعية ولده له- ثم قال:

و ربما يؤيده مضافا إلى عموم الأدلة خصوص خبر إسحاق عن الصادق عليه السلام في رجل سرق من بستان عذقا قيمته درهمان قال: يقطع بناء على أنهما ربع دينار و قد سرق من الحرز مضافا إلى ضعف سند النصوص المطلقة و لا شهرة محققة جابرة على وجه يخص بها إطلاق ما دل على القطع بسرقة ما في الحرز كتابا و سنة فالأولى حينئذ التفصيل كما في المسالك و الروضة و غيرهما

انتهى.

و كيف كان فالروايات الواردة في المقام التي أوردها في باب 23 على قسمين:

قسم مطلق و قسم مقيّد.

فمن الأول خبر السكوني عن أبي عبد الله قال: قضى النبي صلى الله عليه و آله فيمن سرق الثمار في كمه فما أكلوا منه فلا شي ء عليه و ما حمل فيعزّر و يغرم قيمته مرتين (ح 2).

و عنه قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لا قطع في ثمر و لا كثر، و الكثر شحم النخل (ح 3).

و عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أخذ الرجل من النخل و الزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع فإذا صرم النخل و حصد الزرع فأخذ قطع (ح 4)

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 99

و عن الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يقطع من سرق شيئا من الفاكهة و إذا مر بها فليأكل و لا يفسد (ح 5).

و في وصية النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي لا قطع في ثمر و لا كثر (ح 6).

و اما الثاني فهو خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل سرق من بستان عذقا قيمته درهمان قال: يقطع به (ح 7).

فالمطلقات الدالة على عدم القطع تحمل بقرينة هذا الخبر الأخير [1]. على ما إذا لم يكن هناك حرز فاذا كانت الشجر محرزا فلا بد من أن يكون السرقة منها موجبة للقطع. كما و انّ أدلة الحرز أيضا تقتضي ذلك اي تقييد المطلقات و الحكم بالقطع في فرض كون الشجر محرزا.

السرقة في عام مجاعة

قال المحقق: و لا على من سرق مأكولا في عام مجاعة.

أقول: ظاهر إطلاقه بالنسبة

للمأكول عدم الفرق بين كونه كذلك بالفعل أو بالقوة كما أنه قال الشهيد الثاني في المسالك: و المراد بالمأكول الصالح للأكل فعلا أو قوة كالخبز و اللحم و الحبوب انتهى. كما أن مقتضى حكمه بعدم القطع في عام المجاعة هو موضوعية عام المجاعة و أن تمام الملاك و المناط هو كون العام كذلك بلا فرق بين اضطرار السارق إلى السرقة و عدمه فلا يقطع السارق في عام المجاعة مطلقا مضطرا كان أو غير مضطر بأن كان متمكنا لكن بثمن غال مثلا.

قال في المسالك: و مقتضى إطلاقه كغيره عدم الفرق بين المضطر و غيره فلا يقطع السارق في ذلك العام مطلقا عملا بالنصوص و هي إلى آخر كلامه.

______________________________

[1] أقول: كيف يقال بتقييد المطلقات برواية إسحاق بن عمار و الحال أن ذكر القيد فيها ليس من كلام الإمام على ما هو الظاهر منها و إنما هو من سؤال الراوي؟

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 100

أقول: إنّ حمل النصوص على ما هو وفاق القاعدة يوجب ارادة خصوص المضطر و صورة الاضطرار كما أنّ ذلك أيضا مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، و الظاهر من مفهوم المجاعة المأخوذ من الجوع.

و على الجملة فيبعد في النظر جريان الحكم على من سرق في عام المجاعة و إن لم يكن مضطرا و ذلك لأن السارق المتمكّن في عام المجاعة كالسارق في غير عام المجاعة.

كما و ان صاحب الجواهر أيضا ناقش في شمول النصوص للمضطر و غيره بعدم انسباق الثاني منه قال: نعم يدخل فيه المشتبه حاله.

و لكن مع ذلك كله يمكن توجيه الإطلاق و حمل النصوص على خلاف القاعدة فإنّ ذلك أيضا لا يخلو عن وجه. بيانه أنّه يمكن أن يكون

الشارع بلحاظ كون العام عام مجاعة و أنّ نوع الناس و أكثرهم في مضيقة العيش و ضنك من الحياة راعي مصلحة عامّة الناس و رفع حكم القطع بنحو العموم حتى عن المتمكن فيكون من باب التفضّل لمصلحة العامة بلا فرق بين المضطر و غيره.

و في كلام الشيخ التفصيل بين وجود الطعام مع ثمن غال فيقطع و تعذره فلا يقطع.

فقال في الخلاف: روى أصحابنا أن السارق إذا سرق عام المجاعة لا قطع عليه و لم يفصلوا و قال الشافعي: إن كان الطعام موجودا مقدورا عليه و لكن بالثمن الغالي فعليه القطع و إن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه فسرق سارق طعاما فلا قطع عليه، دليلنا ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا قطع في عام مجاعة و روى ذلك عن عمر أنه قال: لا قطع في عام مجاعة لا قطع في عام السنة و لم يفصلوا «1».

و قال في المبسوط: إن سرق في عام مجاعة و قحط فإن كان الطعام موجودا

______________________________

(1) الخلاف كتاب السرقة المسألة 27.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 101

و القوت مقدورا عليه لكن بالأثمان الغالية فعليه القطع و إن كان القوت متعذّرا لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه و روى عن علي عليه السلام أنه قال: لا قطع في عام المجاعة و روى: لا قطع في عام السنة انتهى «1».

و هو و إن فصل بين كون الطعام موجودا مقدورا عليه لكنّه يحتاج إلى الأثمان الغالية و بين كون الطعام متعذرا لا يقدر عليه فحكم بالقطع في الأول دون الثاني إلا أنّ الظاهر أنّ التعذر لفقدان الثمن الغالي و عدم القدرة عليه

أيضا يكون كتعذر الطعام.

و لنراجع روايات المقام. فعن زياد القندي عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع السارق في سنة المحل [المحق] في شي ء مما يؤكل مثل الخبز و اللحم و أشباه ذلك «2».

و رواه الصدوق بإسناده عن زياد بن مروان القندي مثله إلا أنه قال: و اللحم و القثاء.

و عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع السارق في عام سنة يعني عام مجاعة «3».

و عن عاصم بن حميد عمّن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يقطع السارق في أيام المجاعة «4».

و عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة- يعني المأكول دون غيره «5».

ترى أن الأخبار كلها مطلقة من جهة الاضطرار التمكن لكنا نقول هنا ما قلناه

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 33.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 25 من أبواب حد السرقة ح 1.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 25 من أبواب حد السرقة ح 2.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 25 من أبواب حد السرقة ح 3.

(5) وسائل الشيعة ج 18 باب 25 من أبواب حد السرقة ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 102

بالنسبة لعبارة المحقق من أن الظاهر ارادة خصوص المضطر لما تقدم و إن ذكرنا أيضا ما يوجه به الإطلاق.

نعم يبقى في المقام إشكال و هو أنه لو كان المراد هو المضطر فإذا لا فرق بين عام المجاعة و غيرها فان بالاضطرار يرتفع التكليف سواء كان في عام المجاعة أم لا.

و يمكن دفعه بأن ذكر عام المجاعة لإراءة مصداق من مصاديق الاضطرار [1].

هذا

من جهة الاضطرار و عدمه.

و اما من حيث المأكول و غيره فبعض هذه الأخبار مطلقة و هو خبر السكوني و خبر عاصم بن حميد و رواية السكوني الأخيرة فإن الظاهر أن جملة: يعني في المأكول دون غيره، من كلام الشيخ الصدوق رضوان الله عليه تفسيرا و بيانا للرواية.

و لكن مرسل زياد القندي مقيد بما يؤكل فلذا يحمل المطلقات على المقيد كما صرح بذلك في المسالك أيضا.

و إن كان قد استشكل عليه في الجواهر بقوله: و فيه أنه لا يتأتى على وجه يقتضي التقييد. انتهى.

لكنا لم نتحقق المراد منه بعد أن رواية القندي متضمنة لقوله: في شي ء يوكل، و هو كالمقيد بالنسبة إلى الروايات الأخرى المطلقة، و المشهور هو الحكم بعد القطع في خصوص المأكول لا مطلقا [2].

______________________________

[1] أقول: و قد أجاب في الروضة عن هذا الإشكال بطريق آخر فإنه بعد أن نفى البأس عن قول بعضهم بالتقييد قال: نعم لو اشتبه حاله اتجه عدم القطع أيضا عملا بالعموم و بهذا يندفع ما قيل إن المضطر يجوز له أخذه قهرا في عام المجاعة و غيره لأن المشتبه حاله لا يدخل في الحكم مع أنا نمنع جواز أخذ المضطر له قهرا مطلقا بل مع عدم إمكان إرضاء مالكه بعوضه كما سبق و هنا الثابت الحكم بكونه لا يقطع إذا كان مضطرا مطلقا و ان حرم عليه أخذه فالفرق واضح. انتهى

[2] أظن أن علة اشكال الجواهر أنه يحتمل ان يكون المراد من أشباه ذلك هو غير المأكول لا أن يكون المشار اليه هو الخبز و اللحم. و قد ذكرت في مجلس الدرس لكن سيدنا الأستاذ الأكبر لم يقبل ذلك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 103

و في

الرياض: و إطلاقها و إن شمل سرقة المأكول و غيره إلا أنه مقيّد بالأول بالاتفاق على الظاهر و ظاهر الخبر: لا تقطع السارق في سنة المجاعة في شي ء مما يؤكل. و أظهر منه آخر مرويّ في الفقيه: لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة يعني في المأكول دون غيره، فتأمل.

و قد أورد عليه صاحب الجواهر بقوله: الظاهر أن ذلك من الصدوق لتخيل كونه المستفاد من النصوص لا أنه رواية عن الإمام عليه السلام و حينئذ فالتعميم أولى. انتهى.

أقول: سلمنا ذلك أي كون التفسير من الصدوق لا من الإمام، و لكن ما يصنع برواية زياد القندي الناطقة بذلك [1].

ثم بعد أن ثبت أن المراد هو خصوص المأكول فنقول: لا فرق في ذلك بين كونه مأكولا بالفعل أو بالقوة كما صرح بذلك الشهيد الثاني في المسالك و الروضة فجعل المراد الصالح للأكل قوة أو فعلا [2].

خلافا لصاحب الجواهر حيث قال بأنه لو قلنا بالتقييد بالمأكول لا ينسبق غير المأكول فعلا من الخبر، كالحبوب و نحوها قال: و الأصل في ذلك أن الحكم مخالف لإطلاق الأدلة فالمناسب الاقتصار فيه على المتيقن.

أقول: الحق ما أفاده الشهيد الثاني فإنه قد استند في ذلك إلى رواية القندي المشتملة على اللحم أيضا الظاهر في المأكول لا بالفعل بل بالقوة و لا أقل من كونه على قسمين المطبوخ المأكول بالفعل و غيره المأكول بالقوة فمقتضى الخبر هو العموم فيشمل المأكول بالقوة أيضا.

______________________________

[1] أقول: إنه بعد أن استشكل صاحب الجواهر أولا في دلالة هذا الخبر لا وجه للإشكال عليه بذلك.

[2] قد تقدم نقل عبارته في المسالك و اما كلامه في الروضة: و المراد بالمأكول هنا مطلق المأكول قوة أو فعلا كما ينبه عليه المثال

في الخبر راجع ج 2 ص 356.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 104

نعم يراد منها القوة القريبة لا البعيدة و ذات الوسائط الكثيرة، و كلما صار موردا للشبهة فقاعدة الدرء تقتضي درء الحد عنه.

في سرقة الصغير

قال المحقق: و من سرق صغيرا فإن كان مملوكا قطع.

أقول: و ادعى عليه في الجواهر عدم الخلاف فقال بعد العبارة المذكورة: بلا خلاف بل و لا إشكال مع جمعه ما سمعته من الشرائط السابقة كالحرز و نحوه ضرورة كونه كغيره من الأموال. انتهى.

و لا يخفى أن مفروض الكلام كما صرح به في الجواهر هو ما إذا كانت الشرائط الأخر مفروغا عنها و ذلك لان جهة البحث في المقام هو كون المسروق مملوكا و حيثية المملوكية و حيث إنه يصدق السرقة بلا كلام في ما إذا كان المملوك صغيرا فلذا يحكم عليه بالقطع كغيره من الأموال بل في الرياض: بلا خلاف منا إذا كان صغيرا بل ظاهر بعض العبارات الإجماع عليه منّا لأنه مال فيلحقه حكمه انتهى كلامه.

و أما إذا كان كبيرا مملوكا فقد ذكر كثير ممن رأينا كلماتهم أنه لا قطع هناك و استدلّوا على ذلك بأن الكبير متحفظ بنفسه إلا أن يكون نائما أو في حكمه أو لا يعرف سيده من غيره فإنه حينئذ كالصغير هكذا في القواعد و المسالك و الرياض و الجواهر.

أما الأول فواضح، و أما إذا لم يعرف مولاه فإنه يذهب مع من يخيّل إليه أنه مولاه سرقة و غيلة و خداعا و لعلهم رضوان الله عليهم أرادوا باستدلالهم بالتحفظ في الأول أنه معه لا يصدق السرقة حتى يقطع.

و في الرياض بعد ذكر الاستدلال المزبور: كذا ذكره جماعة بل لم أجد فيه خلافا الا من

إطلاق العبارة. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 105

أقول: إن بين عبارة المحقق في الشرائع و المختصر النافع تفاوتا و ذلك لأنه جعل موضوع القطع في الأول هو الصغير المملوك في حين أنه في الثاني جعل الموضوع هو المملوك مطلقا قائلًا: و يقطع من سرق مملوكا. انتهى.

و في المبسوط بعد كلام له حول العبد الصغير و الكبير قال: و الفصل بينهما أن الصغير يسرق و الكبير يخدع و الخداع ليس بسرقة فلا يجب به القطع إلخ. «1».

و على هذا فلو كان كبيرا فحيث إنه يدافع عن نفسه و يعرف سيده و ينكر مالكيّة غيره فلا يصدق هناك عنوان السرقة و انما هو عنوان الغصب أو الخداع.

لكن في الجواهر بعد كلام الرياض المذكور آنفا: قلت: لعلّه المتّجه بعد فرض صدق اسم السرقة و لو بإكراهه خصوصا في المميّز المزبور، و دعوى أن الصغير المذكور يسرق بخلاف الكبير فإنه يخدع، يمكن منع إطلاق. انتهى.

أقول يعنى انه لو صدق السرقة و إن كان بالإكراه فهو مشمول أدلة القطع و إن كان كبيرا.

و لكن الظاهر صحة الكلام- اي قولهم بأنه لو كان كبيرا مميّزا فلا قطع بسرقته- على إطلاقه و ذلك لأن شرط القطع في السرقة هو الإخفاء فلو أخذ مالا مع مشاهدة المالك أو المملوك أو ثالث مع علم السارق بذلك و علمه بأنه يأخذ ملك الغير فلا يصدق عليه السرقة و هذا الأمر محقّق في الصغير غير المميز حيث إنه يمكن أخذه و الإخفاء به بحيث لا يلتفت أحد و هذا لا يجري في غيره خصوصا في الكبير فإنه يعلم بذلك نفس المملوك فالتعبير الكامل أن يقال: ان الصغير غير المميز يسرق بخلاف غيره فإنه

يخدع أو يغصب.

و على هذا فلا يصدق السرقة في الكبير أصلا لعدم تحقق الإخفاء فإنه لا يزال يلتفت نفس المملوك و لا يعتبر في الإخفاء كونه عن المالك بل الملاك الإخفاء حتى بالنسبة للمسروق الذي هو المملوك و حيث لا يصدق السرقة فلا يقطع.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 30.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 106

نعم لو كان نائما أو مثله فهناك يمكن أن يصدق ذلك و على هذا فلا يرد ما أورده صاحب الجواهر رضوان الله عليه.

ثم إنه لا فرق في المملوك بين القنّ و المدبّر و أم الولد نعم في المسالك: دون المكاتب لأن ملكه غير تامّ إلا أن يكون مشروطا فيلحق بالقن انتهى كما و أنه استشكل في القواعد في كون المكاتب كالقن.

و وجهه انه حيث لم يخرج بسبب الكتابة عن المالية فهو بحكم القن و يثبت له حكمه و من حيث عدم تمامية ملك السيد له لانقطاع تصرفه عنه و لا يملك المولى منافعه و لا استخدامه و لا أرش الجناية الواردة عليه بل هو يتملك ما يكتسبه- و ان أمكن منع الحكم الأخير كما في الجواهر- فهو بحكم الحي.

و عن العلامة أعلى الله مقامه في التحرير القطع بكون المشروط كالقن.

و في الجواهر بعد نقل ذلك: مع أنه لا فرق بينه و بين المطلق بالنسبة إلى الملكية.

انتهى.

و على هذا فالمكاتب كالعبد القن سواء كان مطلقا أو مشروطا، و لذا أورد عليه قدس سره في الجواهر قائلًا: و من الغريب قوله بلا فصل عما سمعت: و لو سرق من مال المكاتب قطع إن لم يكن سيده و لو سرق نفس المكاتب فلا قطع عليه لأن ملك سيده ليس بتامّ عليه فإنه

لا يملك منافعه و لا استخدامه و لا أخذ أرش الجناية عليه (قال:) إذ هو على فرض إرادته المطلق لا فرق بينه و بين المشروط في ذلك.

انتهى.

أقول: و لعله يجمع بين كلاميه بإرادة خصوص المطلق من الأخير كما أريد من الأول المشروط فالمكاتب المشروط يقطع سارقه لأن المشروط هو الذي يتوقف حريته و عتقه على أداء تمام مال الكتابة في قبال المطلق الذي يعتق منه بحسب ما يؤدي من مال الكتابة فهو ليس كالقنّ. هذا كله في سرقة العبد و اما الحر:

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 107

في سرقة الحرّ

قال المحقق: و لو كان حرا فباعه لم يقطع حدا و قيل يقطع دفعا لفساده.

أقول: قد اختلف في حكم سرقة الحر فقيل: لا يقطع لأنه ليس بمال و كون المسروق مالا شرط في حد السرقة إذ لا يتحقق بلوغ النصاب بدونه و لكن ذهب الشيخ و جماعة إلى أنه يقطع لا من حيث سرقته للمال بل من جهة كونه مفسدا في الأرض.

قال في النهاية في باب حد المحارب: و من سرق حرا فباعه وجب عليه القطع لأنه من المفسدين في الأرض.

و قال الفاضل المقداد في التنقيح: و المشهور مذهبه في النهاية. انتهى.

أقول: و على هذا فالحكم بالقطع تعبّد خاص و إلا فالحكم في المفسدين في الأرض ليس هو خصوص القطع بل هو أمور واحد منها ذلك. كما أنه لم يكتف بمجرد سرقة الحر بل ذكر بيعه أيضا بعد سرقته نظير ما صدر من إخوة يوسف بالنسبة إليه عليه السلام كما سيظهر ذلك من الأخبار أيضا.

و قد استدل على وجوب القطع بأمور:

أحدها الأولوية قال العلامة بعد أن ذكر أن المشهور هو القطع: لأن وجوب القطع في

سرقة المال إنما كان لصيانته و حراسته، و حراسة النفس أولى فوجوب القطع فيه أولى لا من حيث إنه سارق مال بل من حيث إنه من المفسدين.

انتهى «1».

و أورد في الجواهر على هذا الاستدلال بأنه لا يوافق مذهبنا خصوصا بعد تعليق الحكم بسرقة المال على وجه مخصوص لا يتم في الحر على وجه تتحقق به الأولوية المزبورة بحيث تصلح مدركا للحكم.

______________________________

(1) المختلف ص 777.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 108

أقول: إن القياس المصطلح هو إجراء الحكم في مورد لجريانه في مورد آخر يشابهه، و هو و ان كان يصح ان يقال انه ليس من مذهبنا إلا أن الذي تمسك به المستدل هو الأولوية و هو أمر مقبول عند الكل يتمسك به في الموارد كما في قوله سبحانه فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ، فإنه يقال: إذا حرم قول «أفّ» للوالدين بسبب الإيذاء فما هو أشد ايذاء منه أولى بالحرمة فالمناط هناك معلوم.

نعم يرد على الاستدلال المزبور بان الفحوى غير معلومة لعدم العلم بالمناط- لا الإيراد عليه بالقياس فإنه ليس من باب القياس- و يشهد على ذلك أي عدم العلم بالمناط أنه لم يعلّق الحكم بالقطع على مجرّد سرقة المال بل على سرقته على وجه مخصوص و مع الشرائط المعتبرة الخاصة مثل كونه من الحرز و بمقدار ربع دينار.

ثانيها الأخبار: فعن معاوية بن ظريف بن سنان قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن رجل سرق حرّة فباعها قال: فقال: فيها أربعة حدود أما أوّلها فسارق تقطع يده، و الثانية إن كان وطأها جلد الحدّ و على الذي اشترى إن كان وطأها إن كان محصنا رجم و إن كان غير محصن جلد الحد و إن كان

لم يعلم فلا شي ء عليه، و عليها هي إن كان استكرهها فلا شي ء عليها و إن كانت أطاعته جلدت الحد «1».

و عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام أتى برجل قد باع حرا فقطع يده «2».

و عن عبد الله بن طلحة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع الرجل و هما حرّان يبيع هذا هذا و هذا هذا و يفرّان من بلد إلى بلد فيبيعان أنفسهما و يفرّان بأموال الناس قال: تقطع أيديهما لأنهما سارقا أنفسهما و أموال الناس- المسلمين- «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 ب 20 من أحكام السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 20 من أحكام السرقة ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 20 من أحكام السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 109

و عن طريف بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن رجل باع امرأته؟ قال: على الرجل أن تقطع يده و ترجم المرأة و على الذي اشتراها إن و طأها إن كان محصنا أن يرجم إن علم و إن لم يكن محصنا أن يجلد مأة جلدة و ترجم المرأة إن كان الذي اشتراها وطأها «1».

و قد أورد على هذه الأخبار بضعف سندها و عدم جابر لها سوى الشهرة المحكية و في حصوله بها نوع مناقشة لا سيما مع رجوع الشيخ الذي هو الأصل في ذلك عمّا أفاده في النهاية كما سترى ذلك عن قريب.

و قد ردّ عليه في الجواهر بوضوح فساده بعد تحقق الشهرة المزبورة على القطع.

أي أن الشهرة محققة فلو نوقش في الجبر بالشهرة المحكيّة فلا مناقشة في الشهرة المحققة.

هذا مضافا

الى التعبير عن بعض هذه الروايات في كلماتهم بالمعتبرة و ذلك كرواية السكوني.

و هنا مناقشة أخرى قد اتّضح جوابها بما ذكرناه و هي أن القطع المزبور ان كان للفساد لا للسرقة فالمتجه جريان حكم المفسد عليه لا خصوص القطع.

و قد أجاب عنها أيضا في الجواهر بوضوح الفساد ضرورة كونها كالاجتهاد في مقابلة النص على أنه قابل لتخصيص ذلك الإطلاق. قال: و حينئذ فالتردّد الظاهر من المصنف و غيره في الحكم المزبور في غير محله.

ثم إن التعبير بالسرقة في بعض هذه النصوص مجازي يراد به حكم السرقة أي وجوب القطع و قد علمت أن بعض هذه الأخبار خال عن ذكر السرقة أصلا و إنما رتّب القطع فيه على مجرّد البيع و ذلك كخبر السكوني و خبر ابن طلحة و خبر ظريف بن سنان المذكور أخيرا، و على هذا فلو سرقه لكنه لم يبعه أدّب بما يراه الحاكم لأصالة عدم وجوب القطع بعد اختصاص النصوص بالبيع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 28 من أبواب حد الزنا ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 110

ثم إنه بعد أن كان الملاك هو الفساد فلا فرق فيما إذا سرق الحر، بين كونه صغيرا أو كبيرا كما هو ظاهر بعض هذه الأخبار بل صريح بعضها كونه هو الكبير فلذا لم يذكر في النهاية عن الصغير و الكبير شيئا و إنّما اكتفى بذكر الحر نعم عبّر في المبسوط و الخلاف بالصغير.

قال في الأول: إن سرق حرا صغيرا روى أصحابنا أن عليه القطع و به قال قوم و قال أكثرهم: لا يقطع. و نصرة الأول قوله: و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما، و لم يفرق فإن سرق حرا صغيرا و عليه

ثياب و حليّ ثقيل و الكل للصبي فلا قطع على من سرقة لأن يد الصبي على ملكه و لهذا المعنى قلنا في اللقيط: إذا وجد و معه مال كان المال له لأن يده عليه فإذا كانت يده على ملكه فلا قطع لأنه لم يخرج عن ملكه. هذا عند من قال: إذا سرقه لا يقطع فأما على ما قلناه فعليه القطع «1».

و قال في الخلاف في المسألة 18 من باب السرقة: إذا سرق عبدا صغيرا لا يعقل أنه لا ينبغي إلا من سيده وجب عليه القطع و به قال أبو حنيفة و محمد و الشافعي و قال أبو يوسف: لا قطع عليه كالكبير.

دليلنا قوله تعالى: و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما، و لم يفرق و قول النبي:

القطع في ربع دينار و لم يفصل لأنه أراد ما قيمته ربع دينار بلا خلاف و هذا يساوي أكثر من ربع دينار. انتهى.

و قال في المسألة 19: إذا سرق حرا صغيرا فلا قطع عليه و به قال أبو حنيفة و الشافعي و قال مالك: عليه القطع و قد روى ذلك أصحابنا.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم على أن القطع لا يجب إلا في ربع دينار فصاعدا، و الحر لا قيمة له بحال و قول النبي (ص): القطع في ربع دينار، يدل على ذلك أيضا لأنه أراد ما قيمته ربع دينار و هذا لا قيمة له. انتهى.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 كتاب السرقة ص 31.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 111

و ظاهر عبارة المبسوط و كذا السرائر أن وجوب القطع من باب السرقة و قد كان المذكور في العبارة هو الصغير الذي يتحقق فيه السرقة عرفا و لم يكن فيها ذكر

عن البيع.

و لو كان عليه ثياب أو حليّ يبلغ النصاب لم يقطع و إن كان صغيرا لثبوت يده عليها و لذا يحكم بأن ما في يد اللقيط له. فإن اللقيط و إن كان قد انقطع عن و الدية إلا أنه لم ينقطع عن أثوابه و ملابسه بل هو لابس لها و كذا الحر المسروق فإن أثوابه و إن كانت بمقدار النصاب قيمة فلا يقطع يد سارقه و إن كان هو بنفسه صغيرا لأنه مالك لأثوابه و لا بس لها فلم يكن يد غيره على ثيابه.

نعم لو فرض سرقته للمال مع سرقة نفسه على وجه لم تكن يده عليه بل كان يد السارق عليه فهناك اتجه القطع.

قال في المسالك: و لو كان معه ثياب أو معه مال يبلغ النصاب فإن كان كبيرا لم يتحقق سرقتها أيضا لأن يده عليها و لو كان صغيرا على وجه لا يثبت له يد اتجه القطع بالمال.

ثم قال: و مثله سرقة الكبير بماله نائما إلخ.

و أوضحه في الجواهر بقوله: و لو كان الحر كبيرا نائما على متاع فسرقه و متاعه قطع لسرقة المتاع بناء على أن نوم الكبير عليه حرز له و لسرقة الحر إن باعه، للنصوص السابقة.

ثم إنه الحق في المسالك بالنوم ما في حكمه من السكر و الإغماء كما أن العلامة أعلى الله مقامه الحق السكران و المغمى عليه و المجنون بالكبير النائم على متاع فسرق فقال: و لو كان الكبير نائما على متاع فسرقه و متاعه قطع و كذا السكران و المغمى عليه و المجنون. انتهى.

أقول: و الظاهر رجوع مسألة الحر النائم إلى رواية صفوان و نومه في المسجد على حسب بعض الأخبار الدال على نومه على عباءه

و قد تقدم نقله.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 112

و في الجواهر بعد أن ذكر: بل في القواعد و كذا النائم و السكران و المغمى عليه و المجنون: و لعله لعدم خروجهم بذلك عن الإحراز إذ ليسوا كالجماد لكنه لا يخلو عن نظر.

في سرقة المعير من بيت المستعير

قال المحقق: و لو أعار بيتا فنقبه المعير فسرق منه مالا للمستعير قطع و كذا لو آجر بيتا و سرق منه مالا للمستأجر.

أقول: هنا مسألتان إحديهما أن يعير بيته ثم نقبه و سرق مالا للمستعير من ذلك البيت. و الأخرى أن يوجر بيته ثم سرق من هذا البيت مالا للمستأجر و قد حكم المحقق في كلتيهما بالقطع لكن الظاهر أنهما ليستا على نهج واحد و حد سواء بل في الأول خلاف و إشكال.

قال في المسالك: إذا كان الحرز ملكا للسارق نظر إن كان في يد المسروق منه بإجارة فسرق منه الموجر فعليه القطع بغير إشكال لأن المنافع بعقد الإجارة مستحقة للمستأجر و الإحراز من المنافع و عند أبي حنيفة أنه لا يجب القطع على الموجر و وافق على أنه لو آجر عبده لحفظ متاع ثم سرق الموجر من المتاع الذي كان يحفظه العبد يجب القطع و إن كان الحرز في يده بإعارة فوجهان:

أحدهما أنه لا يجب القطع لأن الإعارة لا يلزم و له الرجوع متى شاء فلا يحصل الإحراز عنه.

و أصحّهما و هو الذي قطع به المصنف و العلامة و جماعة و رجّحه الشيخ في المبسوط و جماعة بعد أن نقل الأول عن قوم أنه يجب القطع لأنه سرق النصاب من الحرز و إنما يجوز له الدخول إذا رجع و عليه أن يمهل المعير بقدر ما تنقل فيه الأمتعة لا

مطلقا. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 113

ترى أنه ذكر أن في العارية وجهين بخلاف الإجارة ففيه وجه واحد ففي الإجارة يقطع لتحقق الإحراز و السرقة من الحرز بخلاف باب العارية فإنه يحتمل عدم القطع لأنها عقد جائز له أن يرجع متى شاء فلا يتحقق الحرز و يحتمل القطع لأنه ما لم يرجع فهو حرز فيقطع لمكان السرقة من الحرز.

و هذا لا يخلو عن اشكال و كلام فان إعارة الشي ء كالبيت و نحوه ليس معناها ممنوعية المعير عن الاستفادة عنه و الدخول فيه كالإجارة فإذا أعار بيته لآخر فوضع المستعير كتبه فيه إلا أن المالك المعير أيضا قد يدخل هذا البيت لبعض حوائجه فهل يمنع هو عن ذلك؟! فأيّ مانع عن دخوله فيه و الاستفادة منه و إن كان قد يكون هناك مانع لا يجوز معه الدخول فيه كما إذا كان فيه حرمه و زوجته و أهل بيته فإنه لا يجوز الدخول بلا إذن رعاية لحالهم و حفظا لسترهم و حجابهم إلى غير ذلك من الموارد الخاصة إلا أنه لا يمنع العارية من حيث هي هي عن ذلك و هكذا لو أعار عباءه ثم راى العباء عنده و أراد هو أن يصلي فيه فأي مانع يمنع عن ذلك مع أنه لم يرجع عن عاريته بعد أنه لا تمليك في باب العارية حتى يمنع المالك عنه ما لم يرجع فيه.

و إنى كلما تفحّصت في كلماتهم لم أعثر على من قال بأن إعارة الشي ء تمنع عن تصرف المعير فيه.

فإذا لم يكن هو بنفسه ممنوعا عن الدخول في البيت فلا يتحقق الحرز فلا يجوز القطع و لكن المسالك جعل الوجه الثاني أي تحقق الحرز و لزوم

القطع هو الأصح كما أن المحقق اختار ذلك و لم يذكر الوجه الآخر أصلا بل في الجواهر:

بلا خلاف أجده بل و لا إشكال للعمومات كما نفي الخلاف و الإشكال في القطع في صورة الإجارة.

ثم إن أبا حنيفة خالف في صورة الإجارة مع عدم الخلاف هناك فقال بعدم القطع و لذا نسب في الجواهر رأيه هذا إلى وضوح الفساد خصوصا بعد أنه حكم

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 114

بالقطع في ما إذا آخر عبده لحفظ متاع ثم سرق الموجر من المتاع الذي كان يحفظه العبد و إن ضعف احتمال عدم القطع فيه باعتبار أن الإحراز فيه بملاحظة العبد لا بنفس العبد المملوك للسارق فنفس الحرز ليس بمملوك له.

و لنا فيه كلام و هو أن الظاهر أنه لا يعتبر في الحرز كونه ملكا لصاحب المتاع فلو كان في الصحراء يحفظ مال أخيه أو زميله باختياره فهل لا يصدق على الأخذ منه أنه سرقه؟ ففي المقام أيضا قد تحقق الحرز و عدم كونه لصاحب المتاع ليس بقادح.

هنا فروع:

منها أنه لو كان الحرز مغصوبا عنه لم يقطع بسرقة مالكه الذي له هتكه لعدم كون المال في الحرز. و في الجواهر: بل في القواعد و المسالك و محكي المبسوط أن الدار المغصوبة ليس حرزا عن غير المالك لأنه إحراز بغير حق فكان كغير المحرز.

ثم أورد هو بقوله: لكن قد يقال بصدق العمومات.

أقول: لعل هذا هو الصحيح و ذلك لأنه يحرم على غيره نقبه و على هذا يكون حرزا و يصدق عليه الحرز، و السرقة من الحرز صادق على الحرز الحلال و غيره.

و منها ما ذكره بقوله: و لو كان في الحرز مال مغصوب للسارق فهتكه و أخذ

ماله خاصة لم يقطع قطعا بل هو كذلك و ان اختلط المالان بحيث لا يتميّزان من نحو الطعام و الدهن فلم يأخذ إلا قدر ماله أو أزيد بما لا يبلغ النصاب.

أقول: هو كذلك فإن الصورة الاولى و إن هتك السارق الحرز لكنه أخذ ماله و أما الصورة الثانية فلانة و إن أخذ من المال المختلط لكنه أخذ بمقدار ماله أو أنه أخذ أزيد من ماله لكن الزائد لم يبلغ النصاب فلا وجه للقطع.

و منها قوله: و إن أخذ غير المغصوب المميّز عنه وحده أو معه بقدر النصاب فعن المبسوط إطلاق قطعه و الأقرب القطع إن هتك لغير المغصوب خاصة بل أو، لهما للعمومات بعد حرمة الهتك المزبور المراد به السرقة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 115

المفروض هنا أنه قد أخذ ما لم يكن له و مغصوبا عنه بل كان مال غيره مع كونه مميزا عن مال نفسه المغصوب سواء كان قد أخذه وحده بقدر النصاب أو أخذه كذلك مع ما هو مغصوب عنه فهنا يقطع على حسب إطلاق عبارة المبسوط.

لكن مقتضى كلام الجواهر هو التفصيل بين ما إذا هتك الحرز لأخذ غير المغصوب أي لسرقة مال الغير بل و إن كان هتكه له لأخذ كلا المالين مال نفسه و مال غيره و بين ما إذا هتكه لأخذ مال نفسه وحده.

فان هتك الحرز لأخذ مال الغير وحده أو مع ماله يكون من السرقة الموجبة للقطع إذا كان قد تحقق ذلك دون ما إذا كان لأخذ مال نفسه.

و هنا يمكن أن يقال: إن من كان ماله المغصوب عنه في مكان فإن له الدخول فيه شرعا و إذا جاز له ان يدخل فيه شرعا فليس هو

بحرز له حتى يكون أخذ مال الغير منه سرقة توجب القطع [1].

و إن هتك لأخذ ماله فلا قطع للرخصة فيه و بعد يكون أخذ مالا غير محرز.

أي إذا هتك الحرز لأخذ خصوص ماله فحيث إن هتكه للحرز كان جائزا في الفرض على ما تقدم آنفا- لأنه حين الهتك لا يريد إلا أخذ مال نفسه فلا يقطع و لو بدا له بعد الهتك أن يأخذ مال الغير أيضا فكذلك لا يقطع اما الأول فواضح و اما الثاني فلأنه و ان أخذ مال الغير إلا أنه كان أخذه من غير الحرز لأن دخوله في الحرز و هتكه له كان جائزا و بعد هتكه يكون مال الغير غير محرز فلا يوجب أخذه القطع.

و منها قوله: و لو جوزنا للأجنبي انتزاع المغصوب حسبة فهتك الحرز و أخرجه فلا قطع.

______________________________

[1] هكذا أفاد سيدنا الأستاذ الأكبر فإن لم أخطأ في فهم مراده فهو بظاهره لا يخلو عن كلام لان مجرد كون ماله في هذا المكان لا يسوغ له الدخول فيه مطلقا و إنما يجوز له ذلك إذا كان بقصد أخذ مال نفسه و أما إذا كان لأخذ مال الغير وحده أو مع مال نفسه فليس له أن يدخل و على هذا فلعل ما أفاده في الجواهر أقرب إلى الصواب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 116

اي لو قلنا بأنه يجوز للأجنبي انتزاع المال المغصوب لصاحبه حسبة و تقربا الى الله تعالى و من باب أداء المعروف فأقدم أحد على هتك الحرز و أخرج هذا المال ليؤدى الى صاحبه فلا قطع لأن المفروض جواز الإقدام على هتك الحرز.

و منها: و لو سرق معه بقدر النصاب من مال الغاصب ففيه التفصيل المزبور.

و

التفصيل أن يقال: إن كان قصده من أول الأمر ذلك أيضا فهنا تقطع يده و إما لو هتك لخصوص جهة الحسبة ثم بعد ذلك بدا له أن يسرق أيضا فهنا لا قطع لأنه و إن أخذ مال الغير إلا أنه لم يكن من الحرز بعد أن كان هتكه جائزا.

و منها قوله: و لو لم نجوز ذلك قطع بسرقة المغصوب فضلا عن غيره اي لو لم نقل بجواز انتزاع المغصوب لصاحبه حسبة فهناك تقطع يده بسرقة المال المغصوب بشرائطه فضلا عن غيره أي أموال صاحب الحرز مثلا هذا.

لكن هذا ليس بتام و ذلك لأنه و ان كان لا يجوز له ذلك الا أن من كان يريد انتزاع مال الغير من يد الغاصب ثم رده الى صاحب فهو ليس بسارق، و لا سرقة عرفا حتى يقطع بل إن إنقاذ مال الغير من يد الغاصب و الرد إلى صاحبه إحسان اليه و معاذ الله ان يكون جزاء الإحسان القطع.

قال في الجواهر بعد هذا الفرع: و المطالب به الغاصب كما عن المبسوط [1] أو المالك انتهى.

و يرد عليه أنه لا وجه لكون الغاصب مطالبا للقطع و كيف يكون هو مطالبا به و هو غاصب؟

______________________________

[1] قال في المبسوط ج 8 ص 32: فإن سرق رجل نصابا من حرز لرجل ثم أحرزه في حرز آخر فنقب سارق آخر الحرز فسرق تلك السرقة فعلى السارق الأول القطع لأنه سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه و أما السارق الثاني فقال قوم: لا قطع عليه لأن صاحب المال لم يرض بان يكون هذا الحرز حرزا لماله فكأنه سرقة من غير حرز و قال آخرون: عليه القطع لأنه سرق من حرز مثله.

فأما إن غصب من رجل مالا و أحرزه ثم سرق سارق تلك العين المغصوبة قال قوم عليه القطع، و قال آخرون: لا قطع مثل المسألة الأولى سواء، و الخصم في المسألتين معا مالك الشي ء دون غاصبه و سارقه. و قال قوم في السرقة مثل قولنا و في الغاصب: ان الخصم فيه الغاصب. انتهى.

أقول: و إنى لا أرى ملائمة بين ما ذكره الشيخ و ما نقل عنه في الجواهر فدقق النظر فيهما.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 117

في سرقة المال الموقوف

قال المحقق: و يقطع من سرق مالا موقوفا مع مطالبة الموقوف عليه لأنه مملوك.

أقول: إطلاق صدر كلامه يقتضي عدم الفرق بين ما إذا كان الوقف على محصور أو غير محصور أو على المصالح العامة لكن التعليل المذكور في آخر كلامه ربما يقتضي تقييد الحكم و تضييقه فإن الظاهر منه أنه يقطع يد سارق الوقف مع مطالبة الموقوف عليه إذا كان مملوكا فيخرج ما إذا لم يكن كذلك.

نعم يمكن أن يكون قائلًا بالملك في الوقف غير المحصور و على المصالح العامة و إن كان الملك لغير المحصور و للجهة و يكون قائلًا بكفاية هذا الملك أيضا و على ذلك فلا يختص البحث بالمحصور.

قال في المسالك بعد عبارة المحقق المذكورة: هذا التعليل يتم على القول بانتقال الملك الموقوف مطلقا الى الموقوف عليه أما على القول الأشهر من اختصاصه بما لو كان الموقوف عليه منحصرا قطع سارقه دون سارق الوقف على المصالح العامة و على غير المنحصر لأن الملك فيه لله تعالى و لا يتم ما ذكره المصنف من التعليل و لو طالب به الحاكم احتمل جواز قطعه و إن كان غير مالك و الأظهر العدم و لو كانت

السرقة من غلة الوقف فلا إشكال في القطع لأنها مملوكة للموقوف عليه مطلقا و لو كان السارق بعض الموقوف عليهم بنى على حكم سارق المال المشترك و قد تقدم. هذا إذا كان منحصرا أما لو كان السارق فقيرا في الموقوف على الفقراء فلا قطع مطلقا. انتهى.

أقول: إن الملك في الوقف المنحصر للموقوف عليه و لذا يجري القطع هناك بلا كلام و أما في غير المنحصر و الوقف على المصالح فهناك مذهبان فالأشهر كما قاله في المسالك هو عدم ملك هناك لأحد بل الملك لله تعالى أو للجهة، و دليل القطع أي آية السرقة منصرفة عن ملك الله تعالى أو ملك الجهة، و اما القول الآخر

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 118

فهو انتقال الملك مطلقا و إن كان في غير المحصور الى الموقوف عليهم و على ذلك تقطع يد السارق منه.

و قال في المسالك موردا على المحقق بأن ما ذكره من التعليل يتم على هذا القول دون الأول المبنى على انصراف دليل السرقة عن ملك غير الإنسان أو غير المحصورين فإنه لو قلنا بما ذهب إليه الأشهر من عدم الملك في باب الوقف إلا للمحصورين فلا يجري تعليله.

و على هذا فمرجع النزاع إلى أنه في الوقف على غير المحصور هل يحصل لهم الملك أم لا فمن قال بعدم تحققه لهم حيث إنه لا يمكن اعتبار الملك لغير المحصورين بالنسبة لشي ء هو محصور و محدود فلا بد من أن يقول هناك بأن السرقة لا توجب القطع الا ان يقول بكفاية الملك لله تعالى في قطع يد سارقه فإنه على هذا يقطع في المحصور و في الوقف على المصالح و الجهات العامة و هذا لو

تم فهو موقوف على اعتبار الملك لله تبارك و تعالى، أي مع الغض عن الملكية العامة المحققة له سبحانه بالنسبة إلى كافة الأشياء و الأشخاص التي نطق بها القرآن الكريم بقوله: لله ما في السماوات و الأرض، يعتبر له ملك خاص نظير اعتباره لغيره سبحانه.

كما قد يشعر بذلك التعبير بمال الله في كلماتهم عليهم السلام و على ألسنتهم مثل قوم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: و قام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع «1».

و ربما يشهد لذلك خبر محمد بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين سرقا من مال الله تعالى أحدهما عبد من مال الله و الآخر من عرض الناس:

أما هذا فمن مال الله ليس عليه شي ء، مال الله أكل بعضه بعضا و أما الآخر فقدّمه و قطع يده «2».

______________________________

(1) نهج البلاغة الخطبة 3.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 29 من أبواب حد السرقة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 119

ترى التصريح بأن الامام قدم و قطع يده مع أن المفروض أنه كان المال مال الله و قد سرق هو من ذلك.

و الظاهر أنه يبعد صدق السرقة حقيقتا في ما إذا كانت من مال الله تعالى.

و يمكن الجواب عن الخبر بأنه ضعيف [1].

هذا مضافا الى انه لو شك في أن آية السرقة هل أريد منها السارق من مال الناس أو مطلقا و ان كان المال ملكا لله سبحانه و الجهة فإن مقتضى إجمال الدليل هو الإكتفاء بالمتيقن، و الاقتصار في القطع، عليه و ذلك لدرء الحدود بالشبهات.

و بالجملة، فلا كلام في انه تقطع يد السارق في الوقف على المحصور مع اجتماع سائر الشرائط و يكون المطالب هو

الموقوف عليهم و أما في غير المحصور و في الوقف على المصالح و الجهات العامة فإن لم نقل بالملك هناك فلا قطع و ذلك لاعتبار الملك على ما يظهر من كلماتهم و قد تعرض لذلك المحقق حيث قال في البحث عن المسروق: و ضابطه ما يملكه المسلم.

و الحاصل أنه لو لم نقل بحصول الملك هناك أو بعدم اعتباره لله تعالى مع ما ذكرنا من استبعاد صدق السرقة على مال الله تعالى فلا قطع.

هذا و لكن صاحب الجواهر مع أنه قد قيد قول المحقق: و يقطع من سرق مالا موقوفا انتهى، بقوله: على محصور. فاعتبر في القطع كون الموقوف عليهم محصورين- و ان كان لا يعلم ان ذلك نظره الشريف أو أنه أوضح بذلك مراد المحقق قدس سره- قال بعد ذلك: بل و غير المحصور بناءا على أنه المالك أيضا للعموم ثم قال: نعم لو قلنا إن المالك فيه الله تعالى شأنه أمكن عدم القطع بل في المسالك أنه الأظهر بعد أن احتمله لو طالب به الحاكم لكن قد عرفت سابقا أن مقتضى العموم القطع أيضا بل قد يؤيده خبر محمد بن قيس المتقدم المشتمل على قطع السارق من مال الله تعالى. انتهى.

______________________________

[1] أقول: أقل ما يكون هو كون الخبر حسنا كما قد عبر عنه به العلامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول ج 23 ص 411.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 120

و على هذا فاحتمل الشهيد الثاني القطع بقوله: و لو طالب به الحاكم احتمل جواز قطعه و إن كان غير مالك و الأظهر العدم. انتهى فهو رحمه الله احتمله و استظهر خلافه. و أما صاحب الجواهر رحمه الله فقد تمسك بالعمومات مؤيدا

بخبر محمد بن قيس.

هذا كله بالنسبة إلى نفس المال الموقوف و أما لو كانت السرقة من غلة الوقف و ثمرته فهناك لا إشكال في القطع لأنها مملوكة للموقوف عليه مطلقا كما صرح به في المسالك سواء كان محصورا أو غير محصور.

ثم إنه لو كان السارق بعض الموقوف عليهم فقال الشهيد الثاني: بنى على حكم سارق المال المشترك. و على هذا فلو أخذ ما كان الزائد بمقدار النصاب أو أكثر فهناك يجب القطع و لو لم يبلغ الزائد نصاب القطع فلا قطع.

و لو عين للوقف مصرفا كالفقراء فسرق واحد منهم فلا يقطع و ذلك لأنه لا سهم و لا نصيب له معينا مخصوصا حتى يراعى الزائد على نصيبه و يقطع إذا كان بمقدار النصاب أو أكثر فلو صرح بأن لكل واحد من الفقراء مبلغ كذا كألف مثلا فإنه لو أخذ زائدا على ذلك ما يبلغ قدر النصاب فهناك تقطع يده.

في إحراز الجمال و الغنم

قال المحقق: و لا تصير الجمال محرزة بمراعاة صاحبها و لا الغنم بإشراف الراعي عليها و فيه قول آخر للشيخ رحمه الله.

أقول: اختلفوا في أن العين حرز بالنسبة إلى مثل الجمال أم لا، على قولين:

فمذهب المحقق هو الثاني و ذهب الشيخ قدس سره إلى الأول.

و قد نقل في المسالك و الجواهر كلامه و حيث إن نقل كلامه لا يخلو عن فائدة- (و لذا فقد نقلاه) و أيضا كان بين كلامه و ما نقل عنه نوع تفاوت فلذا ننقل نص عبارته قال: و الإبل على ثلاثة أضرب: راعية و باركة و مقطرة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 121

فإن كانت راعية فحرزها أن ينظر الراعي إليها مراعيا لها فإن كان ينظر إلى جميعها مثل أن كان

على نشز أو مستوى من الأرض فهي في حرز لأن الناس هكذا يحرزون أموالهم عند الراعي. و ان كان لا ينظر إليها مثل أن كان خلف جبل أو نشز من الأرض أو كانت في و هدة من الأرض لا ينظر إليها أو كان ينظر إليها فنام عنها فليست في حرز. و إن كان ينظر إلى بعضه دون بعض فالتي ينظر إليها في حرز و التي لا ينظر إليها في غير حرز.

و اما إن كانت باركة فإن كان ينظر إليها فهي في حرز و إن كان لا ينظر إليها فإنما تكون في حرز بشرطين أحدهما أن تكون معقولة و الثاني ان يكون معها نائما أو غير نائم لأن الإبل الباركة هكذا حرزها فإن اختل الشرطان أو أحدهما مثل أن لم تكن معقولة أو كانت معقولة و لم يكن معها أو نام عندها و لم يكن معقولة فكل هذا ليس بحرز.

و أما ان كانت مقطرة فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز و إن كان قائدا فإنما يكون في حرز بشرطين أحدهما أن يكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها كلها و الثاني أن يكثر الالتفات إليها مراعيا لها فكلها في حرز فإن كانت عليها متاع فهي و المتاع في حرز فإذا ثبت ذلك فكل موضع قلنا هي في حرز فإن سرق سارق حملا منها مع المتاع قطع و ان كان صاحبها قائماً عليها فلا قطع عليه لأنه لم يخرج المتاع عن يد صاحبه و ما كانت يد صاحبه عليه.

و أما الكلام في البغال و الحمير و الخيل و الغنم و البقر فإذا كانت راعية فالحكم فيها كالإبل سواء، و قد فصلناه و إما باركة فلا يكون

و إن كان يسوقها أو يقودها فالحكم على ما مضى فإذا آوت إلى حظيرة كالمراح و المربد و الإصطبل فإن كان هذا في البر دون البلد فما لم يكن صاحبها معها في المكان ليس بحرز و إن كان صاحبها معها فيه فهو حرز إلا أنه إن كان الباب مفتوحا لم يكن حرزا حتى يكون الذي معها مراعيا لها غير نائم و إن كان الباب مغلقا فهو حرزا نائما كان أو غير

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 122

نائم فإن كانت الحظيرة في جوف البلد فالحرز أن يغلق الباب سواء كان صاحبها معها أو لم يكن معها انتهى كلامه رفع مقامه «1».

و قد أورد عليه في المسالك قائلًا: و هذا التفصيل قد صرح به في مواضع منه بأن المراعاة تكفي في الحرز و هو حسن مع حصولها بالفعل لكن لا يتحقق السرقة كما أشرنا إليه سابقا و إنما يتحقق مع غفلته ليكون الأخذ سرا فالحق أن القطع لا يتحقق بذلك على التقديرين.

يعني إنه و إن كانت المراعاة كافية في الحرز إلا أنه مع تحقق المراعاة لا يتحقق السرقة إلا أن يعرض له الغفلة حتى تحصل السرقة معها و حينئذ لا تتحقق المراعاة فلا حرز فلا يكون السرقة عن الحرز كي توجب القطع.

و قال أيضا: و يظهر من كلام الشيخ في القسم الرابع أن عدم النظر إليها يخرجها عن الحرز و إن كان النظر إليها ممكنا و في قسم السائرة جعل دوام النظر غير شرط و اكتفى بإمكان مشاهدتها مع كثرة الالتفات إليها. انتهى.

أقول: و هذا الإشكال قد أورده صاحب الجواهر أيضا و حاصله أنه قد اعتبر في القسم الأول دوام النظر بحيث لو غفل

لحظة و سرق فيها فلم تكن عن حرز و لا يقطع، و لم يعتبر ذلك في القسم الرابع و اقتصر على كثرة الالتفات. فما الفرق بين المقامين؟.

و عندي أن ما أورداه عليه ليس بتام بل الحق معه قدس سره و ذلك لأن الإبل إذا كانت راعية فهي متفرقة بالطبع و لا يظهر إذا سرقت واحدة منها بخلاف ما إذا كانت مقطرة فإن سرقة واحدة منها تظهر بسرعة و ذلك لحصول اختلال في نظمها و نسقها و فراغ موضعها الخاص و خلوّه عنها، و هذا الفرق يوجب الفرق في الحكم و اعتبار دوام النظر في الأول و الاكتفاء بإكثار النظر في الثاني.

و بعبارة أخرى إن عدم المراعاة في الأول يوجب تفرق الإبل و تشتتها بحيث

______________________________

(1) المبسوط ج 8 كتاب السرقة ص 23.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 123

يذهب كل واحدة منها إلى جانب و ناحية فالحرز لا يحصل بدون المراعاة الدائمة و النظر المستمر بخلاف ما إذا كان مقطرة فإن نظمها و ترتيبها في حبل خاص يوجب صعوبة السرقة منها و حصول الحرز بمراعاتها و النظر إليها في الجملة.

ثم إنه يمكن الجواب عما أورده المسالك من إنه مع الغفلة لا يتحقق الحرز بأن الملاك هو المراعاة العرفية غير المنافية للغفلة لحظة أو النوم كذلك.

ثم إن ما يمكن أن يتمسك به في مسئلتنا هو رواية صفوان و سرقة رداءه و قطع يد سارقه، و روايات السرقة من الجيب الظاهر و الباطن و القطع في الثاني دون الأول إلا ان في رواية صفوان اشكالا و هو عدم وضوح أصل القضية و ذلك لنقلها بأنحاء مختلفة و من جملتها أنه سرق الرداء حينما ذهب صفوان ليريق

الماء و على هذا فلم تكن هناك مراعاة و لا يبعد أنه كان قد أخفاه تحت فرش مثلا فسرقه السارق و قطعت يده و في رواية الجيب أنه كان الثوب الظاهر أيضا تحت عين اللابس و نظره، فلما ذا لم تقطع يده و قد تقدم أن المراعاة عرفية لا تنافي الغفلة لحظة أو لحظات.

و لا يبعد كون الروايات في السرقة عن الجيب غير متعلقة، بباب السرقة بل هي متعلقة بباب الطر كما هو المصرح به في قوى السكوني و خبر مسمع «1».

في سرقة باب الحرز أو شي ء من أبنيته

قال المحقق: و لو سرق باب الحرز أو من أبنيته قال في المبسوط: يقطع لأنه محرز بالعادة و كذا إذا كان الإنسان في داره و أبوابها مفتحة و لو نام زال الحرز و فيه تردد.

أقول: الكلام هنا في سرقة باب الحرز أو شي ء من أبنيته كخشب أو لوح فالذي حكاه عن الشيخ هو قطع يد السارق و ذلك لأنه محرز بالعادة.

______________________________

(1) راجع الوسائل ج 18 باب 13 من أبواب السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 124

و في المسالك: الحكم في باب الحرز و نحوه مبني على تفسير الحرز فإن فسرناه بما ليس لغير المالك دخوله أو بما كان سارقه على خوف و خطر من الاطلاع عليه أو رددناه إلى العادة و جعلناه قاضية بكون ذلك محرزا على هذا الوجه كما ادعاه الشيخ قطع هنا لتحقق الحرز على هذا التقديرات و إن فسرناه بما كان مغلقا عليه أو مقفلا أو مدفوعا فلا قطع هنا لانتفاء المقتضى و إن جعلنا منه المراعاة بنى على ما إذا كان مراعيا له و عدمه، و المراد بباب الحرز هنا الباب الخارج كباب الدار، و

أما باب البيت الداخل في الدار و باب الخزانة فإن كان خارجه باب آخر موثقا بالقفل أو الغلق فالباب المذكور في حرز و إلا فلا. انتهى.

و قد ذكر في الجواهر أيضا هذه الوجوه في ترديد المحقق رضوان الله عليه و لا يخفى أن الوجه الأول بعيد غايته و لا يصح تفسير الحرز بما ليس لغير مالكه دخوله إن كان المراد من ذلك هو المنع الشرعي و إلا فقطعه من الأرض في الصحارى و البراري إذا كانت لأحد و هو غير راض بدخول أحد فيها فهي حرز و هو مما لا يمكن الالتزام به.

و في الجواهر: و قد عرفت سابقا أن الحرز عرفا الشي ء المعد لحفظ الشي ء في نفسه فلا قطع في شي ء من ذلك لا أقل من الشبهة الدارئة و حينئذ فيسقط البحث عن سرقة باب المسجد و عن سرقة دقاقة الباب و نحو ذلك ضرورة عدم الحرز في الجميع بناءا على ما ذكرناه.

أقول فيؤول النزاع بين الشيخ و المحقق في أن باب الحرز محرز عرفا عند الأول و غير محرز عند الثاني فيقطع على الأول و لا يقطع على الثاني، و بعد يكون المورد من موارد الشبهة.

ثم قال: نعم لو كان باب الحرز على بيت داخل في الدار التي لها باب مغلق على ذلك أو داخل في بيت آخر كذلك كباب الخزينة اتجه حينئذ القطع بسرقتها لكونها حينئذ في حرز. انتهى كلامه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 125

في سارق الكفن

قال المحقق: و يقطع سارق الكفن لأن القبر حرز له و هل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟

قيل: نعم. و قيل: يشترط في المرة الأولى دون الثانية و الثالثة و قيل: لا يشترط. و الأول أشبه.

أقول:

أن في المسألة أقوالا مختلفة كما سنذكرها، و بما أن مستندها الروايات العديدة الواردة في المقام فلذا نقدم ذكر الروايات التي أوردها في باب 19 من حد السرقة و قد عبّر عنه بقوله: باب حد النبّاش.

عن حفص البختري قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: حد النباش حد السارق (ح 1).

عن عبد الله بن محمد الجعفي قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام و جاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها فإن الناس قد اختلفوا علينا طائفة قالوا: اقتلوه. و طائفة قالوا: أحرقوه. فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: إن حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب و يقام عليه الحد في الزنا إن أحصن رجم و إن لم يكن أحصن جلد مأة (ح 2).

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 3، ص: 125

و عن غير واحد من أصحابنا قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل نباش فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام بشعره فضرب به الأرض ثم أمر الناس أن يطؤوه بأرجلهم فوطؤوه حتى مات (ح 3).

و عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء (ح 4).

عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أخذ نباش في زمن معاوية فقال لأصحابه: ما ترون؟ فقالوا نعاقبه و نخلي سبيله فقال رجل من القوم: ما هكذا فعل علي بن أبي طالب قال: و ما فعل؟ قال: فقال: يقطع النباش. و قال

هو سارق و هتّاك للموتى (ح 5).

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 126

و عن المفيد في الاختصاص عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال: لما مات الرضا عليه السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام و قد حضر خلق من الشيعة- إلى أن قال:- فقال أبو جعفر عليه السلام سأل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها فقال أبي: يقطع يمينه للنبش و يضرب حد الزنا فإن حرمة الميتة كحرمة الحية فقالوا يا سيدنا: تأذن لنا أن نسألك؟ قال: نعم. فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها و له تسع سنين (ح 6).

و عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقطع النباش و الطرار و لا يقطع المختلس (ح 7).

و عن الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قطع نباش القبر فقيل له: أ تقطع في الموتى؟ فقال: إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا. قال: و أتى بنباش فأخذ بشعره و جلد به الأرض و قال: طؤوا عباد الله فوطى ء حتى مات (ح 8) و عن عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام: ان عليا عليه السلام قطع نباشا (ح 9).

و عن عيسى بن صبيح قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطرار و النباش و المختلس قال: يقطع الطرار و النباش و لا يقطع المختلس (ح 10).

و عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل أخذ و هو ينبش قال: لا أرى عليه قطعا إلا أن يؤخذ و قد نبش مرارا فاقطعه (ح 11).

و عن إسحاق بن عمار إن عليا عليه السلام

قطع نباش القبر فقيل له: أ تقطع في الموتى؟ فقال: إنا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا (ح 12).

و عن علي بن سعيد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النباش قال: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع يعزر (ح 13).

و عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام عن الطرار و النباش و المختلس قال: لا يقطع (ح 14).

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 127

و عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: النباش إذا كان معروفا بذلك قطع (ح 15).

عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في النباش إذا أخذ أول مرة عزر فإن عاد قطع (ح 16).

عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام بنباش فأخر عذابه إلى يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ألقاه تحت أقدام الناس فما زالوا يتوطئونه بأرجلهم حتى مات (ح 17).

و حينئذ نقول: إن مقتضى الرواية الاولى أن النباش يحد حد السارق و لم يقيد فيها النبش بالسرقة بل هذا هو حد النبش بعنوانه و لذلك فان من جملة الأقوال في المسألة هو أن النباش يحد لنبشه و لخصوص عمله هذا كما سيجي ء ذلك.

اللهم إلا أن يكون المراد هو النباش السارق و يكون منصرفا عن النباش غير السارق.

و هل يعتبر إصراره و مداومته على النبش أو انه يكفي ذلك و لو مرة واحدة؟

الظاهر هو الثاني و لعل من اعتبر ذلك استفادة من لفظة (النباش) الدال على المبالغة، و الحال أنه لا دلالة فيه بعد استعماله كثيرا في من أتى به لأول مرة بل هو كالعلم لمن فعل ذلك و لم يعهد إطلاق النباش

عليه في الكلمات و المحاورات.

و أما الرواية الثانية فهي متضمنة لزنا النباش بالميّتة و قد حكم الإمام عليه السلام بالقطع لجهة سرقته و اجراء حد الزنا لزناه بها.

و الثالثة ناطقة بأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أمر الناس أن يطؤوا النباش الذي أتى به إليه صلوات الله عليه. و الوطئ هو الدوس بالقدم.

و مقتضى رواية أبي الجارود هو عدم الفرق بين سارق الأحياء و سارق الأموات كما ان الرواية الخامسة أيضا تدل على قطع النباش. نعم فيها أن الامام عليه السلام قال: هو سارق إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 128

و أما رواية الاختصاص فتدل على أن القطع للنبش، اللهم إلا أن يكون ذكر النبش رمزا إلى السرقة و مقدمة لها. كما أن رواية منصور بن حازم تدل على قطع يد النباش.

و في رواية زيد حكاية قول علي عليه السلام و انه قال: يقطع النباش و قال: هو سارق، هو هتّاك.

و اما رواية الصدوق في قضاء الإمام فمقتضى قوله عليه السلام: إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا، هو وقوع السرقة أيضا، الى غير ذلك من الروايات المذكورة.

و المذكور في عبارة المحقق هو قطع سارق الكفن و لا ذكر فيها عن النباش. نعم سرقة كفن الميت مستلزم لنبش قبره، و لو كان وقوع الأمر بشخصين أحدهما باشر النبش و الآخر سرقة الكفن فلا قطع لأن السارق قد سرق عما لم يكن حرزا فإن النباش قد هتك الحرز فلا بد أن يكون مقصود المحقق هو الأول أي ما إذا نبش و سرق.

و قد ذكر الشهيد الثاني الأقوال الواردة في المسألة بقوله: للأصحاب في حكم سارق الكفن أقوال:

أحدها: أنه يقطع منها بناءا على أن القبول حرز

الكفن و لا يعتبر في الكفن بلوغه نصابا. أما الأول فهو المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه الشيخ فخر الدين الإجماع و ليس كذلك فإن ظاهر الصدوق أنه ليس حرزا و أما الثاني فلدلالة الأخبار بإطلاقها عليه كصحيحة حفص بن البختري عن الصادق عليه السلام أنه قال: حد النباش حد السارق و هو أعم من أخذ النصاب و عدمه و إلى هذا القول ذهب الشيخ و القاضي و ابن إدريس في آخر كلامه و إن كان قد اضطرب في خلاله و العلامة في الإرشاد.

و ثانيها: اشتراط بلوغ النصاب كغيره من السرقات و هو الذي اختاره المصنف

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 129

و قبله المفيد و سلار و أبو الصلاح و جماعة و منهم العلامة في المختلف و التحرير و الشهيد في الشرح، لعموم الأخبار الدالة على اشتراط النصاب مع عدم المخصص و أجابوا عن الخبر الأول بأن ظاهره دال على القطع بمجرد النبش في المرة الأولى و هم لا يقولون به بل يعتبرون الأخذ و إذا جازت مخالفة ظاهره باشتراط الأخذ فلم لا يجوز مخالفته باشتراط النصاب توفيقا بين الأدلة؟ و أيضا فإنه جعله حد السارق فيشترط فيه ما يشترط في السارق و يؤيده قول علي عليه السلام: يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء، و رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: إن عليا (عليه السلام) قطع نباش القبر فقيل له: أ تقطع في الموتى؟ فقال:

إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا و ظاهر التشبيه يقتضي المساواة في الشرائط.

و ثالثها: أنه يشترط بلوغ النصاب في المرة الأولى خاصة. أما الأول فلعموم الأدلة. و أما الثاني فلأنه مع اعتياده مفسد فيقطع لإفساده

و إن لم يكن مستحقا لسرقته و هذا القول اختاره ابن إدريس في أول كلامه ثم رجع عنه إلى الأولى.

و رابعها: أنه يقطع مع إخراجه الكفن مطلقا و- مع- اعتياده النبش و إن لم يأخذ الكفن و هذا قول الشيخ في الاستبصار جامعا بين الأخبار التي دل بعضها على الأول و بعضها على الثاني قال المصنف في النكت: و هو جيد إلا أن الأحوط اعتبار النصاب في كل مرة لما روى عنهم أنهم قالوا لا يقطع السارق حتى يبلغ سرقته ربع دينار.

و خامسها: عدم قطعه مطلقا إلا مع النبش مرارا أما الأول فلأن القبر ليس حرزا من حيث هو قبر و أما الثاني فلإفساده و هو قول الصدوق، و مقتضى كلامه عدم الفرق بين بلوغه النصاب و عدمه، و في كثير من الأخبار دلالة عليه كرواية علي بن سعيد قال: سألت أبا عبد الله عن النباش قال: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع و يعزر و رواية الفضيل عنه (ع) قال: النباش إذا كان معروفا بذلك قطع.

و رواية ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) في النباش: إذا أخذ أول مرة عزر فإن عاد قطع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 130

و يمكن حمل هذه الأخبار مع قطع النظر عن سندها على ما لو نبش و لم يأخذ، جمعا بين الأدلة. و الوجه اعتبار بلوغ النصاب و الاعتياد لتناول الأول عموم أدلة السرقة و الثاني الإفساد.

أقول: مقتضى بعض الإطلاقات هو اعتبار النصاب في القطع هنا أيضا و ذلك كقول. الصادق عليه السلام في صحيح حفص: حد النباش حد السارق. و كقول علي عليه السلام في معتبرة إسحاق بن عمار:

إنا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا، الى غير ذلك من الإطلاقات الدالة على اعتبار النصاب في سرقة الكفن و عدم الفرق بين السرقة عن الحي و عن الميت و السؤالات الواردة في الروايات كانت لبيان أن القبر أيضا كذلك و أنه حرز.

ثم إنه لو نبش القبر و لكنه لم يأخذ شيئا فلم يحكموا عليه بالقطع، و لعله كان كذلك ما إذا سرق و لم يكن ما سرقه بمقدار النصاب و إن قال شاذ هنا بأنه يقطع حينئذ. و مقتضى التشبيه بالأحياء هو اعتبار النصاب و ان كان يحتمل كون التشبيه في أصل الحد، لكنه خلاف الظاهر فإن الظاهر كون التشبيه هو التام أي من جميع الجهات، و على هذا فيعتبر الشرائط أيضا و يكون القبر حرزا، و حيث إن من المسلّم هو عدم القطع في النبش المجرد فلا بد من حمل الصحيحة و المعتبرة على النباش السارق إذا كان قد سرق بمقدار النصاب فيكون هو كغيره من السارقين في اعتبار الشرائط من الحرز و غير ذلك.

و في قبال هذه الروايات ما يدل على اعتبار التكرار و كون ذلك عادة له الذي هو مذهب الصدوق في المقنع و الفقيه، و منها صحيحة الفضيل الدالة على القطع في النباش إذا كان معروفا بذلك. و منها رواية علي بن سعيد الدالة على القطع إذا أخذ و قد نبش مرارا. و منها روايته الأخرى الدالة على عدم القطع إذا لم يكن النبش له بعادة.

إلا أنه قد أورد «1» على ذلك بأنه لا يمكن الأخذ برواية ابن سعيد و لا رواية

______________________________

(1) راجع تكملة المنهاج ج 1 ص 297.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 131

الفضيل في إثبات ذلك

اما بالنسبة إلى الأول فلأن علي بن سعيد لم يرد فيه توثيق و لا مدح، و اما صحيحة الفضيل فهي مشتملة على المعروفية و هي أمر غير التكرر الذي قال به الصدوق و ذلك لأنه قد يقع الفعل متكررا و لا يصير فاعله معروفا بذلك- و ربما يأتي مرة واحدة بذلك العمل و يصير معروفا بذلك- فلا عامل بالرواية أصلا.

هذا مضافا الى أنها معارضة بمعتبرة إسحاق بن عمار فإن مقتضاها عدم الفرق بين الحي و الميت فلا يعتبر في السارق من الميت التكرار كما لا يعتبر في السارق من الحي، و مع المعارضة لا بد من الرجوع إلى إطلاق ما دل على أن السارق يقطع.

و هنا احتمال آخر و هو حمل الروايات على التقية و لو في الجملة فإن أبا حنيفة و الثوري ذهبا إلى عدم القطع حيث إنهما لم يعتبرا القبر حرزا.

و قد يقال بأن الملاك هو التكرار و إتيان الفعل مرارا كما قاله الصدوق و هو المذكور في خبر ابن سعيد، إلا أن المعروفية أمارة عليه و طريق إليه و كناية عنه.

و على هذا فما أفاده الصدوق رضوان الله عليه تام [1].

و فيه أنه تبقى بعد المعارضة التي ذكرناها مع معتبرة إسحاق بن عمار. و على الجملة فقد اختلفت الروايات و تعارضت في المرة الأولى.

فقريب عشرة منها تدل على اعتبار النصاب في القطع.

و في قبالها ما يدل على عدم اعتبار ذلك في النباش و على التفاوت و الفرق بين السارق من الميت و السارق من الحي.

و ما يدل على أمر الإمام بوطء النباش و دوسه الظاهر في أن حد النباش هو القتل، لا القطع، و إن كان يرد عليه أنه قضية في واقعة

و الرواية مجملة لم يبين فيها كيفية عمل هذا النباش، و ما قد أتى به، و أنه هل هو مجرد النبش أو هو و غيره، فلا يمكن الأخذ به.

______________________________

[1] أورده هذا العبد في مجلس الدرس.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 132

و ما يدل على أن النباش لا يقطع الذي يمكن حمله على النبش المجرد بلا أخذ الكفن كما في الرياض كما يشهد بذلك ما ورد في بعض هذا القسم من الأمر بالتعزير، فيبقى أنه يلاحظ النصاب حتى تقطع يده و أما إذا تكرر منه ذلك فيقطع للفساد. و على ذلك يحمل ما دل على القطع مطلقا و بلا تقييد.

ثم إنه قد نقل في المتن في المقام ثلاثة أقوال:

في اشتراط بلوغ قيمته نصابا و عدمه

قال المحقق قدس سره: و هل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟ قيل: نعم و قيل يشترط في المرة الأولى دون الثانية و الثالثة و قيل لا يشترط و الأول أشبه.

أقول: و مدرك القول الأول و هو اعتبار بلوغ النصاب المنسوب إلى الأكثر هو ما تقدم من الإطلاقات الدالة على أنه سارق و عدم الفرق في السارقين عن الأحياء و الأموات.

و أما القول الثاني المنسوب إلى ابن إدريس في أول كلامه من اشتراط ذلك في المرة الأولى دون الثانية و الثالثة فهو أنه في المرة الأولى سارق من السراق فيشمله الأدلة المزبورة و أما بعد ذلك فهو مفسد و يقطع مطلقا.

و أما القول الثالث المحكى عن الشيخ و القاضي و ابن إدريس في آخر كلامه و العلامة في الإرشاد و هو عدم الاشتراط، و القطع مطلقا فذلك لإطلاق الأدلة.

و لكن قد تقدم أن الصدوق قدس سره قال باعتبار التكرار و جعل موضوع الحكم التكرر و قد مر

ما يمكن أن يتمسك به لذلك و الجواب عنه.

قال في الجواهر: و يقرب منه- أي من قول الصدوق- ما عن المصنف في النكت [1] من أنه لا قطع عليه حتى يصير ذلك عادة له و قد أخذ كل مرة نصابا فما فوقه لاختلاف الاخبار و حصول الشبهة.

______________________________

[1] أقول: و لفظ النكت هذا: ظاهر كلام الشيخ هنا أنه لا يعتبر النصاب بل يعتبر إخراج الكفن، و في الاستبصار: لا يقطعه إلا أن يكون ذلك عادة و يخرج الكفن، و المفيد رحمه الله يعتبر في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 133

ثم إن المحقق جعل القول الأول، الأشبه، و أضاف في الجواهر قوله: بأصول المذهب و قواعده التي منها درء الحد بالشبهة، و احترام دماء الناس، و الأصل عدم القطع، و منها إطلاق قطع السارق للنصاب من الحرز، و غير ذلك مما سمعته على وجه يرجح على غيره فيجب إرجاع ما نافاه إليه. انتهى و لقد أجاد فيما أفاد رحمة الله تعالى عليه.

توضيح ذلك ان هنا وجوها في كون القول الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده:

منها أن من المسلّم درء الحدود بالشبهات، فلو سلمنا عدم استظهار اعتبار النصاب فلا أقل من الشبهة فيدرء الحد بها.

و منها احترام دماء الناس و شدة اهتمام الشارع في ذلك فما لم يحرز جواز الإقدام لا يجوز و من المعلوم أن القطع أيضا متعلق بباب الدماء و لا خصوصية للقتل.

و منها إطلاق قطع السارق للنصاب.

و منها استصحاب عدم جواز القطع الذي كان قبل النبش و أخذ الأقل، إلى غير ذلك مما يمكن أن يقال هنا.

______________________________

قطع النباش بلوغ الكفن نصابا كما يقطع غيره من السراق، و الذي يظهر ما ذكره في الاستبصار

فإن الأخبار مختلفة و يحصل اختلافها شبهة يسقط بها الحد ما لم يصر عادة فحينئذ يجب الحد اتفاقا منا و يعتبر النصاب في كل مرة عملا بالأحوط لما روى عنهم (ع) لا يقطع يد السارق حتى يبلغ سرقته ربع دينار. و هذا متفق عليه. و أما أنه يقتل (مع) بعد تكرار الفعل ثلاثا و فواته فلما روى أن عليا عليه السلام قتل نباشا، فتحمل على أنه تكرر منه الفعل توفيقا بين الأحاديث و هو اختيار الشيخ في التهذيب و المفيد في المقنعة، أو على أنه يقتل بفساده، و النظر في ذلك الى الإمام إن شاء قطعه و إن شاء قتله، و ربما ادعى بعض المتأخرين الإجماع على قتله على كل حال إذا أخرج الكفن، و هو غفول عن اختلاف الفقهاء و اختلاف الأخبار المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام انتهى كلامه رفع مقامه.

راجع النهاية و نكتها ج 3 ص 336- 337.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 134

نعم هنا إشكال و هو أنه من المالك المطالب للقطع بعد أن الميت ليس مالكا لشي ء و أنه يخرج عن قابلية التملك بمجرد الموت؟

و فيه أنه من الممكن القول بكون الكفن باقيا على حكم ماله و عدم كونه مالكا غير قادح في اعتبار الملك في بعض الموارد و لا يمنع عنه كما في دية قطع رأس الميت فإنه لا يرث وارثه منها شيئا بل تصرف في وجوه البر و القرب، عنه.

و يمكن أن يقال: إنه ملك للوارث كما أن من الممكن القول بالقطع مع عدم كونه ملكا لأحد.

و كيف كان يقطع يده إلا أنه على الاحتمالين الأولين يكون المطالب هو الوارث، و على الثالث فهو الحاكم و

على فرض فقده فعدول المؤمنين.

ثم إنه لو مات و لم يخلف شيئا حتى يكفن به فكفنه الإمام من بيت المال فسرق النباش كفنه هذا ففي الجواهر عن المبسوط: لا يقطع بلا خلاف ثم تنظر هو فيه. و قد راجعنا نسخة من الطبعة القديمة من الجواهر و كان هناك أيضا كذلك. و الظاهر وقوع خطأ في هذه النسبة لأنه قال في المبسوط: فإن كان الميت لم يخلف شيئا و كفنه الإمام من بيت المال يقطع بلا خلاف لأن لكل أحد في بيت المال حقا مشتركا فإذا حضر الإمام كان أحق به من غيره و زال الاشتراك فيه، فلو سرق سارق منه في حياته قطع كذلك الكفن مثله، فإذا ثبت أنه يقطع النباش فإنما يقطع بالكفن الذي هو السنة و هو خمسة أثواب فإن زاد عليها شيئا أو دفن في تابوت فالقبر حرز للكفن دون ما عداه «1».

و قال في الخلاف: النباش يقطع إذا أخرج الكفن من القبر إلى وجه الأرض و به قال ابن الزبير و عائشة و عمر بن عبد العزيز و الحسن البصري و إبراهيم النخعي، و اليه ذهب حمّاد بن أبي سليمان. و قال الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة و محمد: لا يقطع النباش لأن القبر ليس بحرز لأنه لو كان حرزا لشي ء لكان

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 34.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 135

حرزا لمثله كالخزائن الوثيقة. دليلنا قوله تعالى: وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا، و هذا سارق. فإن قالوا لا نسلم أنه سارق. قلنا: السارق هو من أخذ شيئا مستخفيا متفزعا قال الله تعالى: إِلّٰا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، و قالت عائشة: سارق موتانا كسارق أحيائنا، و

قال عليه السلام: القطع في ربع دينار و لم يفصل، و عليه إجماع الفرقة- الصحابة- «1».

فمع تصريحه بالقطع في الكتابين و الاستدلال على ذلك كيف ينسب إليه القول بعدم القطع بلا خلاف؟ و الظاهر وقوع خطأ فإما هو من سهو قلمه الشريف أو من قلم النساخ.

و في الجواهر بعد ذلك: و لو كفنه أجنبي فالمطالب هو، و عن التحرير: الوارث.

و فيه منع.

و يظهر من عبارة المبسوط في الفرع السابق أن المالك هناك هو الميت نفسه لأنه قال: فلو سرق منه في حياته قطع كذلك الكفن مثله.

بقي الكلام في المقام فيما ورد في رواية الاختصاص من أنهم سألوا أبا جعفر الجواد عليه السلام في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة و أجابهم عليه السلام عنها، فان هذا من المشكلات و كيف يمكن ذلك؟.

و الذي يمكن أن يقال في حله و توجيهه [1]: كون ذلك على وجه التفريع و التشقيق بأن يكون مسألة واحدة ينفتح منها مسائل عديدة ففي الحقيقة قد سئل عن عدة مسائل أجابهم عنها و كانت تنحل الى ثلاثين ألفا.

______________________________

[1] أقول: قد تعرض العلامة المجلسي قدس سره لهذا الإيراد و ذكر في الجواب عنه وجوها عديدة فقال: يشكل هذا بأنه لو كان السؤال و الجواب عن كل مسألة بيتا واحدا اعنى خمسين حرفا لكان أكثر من ثلاث ختمات القرآن فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد؟ و لو قيل: جوابه عليه السلام كان في الأكثر ب لا و نعم، أو بالأعجاز في أسرع زمان، ففي السؤال لا يمكن ذلك. و يمكن الجواب بوجوه: الأول أن الكلام محمول على المبالغة في كثرة الأسئلة و الأجوبة فإن عد مثل ذلك مستبعد جدا.

______________________________

(1) الخلاف كتاب السرقة المسألة 28.

الدر

المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 136

فيما إذا نبش و لم يأخذ

قال المحقق: و لو نبش و لم يأخذ عزر و لو تكرر منه الفعل وفات السلطان كان له قتله للردع.

أقول: قوله: و لم يأخذ أي لم يأخذ الكفن، و قوله: فات السلطان أي لم يتمكن السلطان منه، و في الرياض في تفسير ذلك: أي هرب منه فلم يقدر عليه.

و هنا فرعان أحدهما أنه إذا نبش و لم يأخذ الكفن عزر النباش. و يدل على ذلك بعض الروايات ففي خبر ابن سعيد عن ابي عبد الله (ع) المذكور آنفا: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع و يعزر (ح 13).

كما ان في المرسل كذلك عن ابي عبد الله عليه السلام في النباش إذا أخذ أول مرة عزر فإن عاد قطع (خ 16).

نعم لا تعرض فيهما بالنسبة إلى الأخذ و عدمه فهما ساكتان عن ذلك إلا أنهما محمولان على ذلك جميعا بينهما و بين سائر الروايات الدالة على القطع إذا أخذ الكفن [1].

______________________________

الثاني يمكن أن يكون في خواطر القوم اسئلة كثيرة متفقة فلما أجاب عليه السلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع.

الثالث أن يكون إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة على الأحكام الكثيرة و هذا وجه قريب.

الرابع أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمنى و إن كان في أيام متعددة.

الخامس أن يكون مبنيا على بسط الزمان الذي تقول به الصوفية لكنه ظاهرا من قبيل الخرافات.

السادس أن يكون إعجازه عليه السلام أثر في سرعة كلام القوم أيضا أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم قبل سؤالهم.

السابع ما قيل ان المراد السؤال بعرض المكتوبات و الطومارات فوقع الجواب بخرق العادة. راجع بحار الأنوار

ج 50 ص 93.

[1] و قد أفتى بذلك في المختصر النافع أيضا، و ظاهر الجواهر موافقته على ذلك كما علله في الرياض بقوله: لفعله المحرم. و ظاهر سيدنا الأستاذ الأكبر أيضا ذلك إلا أن السيد الخوانساري أعلى الله مقامه استشكل في ذلك فقال في جامع المدارك ج 7 ص 149: و لو نبش و لم يأخذ ذكر في المتن لزوم التعزير و يشكل من جهة أن حرمة النبش بقول مطلق لا مدرك لها ظاهرا إلا الإجماع و لم يدل الدليل على كون النبش من المحرمات الكبيرة و لا دليل على التعزير في ارتكاب كل محرم. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 137

ثانيهما أنه لو تكرر منه نبش القبر وفات النباش عن يد السلطان فهرب منه مثلا فهنا كان للسلطان قتله. قال الشيخ المفيد: و إذا عرف الإنسان بنبش القبور و كان قد فات السلطان ثلاث مرات كان الحاكم فيه بالخيار إن شاء قتله و إن شاء عاقبه و قطعه و الأمر في ذلك إليه يعمل فيه بحسب ما يراه أزجر للعصاة و أردع للجناة. انتهى «1».

و قال شيخ الطائفة قدس سره: فإن تكرر منه الفعل وفات الإمام تأديبه كان له قتله كي يرتدع غيره عن إيقاع مثله في مستقبل الأوقات. انتهى «2».

و قال سلار: و القبر عندنا حرز و لذا يقطع النباش إذا سرق النصاب فإن أدمن ذلك وفات السلطان تأديبه ثلاث مرات فإن اختار قتله قتله و إن اختار قطعه قطعه أو عاقبه. انتهى [3].

و في بعض العبائر تقييد ذلك بإقامة الحد عليه أيضا ففي التهذيب بعد نقل قسم من الروايات الدالة على أمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بوطء نباش أتى

به و أنهم وطئوه حتى مات- ح 8 و 17- قال: فهذه الروايات محمولة على أنه إذا تكرر الفعل منهم ثلاث مرات و أقيم عليهم الحد فحينئذ يجب عليهم القتل كما يجب على السارق و الإمام مخير في كيفية القتل كيف شاء بحسب ما يراه أردع في الحال. انتهى. «4».

______________________________

[3] المراسم ص 258. أقول: و في الوسيلة لابن حمزة ص 423: فإن فعل ثلاث مرات و فات فاذا ظفر به بعد الثلاث كان الامام فيه بالخيار بين العقوبة و القطع و إن عزر ثلاث مرات قتل في الرابعة.

انتهى.

______________________________

(1) المقنعة ص 129.

(2) النهاية ص 722.

(4) التهذيب ج 10 ص 118.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 138

و هو المحكى عن الإستبصار أيضا.

و قال ابن سعيد: و من نبش قبراً و لم يسلب لم يقطع فإن سلب الكفن قطع فإن كرر النبش و السلب و حد كذلك قتل في الثالثة إلخ «1».

ثم ان هنا قيدين أحدهما التكرر و الثاني الفوت من السلطان.

أما الأول فلعله- كما في الجواهر- استفيد ذلك من لفظ النباش الذي هو من صيغ المبالغة لكن قد مر أنه لا دلالة في ذلك عليه لصيرورة هذا اللفظ كالعلم لمن نبش القبور و إن لم يتكرر منه ذلك بل و إن كان قد صدر منه ذلك أول مرة و قد رأيت إطلاق ذلك في بعض الروايات المتقدمة على من ارتكب ذلك لأول مرة مثل قوله (ع): النباش إذا أخذ أول مرة عزر. و الحال أنه كان قد أقدم على ذلك أول مرة. نعم لو كان للجمع بين الروايات فهو شي ء.

و أما القيد الثاني و هو فوت النباش عن السلطان و هربه منه بحيث فات السلطان

الظفر به فلم أعثر عليه في الروايات كما صرح بذلك في الجواهر و غيره [1] و إنما الواردة في الروايات هو إلقاء الإمام أمير المؤمنين النباش تحت أقدام الناس و قتله به فراجع ح 8 و 17.

و حيث إن في مورد التكرار قد وردت روايات بالقتل فلذا افتى المحقق و هكذا غيره ممن تعرضنا لنقل عبائرهم كالشيخين و سلار رضوان الله عليهم أجمعين بذلك.

و يمكن أن يكون التخيير في المقام من باب تخيير الحاكم في أمر المفسد بين القطع و القتل على ما هو منطوق الآية الكريمة. و أما إلقائه تحت الاقدام و وطؤه بذلك مع إمكان القتل بطريق أسهل من ذلك، فالظاهر أنه أمر موكول إلى نظر الحاكم و اختياره، و لعل النباش الذي وطئه الناس بأمر الإمام عليه السلام كان قد

______________________________

[1] قد تعرض للإشكال في الرياض أيضا فراجع.

______________________________

(1) جامع الشرائع ص 562.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 139

ارتكب المعاصي العظيمة أيضا أو أنه فعل ما فعل كثيرا فكان مستحقا لأشد العقوبات.

ثم إنك قد علمت أن المحقق علل جواز قتله للحاكم بالردع، و في الجواهر بعده: لغيره من الفساد.

و هذا التعليل بظاهره عليل و غير مستقيم و ذلك لأن ارتداع الآخرين لا يصير علة لقتل أحد و لا يجوز قتل شخص ليرتدع غيره.

لكن الظاهر أن التعليل ليس تعليلا حقيقيا بل هو من قبيل الحكمة فهذا الشخص مستحق للقتل بما أتى به من العمل القبيح و المنكر و هو نبش قبر المؤمن مرات عديدة و قد لوحظت في ذلك هذه الحكمة العالية أي ارتداع سائر الناس كي لا يقدموا على هذا العمل الشنيع- فهو نظير قوله تعالى: وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ-

ثم إنه قد تقدم ان المحقق جعل الملاك في الحرز أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن و قد ذكر في مسألة النباش أن القبر حرز للكفن حيث قال: و يقطع سارق الكفن لأن القبر حرز له.

فهنا يأتي البحث في أنه هل القبر حرز لغير الكفن أيضا أم لا؟ قال في الجواهر: و ليس القبر حرزا لغير الكفن إذا لم يكن في حرز آخر كدار عليها غلق مثلا للعرف إلخ.

و السر في ذلك أن ما ذكره من الدفن و إن كان هو حرزا و ربما يصدق في المقام ذلك إلا أن المراد بالدفن هو أن يدفن الإنسان بنفسه مالا في موضع فسرقه السارق مع أن صاحبه قد أخفاه و دفنه لا ما إذا كان مع الميت المدفون في القبر مال، فإن القبر بحسب طبعه حرز لخصوص الكفن لا بمعنى أنه أعدّ لحفظ الكفن بل بمعنى أن الكفن مصون فيه عرفا و عادة و الناس يراه محرزا في هذا المكان- و أما الأشياء الأخر فلا يعتبر العرف أن القبر مكان حفظه فلذا لا يتعارف حفظ الأموال في القبر مع الميت.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 140

بقي ان الجمع بين روايات الباب بطريقين: أحدهما أن يحمل أخبار القطع على من نبش مرارا و أخبار عدم القطع على من نبش مرة واحدة كما افتى بذلك الشيخ الصدوق قدس سره في المقنع و الفقيه.

ثانيهما ان يحمل أخبار القطع على من نبش و سرق الكفن، و أخبار عدم القطع على النبش وحده و بدون سرقة الكفن.

قال السيد في الرياض مزجا: و لو نبش و لم يأخذ الكفن عزر بما يراه الحاكم لفعله المحرم فيعزر كما مر و

للقريب من الصحيح عن النباش قال: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع و يعزر. و نحوه المرسل كالموثق في النباش: إذا أخذ أول مرة عزر فإن عاد قطع. و إطلاقهما بعدم قطع النباش إلا مع اعتياده النبش ظاهر فيما قدمناه عن الصدوق في الكتابين، و نحوهما في ذلك القريب من الصحيح الآخر عن رجل أخذ و هو ينبش. قال: لا أرى عليه قطعا إلا أن يؤخذ و قد نبش مرارا فاقطعه.

و قد حملها الأصحاب على مجرد النبش الخالي عن أخذ الكفن جمعا بينها و بين النصوص المتقدمة بحملها على سرقة الكفن كما هو ظاهرها و لا سيما الأخبار المشبهة منها بالسرقة بناءا على ما سبق.

و حمل هذه على ما عرفته و الجمع بينها و إن أمكن بما يوافق قوله إلا أن كثرة تلك الأخبار و شهرتها شهرة قريبة من الإجماع المحتمل الظهور المصرح به فيما مر من الكتب ترجح الجمع الأول فالقول به متعين «1».

ترى أنه قدس سره اختار الجمع بينهما بالحمل على سرقة الكفن، و النبش المجرد فيقطع في الأول دون الثاني الا ان يكرر ذلك و لذا قال بعد ذلك مازجا: و لو تكرر منه النبش المجرد عن أخذ الكفن قطع بمقتضى هذه المعتبرة و في هذه الصورة لو فات النباش السلطان أي هرب منه فلم يقدر عليه جاز له كما في كلام كثير و لغيره أيضا كما في ظاهر إطلاق العبارة قتله ردعا لغيره من أن ينال مثل فعله.

______________________________

(1) رياض المسائل ج 2 ص 496.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 141

فيما يثبت به

قال المحقق: الثالث ما يثبت به. و يثبت بشهادة عدلين و بالإقرار مرتين و لا تكفي المرة.

أقول:

اما إثبات ذلك بشهادة العدلين فهو مدلول الكتاب و السنة.

أما الأول فلقوله تعالى: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «1» و قوله سبحانه:

وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ «2».

و أما الثاني فعن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

إذا أقر المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع و إن شهد عليه شاهدان قطع «3».

أما ثبوته بالإقرار مرتين فلما دل على حجية الإقرار و لمرسل جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود «4».

و في نقل آخر عن الشيخ مسندا لا مرسلا هكذا: محمد بن الحسن في التهذيب بإسناده عن محمد بن علي بن علي بن محبوب بن علي بن السندي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين و لا يرجم الزاني حتى يقر اربع مرات [1].

و عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كنت عند عيسى بن موسى فأتى بسارق و عنده رجل من آل عمر فأقبل يسألني فقلت: ما تقول في السارق إذا أقر على نفسه أنه سرق؟ قال: يقطع. قلت: فما تقول في الزنا إذا أقر

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 6. و لا يخفى أن علي بن السندي مجهول إلا انه قيل بأن جميل من أصحاب الإجماع قد أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه

______________________________

(1) سورة الطلاق الآية 2.

(2) سورة البقرة الآية 282.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 35 من أبواب حد السرقة

ح 1.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 142

على نفسه مرات؟ قال: نرجمه. قلت: و ما يمنعكم من السارق إذا أقر على نفسه مرتين أن تقطعوه فيكون بمنزلة الزاني «1».

و يظهر من هذا الخبر أن عيسى بن موسى كان أميرا و عامل الخليفة في البلد كما يظهر منه أن هذا الرجل الذي عنده من آل عمر كان ممن يتقى منه و أن مبني العامة و لا أقل من فرقة منهم هو الاجتزاء بمرة واحدة.

و الرواية مشتملة على نوع من الاضطراب إلا أنهم فهموا من مجموعها أنه كلما كان يلزم أربعة شهود يعتبر هناك اربع اقرارات و كلما اكتفى بشاهدين يجتزى فيها بإقرارين و حيث إن يعتبر في القطع للسرقة شاهدان فلا بد من مراعاة المرتين في الإقرار.

و مقتضى هذه الأخبار عدم الاجتزاء بالإقرار مرة واحدة.

لكن في قبال هذه الأخبار أخبار تدل على الإكتفاء بمرة واحدة و منها رواية ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال: العبد إذا أقر على نفسه عند الإمام مرة أنه قد سرق، قطعه و الأمة إذا أقرت بالسرقة قطعها «2».

لكن فيها مناقشات:

فمن جملتها أنه لا اعتبار بإقرار العبد أو الأمة، لأنه إقرار في حق الغير و هو المولى.

و إن كان يجاب عن هذه المناقشة بأن المراد من العبد و الأمة ليس هو معناهما المصطلح بل المراد منه عبد الله و أمته- فكأنه قال: الرجل إذا أقر و المرأة إذا أقرت.

و منها اعتبار كون الإقرار عند الإمام و نتيجة ذلك، التفصيل بين الإقرار عند الإمام المعصوم و عند غيره.

و قد حملوا ذلك أيضا على أن المراد من الامام هو

الحاكم مطلقا لا خصوص الامام المعصوم عليه السلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 4.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 143

و من هذه الأخبار صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أقر الرجل الحر على نفسه مرة واحدة عند الإمام قطع «1» و في نقل الشيخ عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أقر الحر على نفسه بالسرقة مرة واحدة عند الإمام قطع «2».

و يجري فيها أيضا ما ذكر آنفا في السابقة من اشتمالها على لفظ (الامام) و الكلام هو الكلام.

و هنا شي ء آخر و هو احتمال تعلق قوله عليه السلام (مرة واحدة) بالسرقة فتكون الرواية متعلقة بالمرة و المرار و دالة على الاكتفاء بالمرة في قبال الصدوق القائل باعتبار المرار. نعم يحتمل أيضا تعلقه بالإقرار فتكون شاهدا على المقام لكن مقتضى ما ذكر في الأصول من تعلق القيد بالأخير من اللفظين القريب منه هو تعلقه بالسرقة لا بالإقرار.

و مقتضى ظاهر دليل الإقرار أيضا هو الإكتفاء به مرة واحدة. قال في المسالك- بعد قول المصنف: و يثبت بشهادة العدلين-: هذا هو المشهور بين الأصحاب و مستندهم رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما قال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود، و لأنه حد فلا يستوفي بالإقرار مرة كغيره من الحدود و لبناء الحدود على التخفيف، و لا يخفى ضعف الأخيرين فإنّ توقف إثبات الحدود مطلقا على المرتين يحتاج إلى دليل و إلا فعموم الأدلة يقتضي الاكتفاء

بالإقرار مرة مطلقا إلا ما أخرجه الدليل، و بناء الحدود على التخفيف لا يدل بمجرده على اشتراط تعدد الإقرار و الرواية ضعيفة السند بعلي بن حديد و بالإرسال.

و من ثم ذهب الصدوق الى الاكتفاء بالإقرار مرة لصحيحة الفضيل عن أبي

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 3.

(2) التهذيب ج 10 ص 126 ح 121.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 144

عبد الله عليه السلام. و في صحيحة أخرى للفضيل قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: من أقر على نفسه عند الإمام بحق حد من حدود الله تعالى مرة واحدة حرا كان أو عبدا حرة أو أمة فعلى الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن. الحديث، و إطلاق كثير من الروايات بقطعه مع إقراره بالسرقة من غير تفصيل و هو يتحقق بالمرة، و أجيب بحمل الرواية على التقية لموافقتها لمذهب العامة و فيه نظر لضعف المعارض الحامل على حملها على خلاف الظاهر. انتهى.

فهو رحمه الله قد ضعف أدلة المرتين و قوى جانب المرة، و الاكتفاء بها، و يظهر منه قدس سره أنه لا يرى بأسا بمخالفة المشهور و لا يرجح الرواية بموافقتهم.

و في كشف اللثام- بعد كلام العلامة: إنما يثبت بشهادة العدلين أو الإقرار مرتين- قال: كما قطع به الأصحاب و حكى عليه الإجماع في الخلاف و به مرسل جميل عن أحدهما (ع). و روى أن سارقا. و عن أبان بن عثمان عن الصادق عليه السلام قال: كنت عند عيسى بن موسى.

(ثم قال:) و عن المقنع أن الحر إذا اعترف على نفسه عند الإمام مرة واحدة بالسرقة قطع. و

لم أره فيما عندي من نسخة، و لكن به صحيح الفضيل عن الصادق (ع). و حمله الشيخ على التقية و يحتمل تعلق الظرف بالسرقة فيكون مجملا في عدد الإقرار و يقرّبه إمكان توهم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنه لا يقطع ما لم يتكرر السرقة (ثم قال:) و لو لا ظهور الاتفاق من الأصحاب على الاشتراط بالمرتين احتملنا في الخبر الأول تعلق مرتين بقوله بالسرقة احتمالا ظاهرا، على أن الشبهة تدرء الحدود و هي مبنية على التخفيف إلخ.

كما أن صاحب الرياض أيضا رجح القول بالمرتين. قال مزجا بعد أن نفى الخلاف و الإشكال عن مورد شهادة عدلين أو الإقرار مرتين: و لو أقر مرة واحدة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 145

غرم الذي أقر به بلا خلاف و لكن لم يقطع كما قطع به الأصحاب على الظاهر المصرح به في بعض العبائر بل فيه عن الخلاف التصريح بالإجماع و هو الحجة مضافا إلى المعتبرين و لو بالشهرة المروي أحدهما هنا في الخلاف و التهذيب: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود و نحوه الثاني المروي في التهذيب في باب حد الزنا و هو أوضح من الأول سندا إذ ليس فيه إلا علي بن السندي و قد قيل بحسنه بخلافه لتضمنه علي بن حديد الضعيف بالاتفاق و الإرسال بعده لكنه لجميل بن دراج المجمع على تصحيح ما يصح عنه [1] خلافا للمحكي عن المقنع فيقطع للعموم و إطلاق ما دل على القطع بالسرقة من النصوص و خصوص الصحيح: إن أقر الرجل الحر على نفسه واحدة عند الإمام قطع، و نحوه آخر يأتي

ذكره مع ضعف المعارض بما مر و هو حسن لو لا ما مر من الجابر و به يترجح على المقابل فيخص به العموم و كذا الإطلاق يقيد به، و الصحيحان يصرفان به عن ظاهرهما باحتمال أن يكون معنى القطع فيهما قطعه عن الإقرار ثانيا كما روى أن سارقا أقر عند مولانا أمير المؤمنين (ع) فانتهره فأقر ثانيا فقال: أقررت مرتين فقطعه، و هو حجة أخرى على المختار و بالجابر المتقدم يجبر ما فيه من الضعف أو الإرسال، أو يكون متعلق الظرف بالسرقة فيكون مطلقا في عدد الإقرار بل مجملا كما صرح به شيخ الطائفة قيل و يقربه إمكان توهم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنه لا قطع ما لم يتكرر السرقة و لكن الإنصاف بعد هذين الحملين و لعله لذا لم يجب الشيخ عنهما في الكتابين إلا بالجمل على التقية (قال:) لموافقتها لمذهب العامة. انتهى.

و هكذا مشى صاحب الجواهر قدس سره فقد رجح المرتين و اختار ذلك و ذكر

______________________________

[1] هذا لا يخلو عن كلام لأن كونه من أصحاب الإجماع يصلح أمر جميل و ما بعده و الحال أن علي بن حديد قد وقع في هذه الرواية قبل فضيل. ثم إني أظن أن في عبارة الرياض هذه خللا و لا بد من مراجعة نسخة أخرى منه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 146

في آخر بحثه: فما عساه يظهر من بعض الناس من الميل الى العمل بالصحيح المزبور في غير محله. انتهى.

و الميزان في المقام أنه لو كان عمل المشهور مرجّحا كما ذهب إليه في كشف اللثام و الرياض و الجواهر فلا محالة يقال بالمرتين و إلا فيؤخذ بالخبر الصحيح الدال على المرة.

و الصحيح

عندنا هو الأول فإن الرواية مع كونها في متناول أيديهم و بأعينهم بل وصلت إلينا بواسطتهم فلم يعملوا بها مع كونها صحيحة فهذا يضعفها و يسقطها عن الاعتبار و تتقوى الأخبار الدالة على اعتبار المرتين.

و حينئذ فتحمل صحيح فضيل على التقية كما قاله الشيخ رحمه الله و الشاهد عليها خبر أبان، قال في التهذيب بعد نقل الخبر: قال محمد بن الحسن: الإقرار بالسرقة يحتاج إلى مرتين فأما مرة واحدة فلا يوجب القطع و قد قدمنا ذلك فيما مضى. و الوجه في هذه الرواية أن نحملها على ضرب من التقية لموافقتها لمذاهب بعض العامة و أما الروايات التي قدمناها في أنه إذا أقر قطع، ليس فيها أنه مرة أو مرتين بل هي مجملة و إذا كان الأحاديث التي قدمناها مفصلة فينبغي أن يكون العمل بها. انتهى.

ثم لا يخفى أن هذا كله بالنسبة إلى القطع فإنه يحتاج إلى البينة أو الإقرار مرتين كما في سائر الحدود و أما بالنسبة للمال فإنه يثبت بالإقرار مرة واحدة كما هو مقتضى أدلة الإقرار.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 147

في شرائط المقرّ

قال المحقق قدس سره: و يشترط في المقر البلوغ و كمال العقل و الحرية و الاختيار فلو أقر العبد لم يقطع لما يتضمن من إتلاف مال الغير.

أقول: من جملة الشرائط المعتبرة في الإقرار- حتى يقطع به- هو البلوغ فلا عبرة بإقرار الصبي و لو قلنا بأنه تقطع يد الصبي أيضا للسرقة تأديبا.

و من جملتها كمال العقل فلا اعتبار بإقرار المجنون و قد نفي في الجواهر الخلاف و الإشكال في كليهما.

و من جملتها الحرية فلا بد من كون المقر حرا حتى يحكم بقطع يده و قد نفى عنه الخلاف أيضا

بل عن الخلاف الإجماع على ذلك.

و العمدة في المقام أمران:

أحدهما نفس قاعدة الإقرار.

ثانيهما الخبر الصحيح أما الأول فلأن مقتضى القاعدة هو نفوذ إقرار كل أحد في حق نفسه دون غيره و من المعلوم أن الإقرار بما يوجب القطع يؤل إلى الإقرار في حق الغير و بضرره لأن العبد ملك للمولى و إن كان فيه إيلام لنفسه أيضا لكن الذي يمنع عن نفوذ إقراره هو كونه إقرارا بالنسبة إلى الغير.

و أما الثاني فعن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا أقر المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع و إن شهد عليه شاهدان قطع «1».

ترى التصريح في هذه الصحيحة بعدم القطع بإقرار العبد على نفسه و أنه يقطع بالبينة.

نعم هنا صحيح آخر للفضيل أيضا يدل على خلاف ذلك و هي: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أقر على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 35 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 148

مرة واحدة حرا كان أو عبدا أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء فإذا شهدوا ضربه الحد مأة جلدة ثم يرجمه «1».

و قد ذكر في الجواهر أنه يخص هذا الصحيح بالصحيح الأول و الإجماع المزبور المتقدم على عدم القطع.

أقول: و ما ذكره لا يخلو عن خفاء و ذلك لأنه لو كان أحدهما يقول بأن من أقر على نفسه يقطع. و الآخر يقول: إن العبد لا يقطع، لتم ما ذكره من التخصيص

حيث إنه على ذلك كان أحدهما عاما و الآخر خاصا و الحال ان المقام ليس كذلك لأن الصحيح الأول وارد في خصوص العبد و صريح بأنه يقطع يد العبد بالإقرار، و الثاني مصرح بأن من أقر سواء كان حرّا أو عبدا فإنه يقام عليه الحد و على هذا فكل منهما متعرض لحال العبد أحدهما يقول: لا يقطع و الآخر يقول: يقطع.

نعم يمكن أن يكون المراد من التخصيص أن الصحيح الثاني متعلق بكل حق و حد من حدود الله تعالى فهو عام، بخلاف الأول فإنه متعلق بخصوص السرقة و هو خاص، و مقتضى تخصيص العام بالخاص أن يقال: إن من أقر بأي واحد من الحدود فإنه يقام عليه الحد إلا في خصوص السرقة فإنه لا يقطع يد من أقربها.

و أما الجمع بينهما بكون الثاني متعلقا بالإقرار عند الإمام، كما هو مذكور فيه، فلذا يقام عليه الحد بخلاف الأول فإنه يحمل على ما إذا كان الإقرار عند غيره فلا يقطع. ففيه أن هذا هو التفصيل الذي حكاه في الجواهر عن المختلف، ورده.

و هنا رواية أخرى و هي حسنة ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال: العبد إذا أقر على نفسه عند الإمام مرة أنه قد سرق قطعه و الأمة إذا أقرت بالسرقة قطعها «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 149

و هذه معارضة لصحيح فضيل، و لو تساقطا فلا دليل على القطع بعد أنه لا تشمله قاعدة الإقرار.

و في الجواهر بالنسبة لصحيح فضيل الثاني الدال على القطع: الموافق للمحكي عن العامة و

المنافي لما دل على تخير الإمام بين الحد و عدمه إذا كان بالإقرار و لغيره مما دل على اعتبار المرتين أو الأربع في ما تقدم من الحدود. انتهى.

ثم إنه قد ذكر في الكلمات لحسن ضريس وجوه من الحمل:

منها أن يحمل على تصديق السيد قال العلامة في القواعد: و الأقرب أن العبد إذا صدقه مولاه قطع. انتهى.

و في المسالك: و يمكن حملها على ما إذا صادقة المولى عليها فإنه يقطع حينئذ لانتفاء المانع من نفوذ إقراره حينئذ كما في كل إقرار على الغير إذا صادقة على ذلك الغير. انتهى.

و منها أن يحمل على إضافة الشهادة على إقرار العبد أو الأمة. قال الشيخ الوجه في هذا الخبر أن نحمله إذا انضاف إلى الإقرار البينة. فأما مجرد الإقرار فلا قطع عليهما. انتهى «1».

و منها أن يحمل العبد و الأمة على مطلق الأحرار لأنهم عبيد الله و إمائه «2».

و منها حمله على أنه كان في المجلس اسم بعض العامة فقال الإمام عليه السلام بأن رأي هذا البعض هو القطع بالإقرار. قال الفاضل الأصبهاني في الكشف:

و يحتمل أن يكون فاعل (قطعه و قطعها) من اسمه من العامة في مجلسه و يكون المعنى أنه يذهب إلى قطع المملوك بإقراره.

و لا يخفى ما في هذه الوجوه أو أكثرها من البعد و خلاف الظاهر الذي ربما يكون طرح الخبر اولى من الجمع كذلك، فهل يصح ان يكون المراد من العبد

______________________________

(1) التهذيب ج 10 ص 112.

(2) راجع الوسائل ج 18 ص 488.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 150

و الأمة عبد الله و أمته؟ و هل ليس هذا التعبير إلقاء للمخاطب في الاشتباه؟ و هكذا الوجوه الأخر و مع ذلك كله فالمقام

مقام الجمع و يقال بمثل هذه الأمور في مقام الجمع كثيرا.

نعم الوجه الأول في غاية الإشكال فكيف يمكن الحكم بقطع يد العبد بتصديق المولى؟ و مجرد كون العبد ملكا و مالا لمولاه لا يقتضي ذلك.

ثم بعد أن ثبت و تحقق أنه لا يقطع يد العبد بإقراره على نفسه بالسرقة فلو انعتق بعد ذلك فهل يقطع حينئذ لو كان قد أقر بذلك مرتين في زمان عبوديته؟

فيه وجهان:

فمن أن الأصل هو العدم و كذا اندراء الحد ابتداء فيستصحب فلا قطع.

و من أن المانع من إجراء الحد عليه هو العبودية و قد ارتفع هذا المانع فلا بد من القطع.

و إن شئت فقل: تارة يستظهر أنه لم يجعل الله تعالى القطع على العبد بإقراره فهو كالعدم و على هذا فلا وجه لعود الحكم بالقطع بعد انعتاقه و أخرى نقول: بأن حكم آية السرقة شامل للعبد أيضا إلا أنه قد منع عنه المانع و هو كون إقراره في حق مولاه فلذا يرتفع الحكم بالقطع و عليه فاذا انعتق فقد ارتفع المانع و يجري حينئذ الحكم، لكن الظاهر هو عدم حجية إقرار العبد على مولاه، إذا فلا وجه لحجيته بعد أن انعتق و صار حرا.

و هنا بيان آخر و تقريب أوضح و هو أنه هل المستفاد من الأدلة أن إقرار العبد أي الإقرار الناشي منه لا يؤثر في القطع أو أن العبد بما هو عبد لا يقطع يده بإقراره؟

الظاهر هو الأول فلا يترتب على إقرار العبد أثر القطع أصلا.

ثم إن في المسألة قولين أيضا أحدهما ما ذهب إليه صاحب الرياض و هو أن العبودية مانعة فاذا زالت أثّر الإقرار أثره. قال رحمه الله: و هل يقطع حينئذ؟ وجهان، من ارتفاع المانع

و من اندراءه ابتداء فيستصحب، و لعل هذا أقرب للشبهة الدارئة. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 151

و في الحقيقة إشكاله رحمه الله في دلالة العموم بالنسبة إلى دليل الإقرار و قد قوى عدم اجراء الحد عليه بعد ذلك.

و خالف في ذلك صاحب الجواهر قدس سره فقال: و هل يقطع بعده لو أقر به مرتين قبله؟ إشكال من الأصل و سبق درء الحد المستصحب و من عموم ما دل على حجيته بعد ارتفاع المانع بل لعل الأخير لا يخلو عن قوة لانقطاع الأصل بالعموم المزبور المقتضى ثبوت الإقرار على النفس حين صدوره و إن لم يجز القطع لحق المولى فلا درء حينئذ حتى يستصحب كالاعتراف بما يوجب القصاص.

انتهى.

و الظاهر أن الحق هو الأول و ذلك لأنه لو كان يجب القطع بعد رفع العبودية فكان يلزم ذكر ذلك بأن يقال: لا يقطع ما دام عبدا كما أنه قد صرح بأنه إذا ارتفعت العبودية يجب عليه أداء المال مجمعين عليه، و الحاصل أن عدم ذكر ذلك كتأخير البيان عن وقت الحاجة و هو غير جائز.

و هنا فرع آخر تعرض له في الجواهر و هو أنه: لو أقر المحجور عليه لسفه أو فلس بسرقة عين مرتين قطع و لا يقبل في المال و إن تبع الأخير بالعين بعد زوال الحجر.

أقول: الوجه في ذلك أن المحجور عليه ممنوع عن التصرف المالي فلذا لو أقر بعين فلا يقبل منه بخلاف القطع فإن إقراره بالنسبة إليه لا مانع عنه، فإذا أقر بسرقة عين يقطع يده إذا اجتمعت شرائط السرقة و قد أقر مرتين فما ليس عنه مانع هو القطع و اما المال الذي هو محجور عليه منه فلا يؤثر

إقراره بالنسبة إليه، و لا يسمع عنه إقرار يوجب نقص المال في الأول و ضرر الدائنين في الثاني. نعم لا بد من دفع العين بعد زوال الحجر عنه فيما إذا كان حجره للفلس دون السفه، و الفرق بينهما أن السفيه لا اعتبار لعبارته بالنسبة إلى المال بخلاف المفلس فإن فلسه مانع فاذا ارتفع يجب الأداء و قد اتضح بما ذكرنا أن وجه عدم قطع يد العبد هو فقد شرط الحرية.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 152

فيما إذا أقرّ مكرها

قال المحقق: و كذا لو أقر مكرها و لا يثبت به حد و لا غرم.

أقول: من جملة الشرائط المعتبرة في نفوذ الإقرار هو الاختيار بلا خلاف و لا إشكال كما في الجواهر و على ذلك فلا يقطع يد المقر إذا كان مكرها على الإقرار أو ساهيا أو غافلا أو نائما أو مغمى عليه و لا يثبت به الغرم أيضا خلافا للعبد في هذه الجهة- فإنه يغرم بعد ذلك بل يحد على قول كما مر- و على الجملة فليس عليه شي ء حتى بعد أن زال الإكراه أو السهو أو الغفلة أو النوم أو الإغماء.

إذا أقرّ بسبب الضرب ثم ردّ السرقة

قال المحقق: و لو رد السرقة بعينها بعد الإقرار بالضرب قال في النهاية يقطع و قال بعض الأصحاب لا يقطع لتطرق الاحتمال إلى الإقرار إذ من الممكن أن يكون المال في يده من غير جهة السرقة و هو حسن.

أقول: إذا أقر بالسرقة، بسبب الضرب ثم دفع العين فهل يقطع يده بعد أن مضى أنه لا يقطع بإقراره بالضرب و من غير اختيار أم لا فإنه قد جمع هنا بين الإقرار و دفع المال و إن كان قد أقر بسبب الضرب؟

ذهب الشيخ في النهاية إلى أنه يقطع يده، و خالفه فيه بعض الأصحاب كالحلي و من تبعه ممن تأخر عنه و ذلك لأن الإقرار كان بعد الضرب و الإكراه، فلا اعتبار به و أما المال فدفعه له لا يدل على سرقته لا مكان حصول المال في يده لا بالسرقة.

و استحسنه المحقق على ما رأيت.

و لكن الأقوى عندي و الأحسن هو الأول و هو ما ذهب اليه الشيخ، و ذلك لأنه هب أن الإقرار كان للإكراه عليه بالضرب فلما ذا جاء بالعين و دفعها؟

فهذا الدفع قرينة على صدق إقراره و إن كان قد أقر عقيب الضرب فمع فرض إتيانه

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 153

بالعين لا يتوجه القول بأنه ربما كان إقراره للخوف و الإكراه كما أنه لو أكره على إتيان العين فجاء بها ثم أقر بعد ذلك بالسرقة فإنه يتوجه عليه أنه لو لم يكن سارقا فلما ذا أقر مختارا بعد إتيانه بالعين مكرها؟ و اي شخص يعترف بعد رده العين مكرها بكونه سارقا مع عدم كونه سارقا و عدم إجباره على الإقرار بها الا أن يكون مجنونا.

و على الجملة فإتيانه بالعين بعد إقراره مكرها عليه كاشف عن صدقه فيما أقر به من السرقة فإن عدم حجية إقراره كان لأجل عدم كشف إقراره- حيث ضرب حتى أقر- عن الواقع و بعد دفع العين يتحقق الكشف فزال المانع عن قبول إقراره و هو قد أظهر الواقع بفعله و رده المال إلى صاحبه. و بتعبير آخر و أخصر أن بالرد قد زالت و ارتفعت الخصوصية الموجبة لعدم حجية إقراره و هي نشأه عن الإكراه.

نعم مجرد الإتيان بالعين و ان كان بالضرب و الإكراه لا يدل على السرقة لإمكان حصول المال عنده بسبب آخر و إن كان قد يأبى بعد ذلك عن أدائه فأكره و ضرب حتى أداه كما أن مجرد الإقرار مكرها لا يؤثر في الحد.

ثم إنه قد وقع في المقام تنظير بين ما نحن فيه و بين باب قي ء الخمر ففي الجواهر: لأن ردها قرينة على فعلها كالقيى ء. انتهى. أي إن رد السرقة دليل على فعل السرقة كما أن من قاء الخمر فهو دليل على أنه قد شرب الخمر.

و هذا لا يخلو عن اشكال و

ذلك لأن القي ء و إن كان دالا على أنه شرب الخمر لعدم إمكان قيئه بدونه إلا أنه لا دليل على شربه مختارا فلعله أكره على شربه.

و كيف كان فقد استدل أيضا بحسن سليمان بن خالد أو صحيحه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب فجاء بها بعينها هل يجب عليه القطع؟ قال: نعم و لكن لو اعترف و لم يجي ء بالسرقة لم تقطع يده لأنه اعترف على العذاب «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 7 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 154

تقريب الدلالة أنه و إن لم يكن في الصدر ذكر عن الاعتراف إلا أنه يعلم بقرينة قوله عليه السلام في الذيل: و لكن لو اعترف و لم يجي ء إلخ أن المراد من الفرض الأول و المفروض فيه هو أنه اعترف و جاء بها بعينها.

و يمكن الإشكال بأن الظاهر من الخبر هو أن السرقة كانت ثابتة بالعلم أو البينة و كان الضرب للرد دون ما ثبت بالإقرار مع الخوف أو التهديد.

قال في الجواهر: انه ظاهر في معلومية السرقة و أن الضرب على الرد لا على الإقرار أو ظاهر في الغالب من الضرب للمتهم المعروف بذلك فيقر و يرد على وجه يعلم من القرينة أنه سارق و إلا كان شاذا لا قائل به ضرورة اقتضائه ترتب القطع على ردها بعينها من دون إقرار، و الأولوية تتوقف على ثبوت الأصل و لم نجد قائلًا به.

و الأقوى عندي هو قول الشيخ لأن الرد مع الإقرار بالسرقة دليل على عدم كون العين عنده بغير سرقة و يكفي الرد في دفع الخوف أو الضرب فمقتضى القاعدة

هو القطع و إن أغمضنا النظر عن الرواية.

إذا رجع بعد الإقرار مرتين

قال المحقق: و لو أقر مرتين و رجع لم يسقط الحد و تحتمت الإقامة و لزمه الغرم و لو أقر مرة لم يجب الحد و وجب الغرم.

أقول: إذا أقر مرتين ثم بعد ذلك رجع ففي المسألة ثلاثة أقوال: أحدها عدم سقوط الحد عنه، و قد ذهب إليه الشيخ و الحلي و المحقق و الفاضل و الشهيدان و غيرهم بل ربما نسب إلى الأكثر على ما في الجواهر و اختاره المحقق قدس سره.

و يدل على ذلك أمور:

منها ان الحد قد تحتم بتحقق موجبه و هو الإقرار بالسرقة مرتين فلا ينفع الإنكار بعد الإقرار سواء كان رجوعه بتكذيب نفسه بان قال: كذبت أو بنسبة نفسه إلى الغلط و الاشتباه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 155

و منها الاستصحاب فإنه لو شك في بقاء الحد بعد الرجوع عن إقراره فإن الاستصحاب يقتضي بقاءه.

و منها الروايات الشريفة ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أقر على نفسه بحد ثم جحد بعد، فقال: إذا أقر على نفسه عند الإمام أنه سرق ثم جحد قطعت يده و إن رغم أنفه و إن أقر على نفسه أنه شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلده. قلت: فإن أقر على نفسه بحد يجب فيه الرجم أ كنت راجمه؟ فقال: لا و لكن كنت ضاربه الحد «1».

و في صحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أقر الرجل على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد. قلت: أ رأيت إن أقر على نفسه بحد يبلغ فيه الرجم أ كنت ترجمه؟ قال: لا و لكن كنت ضاربه «2».

و عن محمد بن

مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقر على نفسه بحد أقمته عليه الا الرجم فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم «3».

و يؤيد ذلك بخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له فإذا رفع إلى الإمام قطعه فإن قال الذي سرق له: أنا أهبه له لم يدعه إلى الامام حتى يقطعه إذا رفعه إليه و إنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام و ذلك قول الله عز و جل: و الحافظون لحدود الله، فإذا انتهى الحد إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه «4».

و قد تمسك الشهيد الثاني في المسالك لذلك بحديث سرقة رداء صفوان أيضا قال: و أما رجوعه عنه حيث ثبت فلا أثر له كما في كل إنكار بعد الإقرار إلا ما أخرجه الدليل من حد الزناء و قد تقدم في حديث سارق رداء صفوان ما يدل عليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.

(4) وسائل الشيعة باب 17 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 156

و أن النبي (ص) لما عفى عنه صفوان و وهبه الرداء قال له: هلا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ. انتهى.

و الظاهر أنه جعل الرجوع بمنزلة الهبة فكما لا يفيد هبة المسروق عنه كذلك لا يفيد رجوعه بعد الإقرار.

ثانيها ما نسب إلى الشيخ في النهاية و التهذيب و الاستبصار و الى القاضي و التقي و ابن زهرة و الفاضل

في المختلف و هو سقوط القطع. و في الجواهر: بل قيل:

لعله الأشهر بين القدماء بل عن الغنية الإجماع عليه.

و قد استدل لذلك بمرسل جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود «1».

ثالثها ما عن الخلاف و موضع آخر من النهاية و هو تخيير الإمام بين قطعه و العفو عنه مدعيا في الأول الإجماع عليه.

و قد استدل على ذلك بروايتين:

إحديهما خبر طلحة بن زيد عن جعفر عليه السلام قال: حدثني بعض أهلي أن شابا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر عنده بالسرقة قال: فقال له علي عليه السلام: إني أراك شابا لا بأس بهبتك فهل تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة فقال: و هبت يدك لسورة البقرة قال: و إنما منعه أن يقطعه لأنه لم يقم عليه بينة «2».

و الأخرى خبر أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين عليهم السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر بالسرقة فقال له:

أ تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد السرقة ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 157

قال: فقال الأشعث: أ تعطل حدا من حدود الله؟ فقال: و ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا و إن شاء قطع «1».

و قد

أورد على هذا القول بأن الروايتين ضعيفتان و لا جابر لهما و ذلك لعدم الفتوى على ذلك فلم يذهب إليه غير الشيخ و بذلك يوهن الإجماع الذي ادعاه.

هذا مضافا إلى عدم ذكر الرجوع بعد الإقرار فيهما و هما محتملان للإقرار مرة كما ذكر ذلك في الجواهر، فإذا سقط القول الثالث عن الاعتبار فيبقى الأولان و مع دوران الأمر بينهما فالترجيح للأول لقوة دليله و ذلك لما مر من أن دليل عدم السقوط مرسل و كان في روايات القول الأول بعض الأخبار الصحاح. و لو لم يمكن ترجيح الأول بسبب ما ذكر من أن الثاني هو الأشهر بين القدماء و ادعاء الإجماع عليه- و بتعبير آخر لو تردد الأمر بينهما و لم يمكن الترجيح- فهناك يؤخذ بقاعدة درء الشبهة لو لا القول بمقتضى العمومات و أنه لا شبهة معها.

هذا كله بالنسبة إلى جهة القطع و أما بالنسبة إلى غرامة المال فلا إشكال في ذلك بل لا حاجة الى تعدد الإقرار فإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز فيثبت المال بمجرد الإقرار.

ثم إنه قد اتضح مما ذكر أنه كما كانت في المسألة ثلاثة أقوال كذلك كانت فيها ثلاث طوائف من الروايات و قد قدمناها.

و اما ما ذكر في ذيل القسم الأول من الروايات من قوله عليه السلام: و لكن كنت ضاربه، فيحتمل أن يكون المراد من الضرب هناك التعزير فالمعنى أنه بعد ان جحد ما اعترف به أولا من حد الرجم لا أجرى عليه حد الرجم و لكن أعزره.

و يمكن أن يكون المراد منه الحد المصطلح فينفى الرجم و لكن يقام عليه الحد اعنى الجلد و تحقيق ذلك موكول الى محله.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من

أبواب حد السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 158

ثم إن ما تقدم كان حكم الإقرار مرتين و أما لو أقر بالسرقة مرة واحدة فلا يجب الحد لأن المعتبر في الإقرار في باب الحد هو المعتبر في الشهادة و أما الغرم فقد مر أنه يجب بأول مرة.

الكلام في الحد نفسه

قال المحقق: الرابع في الحد و هو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى و يترك الراحة و الإبهام.

أقول: هنا أبحاث فتارة يبحث في أصل القطع و أنه هل يجب هذا الحد أم لا و أخرى في موضوعه و ثالثة في مقداره و كيفيته. و الأخبار الواردة متعرضة لكل هذه الجهات و لعلها تكون متواترة أو فوق حد التواتر و سيتضح جميع هذا الأبحاث في طي ما يأتي من المطالب إن شاء الله.

اما أصل القطع فلا خلاف بين المسلمين في ذلك و يدل على ذلك الكتاب و السنة اما الأول فقوله تعالى: وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ «1» و أما الروايات فسوف تراها.

كما ان موضوعه هو اليد أولا كذلك.

و اما أنه من أين يقطع و كيف يقطع فهو محل الكلام بين العامة و الخاصة فهم يقولون بأنه يقطع من الكوع الى المفصل الذي بين الكف و الذراع.

قال ابن رشد القرطبي الأندلسي: أما محل القطع فهو اليد اليمنى باتفاق من الكوع و هو الذي عليه الجمهور و قال قوم: الأصابع فقط فأما إذا سرق من قطعت يده اليمنى في السرقة فإنهم اختلفوا في ذلك فقال أهل الحجاز و العراق تقطع رجله اليسرى بعد اليد اليمنى و قال بعض أهل الظاهر و بعض التابعين: تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى و لا

يقطع منه غير ذلك «2».

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 38.

(2) بداية المجتهد و نهاية المقتصد ج 4 ص 331.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 159

و أما الإمامية فهم مجمعون على أنه من أصول الأصابع و يترك الراحة و الإبهام.

قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه إلخ.

و قد اتضح بما ذكرنا أن مراده من عدم الخلاف و الإجماع هو بالنسبة إلى الأصحاب و ليس مراده إجماع المسلمين اجمع.

و إنى بنفسي رأيت و شاهدت في سفر الحج يد سارق كانت معلقة بعرفات كي يراها و يشاهدها الناس و كانت قد قطعت في حكومة آل سعود من المفصل الذي بين الكف و الذراع.

قال شيخ الطائفة: موضع القطع في اليد من أصول الأصابع دون الكف و يترك له الإبهام و من الرجل عند معقد الشراك من عند الناتي على ظهر القدم يترك له ما يمشى عليه و هو المروي عن علي عليه السلام و جماعة من السلف و قال جمع الفقهاء أبو حنيفة و أصحابه و مالك و الشافعي: إن القطع في اليد من الكوع و هو المفصل الذي بين الكف و الذراع و كذلك تقطع الرجل من المفصل بين الساق و القدم و قالت الخوارج: يقطع من المنكب لأن اسم اليد يقع على هذا. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و أيضا قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ) و معلوم أنهم يكتبون بأصابعهم دون الساعد و الكف و أيضا ما قلناه مجمع على قطعه و ما قالوه ليس عليه دليل. انتهى «1».

و قال أيضا: ان القطع عندنا من أصول الأصابع في اليد و في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتي على

ظهر القدم و يترك له ما يمشي عليه، و عندهم من الكوع و هو المفصل الذي بين الكف و الذراع و المفصل الذي بين الساق و القدم و قالت الخوارج: يقطع من المنكب. انتهى «2».

و إليك الروايات: عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: من أين

______________________________

(1) الخلاف كتاب السرقة مسألة 31.

(2) المبسوط ج 8 ص 35.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 160

يجب القطع؟ فبسط أصابعه و قال: من ههنا يعنى من مفصل الكف [1].

و عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القطع من وسط الكف و لا يقطع الإبهام و إذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع «1».

و عن سماعة بن مهران قال: قال: إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم فإن عاد استودع السجن فإن سرق في السجن قتل «2».

و عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: تقطع يد السارق و يترك إبهامه و صدر راحته و تقطع رجله و يترك له عقبه يمشي عليها «3».

و عن محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن زرقان صاحب ابن أبي داود عن ابن- أبي- داود أنه رجع من عند المعتصم و هو مغتم فقلت له في ذلك الى أن قال: فقال: إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه و قد أحضر محمد بن علي عليهما السلام فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ فقلت: من الكرسوع، لقول الله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم).

و اتفق معي على ذلك قوم. و قال آخرون:

بل يجب القطع من المفرق. قال:

و ما الدليل على ذلك؟ قال: لأن الله قال: (و أيديكم إلى المرافق) قال: فالتفت إلى

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 1، ثم إنى قد أوردت على السيد استأذنا الأكبر بان مفصل الكف ظاهر في المفصل بين الكف و الزند لكنه أجاب بأن المراد هو أصول الأصابع. و بعد مدة رأيت في التكملة ص 304 بالنسبة لهذا الخبر: هي محمولة على التقية لموافقتها لمذهب العامة و مخالفتها للمذهب انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 3.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 161

محمد بن علي عليهما السلام فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ قال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين قال: دعني مما تكلموا به أي شي ء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه. فقال:

أما إذا أقسمت علي بالله إني أقول: إنهم اخطأوا فيه السنة فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف. قال: لم؟ قال: لقول رسول الله صلى الله عليه و آله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق لم يد يسجد عليها و قال الله تبارك و تعالى: (وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً) و ما كان لله لم يقطع

قال: فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف «1».

و قد يقال: بان وجه التمسك بالآية الكريمة غير واضح و ذلك لأنه لو كان المساجد لله فكان اللازم أن لا يقطع من اليد شي ء فإنه كما أن الراحة من مساجد الله كذلك الأصابع تكون من مساجد الله و يسجد المصلى عليها أيضا [1].

______________________________

[1] أورده هذا العبد. ثم لا يخفى جريان هذا الكلام في قطع الرجل فكيف تقطع الأصابع و هي من مساجد الله؟

نعم قد أجاب العالم الكبير الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء عن هذا الإشكال و نحن ننقل أصل الاشكال و جوابه عن كتابه: المثل الأعلى ص 42: في حد السرقة عند اجتماع الشرائط تقطع الأصابع الأربع من يده اليمنى فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم و يترك له العقب و قد علل الامام عليه السلام قطع الأصابع من اليد بأن المساجد لله تعالى و ورد في رواياتنا أن ما كان لله لا يقطع فكيف يأتي هذا التعليل في قطع الرجل اليسرى أ ليس رأس الإبهام من جملة المساجد على المشهور فلم يقطع من مفصل القدم؟ تفضلوا ببيان حل الإشكال.

الجواب: لا يبعد أن السر في ذلك نظير من جنى جناية عليها حد خارج الحرم ثم التجأ إلى الحرم لا يقام عليه الحد حتى يخرج رعاية لحرمة الحرم. أما لو جنى في الحرم أقيم عليه الحد و لو في الحرم لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم و إلى مثله يومي قوله عز شأنه: (وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ) و منه أيضا

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3،

ص: 162

و فيه ان ذلك لا يقدح في التمسك بها للحكم بقطع الأصابع لأنه مع قطع اليد من الوسط يبقى شي ء من محل السجود بخلاف ما إذا قطعت من المفصل بين الكف و الذراع فإنه لا يبقى شي ء من موضع السجدة هذا فالغرض بقاء شي ء من عضو السجود و هو لا يتحقق إلا بقطع اليد من أصول الأصابع بل لعله يمكن أن يقال إن المستفاد منه كون المساجد هو الراحة دون الأصابع أصلا.

و عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عامة أصحابه يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان إذا قطع السارق ترك الإبهام و الراحة فقيل له: يا أمير المؤمنين تركت عليه يده؟ قال: فقال لهم: فإن تاب فبأي شي ء يتوضأ؟ لأن الله يقول:

و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما. فمن تاب من بعد ظلمه و أصلح فإن الله غفور رحيم «1».

و عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يقطع من السارق أربع أصابع و يترك الإبهام و تقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه «2».

و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث السرقة قال: و كان إذا قطع

______________________________

قضية فداء اليد بخمسمأة دينار و قطعها بربع دينار و هو الاعتراض الذي اعترضه الحكيم المعرّى بقوله المشهور: يد بخمس مئين عسجد فديت إلخ و الأجوبة التي أجابوا بها و أجادوا فبين قائل:

هاتيك مظلومة غالى بقيمتها و تلك ظالمة هانت على الباري.

و بين قائل:

عز الأمانة أغلاها، و أرخصها ذلّ الجناية فانظر حكمة الباري

و حيث إن السارق في أول مرة له بعض العذر لذا روعي في حقه حرمة المساجد فلم يحكم بقطعها بل أبقاها الشارع له

رأفة به ثم لما تجرأ و عاد إلى السرقة ثانيا و بعد إقامة الحد أيضا قد هتك هو حرمة مساجده بل هتك حرمة الله في مساجده التي هي لله فقوبل بمثل عمله أي إن عمله و عوده إلى الجريمة كان قاسيا فناسب أن يكون جزاؤه أيضا قاسيا و لعل هذا من أسرار أحكام الشارع و بدائع حكمته و يكاد العارف يقطع به بعد التأمل فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 6.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 163

اليد قطعها دون المفصل فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب: قال: و كان لا يرى ان يعفا عن شي ء من الحدود «1».

و عن محمد بن عبد الله بن هلال عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

قلت له: أخبرني عن السارق لم يقطع يده اليمنى و رجله اليسرى و لا تقطع يده اليمنى و رجله اليمنى؟ فقال: ما أحسن ما سألت، إذا قطعت يده اليمنى و رجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر و لم يقدر على القيام فإذا قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى اعتدل و استوى قائماً. قلت له: جعلت فداك و كيف يقوم و قد قطعت رجله؟ فقال: إن القطع ليس من حيث رأيت يقطع إنما يقطع الرجل من الكعب و يترك من قدمه ما يقوم عليه و يصلي و يعبد الله. قلت له: من أين تقطع اليد؟ قال: تقطع الأربع أصابع و يترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة و يغسل بها وجهه للصلاة. قلت: فهذا القطع من أول من قطع؟ قال: قد كان عثمان ابن

عفان حسّن ذلك لمعاوية «2».

و عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السارق يسرق فتقطع يده ثم يسرق فقطع رجله ثم يسرق هل عليه قطع؟ فقال: في كتاب علي عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه و آله مضى قبل أن يقطع أكثر من يد و رجل و كان علي عليه السلام يقول: إني لأستحيي من ربي أن لا أدع له يدا يستنجى بها أو رجلا يمشى عليها «3».

و على الجملة فالروايات تدل على قطع اليد من أصول الأصابع و لا يخفى انه يقطع مقدار يسير من الراحة أيضا فإن هذا هو مقتضى القطع من المفصل.

و قد ظهر أنه قد اقتصر في الآية الكريمة على ذكر (اليد) من السارق و السارقة حيث قال الله تعالى: و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما. و كذلك قسم من الروايات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد السرقة ح 8.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 8.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 9.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 164

و لكن بعض الروايات الشريفة صريح في قطع اليمين منهما و هذا كاف في التخصيص. فاليد اليسرى ليست محلا للقطع بمقتضى تلك الروايات الكثيرة كما أنها صريحة في القطع من مفصل الأصابع و قد ذكرت فيها علل و أمور تدل على ذلك و ترفع الإجمال عن محل القطع كقوله أخذا من الكتاب العزيز: و أن المساجد لله، و كقوله عليه السلام: و يعتمد عليها في الصلاة و يغسل بها وجهه، و كقوله: فبأي شي ء يتوضأ.

و حيث إن التخفيف أعنى

الرفق في الحدود مطلوب للشارع فلذا يواظب في مقام القطع على ما يناسب ذلك. قال شيخ الطائفة: فإذا قدم السارق للقطع أجلس و لا يقطع قائماً لأنه أمكن له و ضبط حتى لا يتحرك فيجني على نفسه و تشديده بحبل و تمد حتى يتبين المفصل و توضع على شي ء لوح أو نحوه فإنه أسهل و أعجل لقطعه ثم يوضع على المفصل سكين حادة و يدق من فوقه دقة واحدة حتى تنقطع اليد بأعجل ما يمكن و عندنا يفعل مثل ذلك بأصول الأصابع إن أمكن أو يوضع على الموضع شي ء حاد و يمد عليه مدة واحدة و لا يكرر القطع فيعذبه لأن الغرض إقامة الحد من غير تعذيب فإن علم قطع أعجل من هذا قطع به انتهى «1» و نفى عنه البأس في الجواهر قائلًا: و إن لم أجده فيما حضرني من النصوص. انتهى.

و أما ما قد يقال من أنه إذا كان الرفق مطلوبا فيجوز ان يبنج كي لا يدرك ألم القطع [1].

ففيه أنه غير جائز لأن المقصود من إقامة الحد و إجرائه هو أن يتألم بذلك و يدرك و يحس ألم القطع و لو كان يجوز ذلك لذكروا عليهم السلام ذلك. و ما ذكرنا من حسن التخفيف و كون الرفق مطلوبا للشارع فهو بالنسبة لجعل السكين حاد يقطع بسرعة و أمثال ذلك و أما أذاقه ألم القطع فمما لا بد منها.

______________________________

[1] أورده هذا العبد و أجاب سيدنا الأستاذ الأكبر بما في المتن.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 35.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 165

ثم إنه لو كان له إصبع زائدة خارجة عن الأربع متميزة بحيث لا ينافي وجودها قطع الباقي فهنا يقطع المقدار اللازم

و لا وجه لقطع هذا الزائد.

و أما لو لم تكن متميزة ففي الجواهر: و إن لم تتميز على وجه يكونا أصليين ثبت الخيار و إلا أشكل مع فرض العلم بزيادة أحدهما و عدم تمييزه لحرمة قطع الزائدة. نعم قد يقال بالقرعة.

أقول قوله: (يكونا أصليين) فيه انه ليس كل منهما أصليا فإن الأصابع الأصلية في كل إنسان خمسة و على ما ذكره يلزم أن تكون ستة.

نعم يمكن أن يكون المراد من كونهما أصليين كونهما متشابهين بحيث لا يميز إحداهما عن الأخرى هذا.

و أما ما ذكره من ثبوت الخيار فهو تام و ذلك لأنهما بوجه تكونان من قبيل إنقاذ واحد من الغريقين الذين لا يمكن إنقاذ كليهما.

و يحتمل أن يكون المراد من الخيار تخييره بين الامتثال و ترك الامتثال نظير الدوران بين الواجب و الحرام لكن الظاهر هو الأول يعني لا بد من قطع واحد منهما و الأمر مردد بين هذه أو الأخرى للعلم بزيادة إحديهما و هي غير معلومة.

و اما الذي حكاه من القول بالقرعة أي تعيين الواجب قطعه منهما بها ففيه أن هذا يتم على القول بجريانها في كل أمر مشكل أما على القول بأنها لا تعم الموارد و إنما تجري في خصوص الموارد التي ثبت عمل العلماء بها فيها فيشكل الأمر.

هذا كله في الإصبع المستقلة المنفصلة فلو كان له إصبع زائدة متصلة بأحد الأربع و لم يمكن قطع الأربع إلا بها فقد صرح العلامة أعلى الله مقامه في القواعد بأنه قطع ثلاث.

و الوجه فيما ذكره رحمه الله هو أنه يترك الواجب مخافة ارتكاب الحرام.

و هذا موقوف على العلم بكون ترك الحرام أهم من الإتيان بالواجب فربما يكون الأمر بالعكس، و ما يذكر من أن

جانب الحرام عند الدوران أهم فليس بهذا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 166

النحو من الكلية كما في الدخول في المكان المغصوب لإنقاذ الغريق و لذا قال في الجواهر: و ربما يحتمل عدم المبالاة بالزائدة فيقطع الأربع إذا لم يمكن قطعها بدونها و لكنه ضعيف. انتهى.

بل حكم بذلك جزما العلامة في الإرشاد و الأردبيلي في الشرح.

قال في الأول: و لو كانت له إصبع زائدة في إحدى الأربع من اليد قطعت ان لم يمكن قطعها منفردة انتهى.

و قال الثاني: إن كان للسارق إصبع زائدة متصلة بإحدى الأصابع الأربع التي تقطع و لا يمكن قطعها بدونها يقطع الزائدة أيضا إذا لا يمكن الإتيان بالواجب إلا به فيجب و لو كانت خارجة عنها لا يقطع لعدم الموجب. انتهى.

و لا يخفى ما في ذيل كلامه رحمه الله من الإشكال فإن اليد لو كانت خارجة فإن في هذا المورد يتحقق موجب العدم و هو عمومات حرمة الإيذاء و ليس من باب مجرد عدم الموجب للقطع. و كيف كان فكأنه رحمه الله استفاد بالنسبة إلى المطلب المبحوث عنه أن إتيان الواجب أي إجراء الحد أهم في نظر الشارع من ترك الحرام اي قطع إصبع زائدة. و لكن استفادة ذلك مشكلة أيضا.

و المتحصل من تلك الأبحاث أن قطع الإصبع الزائدة مقدمة لقطع الإصبع الأصلية الذي هو الواجب كما أن قطع الإصبع الأصلية مقدمة للحرام و هو قطع الإصبع الزائدة فإما أن يلاحظ جانب الواجب و يقال بوجوب مقدمته فيجب قطعهما و إما بالعكس فيترك قطع كليهما فإن أحرز الأهمية في أحدهما فالأمر واضح فإنه يعمل بمقتضى الأهم و إن لم يحرز ذلك فالحكم هو التخيير.

و أما كون المقام من قبيل

الشك في التكليف فهو فرع استفادة وحدة المطلوب أي كون الواجب هو قطع الأربع بنحو العام المجموعي فإذا لم يمكن ذلك فلا يجب شي ء لكنه مشكل.

و قد يقال بان الواجب هو قطع اليد بحيث يبقى الإبهام و راحة الكف و حينئذ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 167

فكلما كان غير ذلك يجب قطعه و ليس علينا أنه تقطع أربعة أصابع أو أكثر [1].

و فيه أن الظاهر كون الكلام محمولا على اليد المتعارفة المشتملة على الأربع و لا تعرض لغير المتعارف كي نقول بوجوب القطع و إن استلزم قطع الزائد فإن ذي الإصبع الزائد أقل قليل بين الناس و إنى مع أنه قد رأيت و شاهدت أشخاصا كثيرة إلى هذا الزمان لم أر من كان له إصبع زائدة إلا واحدا كانت له ستة أصابع.

هذا كله في الإصبع الزائدة فلو كانت له يد زائدة فقال العلامة في الإرشاد:

و لو كان له كفان قطعت أصابعه الأصلية. انتهى.

أقول: و العبارة غير متضح الدلالة و المعنى. و الحكم أنه لو علم و ميز الزائدة من الأصلية فإنه تقطع الأصلية و تترك الزائدة و يحرم قطع كليهما، و لو قيل يقطع كليهما فهو من أجل وجوب قطع اليمين منه، و المرجع هنا هو الأصول. و أما لو لم يكن هناك تميز أصلا فالأمر مشكل قال في شرح الإرشاد: لو كان للسارق على يده اليمنى التي هي محل القطع كفان قطعت الأصابع الأربع من الكف الأصلية، هذا مع الامتياز و مع عدمه يمكن التخيير. انتهى.

و في الجواهر عند البحث في الإصبع الزائدة و بعد أن ذكر ثبوت الخيار إن لم تتميز الزائدة على وجه يكونا أصليين و إلا أشكل مع

فرض العلم بزيادة أحدهما و عدم تمييزه لحرمة قطع الزائدة: و كذا الكلام في الكفين الذين لم يميز أصليهما من زائدهما كذلك. ثم قال: نعم قد يقال بالقرعة.

«و اما احتمال وجوب قطعهما لأن اليد اسم جنس و يشمل القليل و الكثير،

______________________________

[1] أورده هذا العبد و لا ينافي ما ذكرناه ذكر قطع أربع أصابع في بعض أخبار الباب لأن أكثر الأخبار مشتملة على ذكر بقاء الإبهام و الراحة و إنما ذكر قطع أربع أصابع في خبرين ظاهرا. هذا مضافا الى انه يمكن ان يكون ذكر الأربع لكونه هو المتعارف. و كيف كان فقد أجاب سيدنا الأستاذ الأكبر بما ذكرناه في المتن.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 168

فموهون، بل مقطوع العدم و لا أقل من كون الشك فيه شكا في الأقل و الأكثر [1]».

ثم لو قيل بالتخيير أو بالقرعة و قطعت واحدة منهما ثم سرق ثانيا فهل يقطع في المرة الثانية الكف الآخر أو يقطع رجله؟ هذه المسألة مشكلة جدا و فيها وجهان و لا بد من التأمل فيها.

هذا كله في الزيادة و أما النقيصة فنقول: لو كانت يده ناقصة بأن نقصت إصبع أو أصابع منه اجتزئ بالباقي حتى إنه لو لم يكن له سوى إصبع غير الإبهام قطعت تلك الواحدة و ذلك لظاهر النص و الفتوى، و لا إشكال في ذلك.

هذا كله بالنسبة إلى سرقته في المرة الأولى فلو تكرر ذلك منه فحكمه:

في سرقته ثانيا

قال المحقق: و لو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم و يترك له العقب يعتمد عليها.

أقول: لا خلاف في أنه في المرة الثانية تصل النوبة إلى قطع الرجل اليسرى و هو المستفاد من الروايات أيضا و أما أنه من

أين؟ ففيه أقوال و عبارات مختلفة، منها أنه يقطع من مفصل القدم أي ما هو بين الساق و القدم و عليه فلا يبقى من عظام القدم شي ء و إنما يبقى العقب.

و يدل على ذلك خبر أبي بصير و خبر إسحاق المذكورين آنفا- ب 4 ح 2 و 4 كما يدل عليه المحكى عن فقه الرضا عليه السلام: يقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه «1».

و منها ما عن الصدوق في المقنع: إنما يقطع من وسط القدم. و عن الخلاف

______________________________

[1] ما بين الهلالين من دفتر مذكراته قدس الله روحه.

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 79 ص 192.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 169

و المبسوط و التلخيص يقطع من عند معقد الشراك من عند الناتي على ظهر القدم و عن السرائر: من مفصل المشط ما بين قبة القدم و أصل الساق و يترك بعض القدم الذي هو الكف يعتمد عليها في الصلاة. و عن الكافي و الغنية و الأصابع أنه من عند معقد الشراك و يترك له مؤخر القدم و العقب.

و قال في المبسوط: إن القطع عندنا من أصول الأصابع في اليد، و في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتي على ظهر القدم إلى آخر كلامه و قد تقدم نقله «1».

و منها ما أفاده في التبيان: و أما الرجل فعندنا تقطع الأصابع الأربعة من مشط القدم و يترك الإبهام و العقب. ثم قال: دليلنا أن ما قلناه مجمع على وجوب قطعه «2».

و لكن لم نجد من قال بذلك حتى الشيخ بنفسه لم يقل ذلك في كتبه فكيف بغيره و لذا أورد عليه في الجواهر بقوله: إني لم أجده قولا لأحد من العامة

و الخاصة فضلا عن ان يكون مجمعا عليه بيننا كما هو ظاهر عبارته و إن كان مناسبا لكيفية قطع اليد و بقاء المسجد.

فهذا القول معرض عنه بدليل أعراض الكل حتى قائله عنه في كتبه الفتوائية.

هذا مضافا إلى أنه يلزم على ما ذكره الشيخ القطع طولا لا عرضا و هو خلاف المتعارف بين أهل الشرع.

لكن يبقى في قبال الأول القول الثاني الذي يدل عليه مثل خبر سماعة المذكور آنفا الناطق بالقطع من وسط القدم فإن الظاهر أنه فرق بين القطع من المفصل بحيث يبقى من العقب ما يقوم عليه و لا يبقى من القدم شي ء و بين القطع من الوسط.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 35.

(2) التبيان في تفسير القرآن ج 3 ص 514.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 170

فإن أمكن الجمع بينهما بأن يقال: ان المراد من الوسط ليس هو الوسط الحقيقي كي يحصل التعارض بل المراد العرفي المسامحي فهو كما أنه يمكن الجمع بذلك بين روايات الكف أيضا و إلا فيؤخذ بالمتيقن و هو الوسط المحاذي للكعب و أما الزائد عليه فمشكوك و لذا يجري البراءة بالنسبة إليه لا سيما بلحاظ الرفق الملحوظ في باب الحدود.

و ما ذكره بعض المعاصرين قدس سره في المقام بالنسبة إلى الكف و كذا بالنسبة إلى الرجل بقوله: و ليس الاختلاف بين الأقل و الأكثر حتى يتوجه الأخذ بالأقل و درء الزائد من جهة الشبهة «1».

ففيه أنه لا بعد أصلا في كونه من باب الأقل و الأكثر و لا يسلم خروجه عنه إذا فيجري بالنسبة للزائد على المتيقن البراءة.

نظرة أخرى في البحث [1].

قد تقدم أنه اختلفت الأقوال- و الأخبار بظاهرها في موضع القطع و محله من الرجل فمقتضى عبارة المحقق القطع

بحيث يبقى العقب و هو بالفارسية پاشنه، و على هذا لم يبق شي ء من القدم و عظامه. و عن الصدوق في المقنع: إنما يقطع من وسط القدم. و مقتضى ظاهر ذلك أنه يقطع بحيث يبقى شي ء من القدم أيضا و عن بعض آخر عند معقد الشراك من عند الناتي على ظهر القدم و عن بعض من مفصل المشط ما بين قبة القدم و أصل السارق و يترك بعض القدم إلى غير ذلك من الكلمات و العبارات.

و أما الأخبار ففي خبر أبي بصير: ترك العقب لم يقطع. و في رواية سماعة بن مهران: فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم. ترى ان لسان الاولى القطع مع

______________________________

[1] حيث ان ما كان قبل ذلك صادق يوم الأربعاء 21 شعبان سنة 1409 و تعطلت الدروس لشهر رمضان ففي يوم الشروع و هو الأربعاء 4 شوال 1409 ه فقد لخص مطالبه السابقة.

______________________________

(1) راجع جامع المدارك ج 7 ص 157.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 171

ترك العقب، الذي ظاهره القطع من عند المفصل حتى لا يبقى سوى العقب، في حين أن مقتضى الثاني القطع من وسط القدم لا من وسط الرجل حتى يوازي القطع من القبة مثلا و من المعلوم أن القطع من وسط خصوص القدم يوجب قطع شي ء أقل من القطع من وسط الرجل، الشامل للقدم و العقب.

و في خبر إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام: و تقطع رجله و يترك له عقبه يمشى عليها ب 4 ح 4 و هذا كالأول.

و عن معاوية بن عمار قال أبو عبد الله عليه السلام:. و تقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه. ح 7 و

هذا أيضا كالأول.

و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث السرقة: و كان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل فاذا قطع الرجل قطعها من الكعب. ح 8 و لازم ذلك بقاء شي ء من القدم أيضا كما أن رواية محمد بن عبد الله بن هلال ب 5 ح 8 المذكور آنفا دالة على القطع من الكعب و أنه يترك من قدميه ما يقوم عليه و يصلي.

إلى غير ذلك من الروايات الشريفة التي تختلف ألسنتها.

و الذي يقوى و يظهر عندي أن النسبة بينها هو النص و الظاهر، و الجمع بينهما عرفي فإن ما دل على القطع بحيث يبقى العقب ظاهر في عدم بقاء شي ء آخر بخلاف ما دل على بقاء شي ء من القدم معه فإنه صريح في هذا، فتحمل الروايات الأولى بقرينة هذه على بقاء العقب مع شي ء آخر لعدم نصوصيتها و صراحتها في عدم بقاء شي ء من القدم مع العقب، و ان كان قد يوجد هذا التصريح في كلمات بعض العلماء لكنه لا يوجد في شي ء من الأخبار.

هذا كله مضافا إلى المؤيدات المذكورة في كلمات صاحب الجواهر من أنه أخف من القطع بحيث لا يبقى سوى العقب، و أن الحدود تدرأ بالشبهات و أن الحكمة في بقاء ذلك هو التمكن من القيام و المشي، و إن كان يتمكن من ذلك أيضا إذا بقي مجرد العقب لكنه بلا شك ليس مثل بقاء شي ء من القدم معه أيضا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 172

لكن لا يخفى أن هذه الأمور مؤيدات لإثبات المطلب، و العمدة هو ما ذكرناه من أن ذلك مقتضى الجمع العرفي، و عليه فالمراد من العقب المذكور في بعض الروايات هو المعنى

الموسع منه لا مجرده.

و النتيجة أنه يقطع من قبة القدم و يكون الوسط هو الوسط العرفي المسامحي و بذلك ينحل مسألة السجود أيضا لأن الملاك في السجدة هو الرجل و إن ذكروا الإبهام فإنه من باب ما يتصل بالأرض من الرجل و يقع عليها فاذا قطعت الأصابع و المشط و بقي شي ء من القدم فلا محالة تكون سجدة الرجل بسجود هذا المقدار الباقي من القدم و إيقاعه على الأرض و هذا بخلاف ما إذا لم يبق منه شي ء و كان الباقي مجرد العقب فإنه يشكل تحقق السجدة بذلك فهذا أيضا وجه آخر مناسبة لما ذكرناه.

هذا كله بالنسبة للمرة الثانية من السرقة فإنه يقطع رجله و اما المرة الثالثة:

في سرقته ثالثا

قال المحقق قدس سره: فإن سرق ثالثة حبس دائما.

أقول: و في الجواهر بعد ذلك: حتى يموت أو يتوب و أنفق عليه من بيت المال إن لم يكن له مال و لا يقطع شي ء منه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى بل يمكن دعوى القطع به من النصوص. انتهى.

أقول: اما قوله: حتى يموت، فصحيح و تدل عليه الروايات الدالة على حبسه أبدا و تخليده في السجن كما ستأتي. و أما قوله: أو يتوب، فغير تام و ذلك لأن الحد في المرة الثالثة هو الحبس دائما فانتهاءه بالموت صحيح و أما بالتوبة فلا، بعد عدم ورود ذلك في الأخبار و إني كلما تفحصت لم أعثر على ذلك فيها.

فعن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 173

السارق إذا سرق قطعت يمينه و إذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليسرى ثم إذا سرق

مرة أخرى سجنه و تركت رجله اليسرى. «1».

ترى أنها ظاهرة في الإطلاق أي سجنه سواء تاب أم لا و إلا فكان اللازم التصريح بالخلاف.

و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي عليه السلام لا يزيد.

قال: و سألته: إن سرق هو بعد قطع اليد و الرجل؟ قال: استودعه السجن ابدا و أغنى [أكفى] عن الناس شره «2».

و عن نضر بن سويد عن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام سمعت أبي يقول: أتى علي عليه السلام في زمانه برجل قد سرق فقطع يده ثم أتى به ثانية فقطع رجله من خلاف ثم أتى به ثالثة فخلده في السجن و أنفق عليه من بيت مال المسلمين فقال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه و آله لا أخالفه «3».

و في رواية سماعة بن مهران:. فإن عاد استودع السجن فإن سرق في السجن قتل «4».

و في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقطع رجل السارق بعد قطع اليد ثم لا يقطع بعد فإن عاد حبس في السجن و أنفق عليه من بيت مال المسلمين «5».

و عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث في السرقة قال: تقطع اليد و الرجل ثم لا يقطع بعد و لكن إن عاد حبس و أنفق عليه من بيت مال المسلمين «6»

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 3.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 4.

(5) وسائل الشيعة ج 18

باب 5 من أبواب حد السرقة ح 6.

(6) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 174

و في رواية الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان إذا سرق الرجل أولا قطع يمينه فإن عاد قطع رجله اليسرى فإن عاد ثالثة خلده السجن و أنفق عليه من بيت المال «1».

و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل سرق. ثم سرق الثالثة فقال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يخلده في السجن و يقول: إني لأستحيي من ربي أن أدعه بلا يد يستنظف بها و لا رجل يمشى بها الى حاجته «2».

إلى غير ذلك من الروايات في هذا الباب فراجع فليس فيها ذكر عن التوبة و لا اثر عنها، فكيف يقال بأنه يحبس إلا أن يتوب؟

لا يقال: إن قوله عليه السلام في رواية زرارة إن أمير المؤمنين عليه السلام استودعه السجن ابدا و اغنى- اكفى- عن الناس شره، يدل على المطلب، لأنه إذا تاب و صلح فلا شر له حتى يحتاج الى حبسه «3».

لأنا نقول إنه لا دلالة له على المطلوب لأنه مضافا إلى أن حده هو الحبس مؤبدا فإنه لا اعتماد عليه و إن تاب فلا يحصل الوثوق بعدم عوده إليها و أنه لا شر له.

و اما ما يقال من أن ذكر السارق في المرحلة الثالثة في رديف المرتدة التي يعلم أنها تحبس ابدا الا أن يتوب كما في رواية حماد عن أبي عبد الله عليه السلام:

قال: لا يخلد في السجن إلا ثلاثة: الذي يمثل و المرأة ترتد عن الإسلام و السارق بعد قطع اليد و الرجل [1].

ففيه أنه لا

دلالة في ذلك فربما يختص الحكم بالمرتدة دون غيرها بعد اشتراكهما في الحبس مؤبدا كما أنه لا دلالة للروايات على أن التوبة مانعة عن

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 5، و قد أورده هذا العبد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 10.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 12.

(3) أورده بعض فضلاء أصفهان.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 175

إجراء الحد، و ذلك لاختصاصها بما إذا كانت التوبة قبل ثبوت الموجب و قبل إقامة البينة على ذلك، كما هو صريح الأدلة فلا تجري في المقام.

كما و أنه لا يصح التمسك في المقام بعمومات التوبة كقوله عليه السلام:

التائب من الذنب كمن لا ذنب له. و ذلك لإمكان استثناء حكم أو أحكام عن ذلك فيجري على التائب كل أحكام غير المرتكب سوى الحد.

و بالجملة فما ذكره قدس سره لا يوفق الأدلة. و على هذا فلا فرق بين أن يتوب و ان لا يتوب من هذه الجهة بل يحبس دائما الى أن يموت.

و أما الإنفاق عليه من بيت المال إن لم يكن له مال فهو مقتضى القاعدة لأن بيت المال معد للفقراء فإذا لم يكن له مال فإنه يصرف عليه منه و أما إذا كان ذا مال و ثروة و متمكنا من عند نفسه فلا وجه للإنفاق عليه من بيت المال [1].

قتل السارق في الرابعة

قال المحقق قدس سره: و لو سرق بعد ذلك قتل.

و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه أيضا.

أقول: و الدليل على ذلك طائفتان من الأخبار: الأخبار العامة و الاخبار الخاصة.

اما الأولى فكخبر يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام

قال: أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة «1».

و أما أن مقتضى هذا الخبر هو القتل في المرة الثالثة لا الرابعة. ففيه أنه و إن كان

______________________________

[1] أقول: الظاهر أن بيت المال لا يختص بالفقراء بل هو لمصالح المسلمين و هو يناط بنظر الحاكم الشرعي فإذا رأى الحاكم المصلحة في الإنفاق على السارق الذي قطعت يده و رجله و قد حكم عليه بالحبس الدائم مع كونه غنيا فأي إشكال في ذلك؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 20 من أبواب حد الزنا ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 176

مقتضى الرواية ذلك لكن قد تقدم اختيار المحقق المرة الرابعة فراجع [1].

و اما الثانية أي الأخبار الخاصة فمنها خبر سماعة بن مهران المذكورة آنفا فان فيها بعد الحكم بالسجن في الثالثة: فإن سرق في السجن قتل «1».

و منها مرسل الصدوق قدس سره: و روى أنه من سرق في السجن قتل «2».

و منها المرسل: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أتى به في الثالثة بعد أن قطع يده و رجله في المرتين خلده في السجن و أنفق عليه من في ء المسلمين فإن سرق في السجن قتله «3».

و على الجملة فالحكم في المرة الرابعة من السرقة هو القتل، و قد عبّر عن رواية سماعة بالمعتبرة أو الموثقة هذا مضافا إلى أنها معمولا بها عند الأصحاب و إلى ما ذكره في الجواهر من عدم الخلاف في ذلك.

______________________________

[1] أقول: إنه رحمه الله قال في باب الزنا: و لو تكرر من الحر الزنا، فأقيم عليه الحد مرتين قتل في الثالثة. و قيل في الرابعة و هو أولى. لا يقال: إن ما ذكره هناك كان لأجل ورود

الرواية في خصوص الزنا بذلك كموثق أبي بصير مثلا الذي رواه المشايخ الثلاثة المصرح بالقتل في الرابعة (وسائل الشيعة ج 18 باب 20 من أبواب حد الزنا ح 1) لأنا نقول ان المحقق ذكر في باب اللواط أيضا عند البحث في التفخيذ و بين الأليتين بعد ما ذكر ان حده مأة جلدة: و لو تكرر منه الفعل و تخلله الحد مرتين قتل في الثالثة و قيل في الرابعة و هو أشبه انتهى. و في الجواهر في الموضع الثاني بعد ذكر كلام المحقق:

و أحوط في الدماء و قد سبق الكلام فيه في الزنا الذي يظهر من غير واحد الإجماع على عدم الفرق بينه و بين ما هنا في ذلك إلخ.

نعم تعبير المحقق في الموضع الأول بالأولى بل و في الأخير بالأشبه غير خال عن الكلام كما ان السيد الأستاذ الأفخم اختار في باب الزنا في مقام الجمع بين الاخبار تخصيص خبر القتل في الثالثة بباب الزنا يعني ان الزاني يقتل في الرابعة و غيره من مرتكبي الكبائر في الثالثة فراجع إن شئت كتابنا الدر المنضود ج 1 ص 342.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 4.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد السرقة ح 11.

(3) مستدرك الوسائل ج 18 ص 126 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 177

و لكن مع ذلك كله فقد استشكل فيه بعض المعاصرين قدس سره حيث إنه بعد ما نقل الروايات الواردة في الحكم بالقطع و الحبس و القتل، قال: و أما القتل المذكور فيها بعد السرقة في السجن فمحل إشكال من جهة أنه تهجم

في الدماء.

انتهى [1].

و فيه أنه لا محيص عنه مع وجود الدليل المعتبر، و كيف يكون ما دل عليه الدليل المعتبر من باب التهجم على الدماء؟.

و هل يعتبر في السرقة الرابعة كونها من السجن أو أنه لا فرق فيها بين كونها منه أو من غيره- كما إذا سرق في خارج السجن بعد الفرار منه.؟

ظاهر أخبار الباب هو الأول حيث إنه قد عبر فيها بالسرقة في السجن، الدال على اعتبار تحقق السرقة في الحبس نفسه. نعم مقتضى القسم العام من الروايات هو عدم الفرق بين السرقة من السجن أو من غيره.

الحد الواحد مع السرقة المتكررة

قال المحقق: و لو تكررت السرقة فالحد الواحد كاف.

أقول: إن العبارة مجملة فإن للتكرر صورا فتارة قد تكرر الموجب أي السرقة بلا ثبوت و اخرى مع ثبوت كل واحد بلا تحقق القطع بين المرات و ثالثة مع فصل الحد، و مع التكرر و الثبوت فتارة يثبت الموجب المتعدد بلفظ واحد كما إذا شهد الشاهدان بسرقة زيد في يوم الجمعة و السبت أو بلفظين بلا فصل الحد و اخرى يشهدان في يوم السبت بسرقته يوم الخميس ثم يمسكان حتى تقطع يده ثم

______________________________

[1] أقول: راجع جامع المدارك ج 7 ص 159. و قد استشكل فيه قبله المحقق الأردبيلي قدس سره حيث قال في مجمع الفائدة و البرهان:. و إن كان دليل القتل غير صحيح مع أنه أمر عظيم لكنه موافق لفتواهم فإن لم يكن إجماع يمكن خلافه فيقطع أيضا إن وجد شرائطه فتأمل في الحبس أيضا.

انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 178

يشهدان بسرقته يوم الجمعة و ثالثة يشهدان بسرقته يوم الخميس و بعد القطع يشهدان بسرقته عقيب القطع و على الجملة فلا يتضح كاملا أن

المراد أي صورة من الصور- و إن كان عدم إرادة بعضها معلوما.

و قد أوضح المراد في الجواهر بعد عبارة المتن (و لو تكررت السرقة) بقوله: و لم يظفر به ثم ظفر به فالحد الواحد كاف سواء اتحد المسروق منه أو اختلف بلا خلاف أجده فيه بين العامة و الخاصة كما اعترف به غير واحد للأصل بعد اختصاص نصوص تعدد القطع في غير الفرض و خصوص الصحيح إلخ.

كما ان المحقق قدس سره قد تعرض لهذا الفرع في بحثه في اللواحق و هناك يكون أوضح من المقام فقال: الثالثة لو سرق و لم يقدر عليه ثم سرق ثانية قطع بالأخيرة و أغرم المالين.

فظهر منه أن البحث في ما إذا سرق مكررا لكن لم يقدر على أخذه و بعد أن أخذ و رفع الى الحاكم أقيمت عليه البينة بهما معا دفعة واحدة فهناك تقطع يده وحدها.

و في المسالك: إذا تكررت السرقة و لم يرافع بينهما فعليه قطع واحد لأنه حد فيتداخل أسبابه لو اجتمعت كغيره من الحدود، و هل القطع بالأولى أو بالأخيرة؟

قولان جزم المصنف بالثاني، و العلامة بالأول و يظهر فائدة القولين لو عفى من حكم بالقطع لأجله و الحق أنه يقطع على كل حال حتى لو عفى أحدهما قطع بالأخرى لأن كل واحدة سبب تام في استحقاق القطع مع المرافعة، و تداخل الأسباب على تقدير الاستيفاء لا يقتضي تداخلها مطلقا لأنه على خلاف الأصل هذا إذا أقربها دفعة أو قامت البينة بها كذلك.

أما لو شهدت البينة عليه بواحدة ثم أمسكت ثم شهدت أو غيرها عليه بأخرى قبل القطع ففي التداخل قولان أقربهما عدم تعدد القطع كالسابق لما ذكر من العلة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص:

179

و لو أمسكت الثانية حتى قطع بالأولى ثم شهدت ففي ثبوت قطع رجله بالثانية قولان أيضا و أولى بالثبوت لو قيل به ثم و يؤيده رواية بكير بن أعين عن ابي جعفر عليه السلام- و هنا نقل قدس سره الرواية ثم قال:- و الرواية نص إلا أن في طريقها ضعفا و توقف ابن إدريس في ذلك و كذلك المصنف و له وجه مراعاة للاحتياط في حقوق الله تعالى و درء الحد بالشبهة العارضة من الاختلاف. انتهى كلامه رفع مقامه.

و قال في الروضة مازجا: لو تكررت السرقة و لم يرافع بينهما فالقطع واحد لأنه حد فيتداخل أسبابه لو اجتمعت كالزنا و شرب الخمر، و هل هو بالأولى أو الأخيرة؟ قولان و تظهر الفائدة فيما لو عفى من حكم بالقطع له، و الحق أنه يقطع على كل حال حتى لو عفى الأول قطع بالثاني و بالعكس.

هذا إذا أقر بها دفعة أو شهدت البينات بها كذلك و لو شهدا عليه بسرقة ثم شهدا عليه بأخرى قبل القطع فالأقرب عدم تعدد القطع كالسابق لاشتراكهما في الوجه و هو كونه حدا فلا يتكرر بتكرر سببه إلى أن يسرق بعد القطع، و قيل يقطع يده و رجله لأن كل واحدة يوجب القطع. فيقطع اليد للأولى و الرجل للثانية و الأصل عدم التداخل. و لو أمسكت البينة الثانية حتى قطعت يده ثم شهدت ففي قطع رجله قولان أيضا و أولى بالقطع هنا لو قيل به ثم و الأقوى عدم القطع أيضا لما ذكر و أصالة البراءة و قيام الشبهة لدرء الحد، و مستند القطع رواية بكير بن أعين عن الباقر عليه السلام و في الطريق ضعف. انتهى.

ثم ان الحكم في الفرع

الأول من هذه الفروع و هو ما إذا تعددت السرقة و لم يرافع بينها هو كفاية حد واحد سواء اتحد المسروق منه أم لا بل اختلف. قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بين العامة و الخاصة كما اعترف به غير واحد للأصل بعد اختصاص نصوص القطع في غير الفرض و خصوص الصحيح إلخ.

أقول: الظاهر أن لكل موجب حدا خاصا به فالحكم بكفاية حد واحد يحتاج

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 180

إلى دليل إلا أن لا يكون المسبب قابلًا للتكرار فإنه على حسب القاعدة فقد ثبت بالأول و على ذلك ففي المقام يثبت قطع اليمين بالسرقة الأولى وفاقا لجماعة كما حكى ذلك عن القواعد و المقنع و الفقيه و الكافي و ذلك لتقدمها في السببية و ثبوت القطع بها.

نعم خالف المحقق في ذلك فصرح في باب اللواحق بأنه يقطع بالسرقة الأخيرة.

ثم إن الدليل على حد واحد و هو قطع يمينه- مضافا إلى ما مر من أنه قد جاء الموجب بالسبب الأول- هو بعض الروايات كرواية بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى و لم يقدر عليه و سرق مرة أخرى فأخذ فجاءت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الأولى و السرقة الأخيرة فقال: تقطع يده بالسرقة الأولى و لا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة فقيل له:

و كيف ذاك؟ قال: لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى و الأخيرة قبل ان يقطع بالسرقة الأولى و لو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم أمسكوا حتى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى «1».

و هي صريحة في أنه إذا شهد الشهود دفعة

واحدة و في مقام واحد على السرقتين فإنه يقطع خصوص يمينه و كان ذلك للسرقة الأولى حيث إنه لم يفصل بينهما بالقطع.

نعم في الرواية شي ء و هو وجود سهل بن زياد في طريقها و إن كان عبر عنها بعض بالصحيحة و الظاهر أن ذلك لما قيل من أن الأمر في السهل سهل. و صريح هذه الرواية هو القطع بالسرقة الأولى، فقد عمل المحقق و من قال بمقالته بخلاف الرواية و خرجوا عن مقتضاها و لا نعلم وجه خروجهم عن ذلك.

و قد يقال: لعل الوجه في ما ذكره المحقق أمران:

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 9 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 181

أحدهما ما ذكره صاحب الجواهر بقوله: لأنه قد أخذ فيها.

ثانيهما رواية عيسى بن عبد الله عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

السارق يسرق العام فيقدم إلى الوالي ليقطع فيوهب ثم يؤخذ في قابل و قد سرق الثانية و يقدم الى السلطان فبأي السرقتين يقطع؟ قال: يقطع بالأخير و يستسعى بالمال الذي سرقه أولا حتى يرده على صاحبه [1].

و فيه أن الوجه الأول غير كاف في إثبات المطلوب فان مجرد أخذه في الثانية لا يدل على ان السرقة الأولى لا حد عليها و اما الرواية فهي على مقتضى القاعدة و ذلك لأن المفروض فيها أن الحد الأول قد وهب فلم يبق عليه الا السرقة الأخيرة فلذا أجاب الإمام سؤال الراوي عن ان القطع لأيهما، بأنه يقطع بالأخير، و هذا غير ما نحن فيه.

و قد تحصل أن للمسألة صورا منها:

أن يسرق أولا ثم يقطع ثم يسرق ثانيا و هنا لا كلام و لا إشكال في القطع للثانية

حيث إن السرقة الثانية بنفسها وقعت بعد القطع للأولى و ليس هذا من محل البحث.

و منها ما إذا سرق متعددا لكن أقر هو دفعة بذلك أو شهد الشهود على ذلك دفعة و هنا ليس إلا قطع واحد لعدم الترافع للثانية بعد الترافع و القطع للأولى و الظاهر أنه لا خلاف فيه أيضا.

و منها أن يشهد الشهود للأولى ثم أمسكوا عن الشهادة على الثانية و بعد

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 9 من أبواب حد السرقة ح 2. و قد ذكرت هذا و أجاب سيدنا الأستاذ الأكبر بما في المتن. ثم ان في الجملة الأخيرة من الرواية نوعا من الإجمال و ذلك لأنه قد صرح فيها بالاستسعاء بالمال الذي سرقه أولا فقط.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 3، ص: 181

و قد سألني بعض الشركاء في الدرس عن ذلك فأجبت بأن وجوب الاستسعاء للثاني الذي يحد عليه معلوم لا حاجة الى ذكره و انما السرقة الأولى هي التي كان يتوهم عدم لزوم الاستسعاء لها حيث وهب حدها و لذا صرح عليه السلام بذلك ثم رأيت هذا الوجه في كلام المجلسي قدس سره في ملاذ الأخيار عند شرح هذا الخبر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 182

الفصل بلا حصول القطع شهدوا بأنفسهم أو شهد شهود أخر بالسرقة الثانية فهنا وقع الخلاف فذهب بعض إلى تعدد القطع لكن الأقرب عدمه كالصورة السابقة و ذلك لوحدة الملاك و العلة و هو كونه حدا فيتداخل أسبابه إلا مع فصل القطع.

و منها ما إذا وقعت السرقة مرارا و لم

يظفر عليه و بعد ذلك شهد الشهود على سرقته ثم حد ثم بعد القطع شهدوا على سرقته الأخرى الواقعة قبل القطع أيضا و هنا أيضا خلاف فقال بعض بتعدد الحد فيجب بعد ذلك قطع رجله و بعض يقول بالتداخل و قد ذكر الشهيد الثاني أنه لو قيل بقطع الرجل في الفرع السابق فهنا أولى.

و مقتضى رواية ابن بكير هو قطع الرجل في هذه الصورة بل هي نص في ذلك كما قال رحمه الله إلا أن في الرواية ضعفا عنده و لذا استوجه في المسالك التوقف، و قوى في الروضة التداخل كما أن الشبهة الدارئة أيضا تقتضي ذلك.

لا يجوز قطع اليسار مع وجود اليمين

قال المحقق: و لا تقطع اليسار مع وجود اليمين بل تقطع اليمين و لو كانت شلاء و كذا لو كانت اليسار شلاء أو كانتا شلاوين قطعت اليمين على التقديرين.

أقول: هنا فروع: الأول: ما إذا كانت يده اليمنى صحيحة و الحكم هنا هو قطع اليمين عند السرقة، و في الجواهر: «إجماعا و نصوصا» فلا يقطع اليسار مع وجود اليمين كذلك.

الثاني كون اليمين شلاء و هنا أيضا تقطع اليمين.

الثالث: ما إذا كانت اليسار خاصة شلاء و هنا أيضا تقطع اليمين.

الصحيحة.

الرابع: ما إذا كانت اليمين و اليسار شلاوين و في هذه الصورة أيضا تقطع اليمين.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 183

و في الجواهر: وفاقا للمشهور بل عن الغنية و الخلاف الإجماع عليه. انتهى.

و الدليل على قطع اليمين في هذه الصور أيضا كالأولى أمران:

أحدهما: الإطلاقات.

و ثانيهما الرواية الخاصة أما الأولى فإن قوله تعالى: و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما، مطلق يشمل ما إذا كانت اليمنى صحيحة أم لا و ما إذا كانت اليسرى صحيحة أو شلاء و أما الرواية الخاصة

فهي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أشل اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق قال: تقطع يده اليمنى على كل حال «1».

و عن عبد الله بن سنان أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام: إن الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو صحيحة. «2».

نعم في مرسلة المفضل بن صالح عن بعض أصحابه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا سرق الرجل و يده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه و لا رجله و إن كان أشل ثم قطع يد رجل قص منه يعنى لا تقطع في السرقة و لكن يقطع في القصاص «3».

و مقتضى هذه أنه لا تقطع يد السارق و لا رجله إذا كان اليسرى منه شلاء مع أنه تقطع قودا.

قال في الوسائل: يمكن الجمع بجواز قطعها في السرقة و عدم وجوبه. انتهى.

و قال الشيخ في المبسوط: فأما ان كانت شلاء فإن قال أهل العلم بالطب: إن الشلاء متى قطعت بقيت أفواه العروق مفتحة، كانت كالمعدومة و إذا قال: تندمل قطعت الشلاء انتهى كذا في المبسوط 8- 38.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 11 من أبواب حد السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 11 من أبواب حد السرقة ح 4.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 11 من أبواب حد السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 184

و ذهب الى ذلك القاضي ابن براج، في الوسيلة ص 420 و العلامة في المختلف، و ذلك لمراعاة الاحتياط في الحدود حيث لا يراد منها القتل، و التقدير حصول الحذر من القتل هنا [1].

و في المسالك بعد ذلك: و هذا حسن انتهى

و في الجواهر بعد ذكر ذلك و استحسان المسالك له: و هو كذلك تنزيلا لإطلاق النصوص على غير الفرض.

انتهى.

نعم قد يقال كما في الجواهر أنه مع عدم العلم بالحال له القطع و إن خيف ذلك، للإطلاق و لأن سراية الحد غير مضمونة و إن أقيم في حر أو برد.

و على هذا فما ذكر من عدم جواز القطع متعلق بما إذا علم أو اطمئن ببقاء فتح أبواب العروق و بعدم الاندمال، و أما في صورة الشك فيؤخذ بالإطلاقات.

و هنا قول آخر ذهب إليه ابن الجنيد و هو أنه إذا كانت يساره شلاء لم يقطع يمينه و لا رجله و كذلك لو كانت يده اليسرى مقطوعة في قصاص فسرق لم يقطع يمينه و حبس في هذه الأحوال و أنفق عليه من بيت مال المسلمين إن كان لا مال له، لأن الشلاء كالمعدومة فيبقى بلا يدين و قد عهد من حكمة الشارع إبقاء يده الواحدة و من ثم انتقل في السرقة الثانية إلى قطع رجله و لم يقطع يده الأخرى و لرواية المفضل بن صالح عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام قال: إذا سرق الرجل و يده اليسرى شلاء لم يقطع يمينه و لا رجله [2].

أقول: و ما ذكره لا يخلو عن وجه- كما أشار هو أيضا اليه- و ذلك للتعبيرات

______________________________

[1] قال في المختلف ص 775 بعد نقل كلام الشيخ في المبسوط: و به قال ابن البراج و ابن حمزة و هو المعتمد. لنا أن الحد إذا لم يشتمل على القتل يتعين فيه الاحتياط في الاحتفاظ، و التقدير حصول الحذر من القتل فيسقط احتياطا في بقاء النفس. احتج الشيخ بما رواه عبد الله بن سنان في

الصحيح عن الصادق عليه السلام. و الجواب أنه محمول على حالة عدم خوف التلف انتهى.

[2] راجع المختلف ص 775 تجد أصل كلام الإسكافي، و أما الاستدلال عليه فهو من العلامة فيه و الشهيد الثاني في المسالك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 185

الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام: إني لأستحيي من الله أن اتركه لا ينتفع بشي ء ب 5 ح 1.

و كذا ما ورد في السرقة الثالثة من أنه قال الامام علي عليه السلام: إني لأستحيي من ربي ان لا ادع له يدا يأكل بها و يشرب بها و يستنجي بها و لا رجلا يمشى عليها ح 16 و غير ذلك، و كذا قوله عليه السلام: إني لأستحيي من ربي أن أدعه ليس له ما يستنجي به أو يتطهر به. ح 2.

و يمكن أن يستدل لذلك أيضا بأن الإطلاقات و حكم الشرع بقطع اليمين منصرف عمن كان كذلك فهو مخصوص بما إذا بقيت له يد بعد قطع اليمين.

هذا، لكن التحقيق أنه مع قول المشهور بقطع اليمين و صريح صحيح ابن سنان لا مجال لهذا القول.

فيما إذا لم يكن له يسار

قال المحقق: و لو لم يكن له يسار قال في المبسوط: قطعت يمينه و في رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام: لا تقطع، و الأول أشبه.

أقول: يعني أنه أشبه بأصول المذهب و قواعده. و في المسألة و جهان:

أحدهما أنه تقطع يمينه و ان كان المفروض أنه ليس له يسار، كما ذهب اليه الشيخ في المبسوط و تبعه المشهور و ذلك لإطلاق أدلة القطع سواء كان له يسار أم لا بل لا خلاف في ذلك الا ما سيأتي.

ثانيهما ما تقدم من المحكي عن ابن الجنيد.

و يدل على ذلك صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السارق إلى أن قال: قلت له: لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟

قال: فقال: لا يقطع و لا يترك بغير ساق. ب 11، ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 186

و هذه الرواية و ان كان فيها نوع إجمال من جهة قوله: و لا يترك بغير ساق [1] حيث لا يعلم أن المراد هو الساق المشهور [المتعلق بالرجل فيكون غير مرتبط بالمقام] أو أنه بمعنى الشدة إلا أنه لا إجمال في قوله: لا يقطع، و لا يسري الإجمال منه إليه و لا يضره فإنه صريح، و الرواية صحيحة.

و يمكن ان يستند لهذا القول إلى انصراف الإطلاقات عمن ليس له اليسار و لكن العمدة هو الخبر.

إلا ان إعراض المشهور عن مضمون هذا الرواية الصحيحة يوجب عدم الاعتماد عليها و هذا وجه معتبر عندنا يوجب الذهاب الى قول المشهور هذا مضافا إلى الإطلاقات و كذا بعض الاخبار المعتبرة أو الصحيحة كصحيح عبد الله بن سنان الذي يستفاد منه حكم المقام.

و انصراف الأخبار الدالة على قطع اليمين عمن ليس له اليسار مثلا انصراف بدوي لا يعبأ به بعد ذهاب المشهور إلى الإطلاق و لا يحتمل عدم تفطنهم إلى هذا الانصراف.

______________________________

[1] أقول: قال في الوافي ص 65 من باب الحدود: الساق في اللغة الأمر الشديد فلعل المراد بقوله عليه السلام: و لا يترك بغير ساق، أنه لا يقطع و لا يترك أيضا من دون أمر آخر شديد مكان القطع بل يفعل به ما يقوم مقام قطع اليد. انتهى.

و قال المجلسي في ملاذ الأخيار ج 16

ص 212: قوله: بغير ساق، لعل فيه سقطا و يحتمل أن يكون اسم فاعل من السعي أي لا يترك و لا يمكنه أن يأخذ المشربة فيشرب كأن اليد ساقية. و في الاستبصار: بساق اي بشدة. قال في النهاية: الساق في اللغة أمر الشديد. إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 187

في ذهاب اليمين عند القطع

قال المحقق: أما لو كان له يمين حين القطع فذهبت لم تقطع اليسار لتعلق القطع بالذاهبة.

أقول: إذا سرق و كان له حين حصول موجب القطع أي السرقة اليمين إلا أنه عند وقت القطع لم يكن له يمين فإن كانت قد ذهبت يمينه بوقوع شي ء عليها فهنا لا يقطع اليسار منه لا من اليد و لا من الرجل كما صرح بذلك في الجواهر و ذلك لأن الحكم قد تعلق باليمين و كان العضو موجودا ثم بعد ذلك قطع و انتفى الموضوع فانتفى الحكم.

و لا وجه للانتقال و الاستبدال الى قطع عضو آخر، و الظاهر أنه لا خلاف في ذلك.

فيما إذا سرق و لم يكن له يمين

قال المحقق: و لو سرق و لا يمين له قال في النهاية قطعت يساره و في المبسوط ينتقل إلى رجله.

أقول: إذا سرق و لم يكن له حين السرقة يمين إما لكونه كذلك خلقة أو لقطعها في القصاص أو غيره، لا بالسرقة فإن فيه الخلاف فذهب شيخ الطائفة في النهاية إلى قطع اليد اليسرى و في المبسوط ينتقل إلى رجله اليسرى.

و قد يقال في توجيه الأول من القولين بأن عموم الآية الكريمة تقتضي قطع الأيدي لكنه مع وجود اليمين اقتصر عليها للاقتصار في تقييد اليد باليمين على القدر المتيقن و هو صورة وجود اليمين فاذا لم يكن له يمين فهناك يؤخذ بالعموم فيحكم بقطع اليسرى.

و في توجيه ثانيهما بأنه قد ثبت كون اليسار من الرجلين موضعا للقطع في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 188

الجملة و في بعض الموارد كما في السرقة الثانية و الحال ان اليد اليسرى ليست من الأعضاء التي يحكم بقطعها و لو في الجملة و في بعض الموارد، فلذا يحكم في السارق

الذي لا يمين له بقطع ما هو من محل القطع في الجملة أعني الرجل اليسرى و لا ينتقل الى اليد اليسرى.

و لكن هذا التوجيه غير وجيه، و ذلك لأن مجرد كون الرجل اليسرى محلا للقطع في الجملة لا يفيد قطعها في مسألتنا هذه فإن الرجل محل القطع في المرحلة الثانية أعني بعد قطع يده اليمنى بالسرقة الأولى فكيف نقول بقطعه بالسرقة الأولى.

و على ذلك فقوله في النهاية أقوى في النظر من كلامه في المبسوط و إن كان يحتمل أيضا عدم وجوب حد في هذا الفرض أصلا غاية الأمر أنه إن سرق ثانيا تقطع رجله اليسرى.

إذا لم يكن له يسار و لا يمين

قال المحقق: و لو لم يكن يسار قطعت رجله اليسرى.

أقول: المفروض انه لا يمين له و لا يسار فعن المبسوط يقطع رجله اليسرى و في كشف اللثام عن النهاية: اليمنى [1] قال صاحب الجواهر: و لعله لأنه أقرب الى اليد اليمنى. انتهى.

و فيه أنه لا ريب أن الأقربية لا وجه لتعيينه.

______________________________

[1] راجع كشف اللثام ج 2 ص 249 لكن لا يخفى أني لم أجد ذلك في النهاية فإن تعبيره في الفرض هو قطع رجله فراجع ص 717.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 189

حبس السارق الذي لا يد له و لا رجل

قال المحقق: و لو سرق و لا يد له و لا رجل حبس.

أقول: ذهب اليه الشيخ في النهاية، قال في الجواهر: و لعله لثبوته عقوبة للسرقة في الجملة. انتهى.

و فيه ما تقدم من أن هذا لا يقوم بإثبات المطلب.

اشكال المحقق

قال المحقق: و في الكل إشكال من حيث أنه تخط من موضع القطع فيقف على إذن الشرع و هو مفقود.

أقول: قال في المسالك في شرح العبارة: الأصل في قطع السارق أن يقطع يده اليمنى في السرقة الأولى ثم رجله اليسرى في الثانية ثم يخلد الحبس في الثالثة و لم يرد قطع غير ذلك فلذلك وقع الإشكال في هذه المواضع:

فمنها ما إذا لم يكن له يمين حال السرقة الأولى فقال الشيخ في النهاية: يقطع يساره لعموم فاقطعوا أيديهما، الصادق باليسار غايته تقديم اليمين عليها بالسنّة فإذا لم يوجد قطعت اليسار لوجوب امتثال ما دلت عليه الآية بحسب الإمكان و قال في المبسوط: ينتقل إلى رجله اليسرى لأنها محل القطع حدا للسرقة في الجملة بل بعد قطع اليمنى و قد حصل، و المصنف استشكل في القولين معا لأنه خروج عن موضع الإذن الشرعي في القطع، و محل الخلاف ما إذا قطعت يمينه بغير السرقة و كان قطعها قبل السرقة كما أشرنا إليه فلو كان قطعها بها فلا إشكال في الانتقال الى الرجل كما أن قطعها لو وقع بعد السرقة فلا إشكال في عدم الانتقال إلى غيرها بل يسقط القطع لفوات محله كما أشرنا إليه في المسألة السابقة التي كان محلها هنا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 190

و منها ما لو سرق و لا يد له يمينا و لا يسارا قال الشيخ قطعت رجله اليسرى و هو

أولى بالحكم في السابق على قول المبسوط لأن الرجل اليسرى في محل القطع حيث ينتقل الحكم عن اليد و فيه الإشكال السابق.

و منها ما لو سرق و لا يد له و لا رجل إما مطلقا أو المنفي اليد اليمنى و الرجل اليسرى اللتين هما محل القطع شرعا قال الشيخ: حبس كما يحبس في المرة الثالثة بعد قطع يده و رجله لأن هذا بمعناه. و فيه الإشكال لأن النص إنما ورد بكون الحبس عقوبة في المرة الثالثة بعد القطعين و لم يتحقق هنا فإتيانه عقوبة عن المرة الأولى تخط عن موضع الإذن من الشارع و قياس مع وجود الفارق. انتهى.

أقول: و هذا هو الحق لأن المورد الأول مثلا من مواضع الإشكال و هو ما إذا لم يكن له يمين حال السرقة الأولى الذي قد وقع البحث فيه قبل ذلك و مر ان للشيخ نظرين و رأيين أحدهما ما أفاده في النهاية من الانتقال الى اليد اليسرى ثانيهما ما ذهب إليه في المبسوط و هو قطع الرجل اليسرى و استدل على ذلك بأنه من مواضع القطع في الجملة بخلاف اليد اليسرى فليست هي من مواضع القطع.

و غير خاف أن هذا الاستدلال ليس بتام و ذلك لأنه يشبه القياس، أو أنه من قبيل ما يستنبط من العلة، فإن كون الرجل محل القطع في السرقة الثانية بعد قطع اليمنى للسرقة الأولى لا يدل على قطع الرجل اليسرى للسرقة الأولى عند عدم اليد اليمنى. و يتوجه عليه ما ذكره المحقق من أنه تخطّ عن موضع الاذن.

كما أن القول الآخر و هو قطع اليسار أيضا لا يخلو عن كلام و ذلك لأن المستفاد من الروايات أن المراد من الأيدي، الأيمان، لا

المطلق فاذا لا وجه للانتقال الى اليد اليسرى عند فقد اليمنى فإذا صرح الإمام عليه السلام بقطع اليد اليمنى في السرقة الأولى و الرجل اليسرى في الثانية ثم بعد ذلك لو سرق يحبس مؤبدا فإنه يعلم أن ما يقطع من الأيدي هو اليمين لا غير ثم بعد ذلك يقطع اليسرى و لا غير و بعد ذلك لا قطع بل ينتقل إلى الحبس و كذلك الروايات الناطقة عن قول الإمام عليه السلام: إنى لأستحيي إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 191

و على الجملة فيعلم من تلك الأخبار أن اليد اليسرى ليست موردا للحكم أصلا و ليس ذكر اليد اليمنى من باب أحد المصاديق لليد. هذا كله مضافا إلى الشبهة الدارئة. و هكذا الإشكال في المواضع الباقية التي ذكر الشهيد الثاني ورود الاشكال فيها كما أن المحقق صرح بأن في الكل الإشكال.

التوبة قبل الثبوت و بعده

قال المحقق: و يسقط الحد بالتوبة قبل ثبوته و يتحتم لو تاب بعد البينة و لو تاب بعد الإقرار قيل يتحتم القطع و قيل يتخير الإمام في الإقامة و العفو على رواية فيها ضعف.

أقول: أما سقوط خصوص الحد عنه إذا تاب قبل ثبوت الحد ففي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه. انتهى.

و يدل على ذلك قسم من الأخبار منها ما هو مخصوص بالمورد. و منها ما يعم المورد و غيره.

فالأول صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السارق إذا جاء من قبل نفسه تائبا إلى الله عز و جل ترد سرقته إلى صاحبها و لا قطع عليه «1».

و من الثاني مرسل جميل بن دراج عن رجل عن أحدهما عليهما السلام في الرجل سرق أو شرب

الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح فقال: إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد. قال ابن أبي عمير: قلت: فإن كان امرءا غريبا. «2».

و مقتضى الصحيحة وجوب الرد إذا تاب قبل الحد فحينئذ يسقط الحد، فلو لم يرد فهل هناك تقطع يده؟ حيث إن العين المسروقة موجودة لا عذر في ردها و لو كان تائبا لكان يردها و لا أقل من الإعلان و الاسترضاء لو كان له عذر من ردها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 16 من مقدمات الحدود ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 16 من مقدمات الحدود ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 192

ثم إنه هل رد القيمة كرد العين أو أن الحكم مخصوص برد العين، و الكلمات متضمنة للتوبة فهل الرد شرط فيها أم لا، و على الأول هل هو شرط مطلقا أو عند عدم العذر؟

مقتضى الاستصحاب جريان حكم القطع في كل الصور و إنما الخارج هو ما إذا رد لكن مقتضى القاعدة أنه إذا كان عدم الرد مستندا إلى العذر فلا حد هناك، و المقدار المسلم في المقام أنه مع الرد يسقط الحد إذا كان قد تاب.

ثم ان الكلمات متضمنة للتوبة فقط بلا تقييد بقيد آخر كالصلاح أو إتيان أمر جميل، فهي مطلقة.

و اما الأخبار فصحيح عبد الله بن سنان قد قيد فيه برد سرقته على صاحبها و مرسلة جميل بن دراج فقد قيدت بعدم العلم به و عدم الأخذ حتى تاب و صلح و عرف منه أمر جميل، فبمجرد التوبة بدون ما ذكر من القيود يشكل سقوط الحد كذا ذكره بعض المعاصرين قدس سره

«1».

و عليه فتبقى الموارد التي لم تقترن التوبة بهذه الأمور محل الإشكال.

و يحتمل أن يجري هناك استصحاب القطع الا ان يتمسك بقاعدة درء الحدود بالشبهات.

اللهم إلا ان لا يكون ذكر هذه الأمور عندهم للتقييد و ثبت عدم استظهارهم ذلك عن الروايات بان كان ذكرها لحصول الاطمئنان بالنسبة لغير المبالين و عليه فلا حاجة إليها إذا حصل الاطمئنان بتوبته.

ثم إن رواية جميل ليس فيها ذكر عن رد السرقة و إنما اقتصر فيها بذكر التوبة و صلاحه و عرفان الجميل منه و على هذا فلا أثر له في سقوط الحد. اللهم إلا أن يكون الرد من أظهر مصاديق الصلاح و الأمر الجميل.

و أما لو تاب بعد البينة فهناك يتحتم الحد على ما ذكره المحقق. و في الجواهر بلا

______________________________

(1) راجع جامع المدارك ج 7 ص 160.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 193

خلاف محقق أجده فيه و إن قيل أطلق الحلبيان جواز عفو الإمام إذا تاب بعد الرفع، لكن على تقديره محجوج بالاستصحاب و إطلاق قول أمير المؤمنين عليه السلام. و غير ذلك مما عرفته سابقا.

و مراده من قول علي عليه السلام هو كلامه للأشعث و إليك متن الرواية:.

عن أبي عبد الله الرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين عليهم السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقر بالسرقة فقال له: أ تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة قال:

فقال الأشعث: أ تعطل حدا من حدود الله؟ فقال: و ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام ان شاء عفا و إن شاء قطع «1».

و

عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أقيمت عليه البينة بأنه زنى ثم هرب قبل أن يضرب قال: إن تاب فما عليه شي ء و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحد و ان علم مكانه بعث إليه «2».

و اما التمسك بإطلاق صحيح ابن سنان و مرسل جميل لإثبات سقوط الحد بالتوبة و لو بعد قيام البينة.

ففيه أنه لا إطلاق أصلا خصوصا بالنسبة إلى مرسل جميل حيث إن قوله: و لم يؤخذ حتى تاب و صلح متعلق بالتوبة قبل الأخذ، فأين هذا الإطلاق الذي ذكره في الجواهر كي يحتاج إلى الجواب كما قد أجاب هو عنه؟ كما أن ظاهر رواية ابن سنان أيضا أنه قد تاب باختياره قبل المرافعة.

هذا مضافا إلى أنه يلزم على ذلك تحتم السقوط لا ما ذكره من تخيير الإمام و جواز عفوه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 18 من مقدمات الحدود ح 3.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 16 من مقدمات الحدود ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 194

و قد يستدل لذلك الى السقوط بأولوية عقاب الدنيا من سقوط عقاب الآخرة و من المعلوم سقوط العقاب في الآخرة بالتوبة فإذا سقط عذاب الآخرة مع كونه أشق و أصعب فعذاب الدنيا الذي هو أسهل، أولى بالسقوط مع التوبة.

و فيه أن جعل الحد لمصلحة حفظ النظام و لا تعلق له بعذاب الآخرة حتى يدل سقوطها على سقوطه و لا وجه لقياس أحدهما بالآخر.

و أما لو تاب بعد الإقرار ففيه قولان:

أحدهما لابن إدريس و هو أنه يتحتم القطع.

ثانيهما أنه يتخير الإمام في الإقامة و العفو حكاه في الجواهر عن النهاية و الجامع و إطلاق الكافي و الغنية.

و

يتمسك للأول بأمور:

منها أصالة عدم سقوط الحد بالتوبة بعد الإقرار.

و منها عمومات حجية الإقرار.

و منها خصوص صحيح الحلبي و صحيح ابن مسلم.

فعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أقر على نفسه بحد ثم جحد بعد، قال: إذا أقر على نفسه عند الإمام أنه سرق ثم جحد قطعت يده و إن رغم أنفه و إن أقر على نفسه أنه شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة. «1».

و عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقر على نفسه بحد أقمته عليه إلا الرجم فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم «2».

و اعتمد في الثاني على أمور:

منها الاعتماد على سقوط عقاب الآخرة الذي هو أعظم، بالتوبة.

و منها رواية البرقي التي مر نقلها آنفا في رجل أقر بالسرقة عند الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و انه قد وهبه لسورة البقرة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من مقدمات الحدود ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من مقدمات الحدود ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 195

و أجيب عن الأول بأنه لا يقاس هذا بذاك و إلا لكان يلزم السقوط حتما لا تخييرا، و عن الثاني بأن فيها ضعفا بالإرسال و غيره، و على هذا فالتوبة بعد الإقرار كالتوبة بعد إقامة البينة في تحتم القطع و أما التوبة قبله فهي مسقطة للحد كما يظهر ذلك من خبر أصبغ بن نباته في امرأة أقرت بالزنا عند أمير المؤمنين عليه السلام و يظهر منها أيضا أنه ليس شي ء أصلا حتى التعزير فلا وجه لما قد يقال من أنه إذا سقط الحد يجب التعزير.

إذا قطع الحداد يساره

قال المحقق: و لو قطع

الحدّاد يساره مع العلم فعليه القصاص و لا يسقط قطع اليمين بالسرقة و لو ظنها اليمين فعلى الحداد الدية، و هل يسقط قطع اليمين؟ قال في المبسوط:

لا، لتعلق القطع بها قبل ذهابها و في رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام قال: لا تقطع يمينه و قد قطعت شماله.

أقول: اما قطع يد الحداد إذا قطع يسار السارق بدلا عن يمينه فهو واضح لأنه قطع يدا لم يؤمر بقطعها و كان ذلك عن عمد منه، و عموم أدلة القصاص تشمله، إلا إذا كان ذلك عن إذن منه في ذلك بناء على أن الإذن يوجب سقوط القصاص. و البحث موكول الى محله و إلا فبحسب الظاهر لا أثر للإذن في ذلك لعدم كون الاختيار بيده كما أن إذنه لا ينافي القصاص، و توقف القصاص على المطالبة لا ينافي ما ذكرناه كما أن من اذن غيره في أن يقتله فإن للوارث المطالبة بدمه، و على الجملة فعليه القصاص و ذلك لعموم أدلته.

و أما أنه كيف يمكن التعمد في ذلك فلأنه قد يكون محبا له و يتصور في نفسه الترحم عليه فلا يقطع يمينه التي بها يتمكن من إتيان الأمور فلذا يدع يمينه و يقطع يساره، و إلا فلا ينشأ هذا من العداوة.

و هل يقطع يمين السارق حينئذ أم لا؟ صرح المحقق بعدم سقوط قطعها و ذلك

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 196

لأن الواجب هو قطع اليمين و لم يؤت به و لا يخلفه ما ليس بواجب و قد نفى عنه في الجواهر الخلاف و الإشكال.

و قد استدل على ذلك بالأصل و إطلاق الأدلة و أنه قد تعلق الحق باليمين

قبل ذلك، و الجناية على اليسرى لا تقوم مقامها لأنها خلاف الحق.

و أما إذا لم يتعمد في ذلك بل كان ذلك خطأ بأن ظن أنها اليمين و قطعها ثم بان أنها كانت اليسار فهنا يكون الدية على الحداد لأنه من قبيل شبه العمد الذي يقتضي الدية.

و هل يوجب ذلك سقوط وجوب قطع اليمين أو أنه بعد باق على حاله؟

هنا قولان:

أحدهما عدم السقوط و يدل عليه الأصل و كذا استصحاب بقاء الحد إلى أن يثبت المزيل، و إطلاق الأدلة، و تعلق حق القطع بها قبل ذهاب اليسرى. و قد ذهب إلى ذلك الشيخ في المبسوط قال: فإن قال القاطع: دهشت و ما علمت أنها يساره أو علمتها يساره لكني ظننت أن قطعها يقوم مقام اليمين فلا قود على القاطع و عليه الدية و يقطع يمين السارق و قال قوم: لا يقطع، و الأول أقوى لأن يساره ذهبت بعد وجوب القطع في يمينه كما لو ذهبت قصاصا و من قال يسقط القطع عن يمينه قال: لأن اعتقاد القاطع أنه يقطعها بالسرقة مكان يمينه شبهة يسقط القطع عن يمينه انتهى «1».

و استقرب هذا القول العلامة في التحرير- 231. فقال: لو سبق الحداد فقطع اليسرى عمدا فالقصاص عليه و القطع باق و إن غلط فالأقرب وجوب الدية عليه و بقاء الحد.

ثانيهما ما ذهب إليه الصدوق في الفقيه و العلامة في المختلف و هو أنه لا يقطع يمينه بعد أن قطعت يساره خطأ. قال الأول: و إذا أمر الإمام بقطع يمين السارق فقطع يساره بالغلط فلا يقطع يمينه إذا قطعت يساره «2».

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 39.

(2) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 64.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3،

ص: 197

و قال في المختلف بعد نقل هذا الكلام عن الصدوق: و هو الأقوى.

أقول: و يدل على ذلك أمور:

منها رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أمر به ان تقطع يمينه فقدمت شماله فقطعوها و حسبوها يمينه و قالوا إنما قطعنا شماله، أ تقطع يمينه؟ قال: فقال: لا، لا تقطع يمينه قد قطعت شماله. «1»

و منها ما استدل به في المختلف- بقوله: لنا أنه قطع مساوي اليمين فيسقط القطع لاستيفاء مساوي الحق منه.

و منها ما تقدم من اهتمام الشارع و عنايته ببقاء الواحدة و عدم قطع كلتا اليدين كيلا يتضيق عليه العيش إذا كان قد بقي و ليس له يد.

نعم تخلص في الجواهر عن رواية قيس بضعف الخبر و عدم الجابر.

و فيه أن الظاهر أنه معتبر و القول بضعفه ضعيف. فراجع و انظر الى سلسلة سنده، نعم يمكن الإشكال باعراض المشهور عنه حيث إن العامل به هو الفقيه و المختلف، و على الجملة فعلى تقدير الضعف أو الأعراض فلا يعمل به.

و لو فرض التعارض بينه و بين ما دل على أنه تقطع اليمين على كل حال كرواية ابن سنان ب 11 ح 1، فهناك يتمسك بقاعدة الدرء.

[و إن كان يحتمل فيها أن المراد من (كل حال) يعنى سواء كان يساره شلاء أو يمينه أو كلاهما أو كان كلاهما صحيحتين و عليه فلا ربط لها بمقطوع اليسار و لا تعارض بينها و بين رواية ابن قيس، و على فرض كون رواية ابن سنان عامة شاملة لمقطوع اليسار فرواية محمد بن قيس أخص و تقدم هذه عليها.] [1]

اللهم إلا أن يقال بأنه مع وجود الاستصحاب لا

شبهة كي يتمسك بقاعدة الدرء فإنه يرفعها نظير قوله (ع) كل شي ء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر، مع استصحاب النجاسة.

______________________________

[1] بين المعقوفتين كان من دفتر مذاكرات سيدنا الأستاذ الأكبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 6 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 198

و اما قطع المساوي الذي ذكره في المختلف ففيه أن اليسار ليست متعلقة للحق بل هي أجنبية عنه فكيف يحكم بأن قطع اليسار يسقط وجوب قطع اليمين، و الحق أنه مشكل جدا و كأنه يشبه القياس.

و أما عدم قطع يمينه لئلا يبقى بلا يدين، ففيه أنه لو كان ظاهر قوله عليه السلام: إني لأستحيي إلخ هو أن هذا هو حكم الله فهو حسن، أما إذا كان الظاهر منه أن له عليه السلام اختيار ذلك و أن هذا أمر مختص به فلا، و الظاهر هو الثاني لأن نسب الاستحياء إلى نفسه.

و في كشف اللثام- 250: إن الخبر و حصول الشبهة به دليل التنزل. انتهى.

يعني إن خبر محمد بن قيس و حصول الشبهة بهذا الخبر دليل على تنزيل اليسرى منزلة اليمنى و أورد عليه في الجواهر بقوله: لا حاصل له [1].

حسم يد السارق بعد القطع

قال المحقق: و إذا قطع السارق استحب حسمه بالزيت المغلي نظرا له و ليس بلازم.

أقول: و مستند ذلك هو الأخبار و ما روى من فعل النبي و الوصي صلى الله عليهما و آلهما و أمرهما بالحسم أو المعالجة منها ما روى عنه صلى الله عليه و آله أنه أتى بسارق فقال: اذهبوا فاقطعوه ثم احسموه [2] الى غير ذلك من الاخبار التي يستفاد منها ذلك.

______________________________

[1] تحصل من جميع كلام سيدنا الأستاذ الأكبر أنه لا فرق في الصورتين

فلا يسقط الحد عن السارق بقطع يساره عمدا أو خطأ و هذا هو الذي ذهب اليه صاحب الجواهر.

لكن لا يخفى أن بعض أعاظم العصر رضوان الله عليه نفى الحد في كلتا الصورتين كما ان بعض الزعماء قدس سره الشريف اختار سقوطه في صورة الخطأ دون العمد. و لعل القول الأخير لا يخلو عن قوة.

[2] روى ذلك عن سنن البيهقي- 8- 271 و راجع وسائل الشيعة ج 18 باب 30 من أبواب حد السرقة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 199

و يدل على ذلك أيضا أن المقصود ليس هو قتله بل قطع يده فإذا لم يحسم فربما لا يقطع الدم فيموت. [1]

و لو كان في ذلك مؤنة فهل هي على الحاكم أو على السارق؟

الظاهر أنه عليه لا على الحاكم و ذلك لان ذلك ليس من باب الحد حتى يكون على الحاكم و إنما ذلك لمصلحة السارق و إبقاء عليه.

و ذهب بعض العامة إلى أنه حق لله تعالى و من تتمة الحد لأن فيه مزيد إيلام و عليه فيكون مؤنة الحسم على الإمام.

في عدم ضمان سراية الحد.

قال المحقق: و سراية الحد ليست مضمونة و إن أقيم في حر أو برد لأنه استيفاء سائغ.

أقول: هذا الكلام على إطلاقه ليس بتام و ذلك لأنه إذا علم أو ظن أن اجراء الحد في الحر أو البرد يوجب السراية فمقتضى القواعد الكلية هو الضمان و إنما يصح القول بعدم الضمان إذا كانت السراية مستندة إلى نفس القطع، و على الجملة إذا كانت السراية مستندة الى إجراء الحد في الحر أو البرد فهو مضمون.

مسائل

الأولى منها في إعادة العين المسروقة

قال المحقق: الخامس في اللواحق و هي مسائل الأولى يجب على السارق اعادة العين المسروقة و إن تلفت اغرم مثلها أو قيمتها إن لم يكن له مثل و إن نقصت فعليه أرش النقصان و لو مات صاحبها دفعت إلى ورثته و إن لم يكن له وارث فإلى الإمام.

أقول: كل ما ذكره مقتضى القواعد فإن على السارق رد العين المسروقة إلى المسروق عنه و ان كان قد قطع يده، و لو تلفت العين فعليه المثل في المثليات

______________________________

[1] قد يبدو في الذهن أن هذا يفيد الوجوب بل و كذا الرواية إلا أني لم أجد تصريحا منهم بالوجوب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 200

و القيمة في القيميات و لا فرق في الغرامة و الضمان بين كونه موسرا أو معسرا و أيسر بعد ذلك، و يجب على المعسر أن يستسعى في أداء ذلك نعم لو لم يمكن له الاستسعاء فهل يسقط الضمان أو أنه لا يسقط و يؤدي من بيت المال كما في المديون الذي لا يتمكن من أداء دينه؟

الظاهر أنه لا وجه لكونه على بيت المال. فهذا قد سرق و يكون ضمانه في بيت المال؟! اللهم إلا أن يقال: على ذلك يلزم

ضياع مال المسروق عنه فلا بعد في القول بكونه في بيت المال و على عهدة الإمام كيلا يلزم ضياع مال امرء مسلم.

ثم إنه يدل على الضمان مضافا إلى كونه مقتضى القواعد عدة من الأخبار فعن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا سرق السارق قطعت يده و اغرم ما أخذ «1».

و عن صالح بن سعيد رفعه عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل يسرق فتقطع يده بإقامة البينة عليه و لم يرد ما سرق كيف يصنع به في مال الرجل الذي سرقه منه؟ أو ليس عليه رده و ان ادعى أنه ليس عنده قليل و لا كثير و علم ذلك منه؟ قال: يستسعى حتى يؤدى آخر درهم سرقه «2».

و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: السارق يتبع بسرقة و إن قطعت يده و لا يترك أن يذهب بمال امرئ مسلم «3».

ثم إن ظاهر لفظة الغرامة المذكورة في رواية سليمان هو إرادة صورة التلف فإن العين إذا كانت موجودة فعليه ردها و لا غرامة هناك. قال في مجمع البحرين:

قوله. تعالى إن عذابها كان غراما، اى هلاكا، و يقال: غراما ملازما و منه الغريم

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد السرقة ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 201

و هو الذي عليه الدين لأنه يلزم الذي عليه الدين به. و الغريم الذي عليه الدين.

انتهى.

اللهم إلا أن يكون قد أريد منه هنا الأعم من صورة وجود العين و تلفها

فيردها بنفسها في الأولى، و المثل أو القيمة في الثانية.

و على الجملة فالحكم مسلم لا خلاف فيه بيننا كما في الجواهر بل هو كالضروري من المذهب كذلك.

نعم قد ينقل خلاف عن بعض العامة كأبي حنيفة حيث قال: لا أجمع بين القطع و الغرم للعين التالفة فإن غرم له سقط القطع و إن سكت المالك حتى قطع سقط الغرم. [1] و عن العين الباقية: إن صنع فيها فأبدلها و جعلها كالمستهلكة لم يردها كما إذا صبغ الثوب اسود لا احمر فإن السواد بمنزلة استهلاكه و كما إذا صنع من الحديد أو النحاس آلة أو آنية لا من أحد النقدين فإن الصنعة فيهما غير متقومة و لذا لا يرفع عنهما حكم الربا. انتهى.

أقول: و لا دليل على ما ذكره، و لعله مبني على قياساته المعروفة عنه و كذا ما عن مالك من اختصاص الغرم بصورة اليسار.

و أما أن أرش النقصان عليه إذا نقصت فلأن المال المسروق كالمغصوب فيجري عليه حكمه و لذا لو زادت بكون الزيادة و النماء للمالك لا للسارق كما انه ليست للغاصب.

و أما وجوب دفعها إلى الورثة لو مات صاحبها و مع عدم الوارث فإلى الإمام، فمستنده مضافا الى اقتضاء القواعد ذلك، هو الأخبار:

______________________________

[1] قال في الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 200: الحنيفة و الحنابلة قالوا إذا ثبتت الجناية على السارق فلا يجتمع عليه وجوب الغرم مع القطع و إن تلف المسروق هلاكا أو استهلاكا فلا يضمن فإن غرم فلا قطع و ان قطع فلا غرم أما إذا قطع السارق، و العين قائمة في يده ردت على صاحبها لبقائها على ملكه من غير خلاف و للمسروق منه الخيار فإن اختار الغرم لم

يقطع السارق و ان اختار القطع فلا غرامة عليه. المالكية قالوا: إن كان السارق موسرا وجب عليه القطع و الغرم و إن كان معسرا لم يجب عليه الضمان بل يقطع فقط إلخ و راجع أيضا المبسوط ج 8 ص 43 كتاب السرقة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 202

فعن حمزة بن حمران قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سارق عدا على رجل من المسلمين فعقره و غصب ماله ثم إن السارق بعد تاب فنظر إلى مثل المال الذي كان غصبه للرجل و حمله إليه و هو يريد أن يدفعه إليه و يتحلل منه مما صنع به فوجد الرجل قد مات فسأل معارفه: هل ترك وارثا و قد سألني أن أسألك عن ذلك حتى ينتهي إلى قولك قال:

فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن كان الرجل الميت توالى إلى أحد من المسلمين فضمن جريرته و حدثه و أشهد بذلك على نفسه فإن ميراث الميت له و إن كان الميت لم يتوالى إلى أحد مات فإن ميراثه لإمام المسلمين فقلت: فما حال الغاصب؟ فقال: إذا هو أوصل المال إلى إمام المسلمين فقد سلم و أما الجراحة فإن الجروح تقتص منه يوم القيامة «1».

المسألة الثانية في سرقة اثنين نصابا

قال المحقق: إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان قال في النهاية: يجب القطع، و قال في الخلاف: إذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد نصابا قطعوا و إن كان دون ذلك فلا قطع و التوقف أحوط.

أقول: محل الكلام هو ما إذا كان يدهما على هذا النصاب الواحد و إلا فلو أخرج كل منهما نصف نصاب فإنه لا يؤثر في القطع بلا خلاف.

ثم ان في محل البحث قولين للشيخ الطوسي

رضوان الله عليه فأفتى في النهاية بوجوب القطع و اختار في الخلاف و المبسوط عدمه.

و ذهب إلى الأول الشيخ المفيد و السيد المرتضى و جميع أتباع الشيخ، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه، و إلى الثاني ابن الجنيد و ابن إدريس و العلامة، بل نسب إلى عامة المتأخرين كما في الجواهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد السرقة ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 203

و مستند الأول أي قطع يد كل منهما أولا صدق إخراجهما للنصاب الذي هو شرط قطع يد المخرج، و هذا العمل مستند إليهما فترك قطعهما يستلزم سقوط الحد مع وجود شرطه و قطع أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح فلم يبق إلا قطعهما.

و ثانيا رواية قضاء أمير المؤمنين عليه السلام:

عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في نفر نحروا بعيرا فأكلوه فامتحنوا أيهم نحروا فشهدوا على أنفسهم أنهم نحروه جميعا لم يخصوا أحدا دون أحد فقضى عليه السلام أن تقطع أيمانهم «1».

و يرد على الأول ان الشك في صدق إخراج كل واحد نصابا كاملا و ذلك لأنهما معا قد أخرجا نصابا و هو شي ء آخر، و الصدق الذي ادعاه صدق مجازي و إلا فلا يصدق حقيقة إنه قد اخرج كل منهما نصابا كاملا.

و أما الثانية ففيه أن الرواية قضية في واقعة و لا نعلم وجهها كاملا و لعله كان نصيب كل واحد منهم بمقدار النصاب.

هذا مضافا إلى أن روايات اعتبار النصاب في قطع يد السارق المروية في ب 2 أظهر من هذه التي لها نوع إجمال من جهة أن كيفية نحر الجماعة غير معلومة، فإن

النحر هو إيقاع السكين في نحر البعير و هذا الأمر يتحقق بواحد و لا يحتاج إلى أزيد و إن كان قد أمسكه جماعة فإن إمساكهم لا يطلق عليه النحر و هذه الروايات العديدة ظاهرة جدا في اعتبار استقلال كل بنصاب واحد فراجع.

و أما مستند القول الثاني فهو ما ذكره في المختلف ص 772 بقوله: لنا أصالة البراءة و لأن كل واحد منهم لا يفعل الموجب و إلا لزم استناد الفعل الواحد إلى علل كثيرة و هو محال فالصادر عن كل واحد بعضه، و بعض الشي ء ليس نفس ذلك الشي ء، و إذا انتفى السبب انتفى الحكم انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 34 من أبواب حد السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 204

و اختار ذلك في المسالك و الجواهر و هو كذلك فإن الظهورات مضافا إلى الأصل تقتضي اعتبار النصاب في عمل كل سارق حتى تقطع يده. هذا مضافا إلى قاعدة درء الحدود بالشبهات لو كانت هناك شبهة.

قال الشيخ في الخلاف مسألة 8: إذا نقب ثلاثة و دخلوا و اخرجوا بأجمعهم متاعا فبلغ نصيب كل واحد منهم نصابا قطعناهم بلا خلاف و إن كان أقل من نصاب فلا قطع سواء كانت السرقة ثقيلة أو خفيفة و به قال أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي و قال مالك: إن كانت السرقة ثقيلة فبلغت قيمتها نصابا قطعناهم كلهم و إن كانت خفيفة ففيه روايتان إحداهما كقولنا و الثانية كقوله في الثقيلة و روى أصحابنا أنه إذا بلغت السرقة نصابا و أخرجوا بأجمعهم وجب عليهم القطع و لم يفصلوا، و الأول أحوط دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و أيضا فما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع

به و ما ذكروه ليس عليه دليل، و لأصل براءة الذمة. انتهى.

و وجه توقف المحقق في المقام أن الرواية الصحيحة فيها ما ذكرناه، و المرسلة المنقولة في عبارة الخلاف قال في الجواهر: لم يعرف من أحد نقلها، و جبرها بالشهرة المتقدمة معارض بوهنه بالشهرة المتأخرة انتهى فالتوقف أحوط.

و التوقف لو أريد به التوقف في العمل كما هو الظاهر فهو واضح، و لو أريد به التوقف في الفتوى فهنا أيضا يجري الدرء و كيف كان فلا يقطع.

المسألة الثالثة

قال المحقق: لو سرق و لم يقدر عليه ثم سرق ثانية قطع بالأخيرة و اغرم المالين و لو قامت الحجة بالسرقة ثم أمسكت حتى قطع ثم شهدت عليه بأخرى قال في النهاية:

قطعت يده بالأولى و رجله بالثانية استنادا إلى الرواية و توقف بعض الأصحاب فيه و هو أولى.

أقول: قد تقدم البحث في هذه المسألة آنفا فراجع قوله: و لو تكررت السرقة فالحد الواحد كاف إلخ. فراجع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 205

الرابعة في توقف القطع على مطالبة المسروق منه

اشارة

قال المحقق: قطع السارق موقوف على مطالبة المسروق منه فلو لم يرافعه لم يرفعه الإمام و إن قامت البينة.

أقول: إن السرقة و إن كانت ذات جهتين حق الله و حق الآدمي إلا أنه قد غلب فيها الحيث الثاني و لذا حكموا بأن مجرد إثباتها لا يكفي في الحكم بالقطع بل ذلك موقوف على الترافع إلى الحاكم و ادعاء صاحب الحق أي المسروق عنه أو وكيله.

و على هذا فلو قامت البينة على السرقة إلا أنها كانت حسبة أو علم الحاكم بنفسه بالسرقة أو جاء السارق عند الحاكم و أقر بالسرقة بلا ترافع إليه فإنه لا يحكم عليه بالقطع و قد أفتى الأصحاب أيضا باعتبار الترافع في القطع.

و يدل على ذلك خبر الحسين بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام قال:

سمعته يقول: الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد و لا يحتاج إلى بينة مع نظره لأنه أمين الله في خلقه و إذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره و ينهاه و يمضى و يدعه. قلت: و كيف ذلك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته و إذا كان للناس فهو

للناس «1».

لكن يشكل الأمر أنه معارض بصحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أقر على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حرا كان أو عبدا أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء فإذا شهدوا ضربه الحد مأة جلدة ثم يرجمه قال: و قال أبو عبد الله عليه السلام:

و من أقر على نفسه عند الإمام بحق حد من حدود الله في حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقر به عنده حتى يحضر صاحب الحق أو وليه

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 32 مقدمات الحدود ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 206

فيطالبه بحقه قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقر بها عند الإمام مرة واحدة على نفسه أقيم عليه الحد فيها؟ فقال: إذا أقر على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه فهذا من حقوق الله و إذا أقر على نفسه أنه شرب خمرا حده فهذا من حقوق الله و إذا أقر على نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق الله قال: و اما حقوق المسلمين فإذا أقر على نفسه عند الإمام بفرية لم يحده حتى يحضر صاحب الفرية أو وليه و إذا أقر بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم «1».

فترى التصريح فيها بأن السرقة من حقوق الله تعالى و يكفى فيه الإقرار، و هي معتضدة بعدة روايات دالة على أن للإمام أن يقطع يد المقر

بالسرقة.

قال بعض المعاصرين رضوان الله عليه بان الترجيح مع صحيحة الفضيل لموافقتها للكتاب و السنة الدالين على قطع يد السارق و لم يثبت تقييد ذلك بمطالبة المسروق منه و إنما الثابت سقوط الحد فيما إذا عفى المسروق منه قبل رفع الأمر إلى الحاكم و الثبوت عنده انتهى «2».

و ما أفاده مبني على مبناه من عدم الاعتناء بالشهرة مطلقا فقد تقدم أن الأصحاب أخذوا برواية ابن خالد بل في الرياض لم يتعرض أصلا لغير هذه الرواية. و على الجملة فالترجيح عنده لرواية الفضيل لموافقتها للآية الكريمة الآمرة بالقطع و الروايات الناطقة بأن للإمام أن يقطع يد المقر.

و اما على ما نقول به من الاعتماد على المشهور لجبر الضعف و في مقام الترجيح، فلا محالة يكون الترجيح لرواية ابن خالد لذهاب المشهور إلى مؤداها أي الحاجة إلى المرافعة و عدم القطع بدونها.

ثم يرد عليه أنه سلمنا عدم الترجيح بقول المشهور فهل لا يكون ذهاب المشهور إلى عدم القطع بدون المرافعة سببا للشبهة التي يدرء بها الحد؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من مقدمات الحدود ح 1.

(2) تكملة المنهاج، ج 1 ص 314.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 207

و أما ما أورد عليه بعض المعاصرين قدس سره بقوله: و يمكن أن يقال: الظاهر أن نظر السائل إلى التفصيل بين الحقوق التي يكتفى في ترتب الحد الإقرار بها مرة واحدة و بين الحقوق التي لا يكتفي فيها، فالسرقة مما يكتفى فيها بالإقرار و الإطلاق يقتضي عدم الحاجة إلى مرافعة المسروق منه و صحيح الحسين بن خالد يقيده إلخ. «1».

ففيه أنه بالآخرة صرح فيها بأنه إذا أقر بالسرقة قطعه و صرح أيضا بأن السرقة من حقوق الله

تعالى سواء قلنا باعتبار المرة أو المرتين في الإقرار.

ثم لا يخفى أنه لا خلاف في عدم اعتبار بينة الحسبة و لا في عدم الاعتماد على علم الحاكم و إنما الكلام في الإقرار و قد علمت أن المشهور هو عدم اعتباره بدون المرافعة.

و خالف في ذلك الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط فقال بالقطع بالإقرار لعموم النص و لأنه إنما كان لا يقطع بدون مطالبة المالك لاحتمال الشبهة أو الهبة أو الملك و ينتفي عند الإقرار و لأنه إنما كان لا يقطع نظرا له و ابقاء عليه فإذا أقر فكأنه الذي أقدم بنفسه على إقامة الحد عليه [1].

و قد نفى عنه البأس في كشف اللثام. لكن قد ذكرنا أن الحق هو عدم الاعتداد بالإقرار بلا ترافع لرواية ابن خالد.

و في المسالك و الجواهر أنه قد جوز بعض العامة القطع ببينة الحسبة نظرا إلى أنه حق الله. و قد ذكرنا أنه غلب عند الأصحاب جانب الناس في السرقة كما يظهر ذلك من الفرع الآتي:

______________________________

[1] هكذا نقل في كشف اللثام ج 2 ص 250 عن الخلاف و المبسوط و كأن صاحب الجواهر قد أخذ منه. إلا أنى كلما فحصت لم أجد تمام هذه العبارة و الاستدلالات بل كان قد ذكر ما يناسب المقام في مسألة 17 من الخلاف. نعم ذكر في مسألة 42 ما يقرب مما نقل في كشف اللثام.

______________________________

(1) جامع المدارك ج 7 ص 163.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 208

في هبة المسروق أو العفو عن القطع

قال المحقق: و لو وهبه المسروق منه سقط الحد و كذا لو عفا عن القطع فأما بعد المرافعة فإنه لا يسقط بهبة و لا عفو.

أقول: إذا كان القطع موقوفا على المطالبة كما هو

المفروض المحقق فلو وهب المسروق منه المال الذي سرق عنه قبل الرفع إلى الحاكم فله ذلك و النتيجة سقوط الحد عنه و هكذا لو عفى عن خصوص القطع دون المال فإنه يسقط حده.

و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، و قد صرح بذلك بعض الأخبار.

عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه؟ فقال: إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداءه و خرج يهريق الماء فوجود رداءه قد سرق حين رجع إليه فقال: من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه فأخذ يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال النبي صلى الله عليه و آله: اقطعوا يده فقال الرجل: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال: نعم قال: فأنا أهبه له. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي؟ قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع اليه؟ قال:

نعم. قال و سألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام؟ فقال: حسن «1».

و في خبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له: أنا أهبه له لم يدعه إلى الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه و إنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام و ذلك قول الله عز و جل: و الحافظين لحدود الله. فاذا انتهى الحد إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 17 من مقدمات الحدود ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 17 من مقدمات الحدود ح 3.

الدر المنضود

في أحكام الحدود، ج 3، ص: 209

و عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يشفعن أحد في حد إذا بلغ الإمام فإنه لا يملكه و اشفع فيما لا يبلغ الإمام إذا رأيت الندم و اشفع عند الإمام في غير الحد مع الرجوع من المشفوع له و لا يشفع في حق امرئ مسلم و لا غيره إلا بإذنه «1».

لو ملك السارق ما سرقه.

قال المحقق: فرع: لو سرق مالا فملكه قبل المرافعة سقط الحد و لو ملكه بعد المرافقة لم يسقط.

أقول: و قد ظهر حكم هذا الفرع مما تقدم عليه و ذلك لأن التملك أيضا كالهبة لعدم خصوصية لها في ذلك فكما أن الهبة قبل الرفع إلى الحاكم يوجب سقوط الحد كذلك سائر أنواع التملك، و لم يبق مجال للترافع هنا بخلاف ما إذا وقع الترافع و ثبت السرقة ثم ملك المال فإنه لا وجه لسقوط الحد للأصل و غيره.

المسألة الخامسة في إعادة السارق المال الى الحرز

اشارة

قال المحقق: لو أخرج المال و أعاده إلى الحرز لم يسقط الحد لحصول السبب التام و فيه تردد من حيث أن القطع موقوف على المرافعة فإذا دفعه إلى صاحبه لم تبق له المطالبة.

أقول: قد حكى الوجه الأول أي عدم سقوط الحد لحصول السبب التام، عن الخلاف و المبسوط [1] و الوجه في ذلك أن السبب للقطع قد حصل و هو إخراج النصاب من الحرز على وجه السرقة فيثبت به القطع و يستصحب حكم الوجوب.

______________________________

[1] كما في كشف اللثام و الجواهر لكني كلما بالغت في الفحص لم أجد ذلك في المبسوط و الخلاف بالعنوان الخاص نعم يستفاد ذلك من الفروع التي ذكرها تحت قوله: فإن نقبا معا إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 20 من مقدمات الحدود ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 210

و في قباله الوجه الثاني و هو سقوط الحد. و الوجه فيه أن القطع موقوف على المرافعة و بعد إعادة المال لم تبق له مطالبة و قد تردد المحقق في الحكم بعدم السقوط، لذلك.

و يمكن الإشكال بأن من سرق ثم رد المال إلى حرزه فلعله لا يصدق عليه عرفا أنه قد سرقه بل

يقال فيه إنه كان يريد السرقة لكنه لم يسرق و عليه فلا وجه لقطعه.

و كيف كان فوجه الترديد في نظر المحقق هو أنه بلحاظ هذا الوجه يكون المقام من قبيل الشبهة حيث إنه لا مورد للمرافعة حتى يجري الحد، و مآل هذا إلى الإشكال في حصول السبب لقطع بمجرد إخراج النصاب. و هذا يرجع إلى منع كون السرقة سببا تاما في القطع و توقفه على المرافعة و لم تحصل.

ثم إن الظاهر أنه لا إشكال في عدم المرافعة و القطع إذا دفع المال إلى يد صاحبه و إنما الإشكال فيما إذا رده إلى الحرز و لذا ترى صاحب الجواهر قال: فإذا دفعه إلى محل حرزه فكأنه دفعه إلى صاحبه.

و لا يخفى أن الإشكال المذكور في عبارة المحقق قد ذكره العلامة أعلى الله مقامه أيضا في القواعد فقال: و لو أخرج المال و أعاده إلى الحرز لم يسقط الحد لحصول السبب التام و فيه إشكال ينشأ من أن القطع موقوف على المرافعة.

و في كشف اللثام بعد ذلك: فإذا أعاده فكأنه دفعه إلى مالكه و إذا دفعه إليه سقطت المطالبة و إنما يكون المطالبة لو أعاده و لم يعلم المالك و لا أظهره السارق أو تلف في الحرز قبل الوصول إلى المالك انتهى و ذكر ذلك في الجواهر أيضا.

و هذا الكلام أيضا لا يخلو عن إشكال فإنه إذا أعاده إلى الحرز و لم يعلم المالك و لا أظهره السارق فإنه تكون له المطالبة لجهله و إلا فلو كان عالما بأن السارق قد أعاده فهناك لم تكن للمالك المطالبة، و النتيجة كون المطالبة ظاهرية و بمقتضى جهله فاذا يكون القطع خطأ و لا بد من الضمان كمن توهم أن

فلانا سرق منه المال و أقام البينة و قطع يد ذاك الشخص ثم تبين عدم السرقة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 211

و لا يجاب بأن السارق حيث لم يعلم ذلك فكأنه قد أقدم على قطع يده و ذلك لأنه التقصير هنا كما يكون من السارق كذلك يكون من المالك حيث لم يتفحص و إنما أقدم على المرافعة و القطع بمجرد العلم بالسرقة بلا فحص عن أنه رده إلى الحرز ثانيا أم لا و لو كان يتفحص عن ذلك لما أقدم على المرافعة و قطع يد السارق فهذه المرافعة لم تكن موضوعا للقطع.

كما أن الصورة الثانية أيضا محل الكلام و الإشكال لأنه بعد أن فرض أن الدفع إلى الحرز كالدفع إلى صاحبه على ما تقدم فلا يمكن المرافعة فكيف نقول هنا بأنه إذا تلف في الحرز قبل الوصول إلى المالك يمكن المرافعة؟

ثم إن كاشف اللثام بعد أن ذكر اشكال العلامة و تعرض لوجه اشكاله صار بصدد دفعه فقال: و يندفع بالنظر إلى عبارة المبسوط فإنها كذا: فإن نقبا معا فدخل أحدهما فأخذ نصابا فأخرجه بيده إلى رفيقه و أخذه رفيقه و لم يخرج هو من الحرز كان القطع على الداخل دون الخارج و هكذا إذا رمى به من داخل فأخذه رفيقه من خارج و هكذا لو أخرج يده إلى خارج الحرز و السرقة فيها ثم رده الى الحرز، فالقطع في هذه المسائل الثلاث على الداخل دون الخارج و قال قوم: لا قطع على واحد منهما و الأول أصح انتهت. و نحوها عبارة الخلاف و ظاهرها تلف المال بعد الرد إلى الحرز قبل الوصول إلى المالك كما في المسألتين الأوليين و إنما ذكر المسألة لبيان

أن القطع على الداخل و الخارج أو لا قطع و لو أراد العموم أمكن ان أريد أنه لا يسقط عند القطع و إن لم يقطع لعدم المطالبة كما قال بعيد ذلك: إذا سرق عينا يجب فيها القطع فلم يقطع حتى ملك السرقة بهبة أو شراء لم يسقط القطع عنه سواء ملكها قبل الرفع إلى الحاكم أو بعده إلا أنه إن ملكها قبل الترافع لم يقطع لا لان القطع يسقط لكن لأنه مطالب له بها و لا قطع بغير مطالبة بالسرقة و نحوه في الخلاف. انتهى.

و قد أورد عليه في الجواهر بأنه لا إشعار في كلام الشيخ بتلف المال بعوده الى الحرز فضلا عن الظهور إلى آخر ما أفاده فراجع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 212

ثم إن الشهيد الثاني قد نقل في المسالك قول الشيخ في المبسوط و الخلاف بثبوت القطع و إن رده إلى الحرز و تعرض لوجهه و هو تحقق السبب أي سرقة النصاب من الحرز و بعد ذلك يستصحب حكم الوجوب و أن وجه تردد المحقق انه مع رد المال ينتفي موضوع القطع و هو المرافعة و هو راجع الى ان السبب السرقة مع المرافعة.

ثم تنظر فيه و قال: و فيه نظر لأن مجرد رده إلى الحرز لا يكفي في براءة السارق من الضمان من دون أن يصل إلى يد المالك و من ثم لو تلف قبل وصوله إليه ضمنه فله المرافعة حينئذ و يترتب عليها ثبوت القطع نعم لو وصل إلى يد المالك ضعف القول بالقطع جدا و بهذا يصير النزاع في قوة اللفظي لأنه مع وصوله إلى المالك لا يتجه القطع أصلا و بدونه لا يتجه عدمه و التعليلان

مبنيان على هذا التفصيل. انتهى.

و يرد عليه أن الرد الى الحرز كالرد إلى صاحبه و هو كاف في سقوط الحد و إن فرض أن الضمان غير ساقط و لا ملازمة بين الضمان و صدق السرقة الموجبة للقطع و لا أقل من كون العام من الشبهة الموجبة للدرء.

إذا هتك جماعة و اخرج واحد منهم

قال المحقق: و لو هتك الحرز جماعة فأخرج المال أحدهم فالقطع عليه خاصة لانفراده بالموجب و لو قرّبه أحدهم و أخرج للآخر فالقطع على المخرج.

أقول: أما الفرض الأول و هو أنه إذا هتك الحرز جماعة إلا أن واحدا منهم قد أخرج المال دون الآخرين فالقطع على هذا الذي قد أخرج المال و ذلك لاجتماع الشرطين في القطع، فيه، لأنه قد هتك و أخرج المال و إن كان هتكه للحرز على سبيل الاشتراك و التعاون سواء كان عمله و مقدار جهده في الهتك مساويا لعمل الباقين أو كان يتفاوت و لا خلاف في ذلك بيننا كما صرح به في الجواهر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 213

نعم حكى عن أبي حنيفة أنه قال بتوزيع السرقة عليهم فإن أصاب كل منهم قدر النصاب قطعهم. لكنه لا ينطبق على القواعد و هو واضح الفساد لعدم صدق السرقة بلا إخراج.

و أما الفرض الثاني و هو ما لو قرب المال أحدهم و أخرجه الآخر فالقطع على المخرج فذلك لأن الكل قد اشتركوا في النقب كما هو مقتضى العبارة فمن قرب المال لا يصدق عليه السارق و أما المخرج فهو سارق لتحقق الشرطين فيه فيقطع يده خاصة.

و حكى عن أبي حنيفة أنه قال بعدم القطع على أحد منهما متمسكا بعدم صدق الإخراج من الحرز على كل منهما، و هو أيضا فاسد فإنه كما

ذكرنا يصدق الإخراج من الحرز على من أخرجه و إن كان قد قرّبه الآخر.

فرض آخر

قال المحقق: و كذا لو وضعها الداخل في وسط النقب و أخرجها الخارج و قال في المبسوط: لا قطع على واحد منهما لأن كل واحد لم يخرّجه عن كمال الحرز.

أقول: إذا وضع الداخل المال في وسط النقب و قد أخرجه الخارج فعند المحقق يقطع المخرج خاصة و قد قال بذلك ابن إدريس أيضا.

لكن خالف في ذلك الشيخ في كتاب السرقة من المبسوط ص 26 فقال: و إذا نقبا معا و دخل أحدها فوضع السرقة في بعض النقب فأخذها الخارج قال قوم: لا قطع على واحد منهما و قال آخرون عليهما القطع لأنهما اشتركا في النقب و الإخراج معا فكانا كالواحد المنفرد بذلك بدليل أنهما لو نقبا معا و دخلا فأخرجا معا كان عليهما الحد كالواحد و لأنا لو قلنا لا قطع كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة لأنه لا يشاء شيئا إلا شارك غيره فسرقا هكذا فلا قطع، و الأول أصح لأن

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 214

كل واحد منهما لم يخرجه من كمال الحرز فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب و اجتاز مجتاز فأخذه من النقب فإنه لا قطع على واحد منهما. انتهى.

أقول: الظاهر أنه لا يعتبر في السرقة سوى الإخراج من الحرز و أما كمال الحرز الذي قاله الشيخ فهو غير معتبر و على هذا فتقطع المخرج لأنه أخرجه من الحرز أما الآخر فلم يخرجه و إنما أتى ببعض مقدمات الإخراج.

و قد أورد عليه في السرائر بقوله: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن القطع على الأخذ الخارج لأنه نقب و هتك الحرز و أخرج المال

منه و لقوله تعالى: و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما. و هذا صادق فمن أسقط القطع عنه فقد أسقط حدا من حدود الله بغير دليل بل بالقياس و الاستحسان و هذا من تخريجات المخالفين و قياساتهم على المجتاز و أيضا فلو كنا عاملين بالقياس ما ألزمنا هذا لأن المجتاز ما هتك حرزا و لا نقب فكيف يقاس الناقب عليه «1».

ثم قال: و أيضا فلا يخلو الداخل من أنه أخرج المال من الحرز أو لم يخرجه فإن كان أخرجه فيجب عليه القطع و لا أحد يقول بذلك فما بقي إلا أنه لم يخرجه من الحرز و أخرجه الخارج من الحرز الهاتك له فيجب عليه القطع لأنه نقب و أخرج المال من الحرز إلخ «2».

أقول: و آخر كلامه لا يخلو عن إجمال و ذلك لأنه على فرض إخراجه من الحرز فلا محالة يجب القطع فما معنى قوله: و لا أحد يقول بذلك، بل هذا لا محصل له في الحقيقة.

و إن قلت: معناه أن هذا خلاف المفروض.

ففيه أن هذا خلاف الظاهر و كان يمكن أن يعبر بنفس هذه العبارة لا أن يقول: فلا أحد يقول بذلك.

و هنا فرع قد تعرض له صاحب الجواهر و هو أنه لو هتك الحرز صبيا أو مجنونا ثم كمل فأخرج قبل اطلاع المالك و إهماله ففي القطع نظر إلخ.

______________________________

(1) السرائر ج 3 ص 497 و 498.

(2) السرائر ج 3 ص 497 و 498.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 215

و وجه القطع أنه الأخذ و الهاتك و وجه عدمه عدم كونه مكلفا حين الهتك، و حين التكليف إنما أخذ من حرز منهتك، و القطع إنما يترتب على كليهما- و لم يحصل ذلك-

و المتيقن من النص و الفتوى ذلك.

هذا هو مقتضى القاعدة، و لو شك فقاعدة الدرء تقتضي عدم القطع.

السادسة فيما إذا أخرج النصاب مرارا

قال المحقق: لو أخرج قدر النصاب دفعه وجب القطع و لو أخرجه مرارا ففي وجوبه تردد أصحه وجوب الحد لأنه أخرج نصابا و اشتراط المرة في الإخراج غير معلوم.

أقول: أما الفرض الأول فواضح و أما الثاني و هو ما إذا أخرج النصاب بدفعات فقد تردد فيه المحقق أولا، و وجه التردد هو ادعاء صدق سرقة النصاب و إخراجه فيشمله عموم الآية، و ادعاء عدم صدق سرقة النصاب في كل مرة.

و بتقرير آخر: لا إشكال في اشتراط القطع بإخراج النصاب من الحرز و المتيقن منه إخراجه دفعة و أما كفاية إخراجه بدفعات فهو خلاف ظاهر الآية و لا أقل من الشبهة، و الحدود تدرء بالشبهات.

و الأصح عنده هو وجوب الحد لعدم العلم باشتراط المرة.

لكن الظاهر عدم تمامية ذلك للشك في صدق السرقة الموجبة للقطع مع الشك في اعتبار المرة و لا يمكن التمسك بأصالة عدم الاشتراط بعد الشك في صدق عنوان السرقة المعتبرة في القطع لو لم نقل بانصراف الأدلة عن المرات و الدفعات و إلا فالأمر أوضح.

و على الجملة فالشك في صدق عنوان السرقة، فإن الذي يصدق عليه مسلما هو سرقة النصاب و إخراجه دفعة واحدة و اما إخراجه بدفعات فيشك في أنه سرقه أم لا فيشك في حصول الشرط. و ظاهر الأدلة هو الدفعة، و لا أقل من الشك فيدرء الحد، و الحاصل انه لا شك فيما إذا كانت دفعة فإنه يقطع مع حصول باقي

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 216

الشرائط و كذا إذا كانت في مرات بلا فصل كثير و اما إذا

كانت بدفعات مع عدم قصر الفصل فلا.

و لذا أورد في الجواهر على المحقق بعد نقل كلامه قائلًا: و فيه منع صدق سرقة النصاب من الحرز مع عدم قصر الزمان بحيث يعد الجميع في العرف سرقة واحدة.

و قال: نعم لو أخرج المسروق على التواصل كالطعام و نحوه فهو كالدفعة إذ الإخراج إنما يتم بإخراج جميعه و هو إنما يقع دفعة.

ثم قال: و لو أخرج النصاب من حرزين فصاعدا لم يقطع بناءا على ما ذكرنا من اعتبار الاتحاد عرفا الا أن يكونا في حكم الواحد بأن يشملهما ثالث كبيتين في دار فإن إخراجهما من الدار سرقة واحدة و الله العالم انتهى.

و هذه الفروع أمور عرفية يتعرضون لها لا مطالب علمية يبحث فيها.

السابعة في ما إذا أخذ النصاب و أحدث فيه حدثا

قال المحقق: لو نقب فأخذ النصاب و أحدث فيه حدثا تنقص به قيمته عن النصاب ثم أخرجه مثل أن خرق الثوب أو ذبح الشاة فلا قطع و لو أخرج نصابا فنقصت قيمته قبل المرافعة ثبت القطع.

أقول: إذا نقب و أخذ النصاب الا أنه قبل إخراجه قد أخذ فهنا لا يقطع و هكذا لو أخذه و كان قد أحدث فيه حدثا أوجب نقصان قيمته عن النصاب ثم أخرجه عن الحرز كما إذا خرق الثوب و صار خرقه موجبا لذلك فهنا أيضا لا يقطع.

و يمكن ان يستدل لذلك ببعض الأخبار كخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يقول: لا قطع على السارق حتى يخرجه بالسرقة من البيت و يكون فيها ما يجب فيه القطع «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 8 من أبواب حد السرقة ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 217

و خبر السكوني عن أبي عبد الله

عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في السارق إذا أخذ و قد أخذ المتاع و هو في البيت لم يخرج بعد، قال:

ليس عليه القطع حتى يخرج به من الدار «1».

و ذلك لأنه لم يخرج النصاب عن الحرز في الفرضين فلا تقطع يده، نعم لا ينافي ذلك كونه ضامنا للنقصان الذي حصل بما أحدثه فيه في الفرض الثاني.

و هذا بخلاف ما لو أخرج النصاب من الحرز إلا أنه نقصت قيمته بعد ذلك سواء كان قبل المرافعة أو بعده فإنه وجب القطع و ذلك لتحقق الموجب اي صدق إخراج النصاب من الحرز.

[و بذلك يجاب عن أبي حنيفة القائل بعدم القطع ان نقصت قيمته للسوق قبل القطع.]

الثامنة في ابتلاعه مقدار النصاب في الحرز

قال المحقق: لو ابتلع داخل الحرز ما قدره النصاب كاللؤلؤة فإن كان يتعذر إخراجه فهو كالتالف فلا حد و لو اتفق خروجها بعد خروجه و هو ضامن و إن كان خروجها مما لا يتعذر بالنظر إلى عادته قطع لأنه يجري مجرى إيداعها في الوعاء.

أقول: إذا دخل في الحرز و أخذ مقدار النصاب أو أكثر الا أنه قبل إخراجه قد ابتلعه فتارة يكون المبتلع (بالفتح) تالفا بالابتلاع كالماء و الطعام فلا قطع لأنه لم يخرج النصاب من الحرز حتى يقطع و كذا ما إذا كان مثل اللؤلؤ لكن تعذر خروجه أو إخراجه فإنه كالتالف أيضا و ان كان ضامنا.

و أخرى ليس كذلك بان كان لا يتعذر إخراجه أو خروجه بحسب العادة مثلا فابتلع السارق بقصد خروجه أو إخراجه و هنا لا إشكال في وجوب القطع إذا كان المالك مطالبا له، و ابتلاعه و كونه في الباطن بمنزلة إيداعه في الوعاء.

و هنا فرع و هو أنه لو اتفق فساده قبل قطع

اليد فخرج فاسدا على خلاف

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 8 من أبواب حد السرقة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 218

العادة فهل هنا يقطع أم لا؟ اختار في المسالك العدم.

ثم إنه قال في المسالك: و يظهر من العبارة- أي قول المحقق: و ان كان خروجها مما لا يتعذر بالنظر إلى عادته قطع إلخ- جواز تعجيل قطعه قبل الخروج حيث يكون الخروج معتادا و الأولى الصبر إلى أن يخرج دفعا للاحتمال.

و في الجواهر: قلت: لا بأس بالتعجيل مع العلم بأنه خرج مع كونه في جوفه من الحرز و هو بالغ للنصاب إذ الفساد بعد ذلك غير قادح في ترتب القطع بعد حصول سببه، نعم لو خرج فاسدا و لم يعلم بحاله قبل الخروج أو بعده أمكن عدم القطع للشبهة التي لا تجدي الأصول هنا في ارتفاعها.

و كيف كان فالحق انه في الفرع الأخير أي ما إذا لم يتعذر خروجها تقطع يده.

خلافا لبعض العامة حيث قال: لا قطع عليه لأنه بالابتلاع في حكم المستهلك و قد ضمنها بقيمتها بابتلاعها و لأنه أخرجها معه مكرها بدليل أنه ما كان يمكنه تركها و الخروج دونها فهو كما لو نقب و أكره على إخراج المتاع. و هذا ممنوع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 219

حدّ المحارب

اشارة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 221

الباب السادس في حدّ المحارب

قال المحقق قدس سره: المحارب كل من جرد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر ليلا أو نهارا في مصر و غيره.

أقول: الأصل في ذلك قوله تعالى: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ

أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ. المائدة- 33.

و الكلام هنا في مواضع.

1- في تعريف المحارب و أن المحارب من هو؟

2- في شرائطه.

3- في حكمه.

4- في كيفية إجراء حكمه و إقامة حده.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 222

اما الأول فقد عرفه بعض كالشرائع بأنه كل من جرد السلام لإخافة الناس. [1]

و آخر بأنه من شهر السلاح.

و ثالث بأنه من حمل السلاح.

و هذه التعابير و التفاسير مختلفة لوضوح الفرق بين تجريد السلاح أو شهره و بين حمل السلاح.

و لا شك في أنه يعتبر فيه الإخافة بأن يكون حمله للسلاح لذلك، فمن حمله لا لذلك بل لحفظ نفسه و الدفاع عنه فليس هو بمحارب قطعا و إن كان مجرد ذلك أوجب خوف بعض و خاف منه أحد.

و لا يخفى أن الظاهر أن هذا المفهوم أي الإخافة مفهوم عرفي و أنه لا مفهوم له شرعي فإنه لم يعلم ذلك من الشرع لكن مع ذلك فقد يرى توسع في هذا المفهوم العرفي في كلماتهم يشكل تصديقهم في جميع ما ذكروه.

و من جملة ذلك أنهم قد يقولون بأنه و ان كانت الإخافة بالنسبة إلى شخص واحد كما صرح بذلك صاحب الجواهر فإنه بعد قول المحقق: لإخافة الناس. قال:

و لو واحد لواحد على وجه يتحقق به صدق إرادة الفساد في الأرض.

و منها أنه قد يذكر في بعض الكلمات أن المدار على قصد الإخافة و أنه محارب مع القصد المزبور و إن لم يحصل معه خوف منه أو أخذ مال فإن صدق المحارب على من لم يخف منه محل تأمل، و كيف نقول أنه بمجرد قصد الإخافة يكون محاربا

و إن لم يصدر منه شي ء و لم يحصل معه خوف منه أو أخذ مال أصلا و هل مجرد القصد يكفي في ترتب الأحكام الجارية على المحارب، عليه؟.

______________________________

[1] و في كنز العرفان للفاضل السيوري ص 351 ج 2: محاربة الله و رسوله محاربة المسلمين.

جعل محاربتهم محاربة لله و رسوله تعظيما للفعل. و أصل الحرب السلب. و عند الفقهاء كل من جرد السلاح لإخافة الناس.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 223

كما أنه يشكل ما قيل من أنه لا حاجة إلى قصد الإخافة بل يكفي شهره بالسلاح سواء قصد الإخافة أم لا كما في الروضة.

و كيف كان فعند المحقق، المحارب هو من جرد السلاح لإخافة الناس و قد زاد في الجواهر على كلمة (جرد) قوله: أو حمله، و عليه فلا يعتبر تجريد السلاح بل يكفي حمله مع كونه بهذا الصدد.

و قد عبر المحقق في الشرائع و العلامة في القواعد بإخافة الناس، و لكن قيد كاشف اللثام، الناس، بالمسلمين، و إليك عبارته في الكشف: المحارب عندنا كل من أظهر السلاح أو غيره من حجر أو نحوه كما سيأتي و جرده لإخافة الناس المسلمين.

ثم قال: و لعله الذي أراده المفيد و سلار حيث قيدا بدار الإسلام في بر أو بحر ليلا كان أو نهارا في مصر أو غيره في بلاد الإسلام أو غيرها لإطلاق النصوص و الإجماع إلخ.

و قال المفيد: و أهل الزعارة إذا جردوا السلاح في دار الإسلام و أخذوا الأموال كان الإمام مخيرا فيهم ان شاء قتلهم بالسيف و إن شاء صلبهم حتى يموتوا و إن شاء قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و إن شاء نفاهم عن المصر إلى غيره و وكل بهم من

ينفيهم عنه إلى ما سواه حتى لا يستقر بهم مكان إلا و هم منفيون عنه مبعدون إلى أن تظهر منهم التوبة و الصلاح فإن قتلوا النفوس مع اشهارهم السلاح وجب قتلهم على كل حال بالسيف و الصلب حتى يموتوا و لم يتركوا على وجه الأرض أحياء. انتهى «1».

و أورد عليه صاحب الجواهر بأن تجريد السلاح في دار الإسلام يشمل المسلمين في دار الإسلام و غيرهم من المعاهدين و أهل الذمة و الأمان، و الحال ان كاشف اللثام قد قيد بالمسلمين كما أن تقييده بالمسلمين يشمل المسلمين الذين هم في دار الإسلام، و المسلمين الذين هم في غير دار الإسلام.

______________________________

(1) المقنعة الطبع القديم ص 129. الطبع الجديد ص 804 و 805.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 224

و لعل الظاهر هو التعميم لكل من يحرم إخافته سواء كان مسلما أو غير مسلم كما إذا كان من أهل الذمة و الأمان، كان في دار الإسلام و غيرها و ذلك لعموم الأدلة كتابا و سنة فلا يشترط في ذلك الإسلام و لا دار الإسلام.

فإن من يحرم إخافته فهو في أمان الله و داخل تحت كنف عصمته سبحانه و أمان رسوله، فمن أخافه فقد حارب الله سبحانه و رسوله كما أن من كان تحت أمان زيد مثلا فحمل و هجم عليه أحد و أخرجه من دار زيد و أخافه فإنه يعتبر عمله هذا محاربة لزيد صاحب الدار الذي كان منه الأمان.

و قد ظهر بهذا البيان وجه مناسبة إطلاق محاربة الله و رسوله على من أخاف من يحرم إخافته.

كما أنه قد ظهر منه أنه إذا كان المسلم مهدور الدم فاخافته ليست من باب المحاربة، و ذلك لعدم كونه في

أمان عصمة الله و تحت رعاية حمايته في حين أن المعاهد كان تحت أمان الله مع كونه كافرا.

و أما السلاح المذكور في الروايات ففي المنجد: السلاح جمع: أسلحة و سلح و سلحان، اسم جامع لآلات الحرب و القتال، يذكر و يؤنث.

و الظاهر أنه لا يعتبر فيه كونه من الحديد من نفس الآلات المتداولة في الحرب بل الملاك هو ما أوجب الإخافة بأن يكون مما يقتل به سواء كان من قبيل السيف و غيره مما كان رائجا في السابق أو كان هو البندقية و الرشاش و غير ذلك من الوسائل الحربية العصرية أو غير ذلك حتى مثل العصا و الحجر، و إن كان قد خص بعض أهل اللغة السلاح بالحديد، لكنه كما في كشف اللثام ممنوع قال: بل الحق ما صرح به الأكثر من أنه كل ما يقاتل به، و عن أبي حنيفة اشتراط شهر السلاح من الحديد و يظهر احتماله من التحرير. انتهى.

ثم إنه لا فرق في ذلك بين كونه في بر أو بحر و في الليل أو النهار و في مصر

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 225

أو غيره [1] خلافا لبعضهم حيث اعتبر كونه في البر و المواضع البعيدة، و لكن عموم الآية يدفع ذلك.

و هل يعتبر كون المحارب من أهل الريبة؟

قال المحقق: و هل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد أصحه أنه لا يشترط مع العلم بقصد الإخافة.

أقول: اختلفوا في اعتبار كون المحارب من أهل الريبة و عدمه. فذهب جمع كالشيخ في النهاية و القاضي و الراوندي و الشهيد في الدروس إلى الأول [2].

و ذهب الأكثر و منهم المحقق في الشرائع إلى عدم الاشتراط بعد أنه كان بصدد الإخافة.

و المراد من كونه من أهل الريبة

كونه بحيث يحتمل في حقه ذلك بأن كان من قبل من أهل الشر و الفساد في قبال من كان من الصلاح و السداد على حال لا يحتمل في حقه ذلك و حيث ان المراد من المحارب هنا ليس كل من أتى بحرام

______________________________

[1] أقول: خلافا لمالك حيث اعتبر البعد من البلد بثلاثة أميال و لأبي حنيفة حيث اعتبر مسافة السفر، راجع كشف اللثام.

[2] قال الشيخ في النهاية ص 720: المحارب هو الذي يجرد السلاح و يكون من أهل الريبة في مصر كان أو غير مصر، في بلاد الشرك كان أو بلاد الإسلام ليلا كان أو نهارا فمتى فعل ذلك كان محاربا. انتهى.

و قال ابن البراج في المهذب ج 2 ص 553: من كان من أهل الريبة و جرد سلاحا في بر أو بحر أو في بلد أو غير بلد في ديار الإسلام أو في ديار الشرك ليلا أو نهارا كان محاربا.

و قال الراوندي في فقه القرآن ج 2 ص 387: من جرد السلاح في مصر أو غيره و هو من أهل الريبة على كل حال كان محاربا إلخ.

و قال في الدروس الطبع القديم ص 167 و الطبع الجديد ج 2 ص 59: المحارب و هو من جرد السلاح للإخافة في مصر أو غيره ليلا أو نهارا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 226

و ارتكب معصية بل المراد كما تقدم هو من حارب المسلمين فقد أطلق عليه المحارب لله و رسوله تعظيما للفعل فمن قال باعتبار الريبة لعله يقول به باعتبار دخل ذلك في صدق عنوانه و أنه إذا كانت له سابقة في الشرارة و الفساد فإنه يوجب كونه محاربا.

و لكن الكلام فيما إذا علم

منه قصد الفساد و عمل عملا كانت في العرف امارة عليه من خروجه مسلحا لابسا لباس الحرب مهاجما.

و كيف كان فيدل على قول المشهور أي عدم الاشتراط عموم الأدلة من الكتاب و السنة، فإن قوله تعالى: إن الذين يحاربون الله و رسوله إلخ يشمل ما إذا كان مع الريبة و عدمها و مفهوم الخوف كما يصدق إذا صدر الفعل من أهل الريبة كذلك يصدق إذا صدر من غيرهم.

و اما الاستدلال على اعتبار الريبة بالاقتصار على القدر المتيقن. ففيه أن ذلك خلاف عموم الآية الكريمة و الروايات.

الحكم في الذكر و الأنثى سواء

قال المحقق: و يستوي في هذا الحكم الذكر و الأنثى إن اتفق.

أقول: كلام بعض كالسيوري رضوان الله عليه مشعر بالإجماع عليه فإنه قال عند ذكر المحارب: و عند الفقهاء كل من جرد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر، ليلا أو نهارا، ضعيفا كان أو قويا، من أهل الريبة كان أو لم يكن، ذكرا كان أو أنثى، فهو محارب «1».

و الدليل على العموم و عدم اختصاص بالرجال هو عموم النصوص كالآية.

نعم خالف ابن الجنيد في المسألة فقال معترضا على الشيخ الذاهب إلى التعميم في الخلاف و المبسوط: و هذان الكتابان معظمهما فروع المخالفين و هو قول

______________________________

(1) كنز العرفان ج 2 ص 352.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 227

بعضهم اختاره رحمه الله و لم أجد لأصحابنا المصنفين قولا في قتل النساء في المحاربة.

و الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن لا يقتلن إلا بدليل قاطع فأما تمسكه بالآية فضعيف لأنها خطاب للذكور دون الإناث، و من قال: تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع فذلك مجاز و الكلام في الحقائق و المواضع التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع

دون غيره فليلحظ ذلك.

أقول: أما بالنسبة للآية فالظاهر كما ذكرنا عدم اختصاص لها بالذكور. و أما عدم قتلهن ففيه أنه يحكم بذلك لظاهر الدليل كما و أنهن يقتلن بالقصاص [1].

لا يقال: إن لفظة (الذين) حيث كانت موضوعة للذكورة فإرادة العموم منها مجاز و هو موقوف على دليل قاطع و قرينة ظاهرة [2].

______________________________

[1] أقول: لعل الجواب لا يقع على عين ما ادعاه ابن الجنيد و ذلك لأنه قال بأن إرادة العموم مجاز، و الكلام في الحقائق كما و أنه لم يدع ان النساء لا يقتلن مطلقا حتى ينقض عليه بقتلهن في القصاص. و لذا ترى أنه قد صدق صاحب الرياض ورود الإشكال بالنسبة للآية و قد تمسك هو في إثبات المطلوب بالروايات فقال بعد ذكر الآية: و شموله للإناث و إن كان فيه نوع غموض بناء على أن الضمير للذكور و دخول الإناث فيهم مجاز الا أن العموم جاء من قبل النصوص ففي الصحيح:

من شهر السلاح في مصر من الأمصار الحديث. و من عام حقيقة في الذكور و الإناث. انتهى.

و لقد أجاد الفاضل الجواد في مسالك الأفهام ج 4 ص 209 فقال: و الحكم عام في الرجال و النساء عند الشيخ و أكثر الأصحاب و أخذ ابن الجنيد فخص الحكم بالرجال و وافقه ابن إدريس في ذلك قال: و لم أجد لأصحابنا المصنفين قولا في قتل النساء في المحاربة. و الذي يقتضيه أصول مذهبنا ألا يقتل إلا بدليل قاطع فاما التمسك بالآية فضعيف لأنها خطاب للذكران دون الإناث، و من قال يدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع فذلك مجاز و الكلام في الحقائق فأما المواضع التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع، و اختار العلامة

في المختلف الأول و احتج عليه بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر أقتص منه الحديث. و لفظة من، يتناول المذكر و المؤنث بالحقيقة إجماعا و في هذا الاستدلال نظر فإن من، و ان كانت للعموم إلا أن ظاهر الآية خاص كما عرفت فليحمل عليه و بالجملة فالحكم لا يخلو عن إشكال.

[2] أورده هذا العبد في 16 ربيع المولود سنة 1410 ه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 228

لأنا نقول: الدليل موجود و القرينة حاصلة فإن الشارع قد أراد قطع مادة الفساد عن صفحة الأرض، و الفساد في الأرض قبيح من كل أحد بلا اختصاص ذلك بالرجال و عدم خصوصية لهم في ذلك بل هو من العمومات الآبية عن التخصيص.

و بذلك يظهر أنه يستفاد المطلب من الآية الكريمة فإن هذه الأحكام مجعولة لحفظ النظام نظير قوله تعالى:

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إلخ.

و قوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ.

و قوله تعالى: و مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً.

فان نفس المطلب يدل على عدم خصوصية للرجال.

حكم المجرد للسلاح مع ضعفه عن الإخافة

قال المحقق: و في ثبوت هذا الحكم للمجرّد مع ضعفه عن الإخافة تردد أشبهه الثبوت و يجتزى بقصده.

أقول: إذا كان المجرد للسلاح الحامل له ضعيفا عن الإخافة فهل يجري عليه حكم المحارب أم لا؟ قد تردد المحقق فيه و جعل الأشبه هو الثبوت و أنه يكتفى بقصده الإخافة و إن كان ضعيفا.

و مستند القول بالثبوت هو عمومات الآية و الروايات.

و قد أورد على ذلك بمنع اندراج الفروض تحت العمومات فان المفروض كونه ضعيفا لا يقدر

على إيراد شي ء و لذا اعتبر العلامة أعلى الله مقامه في القواعد الشوكة و من المعلوم انتفاءها في فرض الضعف و على هذا فإن كان إجماع فهو و إلا فيحكم بعدم كونه محاربا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 229

و فيه أولا أن فوق كل ضعيف ضعيف و من هو أضعف منه و لا يفرض ضعيف لا يوجد أضعف منه إلا أن يكون ميتا.

و ثانيا أنه و لو فرض بلوغه في الضعف غايته فقد يرى أنه يؤذى الضعيف من هو أقوى منه و لا يبالي.

و ثالثا أنه لا يخلو عن كونه في أعلى مراتب الضعف بحيث لا يتمشى منه قصد الإخافة أو ليس كذلك فعلى الأول فهو ليس بمحارب لا لضعفه بل لعدم كونه قاصدا فإنه إذا كان ضعيفا بحيث لا يتمشى و لا يصدر منه قصد الإخافة فإنه لم يتحقق الموضوع.

و على الثاني أي ما إذا تمشي منه القصد و تجاهر بالسعي في الفساد في الأرض و جرد السلاح للقتل و سلب المال و أخذه فإنه يصدق عليه المحارب و تشمله الأدلة سواء قصد التخويف أو قصد إيقاع المخوف فإنه أيضا ملازم لقصد الإخافة.

و على الجملة فلا يعتبر في المحارب أن يكون قويا بل قد يتحقق ذلك بالنسبة إلى الضعيف. و من هذا الباب ما إذا كان بصدد الإخافة و جرد سلاحه مريدا سلب مال أحد أو قتله أو جرحه خائفا ممن هو أقوى منه فإن الظاهر أن خوفه منه لا ينافي كونه محاربا حيث إنه قد شهر السلاح على غيره للإخافة و الإيذاء.

ثم لا يخفى أن هذه الاختلافات ترجع إلى الاختلاف في المفهوم العرفي و ذلك لعدم ورود شي ء صريح في الروايات

في تعريف المحارب. نعم قد ذكر في موارد منها بعض مصاديق المحارب.

و لا بد من المراجعة إلى الآية الكريمة و الروايات الشريفة فكل ما استفيد و استظهر منها من القيود نقول به في تحقق مفهوم المحارب و بيان معناه.

أما الآية فهي قوله تعالى: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ «1».

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 33.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 230

و المستفاد منها أنه يعتبر فيه أن يكون بانيا على الفساد و الإخلال و ساعيا لإيجاد الفساد في الأرض و من هنا يستفاد اعتبار قصده لذلك.

و اما الروايات: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه و نفى من تلك البلد و من شهر السلاح في مصر من الأمصار و ضرب و عقر و أخذ المال و لم يقتل فهو محارب فجزاؤه جزاء المحارب و أمره الى الإمام إن شاء قتله و صلبه و إن شاء قطع يده و رجله قال: و إن ضرب و قتل و أخذ المال فعلى الإمام ان يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه قال: فقال له أبو عبيدة: أ رأيت إن عفا عنه أولياء المقتول؟ قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إن عفوا عنه كان على الإمام أن يقتله لأنه قد حارب و قتل و سرق قال: فقال أبو عبيدة: أ رأيت إن أراد أولياء المقتول أن يأخذوا

عنه الدية و يدعونه أ لهم ذلك؟ قال: لا عليه القتل «1» و قد كرر في هذه الصحيحة ذكر مصر من الأمصار، فهل يعتبر كونه في مصر حتى لا يترتب أحكام المحارب إذا كانت المحاربة في الصحارى و البراري أو أن ذكر ذلك لأجل المثال؟ الظاهر هو الثاني.

و كيف كان ففي الفرض الأول الذي كان قد شهر و عقر، حكم عليه السلام بالاقتصاص و نفى البلد و في الفرض الثاني [1] و هو ما إذا شهر السلاح و ضرب و عقر و أخذ المال لكنه لم يقتل كان جزاؤه جزاء المحارب و أمره إلى الإمام.

لا يقال: إن الفرض الأول ليس من مصاديق المحارب مع أنه كان قد شهر السلاح و عقر أيضا [2].

فإنه يقال: إن الأول أيضا محارب و وجه ذكر ذلك في الفرض الثاني مع عدم

______________________________

[1] لكن في الكافي ج 7 ص 248 و كذا في التهذيب ج 10 ص 132 في الفرض الثاني: (في غير الأمصار) بدل: في مصر من الأمصار.

[2] أورده هذا العبد و أجاب سيد مشايخنا بما في المتن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 231

ذكره في الأول هو أنه في الفرض الثاني قد أخذ المال و حيث إنه كان يتوهم أنه تقطع يده لذلك فلذا صرح بأنه محارب و جزاؤه جزاؤه، بخلاف الفرض الأول فإنه لما لم يكن فيه فرض أخذ المال فلا حاجة إلى ذلك لعدم توهم قطع اليد فيه و على هذا فهو محارب.

ثم إنه ذكر في هذه الرواية أنه شهر و عقر، فهل يعتبر في المحارب أن يأتي بعقر أيضا مضافا إلى الإخافة؟

لا تعرض لذلك كما لا تعرض فيها لفرض مجرد قصد الإخافة بلا إتيان عمل أصلا بل المذكور في الروايات الواردة في الباب أيضا هو صورة شهر السلاح و أخذ المال أو ارتكاب العقر أو القتل.

و عن بريد بن معاوية قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل:

إنما جزاؤ الذين يحاربون الله و رسوله. قال: ذلك إلى الإمام يفعل ما شاء، قلت:

فمفوض ذلك إليه؟ قال: لا و لكن نحو الجناية «1».

يعني إنه لا يفوض الأمر من أصله إلى الإمام كي يكون له العفو أيضا. نعم كيفية إجراء العقوبة مفوضة إليه.

و عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل: إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم إلى آخر الآية أي شي ء عليه من هذه الحدود التي سمى الله عز و جل؟ قال: ذلك إلى الإمام إن شاء قطع و إن شاء نفى و إن شاء صلب و إن شاء قتل. قلت: النفي إلى أين؟ قال: من مصر إلى مصر آخر و قال: إن عليا عليه السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة «2».

و عن عبد الله المدائني عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سئل عن قول الله عز و جل: إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا الآية

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 232

فما الذي إذا فعله استوجب

واحدة من هذه الأربع؟ فقال: إذا حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا فقتل قتل به و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف و إن شهر السيف و حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا و لم يقتل و لم يأخذ المال نفى من الأرض «1».

و هذه الروايات و ان كانت تتضمن السؤال عن حكم من حارب الله و رسوله و كان الرواة عالمين بالموضوع و عنوان من حارب الله و لذلك كانوا لا يسألون عن ذلك إلا أنه قد يرى فيها ما يمكن استفادة المطلب منه فمثلا ترى أنه في الفرض الأخير من رواية المدائني قد إطلاق على من لم يقتل و لم يأخذ المال أنه قد شهر السيف و حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا.

و عليه فلا يعتبر في المحارب أخذ المال أو العقر أو غير ذلك و إنما المعتبر على ما هو المستفاد من هذه الرواية و من الآية هو اعتبار كون بناؤه على الفساد و الحركة لذلك. و ما ذكرنا من اعتبار قصد الإخافة في المحاربة يستفاد من الآخر هذه الرواية الشريفة.

عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم و عن حميد بن زياد عن سماعة عن غير واحد جميعا عن أبان بن عثمان عن أبي صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه و آله قوم من بنى ضبة مرضى فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و آله: أقيموا عندي فإذا برئتم بعثتكم في سرية فقالوا

أخرجنا من المدينة فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها و يأكلون من ألبانها فلما برأوا و اشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل فبلغ رسول الله صلى الله عليه و آله الخبر فبعث إليهم عليا عليه السلام و هم في واد قد تحيروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريبا من أرض اليمن فأسرهم و جاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فنزلت هذه الآية: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحاربة ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 233

وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، فاختار رسول الله صلى الله عليه و آله القطع فقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف «1».

يعلم و يستفاد من هذه الرواية صدق المحارب على مثل هؤلاء الذين قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل و هم لم يكونوا بحيث خرجوا من منازلهم للإخافة و القتل، بل بدا لهم ذلك بعد أن برأوا.

و عن أحمد بن الفضل الخاقاني من آل رزين قال: قطع الطريق بحلولا على السالبة من الحجاج و غيرهم و أفلت القطاع إلى أن قال: و طلبهم العامل حتى ظفر بهم ثم كتب بذلك الى المعتصم فجمع الفقهاء و ابن أبي داود ثم سأل الآخرين عن الحكم فيهم و أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام حاضر فقالوا قد سبق حكم الله فيهم في قوله: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ

يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، و لأمير المؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء منهم قال: فالتفت إلى أبي جعفر عليه السلام و قال: أخبرني بما عندك قال: إنهم قد أضلوا فيما أفتوا به و الذي يجب في ذلك أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق فإن كانوا أخافوا السبيل فقط و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا مالا أمر بإيداعهم الحبس فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخفاتهم السبيل و إن كانوا أخافوا السبيل و قتلوا النفس أمر بقتلهم و إن كانوا أخافوا السبيل و قتلوا النفس و أخذوا المال أمر بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و صلبهم بعد ذلك فكتب إلى العامل بأن يمتثل ذلك فيهم «2».

و يستفاد منها أيضا أن من أخاف السبيل و لو لم يأت بشي ء من القتل و أخذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 7.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 234

المال فهو من مصاديق المحارب غاية الأمر أن حكمه في هذا الفرض هو النفي كما أنه قد تعرض في هذا الخبر و سائر الأخبار لما إذا أخذ المال و لما إذا تعرض للقتل.

و هل في الروايات ذكر عن تعرضه للعرض و لحرم الإنسان أم لا؟

نعم. ففي رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: إذا دخل عليك اللص يريد أهلك و مالك فإن استطعت ان تبدره و تضربه فابدره و اضربه و قال: اللص محارب لله و لرسوله فاقتله فما منك فهو عليّ [1].

و عن أبي أيوب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

من دخل على مؤمن داره محاربا له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن و هو في عنقي «1».

فلو لا هذه الروايات لكان الإنسان يتردد في بعض الفروض في أنه محارب أم لا و لكنها تبين مصاديق المحارب و بمقتضى هذه الأخبار المعمول بها لا يعتبر في صدق المحارب التعدد بل يكفي في ذلك و إن كان واحدا لواحد كما في كلام صاحب الجواهر فيتحقق بالإخافة واحدا أو جمعا سواء كان في طريق المسافرين أو في الشوارع أو في الدار سواء كان خروجه من داره بهذا القصد أم أنه بدا له ذلك بعد أن خرج عنها.

قال الشيخ في الخلاف في المسألة الأولى من قطاع الطريق: المحارب الذي ذكره الله تعالى في آية المحاربة هم قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح و يخيفون السبيل و به قال ابن عباس و جماعة الفقهاء و قال قوم هم أهل الذمة إذا نقضوا العهد و لحقوا بدار الحرب و حاربوا المسلمين و قال ابن عمر: المراد بالآية المرتدون لأنها نزلت في العرينيين.

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 2. أقول: و قال السيوري في الكنز ص 352: و يدخل في ذلك قاطع الطريق و المكابر على المال أو البضع انتهى.

و قال كاشف الغطاء في كشفه ص 419: المحارب اسم فاعل و هو من جرد السلاح لإخافة الناس ظلما و عدوانا قاصدا لمجرد الإخافة مع الاعتياد أو طالبا لمجرد الفساد أو مريدا لقتل أو هتك عرض أو أسر رجال أو أطفال أو نساء انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 7 من أبواب حد المحارب ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 235

دليلنا إجماع الفرقة و

أخبارهم و أيضا قوله تعالى في سياق الآية إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فأخبر أن العقوبة تسقط بالتوبة قبل القدرة عليه و لو كان المراد بها أهل الذمة و أهل الردة كانت التوبة منهم قبل القدرة و بعد القدرة سواء فلما خص بالذكر التوبة قبل القدرة و أفردها بالحكم دلت الآية على ما ذكرناه. انتهى.

و قال في المسألة 6: إذا قتل المحارب ولدا أو عبدا مملوكا أو كان مسلما قتل ذميا فإنه يقتل به و للشافعي فيه قولان أحدهما مثل ما قلناه و الثاني و هو أصحهما عندهم لا يقتل.

دليلنا قوله تعالى: أن يقتلوا. و قد بينا أن معناه أن يقتلوا إن قتلوا و لم يفصل و تخصيصه يحتاج إلى دليل. و القول الثاني قوى أيضا لقوله (ع) أ يقتل والد بولده و لا يقتل مؤمن بكافر إلا أن المحارب يتحتم عليه القتل لكونه محاربا الا ترى أنه لو عفى الولي عنه لوجب قتله فلا يمتنع على هذا أن يجب قتله و إن كان ولده أو ذميا لكونه محاربا. انتهى.

و الظاهر أن ذكر قطاع الطريق في عنوان المسألة الأولى من باب أحد المصاديق و إلا فلا فرق بينه و بين من كان يتعرض الأشخاص لا في الطريق.

و قد صرح قدس سره بأن المحارب يقتل و إن كان قد قتل ابنه مع أنه لا يقتل الوالد بقتله ولده فلا يقتص منه فيقدم دليل المحاربة على دليل عدم الاقتصاص من الوالد و يخصص دليل لا يقتل الوالد بولده بهذا الدليل.

و هل يعتبر في قطاع الطريق ان يكون قاطعاً لطريق المسلمين أو لا يعتبر ذلك؟

ظاهر الآية هو العموم إذا فلا

فرق بحسب هذا الاستظهار بين كون الطريق للمسلمين أو غيرهم.

لا يقال لو كان غير المسلمين في ذمتهم لتم ذلك لكونهم محقوني الدم حينئذ و اما غير المسلم بلا كونه في ذمة المسلمين فلا [1].

______________________________

[1] أورده هذا العبد و قد أجاب سيد مشايخنا بما في المتن.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 236

لأنا نقول: إنه يستظهر العموم حتى بالنسبة لغير أهل الذمة و ذلك لأنه ربما أراد الشارع أمن الطريق و استقرار النظم و النظام في المجتمع فلا اختصاص للحكم بطريق المسلمين.

و على الجملة ففي المقام فروع مختلفة يمكن الحكم فيها بعضها قد مر ذكره و بعضها لم يذكر بعد:

1- إن مفهوم المحاربة من المفاهيم التي لا تتحقق بدون القصد و إن كان قد صدر منه القتل، و ليس عنوان المحاربة كبعض العناوين التي يصدق بدونه كما لعل الأمر كذلك في باب الضرب فإنه يصدق ذلك و يتحقق و لو كان بدون قصد الضارب و بلا إرادة منه.

إن قلت: فاذا كان يعتبر في صدق المحاربة إحراز القصد فهذا يشكل الأمر لأنه يمكن ان يجعل المحارب ذلك ذريعة إلى عمله الشنيع و يتشبث كل محارب بعدم كونه قاصدا للإخافة و يقضى ذلك الى أن يتعطل هذا الحد.

نقول: الظاهر أن خروجه شاهرا بسيفه يعتبر امارة على قصده ذلك لا يقال: إن اللازم هو عدم ثبوت قصد الخلاف.

لأنا نقول: ان المعتبر هو إحراز قصد الإخافة لا عدم إحراز قصد الخلاف غاية الأمر أنه جعل هذا العمل أمارة على قصده [1].

2- لا بد في المحاربة من كون الأمر ظاهرا و كون المحارب معلنا بها فلو ذهب إلى أحد في الخفاء و جز رأسه فليس هو بمحارب كي يجري عليه

الأحكام الخاصة بل هو القاتل يترتب عليه أحكامه.

______________________________

[1] أقول: يدل على اشتراط الإخافة في المحاربة أمور:

الأول عدم صدق المحاربة بدون ذلك كما تمسك به سيدنا الأستاذ الأكبر.

الثاني الاتفاق عليه على الظاهر إلا من نادر كما ذكر ذلك في الرياض.

الثالث خبر قرب الاسناد فراجع الوسائل ج 18 ب 2 من أبواب حد المحارب ح 4 حيث قال: ان كان يلعب فلا بأس. قال السيد في الرياض: و ربما يفهم من الروضة عدم اشتراط قصد الإخافة و أن به قولا و هو مع ضعفه و شذوذه لم أجده مع أنه اشتراط في المسالك من دون خلاف يذكر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 237

3- لا فرق في صدق المحاربة بين أن يهجم على الناس في الخلوات كالصحاري و البراري و بين ان يكون ذلك في الجلوات.

4- لا فرق بعد ان كان بصدد الإخافة بين الأمكنة من الأمصار أو القرى و الرساتيق أو غير ذلك.

لا يقال: إن المذكور في رواية محمد بن مسلم و غيره هو: مصر من الأمصار.

فكيف نقول بعدم الفرق بين الأماكن؟

لأنه يقال: إنه من باب المثال و إلا فالملاك هو إخافة الناس.

5- لا بد في صدق المحاربة من إظهار ما اراده من السوء بحيث يصدق الإخافة عرفا بإتيان عمل يوجب خوف نوع الناس و إن لم يوجب خوف خصوص الشخص الذي صار المحارب بصدد إخافته و لا يعتبر مضافا إلى ذلك شي ء آخر كأخذ المال أو إيراد الجرح.

6- لا فرق في السلاح الذي يحمله و يجرده بين السيف و الرمح و غير ذلك من الأسلحة القديمة و بين ما هو رائج من الأسلحة العصرية و هو أعم من المحدد و غيره فيشمل مثل العصي

و الحجر و غير ذلك أيضا بل و إن كان إخافته بإحراق النار عليه كما تدل على ذلك رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم: إنه يغرم قيمة الدار و ما فيها ثم يقتل «1».

7- المحارب غير المدافع فليس مطلق من شهر السلاح محاربا و لا مجرد شهر السلاح بمحاربة بل تارة يكون لذلك و اخرى للدفاع فالحكم يختص بمن كان محاربا و أما إذا شهر سلاحه و جرده للدفاع عن نفسه أو لدفع المحارب مثلا فلا يجري عليه أحكام المحارب و إن قتله.

نعم لو كان كل واحد منهما قد جرد السلاح للاخافة و يريدان المحاربة فهنا يجري على كليهما أحكام المحارب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المحارب ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 238

8- المحارب هو الذي شهر السلاح حراما اى للإخافة أو أخذ مال الغير أو قتله أو لهتك عرض محترم، فلو شهر السلاح لأمر واجب أو جائز كما في مورد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد و غير ذلك فلا يجري هناك أحكام المحارب.

9- لا يشترط كونه من أهل الريبة كما أن المحقق قدس سره جعل الأصح ذلك- بعد أن تردد فيه- فلا يعتبر ذلك بعد أن علم منه قصد الإخافة و ظهر منه آثار المحاربة. نعم لو كان من أهل الصلاح و لم يظهر منه آثار المحاربة فلا تجري عليه الأحكام و إن قتل أحدا.

و أما خبر ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال: من حمل السلاح بالليل فهو محارب إلا أن يكون رجلا ليس من أهل

الريبة «1».

فلا تدل على اشتراط كونه من أهل الريبة فإنه و إن دلت على عدم كون هذا الذي ليس من أهل الريبة بل كان من أهل الصلاح محاربا لكن لا دلالة فيها على أنه إذا علم منه قصد الإخافة ليس بمحارب.

نعم الريبة أمارة لقصد الفساد و ذلك لا ينافي كونه محاربا إذا لم تكن ريبة لكن علم قصده من جهة أخرى. و إن شئت فقل إن حمل السلاح من أهل الريبة أمارة كونه محاربا بخلاف أهل الصلاح فلا يكون مجرد حمله السلاح أمارة على ذلك لكن لو علم قصده الإخافة من أمارة أخرى فلا بد من الأخذ بها و الحكم بكونه محاربا.

10- مجرد خوف شخص أو أشخاص من أحد لا يكفي في صدق المحارب عليه ما لم يقصد هو الإخافة فكم يتفق الخوف من أحد مع عدم كونه بصدد الإخافة أصلا كما في قصة مجي ء رسل الله و ملائكته إلى إبراهيم حيث إنه عليه السلام خاف في نفسه منهم عند ما رأى أنهم لم يأكلوا من طعامه و قد حكى الله تعالى ذلك في القرآن الكريم قال تعالى:

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب حد المحارب ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 239

وَ لَقَدْ جٰاءَتْ رُسُلُنٰا إِبْرٰاهِيمَ بِالْبُشْرىٰ قٰالُوا سَلٰاماً قٰالَ سَلٰامٌ فَمٰا لَبِثَ أَنْ جٰاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمّٰا رَأىٰ أَيْدِيَهُمْ لٰا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قٰالُوا لٰا تَخَفْ إِنّٰا أُرْسِلْنٰا إِلىٰ قَوْمِ لُوطٍ «1».

و قال سبحانه أيضا:

هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذا دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا

لا تخف و بشروه بغلام عليهم «2».

فكانوا قد جاءوا إليه لبشارة الولد و سلموا عليه و بعد أن سلموا عليه و رد هو السلام عليهم جاء بعجل مشوي سمين و لكنه راى أنهم لا يأكلون منه و لا تصل أيديهم إليه فأضمر سلام الله عليه في نفسه الخوف فإن ذلك مظنة إرادة سوء و ضرر بالنسبة إلى المضيف إذا أبى الضيف من أكل طعامه.

ثم إن لصاحب الجواهر قدس سره هنا كلاما نتعرض له قال:

بقي الكلام في شي ء و هو اعتبار قصد الإخافة من حيث إنها كذلك لإرادة الفساد في تحقق المحاربة فلا يكفي حينئذ قصد إخافة شخص خاص لعداوة أو لغرض من الأغراض و إن لم يكن شرعيا، أو لا يعتبر ذلك، كما هو مقتضى إطلاق التفسير المزبور بل قد يشعر به خبر قرب الاسناد و خبر السكوني [1]

______________________________

[1] خبر قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل شهر إلى صاحبه بالرمح و السكين فقال: ان كان يلعب فلا بأس. الوسائل ج 18 باب 2 من أبواب حد المحارب ح 4 و وجه إشعاره إن المفهوم من قوله ان كان. إلخ هو أنه ان كان بالجد و القصد ففيه بأس.

و خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترق و احترق متاعهم، إنه يغرم قيمة الدار و ما فيها ثم يقتل. باب 3 ح 1.

______________________________

(1) سورة هود الآية 70.

(2) سورة الذاريات الآية 24.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 240

فيتحقق حينئذ صدق المحاربة بما هو في مثل زماننا من محاربة جماعة خاصة لجماعة أخرى كذلك

لأغراض خاصة في ما بينهم فاسدة. لم أجد تنقيحا لذلك في كلام الأصحاب، و الحد يدرأ بالشبهات، و لكن التحقيق جريان الحكم على الجميع مع فرض صدق المحاربة التي يتحقق بها السعي في الأرض فسادا «1».

و قد تقدم منا ما يناسب ذلك و ذكرنا أنه بمقتضى ما يستظهر و يستفاد من بعض الأخبار لا يعتبر في المحاربة سوى إرادة الفساد و قصد الإخافة سواء كان بالنسبة إلى فرد أو جمع فاذا فرض صدق المحاربة في الأحوال المختلفة فيجري عليه الأحكام.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 3، ص: 240

ثم إنه لا يخفى أنا و إن استرحنا ببركة الروايات بالنسبة إلى فروع متعددة لكن بقي بعد موارد يتردد في حكمها.

و من تلك الفروع ما إذا كان الصبي المميز قد جرد السلاح بقصد الإخافة فهل يحكم عليه بأحكام المحارب أم لا؟ و بعبارة أخرى هل يشترط في المحارب أن يكون بالغا أم لا؟

أطلق المحقق و غيره في المقام و لم يتعرضوا لذلك. نعم قال في الجواهر و كان إطلاق المصنف و غيره هنا اتكالا على معلومية اعتبار البلوغ في الحد فلا يجري في غير البالغ و إن جرد السلاح بالقصد المزبور، مع احتماله بل ظاهر الروضة إنه مراد المطلق [1].

أقول: فقد احتمل إجراء حد المحارب على الصبي. فكيف لم يحتمل ذلك في سائر الحدود [2] و الأحكام؟ فلا يجب على الصبي الصلاة و لا الصوم و غيرهما و لا

______________________________

[1] قال في الروضة ج 2 ص 362: و شمل إطلاقه- أي كلام المصنف- كغيره الصغير و الكبير

لعموم الأدلة و يشكل في الصغير بأن الحد مشروط بالتكليف خصوصا القتل و شرط ابن الجنيد فيه البلوغ و رجحه المصنف ره في الشرح و هو حسن.

[2] أقول ذكر في الجواهر ج 41 ص 609 عن محكي الخلاف هذا الخبر: الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامة و اقتص منه و تنفذ وصيته و عتقه. انتهى. لكني تفحصت باب الوصية و الارتداد و العتق من الخلاف و لم أجده.

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 41 ص 569.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 241

يقام عليه الحدود و يستندون في جميع ذلك إلى رفع القلم عن الصبي.

و التحقيق ان الصبي إذا كان غير مميز فلا أثر يترتب على عمله إلا في مثل الضمانات حيث إنها عليه و يخرج عن عهدتها بعد البلوغ كما أن قسما مما يترتب على عمله كالدية يكون على عاقلته إذا أتى هو بموجبها.

و أما إذا كان مميزا فالظاهر أنه يصدق عليه المحارب إذا شهر السلاح بقصد الإخافة و صار بصدد ذلك و سلب الأموال و غير ذلك إلا أن رفع القلم عن الصبي يمنع بظاهره عن ترتب الأحكام عليه. فمن احتمل ترتب الأحكام عليه مع عدم كونه بالغا فهو لا يرى هذه الأحكام المترتبة على المحاربة عقوبة و مؤاخذة لما صدر عنه كي ترتفع بحديث رفع المؤاخذة بل هو من قبيل ما يمنع عن تكرار عمله و إتيانه ثانيا و الا فمع احتمال كونه من باب العقوبة و المؤاخذة يشكل اجراء الحد في مفروض الكلام.

و التخصيص خلاف الظاهر لان العام هنا مما يأبى عنه فهو نظير أنه إذا هجم الصبي على أحد قاصدا قتله فهل يقول الشرع دعه حتى يقتلك؟ كلا

كما في حيوان هجم على الإنسان و كان هذا الشخص في معرض الهلاك فإنه يقاوم و لو كان يقتل هذا الحيوان المحترم، و على الجملة فوجه الاحتمال المزبور و توجيهه أن نظر الشرع إلى رفع الفساد في الأرض و قطع مادته و أصله حتى لا ينتشر الفساد في الأرض.

و من هذا الباب الحكم بتعزير الصغير في بعض الموارد فإنه لا وجه له لو كان ذلك من باب العقوبة فلا بد أن يكون لمنعه عن الإتيان بموجبه ثانيا لا أن يكون ذلك مؤاخذة له على المعصية.

لا يقال: إن هذه التوجيه خلاف ظاهر الآية الكريمة: جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ «1» فإن مفادها أن الحدود من باب العقوبة و الجزاء [1].

______________________________

[1] أورده هذا العبد و أجاب سيد مشايخنا بما في المتن.

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 38.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 242

لأنا نقول: يمكن ان يكون جزاء نوعا فلا ينافي في عدم كونه جزاء في مورد لا يصلح لذلك كالصبي.

حكم الطليع و الردء

قال المحقق: لا يثبت هذا الحكم للطليع و لا للردء.

أقول: قد فسر الطليع للمحارب بالذي يرقب له من يمر بالطريق فيعلمه به أو يرقب له من يخاف عليه منه فيحذره منه. و الردء بكسر الراء و سكون الدال بعده الهمزة هو المعين له فيما يحتاج إليه من غير أن يباشر عمل المحاربة فعمله ضبط الأموال و حفظها و نحو ذلك.

فالحكم مختص بالمحارب و لا يشملهما و يكفي عدم الدليل دليلا لذلك بعد عدم صدق المحارب عليه.

و خالف في ذلك أبو حنيفة فسوى بين المباشر و غيره. قال الشيخ في الخلاف المسألة 9 من كتاب المحاربة: لا يجب أحكام المحاربين على الطليع و الردء و إنما

تجب على من يباشر القتل أو يأخذ المال أو يجمع بينهما و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: الحكم يتعلق بهم كلهم فلو أخذ واحد المال قطعوا كلهم كما أنه لو قتل واحد قتلوا كلهم الى آخر كلامه.

و الظاهر أن مبني كلام أبي حنيفة هو الاستحسان فرأى أن مآل الأمر إلى كون هذا الجمع المركب من أهل السلاح و الطليع و الردء محاربين و لو من باب التغليب.

و فيه أنه استعمال مجازي و ليس الردء محاربا حقيقة حيث انه جاء للسقاية مثلا أو الجراحية أو حمل الجنائز و لا يباشر الحرب فلا يشمله حكم المحارب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 243

الكلام في إثباته

قال المحقق: و تثبت هذه الجناية بالإقرار و لو مرة و بشهادة رجلين و لا تقبل شهادة النساء منفردات و لا مع الرجال.

أقول: في الاكتفاء بالإقرار مرة في إثبات المحاربة كلام و لكن الظاهر أنه يجتزي به و لا يعتبر التعدد و ذلك لعموم أدلة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز فكل عاقل إذا أقر بشي ء و كان على نفسه و بضرر شخصه فإن إقراره هذا نافذ.

و عن محمد بن الصلت قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رفقة كانوا في طريق فقطع عليهم الطريق و أخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض قال:

لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار من اللصوص أو شهادة من غيرهم عليهم «1».

فمقتضى هذا الخبر أيضا الإكتفاء بالإقرار بلا افتقار الى المرتين حيث اقتصر فيه بمجرد إقرار اللصوص و لم يقيده بالمرتين.

لا يقال: إن هذا لا يدل على كفاية المرة و إلا فليكن كذلك في الشهادة فإنها أيضا لم تقيد بالاثنين [1].

لأنا نقول: بينهما فرق و ذلك لأن الشهادة مصطلحة

في شهادة الاثنين و هذا بخلاف الإقرار فلا مجال لاحتمال كفاية الواحد في باب الشهادة و أما الاكتفاء بالمرة في باب الإقرار فهو قريب، و عدم الاجتزاء به يحتاج إلى دليل.

و خالف في ذلك بعض كسلار و العلامة حيث قالا بان كل حد يثبت بشهادة عدلين يعتبر في الإقرار به المرتان- و عليه فيعتبر في الإقرار به المرتان- و على ذلك فيعتبر في الإقرار بالمحاربة التعدد و لا يثبت بمرة واحدة.

و فيه أنّ ذلك ليس بقاعدة كلية جارية في جميع الموارد فكلما كانت الفتوى

______________________________

[1] أورده هذا العبد و كان يوم 20 من ربيع المولود عام 1410 ه- ق.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 27 من أبواب الشهادات ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 244

على ذلك فهو و إلا فيؤخذ بعموم قاعدة الإقرار، و بعبارة أخرى أنه يؤخذ بالإقرار و إن كان مرة واحدة إلا فيما خرج بالدليل [1].

و اما اعتبار التعدد في الشاهد فبلحاظ عموم أدلة الشهادة كقوله تعالى:

فاستشهدوا شهيدين من رجالكم، و غير ذلك فلا بد من اعتبار رجلين عدلين.

و أما النساء فلا اعتبار بشهادتين في باب المحاربة لا منفردات و لا منضمات إلى الرجال كما في غير ذلك من أبواب الحدود و قد دلت الروايات العديدة على عدم قبول شهادتهن في باب الحدود [2] و قد مر البحث في ذلك في كتاب الشهادات فراجع.

في شهادة بعض اللصوص على بعض

قال المحقق: و لو شهد بعض اللصوص على بعض لم تقبل.

أقول: و الدليل على ذلك هو أنه يعتبر في قبول الشهادة عدالة الراوي، و من المعلوم أن اللص فاسق فلا تقبل شهادة بعضهم على بعض بأن يقول مثلا إنى لم ارتكب شيئا و لكن هذا

قد قطع الطريق و أخذ المال و غير ذلك.

فرع مثل السابق

قال المحقق: و كذا لو شهد المأخوذون بعضهم على بعض.

أقول: أي و كذا لا تقبل الشهادة فيما إذا شهد بعض المأخوذين لبعض. و فسره

______________________________

[1] هذا لا يوافق بظاهره ما تقدم منه في باب السرقة من اعتبار الإقرار مرتين في القطع و الاكتفاء بالمرة في المال.

[2] تقبل ذلك في بعض أبواب الحدود كباب الزنا و غير ذلك فراجع الجواهر كتاب الشهادات ص 155.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 245

صاحب الجواهر بقوله: بأن قالوا جميعا: تعرضوا و أخذوا منا جميعا [1].

______________________________

[1] أقول: إن ما ذكره صاحب الجواهر في تفسير شهادة بعض المأخوذين لبعض ليس هو تمام التفسير و الا فهو بظاهره محل الإشكال حيث إنه لو كان ما ذكره الجواهر و قرره سيدنا الأستاذ الأكبر عين صورة الشهادة المزبورة فهذا غير صحيح لأنها من شهادة الكل للكل و لذا أوردنا عليه في الدرس بان ظاهر عبارة المحقق هو انه لو فرض كون المأخوذين عشرين شهد عشرة للعشرة الباقين بأن اللصوص أخذوا من أموالهم و العشرة الباقية للأولى هكذا.

و قد أجاب عن هذا بأن وجه تفسيره كذلك أن التهمة في الصورة المزبورة في كلام الجواهر أشد و أكثر مضافا الى أنه لو كان المراد شهادة العشرة للعشرة الأخرى و بالعكس فلم يبق فرق بين هذه الصورة الأولى التي ذكرها المحقق و الصورة اللاحقة.

لكن فيه أن الصورة اللاحقة متعلقة بما إذا كانت الشهادة بتعرض اللصوص للجميع و اختصاص البعض بالأخذ منهم. و الحق هو ما ذكرناه فإن ظاهر شهادة بعض لبعض بمقتضى المتفاهم العرفي أن يشهد هذا البعض لذاك و ذاك لهذا. فعبارة الجواهر في تفسير المراد

ناقصة.

و قد فسر في كشف اللثام عبارة العلامة التي هي شبيهة بعبارة المحقق، بحيث لا يرد عليه إشكال.

فإنه قال العلامة: و لو شهد بعض اللصوص على بعض أو بعض المأخوذين لبعض لم يقبل و لو قالوا:

عرضوا لنا و أخذوا هؤلاء قبل إلخ.

فقال في كشف اللثام ج 2 ص 251: مزجا: و لو شهد بعض اللصوص على بعض أو بعض المأخوذين لبعض مع تعرض كل منهم للأخذ بنفسه كأن قال كل منهم إن هؤلاء تعرضوا لنا فأخذوا منا جميعا فشهد بعضهم للآخرين أنهم أخذوا منهم كذا و كذا و شهد الآخرون للأولين كذلك لم يقبل فالأول لانتفاء العدالة و الثاني للتهمة بالعداوة و لو لم يتعرض الشهود لأخذ أنفسهم بل قالوا:

عرضوا اي اللصوص لنا جميعا و أخذوا هؤلاء قبل إن لم ينعكس الأمر قطعا، و كذا إن انعكس بأن قال المشهود لهم أيضا أنهم عرضوا لنا و أخذوا هؤلاء في وجه كما إذا شهد بعض المديونين لبعضهم و بالعكس و الوجه الآخر عدم السماع حينئذ لحصول التهمة و إطلاق الخبر بل الشهادتان حينئذ من القسم الأول بعينه فإنها لا شهادة إلا مع الدعوى فلا يسمع شهادة الأولين إلا إذا كان الآخرون أدعو الأخذ و لا شهادة الآخرين إلا إذا ادعى الأولون الأخذ و هو كاف في حصول التهمة ان سلمت و لا مدخل فيها لخصوص الذكر في الشهادة إلا أن يدعى أن التهمة حينئذ أظهر انتهى.

ثم إن رواية محمد بن صلت هذه: عن محمد بن الصلت قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رفقة كانوا في طريق فقطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض قال: لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار من اللصوص أو شهادة

من غيرهم عليهم. هكذا نقله في الكافي ج 7 ص 394 ح 2 و في التهذيب ج 6 ص 249 و كذا في الفقيه ج 3 ص 40 ح 3283 إلا أن فيه: فأخذ اللصوص.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 246

و وجه عدم القبول هو التهمة للعداوة و خبر محمد بن الصلت عن الرضا عليه السلام المذكور آنفا.

فيما إذا لم يتعرضوا لأنفسهم

قال المحقق: أما لو قالوا عرضوا لنا و أخذوا هؤلاء قبل لأنه لا ينشأ من ذلك تهمة تمنع الشهادة.

أقول: إن ما ذكر كان بالنسبة لشهادة بعض لبعض و قد تقدم أنه لا تقبل هذه الشهادة و أما لو ذكروا تعرض اللصوص للجميع إلا أنهم لم يذكروا بالنسبة للأخذ إلا من المشهود لهم و لم يتعرضوا جهة الأخذ من أنفسهم فهنا تقبل شهادتهم لعدم تهمة في البين و هذا لا كلام فيه إذا لم يكن المشهود لهم أيضا يشهدون للشهود بمثل ذلك فإنه حينئذ لا تهمة أصلا حيث إن الشهود لم يتعرضوا لأخذ اللصوص منهم و إنما خصوا الشهادة بالنسبة إلى المشهود لهم فتهمة العداوة منتفية هنا كما أن تهمة التباني أيضا منتفية لعدم شهادة المشهود لهم للشاهدين.

______________________________

و في روضة المتقين ج 6 ص 110: روى علي بن أسباط في الموثق كالصحيح كالكليني و الشيخ عن محمد بن الصلت- مجهول- قال: سألت أبا الحسن. و ذكر الحديث. ثم قال:- عمل بمضمونه أكثر الأصحاب و حمله بعض على كونهم شركاء أو على التقية و هو أظهر لأن الغالب أنه كان في مجلسه بخراسان جماعة من العامة و كان عليه السلام يتقي منهم كثيرا و إلا فالرفاقة و الصحبة لا يمنع من قبول الشهادة عندنا كما سيأتي. انتهى

كلامه.

و عن الوافي: ينبغي تخصيص الحكم بما إذا كان المشهود به مما كان لهم فيه شركة. انتهى.

و قال العلامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول ج 24 ص 245: بعد التصريح بأنه مجهول: و لا خلاف في عدم قبول شهادة كل منهم فيما أخذ منه و لا في قبول شهادته إذا لم يؤخذ منه شي ء و في قبول شهادته في حق الشركاء إذا أخذ منه أيضا خلاف، و الأشهر عدم القبول، و الخبر يدل عليه.

انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 247

و أما إذا أقام المشهود لهم أيضا الشهادة للشاهدين بمثل ما شهدوا بأن قالوا إن اللصوص تعرضوا لنا و أخذوا من هؤلاء ففيه الوجهان:

أحدهما قبول هذه الشهادة أيضا فهو نظير شهادة بعض المديونين لبعض و بالعكس.

ثانيهما عدم قبولها و ذلك لأمور:

منها تحقق التهمة حينئذ.

و منها إطلاق خبر محمد بن الصلت فإن شهادة بعضهم لبعض مطلقة تشمل ما إذا شهد البعض الآخر للأول أيضا أم لا قال في الجواهر: بل الشهادتان حينئذ من القسم الأول نفسه فإنه لا شهادة إلا مع الدعوى فلا تسمع شهادة الأولين إلا إذا كان الآخرون أدعو الأخذ و لا شهادة الآخرين إلا إذا ادعى الأولون الأخذ و هو كاف في حصول التهمة إن سلمت.

في الحد الذي يقام على المحارب.

قال المحقق: و حد المحارب القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي و قد تردد فيه الأصحاب فقال المفيد بالتخيير و قال الشيخ أبو جعفر بالترتيب، يقتل إن قتل و لو عفى ولي الدم قتله الإمام و لو قتل و أخذ المال استعيد منه و قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى ثم قتل و صلب و إن أخذ المال و لم يقتل قطع مخالفا

و نفى و لو جرح و لم يأخذ المال اقتص منه و نفى و لو اقتصر على شهر السلاح نفى لا غير و استند في التفصيل إلى الأحاديث الدالة عليه و تلك الأحاديث لا تنفك من ضعف في اسناد أو اضطراب في متن أو قصور في دلالة فالأولى العمل بالأول تمسكا بظاهر للآية.

أقول: لا خلاف في أن حد المحارب هو الأمور المذكورة في الآية الكريمة في الجملة كتابا و سنة و إجماعا.

نعم اختلفوا في أن ذلك هل على سبيل التخيير أو الترتيب و التفصيل فذهب جماعة إلى التخيير بين الأمور المذكورة و آخرون الى الترتيب و التفصيل.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 248

فذهب إلى الأول المفيد و الصدوق و الديلمي و الحلي و جمع آخرون. [1]

و اختار القول الثاني الشيخ قدس سره و تبعه جماعة بل في كشف اللثام:

و قيل في أكثر الكتب بالترتيب. انتهى. و في نكت الإرشاد للشهيد قدس سره بعد نسبته إلى الشيخ و الإسكافي و التقى و ابن زهرة و أتباع الشيخ أنه ادعى عليه الإجماع.

و استدل للأول بوجوه:

الأول الآية الكريمة: إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أن ينفوا من الأرض. «1».

و ذلك لأن ظاهر (أو) هو التخيير.

الثاني ما ورد في الأخبار من أن (أو) كلما وردت في القرآن للتخيير ففي صحيح حريز قال أبو عبد الله عليه السلام: و كل شي ء في القرآن أو، فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء «2».

الثالث بعض الروايات الناطقة بالتخيير في خصوص المقام كحسن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل: إنما جزاء

الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع إلى آخر الآية، أي شي ء عليه من هذه الحدود التي سمى الله عز و جل؟ قال: ذلك إلى الإمام إن شاء قطع، و إن شاء نفى، و إن شاء صلب، و إن شاء قتل، قلت: النفي إلى

______________________________

[1] و اختاره المحقق في الشرائع و النافع و العلامة في القواعد و التبصرة و غير ذلك و فخر المحققين في الإيضاح و الشهيد الثاني في المسالك و المقداد في التنقيح و الكنز و الفيض في المفاتيح و الشيخ الكبير في كشف الغطاء و المامقاني في المناهج و السيد القائد في تحرير الوسيلة. و قال بعض الأكابر في جامع مداركه: قيل: عليه أكثر المتقدمين قدس الله أسرارهم.

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 33.

(2) وسائل الشيعة ج 9 ص 295 ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 249

أين؟ قال: من مصر إلى مصر آخر و قال: إن عليا عليه السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة «1».

و خبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله. قال: الإمام في الحكم فيهم بالخيار إن شاء قتل و إن شاء صلب و إن شاء قطع و إن شاء نفى من الأرض «2».

و صحيح بريد بن معاوية قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل: إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله: قال: ذلك إلى الإمام يفعل ما شاء. قلت: فمفوض ذلك إليه؟ قال: لا و لكن نحو الجناية «3».

فإن ظاهر الصدر هو التخيير.

و ظاهر القول بالتخيير هو كون الأمر

بيد الإمام و الحاكم في كل الموارد، فله أن يختار ما شاء من الأربعة فلو كان المحارب قد شهر السلاح و أخاف لكنه لم يأخذ مالا و لم يقتل نفسا فللحاكم أن يحكم عليه، بالقتل أو أي واحد من الأمور المذكورة في الآية.

و أما القول الثاني فيدل عليه أمور:

أحدها و هو العمدة استبعاد اتحاد عقوبة القاتل و آخذ المال مع عقوبة من شهر السلاح و أخاف لكنه لم يأخذ مالا و لم يقتل نفسا و لم ترد منه على أحد جراحة بل العقل يأبى عن قبول ذلك [1].

ثانيها الشهرة، على ما تقدم.

ثالثها الأخبار.

______________________________

[1] قال في الميزان ج 5 ص 360: إن الآية لا تخلو عن إشعار بالترتيب بين الحدود بحسب اختلاف مراتب الفساد فإن الترتيب بين القتل و الصلب و القطع و النفي- و هي أمور غير متعادلة و لا متوازنة بل مختلفة من حيث الشدة و الضعف- قرينة عقلية على ذلك. انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب المحارب ح 3.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب المحارب ح 9.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب المحارب ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 250

و الظاهر أن المراد من الترتيب هو الترتيب بحسب الجناية و إلا فلم يقولوا بالترتيب على حسب تقدم الأمور المذكورة و تأخرها. فالمراد أن جناية كذا توجب العقوبة الخاصة من العقوبات الأربعة، و الجناية التي كانت أشد من الأول توجب عقوبة أخرى من بينها و هكذا فتكون عقوبة من جرد السلاح و أخاف الناس هو النفي عن البلد لا غير بخلاف من شهر السلاح و أخذ المال أيضا فهناك يقطع كما هو

مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع فيكون كالسرقة غاية الأمر أنه يقطع يده و رجله من خلاف و كان أخذ المال يعتبر في المحارب مثل السرقة الأولى و الثانية مع تخلل الحد بينهما، و لو قتل فلا بد من أن يقتل.

ثم لا يخفى أن الآية الكريمة و إن كانت ظاهرة و واضحة بالنسبة للفظة (أو) فإنها كما تقدم ظاهرة في التخيير- و ان كان التخيير بين هذه الأمور غير مناسب لما مر من استبعاد اتحاد عقوبة القاتل و غيره- إلا أنها مجملة من حيث المراد و محتاجة إلى التفسير و البيان، و لا بد في رفع ذاك الإجمال و الإبهام من الرجوع إلى الأخبار و تبيينها بروايات أهل البيت إذا أمكن و تيسر ذلك حيث لا يمكن تبيينها و تفسيرها من عند أنفسنا.

فمنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام التي تقدم نقلها في أوائل باب المحاربة، و مفادها أن العقوبات بحسب الجنايات على حسب ما ذكر فيها ففي شهر السلاح مع العقر، الاقتصاص و النفي من تلك البلد، و في شهر السلاح و الضرب و العقر و أخذ المال بلا قتل يكون امره موكولا إلى الإمام إن شاء قتله و إن شاء صلبه و إن شاء قطع يده و رجله، و هكذا.

و في رواية المداينى عن ابي الحسن الرضا عليه السلام المذكورة سابقا إذا حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا فقتل قتل به و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف و ذكر عليه السلام

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 251

في من لم

يقتل و لم يأخذ المال و إنما شهر السيف و حارب و سعى في الأرض انه نفى من الأرض «1».

و عن عبيد بن بشر الخثعمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قاطع الطريق و قلت: الناس يقولون: ان الإمام فيه مخير أي شي ء شاء صنع قال: ليس أي شي ء شاء صنع و لكنه يصنع بهم على قدر جنايتهم من قطع الطريق فقتل و أخذ المال قطعت يده و رجله و صلب و من قطع الطريق فقتل و لم يأخذ المال قتل و من قطع الطريق فأخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله و من قطع الطريق فلم يأخذ مالا و لم يقتل نفى من الأرض «2».

و عن داود الطائي عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

سألته عن المحارب و قلت له: إن أصحابنا يقولون: إن الإمام مخير فيه إن شاء قطع و إن شاء صلب و إن شاء قتل فقال: لا، إن هذه أشياء محدودة في كتاب الله عز و جل فاذا ما هو قتل و أخذ قتل و صلب و إذا قتل و لم يأخذ قتل و إذا أخذ و لم يقتل قطع و ان هو فر و لم يقدر عليه ثم أخذ قطع إلا أن يتوب فإن تاب لم يقطع «3».

الى غير ذلك من الأخبار.

و هذه الروايات صريحة في نفي التخيير و إن على كل جناية قسما خاصا من العقوبات و ان لم تكن متحدة من حيث العقوبات المترتبة على الجنايات في بعض الفروض لكنها متفقة على الأول و هذا هو الذي حكاه المحقق عن الشيخ قدس سرهما في عبارة الشرائع المذكورة آنفا. و حيث

انه قد اختار القول بالتخيير أورد على الشيخ بأنه استند في هذا التفصيل إلى أحاديث لا تنفك من ضعف في إسناد أو اضطراب في متن أو قصور في دلالة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 4.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 5.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 252

و فيه أنه ليس كلها ضعافا بل فيها بعض الصحاح و الموثقات و هو يدل على ذلك و ذلك كصحيحة محمد بن مسلم المذكورة سابقا و كذا رواية علي بن حسان [1] عن ابي جعفر عليه السلام قال: من حارب (الله) و أخذ المال و قتل كان عليه أن يقتل أو يصلب و من حارب فقتل و لم يأخذ المال كان عليه أن يقتل و لا يصلب، و من حارب و أخذ المال و لم يقتل كان عليه أن يقطع يده و رجله من خلاف. و من حارب و لم يأخذ المال و لم يقتل كان عليه أن ينفى ثم استثنى عز و جل: إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ. يعني يتوبوا قبل أن يأخذهم الإمام «1».

هذا مضافا إلى جبر الضعف سندا بعمل الأصحاب و قد تقدم الشهرة و الإجماع على ذلك و لذا أورد عليه في الجواهر بقوله: و فيه أن الشهرة و الإجماع المحكى السابقين و التعاضد و الاستفاضة و المخالفة للعامة- كما في الثلاث و يومي اليه بعض النصوص و غير ذلك- يجبر ذلك نعم هي مختلفة في كيفية الترتيب إلخ.

و على الجملة فبهذه الاخبار المعمول بها الصريحة

أو الظاهرة في نفي التخيير و كذا بالوجه العقلي يرفع اليد عن ظاهر لفظ (أو) في الآية الكريمة و يقال بأن (أو) فيها للتنويع و التقسيم أو الترديد كما يرفع اليد عما دل على أن أو في القرآن كلما كان فهو للتخيير.

و كيف لا يكون كذلك مع ما نرى في ذيل صحيح بريد بن معاوية الذي استدل به للقول بالتخيير فإنه عند ما سئل الإمام عليه السلام عن آية المحاربة إجابة

______________________________

[1] قال في مباني التكملة- 319: قد يتوهم أن رواية علي بن حسان لا يعتمد عليها لأنه مشترك بين الضعيف- و هو الهاشمي- و الثقة- و هو الواسطي- و لم تقم قرينة على أن راوي هذه الرواية هو الواسطي فلا تكون حجة. و لكنه يندفع بأن راويها علي بن إبراهيم في تفسيره و قد التزم بأن لا يروي إلا عن الثقة فمقتضى شهادته و التزامه يحكم بأن علي بن حسان في هذه الرواية هو الثقة دون غيره انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب المحارب ح 11.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 253

عليه السلام بقوله: ذلك إلى الإمام يفعل ما شاء فهناك قال بريد: فمفوض ذلك إليه؟ و اجابه الإمام عليه السلام بقوله: لا و لكن نحو الجناية «1».

فإذا صرح الإمام عليه السلام بنفي التفويض إلى الإمام و وجوب مراعاة نحو الجناية فكيف يقال بالتخيير؟! [1].

و على الجملة فلا أقل من أن في هذه الجملة إشعارا باختلاف الحكم باختلاف الجناية.

و لعله لا تنافي بين ما يدل على التخيير و بين هذه الأخبار الدالة على التفصيل و ذلك بأن يقال: إن الأمر بيد الإمام و هو مخير في إجراء ما ورد

في حد المحارب و من المعلوم أنه لا يختار سوى حكم الله سبحانه فيختار ما قرر للجناية التي رفع أمرها إليه نعم هذا ليس تخييرا اصطلاحيا.

قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه عند ذكر خبر بريد: صحيح، و لا ينافي هذا الخبر القول بالتخيير إذا مفاده أن الإمام يختار ما يعلمه صلاحا بحسب جنايته لا بما يشتهيه و به يمكن الجمع بين الأخبار المختلفة. انتهى «2».

و قال بعض المعاصرين قدس سره: و الأخبار المذكورة و ظاهر الآية الشريفة التخيير كما ذكر في بعض الأخبار الصحيح أن «أو» في القرآن للتخيير لكن التخيير بحسب الأخبار بلحاظ نحو الخيانة. «3»

______________________________

[1] أقول: يرد عليه أن هذا المعنى بعيد عن لفظ الخبر غايته فإن الظاهر أن بريد قد فهم التخيير من كلامه عليه السلام ثم سأل عن تفويض الأمر إلى الإمام حتى يكون له العفو فأجابه بعدم التفويض من رأس بل أمره بالنسبة إلى نحو عقوبة الجناية بيده. و يؤيد ذلك ان في نسخة التهذيب ج 10 ص 134 هكذا: لا و لكن بحق الجناية.

و العجب ان سيدنا الأستاذ الأكبر قد فسر الحديث قبلا على ما ذكرناه و هنا قد بالغ على ما أفاده في المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب المحارب ح 2.

(2) مرآة العقول ج 23 ص 383.

(3) جامع المدارك ج 7 ص 165.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 254

و على هذا الوجه الذي لا بعد فيه أصلا في مقام جمع الأخبار يحمل خبر جميل بن دراج خصوصا بلحاظ أن جميل كان من أهل اللسان و عارفا بان (أو) ظاهر في التخيير و مع ذلك فقد سأل عن الآية الكريمة.

و اما ما ورد

في رواية أبي صالح عن أبي عبد الله في قصة بني ضبة من أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم اختار القطع فقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف مع أنهم كانوا قد قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل «1».

ففيه أنه قضية في واقعة، و حقيقة المطلب غير معلومة و وجه القضية مستور علينا فربما كان ذلك لخصوصية لم نقف عليها كعدم كون القاتل بعينه معلوما من بينهم أو أنه كان المورد بحيث كان القطع أردع فأنفذ من القتل. و على الجملة فكان هناك مانع من القتل فلا يمكن الاستدلال به.

لا يقال ليس في الخبر الموثق عن أخذ المال عين و لا أثر و مع ذلك قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف «2».

لأنه يقال: يمكن أن يستكشف من هذا أنهم كانوا قد أخذوا المال أيضا.

و على الجملة فهذه الموثقة لا تفيد في المقام شيئا و ذلك لكون القضية شخصية مجهولة الجهات و إلا فلا أقل من لزوم القتل قصاص بإرادة الولي مع أنه لا ذكر فيها عن ذلك أيضا و هذا بنفسه يوجب صيرورة الخبر مرجوحا غير قابل للتمسك به و كيف يقتل القاتل في سائر الموارد و لا يقتل هنا مع كون المقام أشد لكونه محاربا أيضا؟

لا يقال: إن مقتضى رواية السكوني (عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم أنه يغرم قيمة

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب حد المحارب ح 7.

(2) أورده هذا العبد و كذا الإيراد السابق بشكله الخاص.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 255

الدار و ما فيها ثم يقتل. «1» هو

أنه يقتل في إحراق الدار و الأمتعة مع عدم ارتكابه القتل. [1].

لأنه يقال: ان ما ذكرنا من أنه يقتل بالقتل ليس من باب انحصار عقوبة القتل بمن قتل، فيقتل من أقدم على القتل و كذا من أحرق دار غيره و أحرق متاعه.

نعم يشكل الأمر الاختلاف الواقع بين الروايات في ترتيب هذه العقوبات و تفصيلها فقد وردت روايات تدل واحدة منها على عقوبة خاصة في بعض الموارد و الأخرى على عقوبة أخرى [2].

و لعل حل ذلك بأن يؤخذ بالصحيح منها و العمل به و إلا فيحكم بالتخيير في خصوص المورد فإن ذلك هو مقتضى ورود روايات في مورد يدل بعضها على شي ء و آخر على شي ء آخر كما في الروايات الواردة في كفارة الصوم فإن مقتضى الجمع بينها هو القول بالتخيير بين الأمور الثلاثة.

و قال في الجواهر بعد ذكر الاختلاف في كيفية الترتيب في الروايات و ذكر قسم من هذه الأخبار المختلفة: إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن حمل ما فيها من الاختلاف على إرادة بيان مراعاة المرجحات لأفراد التخيير المختلفة زمانا

______________________________

[1] كان الإيراد مني و قد أجاب سيد مشايخنا الأستاذ الأكبر بما في المتن و لكن يرد عليه أن مقتضى صريح بعض الروايات أنه لا يقتل بدون القتل ففي رواية الطائي باب 1 ح 6: و إذا أخذ و لم يقتل قطع. و في رواية الخثعمي ح 5: و من قطع الطريق فأخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله.

و في رواية المدائني ح 4: و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف. و إن شهر السيف و حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا

و لم يقتل و لم يأخذ المال نفى من الأرض.

نعم يمكن ان يقال إن القتل في المقام ليس من باب المحارب بل هو لخصوصيته و عنوانه الخاص أي إحراق دار الغير.

[2] من جملة تلك الموارد من قتل و أخذ المال ففي رواية المدائني: يقتل و يصلب. و في رواية الخثعمي يقطع مخالفا و يصلب. و في صحيح ابن مسلم: يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفع إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب المحارب ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 256

و مكانا و حالا، و الظاهر أن المدار على ذلك و لا يقدح الاقتصار في بعض الأحوال على النفي و إن قتل و أخذ المال لوجود مرجحات تقتضي ذلك كما أنه يقتل و يصلب بمجرد الإخافة لها أيضا و من هنا لم يستقص فيها جميع الصور الممكنة.

(ثم قال): و بذلك يظهر لك ما في جملة من الكتب حتى ما في الرياض فإنه مال إلى اعتبار الترتيب و توقف في كيفيته ثم مال إلى ما في النهاية.

و قال أيضا: و على التخيير هل هو مطلق حتى في صورة ما إذا قتل المحارب فللإمام فيها أيضا الاقتصار على النفي مثلا كما هو ظاهر المتن و غيره أم يتعين فيه اختيار القتل كما صرح به المفيد و كثير؟ وجهان أجودهما الثاني لكن قصاصا لا حدا فلو عفا ولي الدم أو كان المقتول ممن لا يقتص له من القاتل سقط القتل قصاصا و ثبت حدا مخيرا بينه و بين باقي الأفراد و لعله إلى هذا نظر شيخنا في روضته حيث تنظر في ما أطلقه الجماعة من تعين القتل في

تلك الصورة فقال بعد نقل القول بالتخيير: نعم لو قتل المحارب تعين قتله و لم يكتف بغيره من الحدود سواء قتل مكافئا أم لا و سواء عفى الولي أم لا على ما ذكره جماعة من الأصحاب و في بعض أفراده نظر انتهى و لكن الأحوط ما ذكروه بل لعله المتعين كما في الصحيح إلخ.

أقول: ان هنا آيتين إحديهما آية القصاص و الأخرى آية المحاربة.

قال الله تعالى: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً. «1»

و قال تعالى: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ. «2»

و مقتضى الأولى تعين القتل و القصاص فلو كان مقتضى آية المحاربة التخيير بين الأمور الأربعة فلا بد من تخصيص الأولى بباب المحاربة بأن يقال: إن للولي أن يقتل القاتل إلا إذا كان قاتلا محاربا فإنه لا يتحتم قتله بل هناك يتخير، و هو بعيد

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 33.

(2) سورة المائدة الآية 33.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 257

غايته فإن أمر القاتل المحارب أشد فلا بد من العمل بهما كلا في مورده فلولي الدم الحق الثابت له و هو القصاص فإن حق الناس مقدم على حق الله كما هو المستفاد من كلماتهم فلو اقتص منه فهو و لو عفى عنه أو لم يكن المقتول كفوا للقاتل فهناك تصل النوبة إلى حد المحارب فعلى هذا لا بد في مورد القتل من إرجاع الأمر إلى الولي فلو أراد القصاص فهذا حق له و قد سلطه الله عليه و لا يصح التمسك بالموثقة في الحكم بجواز غير ذلك من بدو الأمر.

نعم لو عفى الولي فهناك تصل التوبة إلى حد المحارب و يأتي القول بجواز غير القتل على القول بالتخيير و هنا يرد الإشكال

على من قال بتعين القتل مع القول بالتخيير كما تنظر الشهيد الثاني في الروضة في إطلاق جماعة من الأصحاب بتعين القتل فإن هذا غير ملتئم في بعض الصور كما شرحناه كما أنه يرد الإشكال على الرياض بأنه يعد كون المفروض هو التخيير فلا وجه لجريان الوجهين في صورة القتل بل هو مخير بين الأمور المذكورة.

مسائل:

المسألة الأولى فيما إذا أقدم المحارب على القتل.

قال المحقق: و ههنا مسائل الأولى: إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال تحتم قتله فورا إن كان المقتول كفوا و مع عفو الولي حد سواء كان المقتول كفوا أو لم يكن و لو قتل لا طلبا للمال كان كقاتل العمد و أمره إلى الولي أما لو جرح طلبا للمال كان القصاص إلى الولي و لا يتحتم الاقتصاص في الجرح بتقدير أن يعفو الولي على الأظهر.

أقول: أما تحتم قتل القاتل المحارب طلبا للمال عند ما كان المقتول كفوا فقد استدل عليه كما في الجواهر بعموم الأدلة.

و المراد من ذلك عموم أدلة القصاص كما يظهر ذلك من قوله بعد ذلك: بل ظاهر الفتاوى تقدمه على الحد. و على الجملة فالتقدم لحق القصاص نعم لو حصل عنه مانع كعدم الكفاية فهناك تصل النوبة إلى حد المحارب و هنا لا فرق بين كونه كفوا أو غير كفو.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 258

و يدل على القتل حدا صحيح ابن مسلم ب 1 ح 1.

و ظاهر عبارة المحقق هو تعين القتل حدا بعد أن عفى الولي و هذا ينافي ما ذهب إليه قدس سره من التخيير فإن مقتضى مذهبه هو كونه بالخيار بين الأمور الأربعة لا القتل بالخصوص. فهل عدل هنا عما اختاره أولا أو أنه من أول الأمر كان قائلًا بهذا اي

التخيير في غير مورد ارتكب القتل [1] و قد أخر الاستثناء إلى هنا؟ و لو كان هذا استثناء فهو موقوف على الدليل.

و كيف كان فظاهر كلامه محل الإشكال و لذا أورد عليه في الجواهر بقوله:

و هو متجه بناءا على الترتيب أما على التخيير الذي قد سمعت من المصنف اختياره فالمتجه التخيير بينه و بين غيره من الأفراد لا تعين القتل حدا.

و في المسالك و الجواهر أنه إذا قتل حدا و كان غير مكافى ء كما إذا قتل الأب الابن و المسلم الذمي و الحر العبد و قتل هو حدا فتؤخذ حينئذ الدية للأول من تركته لو كان المقتول ولدا أو ذميا مثلا كما يؤخذ القيمة لو كان المقتول عبدا.

و أما الفرض الثاني و هو أنه لو قتل لا طلبا للمال كان كقاتل العمد و أمره إلى الولي إن شاء اقتص منه و إن شاء عفى عنه فهذا أيضا مورد الإشكال و ذلك لأن الموضوع على ما هو مقتضى صدر الجملة، المحارب، فإذا كان محاربا فلما ذا يكون أمره إلى الولي فقط و كيف لا ذكر هنا عن أحكام المحارب؟ و كلامه هنا لا يلائم القولين لا التخيير و لا الترتيب و التفصيل و قد فرق بين ما إذا كان القتل للمال و ما إذا كان لغير المال و لا ندري لماذا قال كذلك و ما هو مستنده في ذلك؟

______________________________

[1] أقول: ذكر في كلماتهم أن التخيير مختص بغير مورد القتل فقد صرح بذلك في تنقيح الرائع 4- 394 و إيضاح الفوائد 4- 545 و الروضة 1- 362. و قال الكاظمي في آيات أحكامه ص 211:

و التخيير المذكور إنما هو إذا لم يقتل فلو قتل تحتم قتله و

لم يكتف بغيره من الحدود سواء قتل مكافئا أو لا و سواء عفى عنه الولي أولا و قد صرح بذلك القائلون بالتخيير. و قد ذكرت ذلك في مجلس الدرس و أجاب سيدنا الأستاذ الأكبر بأنه يحتاج الى دليل.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 259

و أما الفرض الثالث و هو ما إذا جرح طلبا للمال و قد حكم هنا بأن القصاص إلى الولي فنقول: إن هذا هو مقتضى قول الله سبحانه: و الجروح قصاص، لكن ما ذكره بعد ذلك من عدم تحتم القصاص في الجرح بتقدير عفو الولي على الأظهر لا يخلو عن إجمال و إبهام لأنه إذا لم يتحتم القصاص هنا مع عفو الولي فهل لا يجري عليه أحكام المحارب أصلا؟- كما أنه لا يعلم أنه إذا لم يكن القصاص متحتما فهل لا يجوز ذلك أيضا أو أنه غير متحتم؟ و لعل الظاهر هو الثاني.

و في صحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه [1] و هذا مطلق شامل لما إذا كان الجرح طلبا للمال و ما إذا لم يكن كذلك. و لو لا ذلك لما كان عليه دليل.

و كيف كان فقد خالف بعضهم على المحكى و قال بتحتمه حدا كما في باب القتل عند عفو الولي و لكن في الجواهر: لم نتحققه. اي لم نتحقق القائل بالتحتم، أو لم نتحقق صحة المطلب، و الظاهر هو الأول.

و قال قدس سره: نعم قيل في التحرير إشارة إلى احتمال مساواته القتل.

انتهى.

أقول: قال العلامة في التحرير- 233: و لو جرح طلبا للمال فالقصاص إلى الولي فإن عفى الولي فالأقرب السقوط انتهى فإنه يستفاد من لفظ الأقرب

احتمال المساواة و عدم السقوط.

ثم قال صاحب الجواهر قدس سره: و لعله للأولوية.

و بيان الأولوية أنه إذا كان أمر القتل مع أهميته البالغة في نظر الشارع ينتقل الى الحاكم عند عفو الولي فكان لا يسقط فالجرح الذي ليس بتلك المثابة من الأهمية أولى بعدم السقوط و بان ينتقل الى الحاكم.

______________________________

[1] يرد هنا أنه لو كان الاقتصاص هنا من باب الحد فهو مع كونه خلاف المصطلح في الاقتصاص يلزم كون عقوبات المحاربة أكثر من اربع و الحال أن لفظة (انما) في الآية الكريمة تفيد الحصر فيها مضافا الى التصريح بذلك في خبر المدائني: فما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع. و إن كان من باب حق الناس فلا يكون صدر الخبر متعلقا بالمحارب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 260

و فيه أنه لا أولوية في البين فإن العقوبة على القول بالتخيير هو أحد الأمور الأربعة لا القتل بالخصوص و لا الجرح أصلا، و على الجملة فعلى القول بالتخيير لا وجه لهذه المطالب.

و قال: و لكنه على كل حال واضح الضعف على إطلاقه ضرورة عدم الدليل عليه.

و قد تقدم منا أنه إن أمكن إثبات ذلك بإطلاق الرواية فهو و إلا فلا دليل عليه كما أفاده رحمه الله.

ثم قال: نعم لو فرض كون الجرح قطع يد يسرى مثلا أو رجل يمنى مع أخذ المال فعفا الولي أو اقتص منه و قلنا بالترتيب اتجه حينئذ تحتم القطع حدا.

يعني انه في بعض الفروض يلائم القصاص مع الدليل و هو ما إذا جرح فقطع اليسرى منه مثلا و أخذ المال ليتحقق المحاربة فعفى الولي فهنا لا تقطع يسراه قصاصا لمكان العفو و لكن يقطع يده اليمنى و رجله

اليسرى لحد المحاربة. و هكذا لو قطع رجله اليمنى و أخذ المال و عفى عنه الولي.

و هنا فرض آخر ذكره بقوله: و كذا لو كان القصاص في أحد عضوي الحد فإنه يكمل الحد حينئذ بقطع الآخر في الفرض المزبور كفاقد أحد العضوين.

و مثال ذلك ما إذا جرحه فقطع يده اليمنى فاقتص عنه فإنه يقيم الحاكم عليه حد المحاربة إلا أنه حيث لم يبق لمورد الحد الا الرجل اليسرى فإنه يقطع رجله اليسرى حدا و كذا إذا جرحه فقطع رجله اليسرى فاقتص منه فإنه يقتصر في حده على قطع يده اليمنى.

ثم انه قال معترضا على الشهيد الثاني في المسالك: بل في آخر كلامه في الجرح تناف في الجملة. انتهى.

و لعل نظره من هذا التنافي الى ما ذكره بقوله: و لو كان جرحا فأمر القصاص إلى الولي و لا مدخل للإمام فيه لأنه ليس من جنس الحد بمقتضى الآية و يحتمل مع

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 261

العفو استيفاؤه حدا لذكره في تفصيل الحد و لا يخفى ضعفه لعدم الدليل عليه و إن ذكره القائل بالتفصيل. انتهى.

و ذلك لأنه قدس سره ذكر قبل ذلك أنه لو جرح لو جرح أو قطع عضوا طلبا للمال استوفى معه القصاص ثم إن طابق المطلوب منه للحد كما لو قطع اليد اليمنى لرجل قطعت قصاصا و أكمل الحد بقطع رجله اليسرى و إن كان مخالفا للحد كقطع اليسار اقتص منه و استوفى في الحد على وجهه. انتهى.

المسألة الثانية في ما إذا تاب

قال المحقق: إذا تاب قبل القدرة عليه سقط الحد و لم يسقط ما يتعلق به من حقوق الناس كالقتل و الجرح و المال، و لو تاب بعد الظفر به حد و

لا قصاص و لا غرم.

أقول: أما الأول و هو سقوط الحد عمن تاب قبل القدرة عليه فإنه يدل عليه الكتاب و السنة.

أما الكتاب فقوله تعالى بعد ذكر المحارب: إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1».

فقد صرح بعدم جريان الحد فيما إذا تاب المحارب قبل ان يؤخذ و يقدر عليه.

و أما السنة فروايات.

منها مرسل الطائي عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

سألته عن المحارب و قلت له: إن أصحابنا يقولون: إن الإمام مخير فيه إن شاء قطع و إن شاء صلب و ان شاء قتل، فقال: لا إن هذه أشياء محدودة في كتاب الله عز و جل فإذا ما هو قتل و أخذ قتل و صلب، و إذا قتل و لم يأخذ قتل و إذا أخذ و لم يقتل قطع و إن هو فر و لم يقدر عليه ثم أخذ قطع إلا أن يتوب فإن تاب لم يقطع «2».

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 33.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من حد المحارب ح 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 262

و منها رواية على بن حسان عن أبي جعفر عليه السلام قال: من حارب «الله» و أخذ المال و قتل كان عليه أن يقتل أو يصلب و من حارب فقتل و لم يأخذ المال كان عليه أن يقتل و لا يصلب و من حارب و أخذ المال و لم يقتل كان عليه أن يقطع يده و رجله من خلاف و من حارب و لم يأخذ المال و لم يقتل كان عليه أن ينفى ثم استثنى عز و جل إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ

تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ يعني يتوبوا قبل أن يأخذهم الإمام «1».

و منها ما رواه في الجواهر: ان حارثة بن زيد خرج محاربا ثم تاب فقبل أمير المؤمنين عليه السلام توبته [1].

نعم في الرواية الأولى و هي رواية الطائي كلام و هو أن قوله: إلا أن يتوب إلخ لعله ظاهر في توبته بعد الأخذ فهناك لا يقطع، أو أنه مطلق يشمل التوبة قبل الأخذ و بعده.

و فيه أن تعبير الآية الكريمة يبين ذلك كما أن رواية ابن حسان كافية في بيان الإجمال المذكور فإنه قد فسر الآية فيها كذلك: يعني يتوبوا قبل أن يأخذهم الإمام. و من المعلوم أن رواية الطائي أيضا ناظرة إلى الآية و في مقام بيانها، إذا فلا إشكال في كون المراد هو التوبة قبل الأخذ و القدرة عليه فالإجمال مرتفع، و الإطلاق مقيد بالآية و رواية ابن حسان.

هذا كله بالنسبة للحد.

و اما عدم سقوط ما يتعلق به من حقوق الناس كالقتل و الجرح و الغرم فهو واضح، و في الجواهر: بلا خلاف و لا اشكال. ثم قال رحمه الله: بل لعل التوبة يتوقف صحتها على أداء ذلك كما تقدم الكلام في تحقيقه. انتهى.

______________________________

[1] و نقله عن كشف اللثام عن حارثة بن بدر، و لعل صاحب الجواهر أخذ منه.

ثم لا يخفى ان المحقق الأردبيلي قد استدل بعد التمسك بالآية بوجه آخر فقال: و لأنها مسقطة لأعظم العقوبتين و هي عقوبة الآخرة فالدنيا بطريق أولى فتأمل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من حد المحارب ح 11.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 263

و توجيه ما أفاده أن المحارب الذي حارب لأخذ المال مثلا فإنه ما دام لم يؤد- مع إمكانه- الى صاحبه فهو غير

تائب و لو كان تائبا عن عمله لكان يدفع إلى الناس أموالهم.

لا يقال: يكفي في في التوبة مجرد الندامة و إنما دفع المال واجب آخر فربما يكون نادما على عمله أي المحاربة عازما جدا على عدم العود إليها في ما يأتي لكنه لا يدفع المال، و التوبة أمر قابل للتجزية فيتوب من عمل دون الآخر.

لأنا نقول: نعم يمكن ذلك لكن فيما إذا لم تكن المعصيتان مرتبطة إحداهما بالآخرى بل كان هناك إثمان مستقلان فيتوب من أحدهما دون الآخر كما إذا أزني و أخذ مال الغير فإن الندامة من أحدهما لا تعلق لها بالآخر.

أما إذا كانت إحدى المعصيتين من تبعات الأخرى فلا يتم التوبة من المعصية إلا بترك تبعاته أيضا، و ما نحن فيه من هذا القبيل فإن هذا المال قد حصل بالمحاربة فالتوبة بالنسبة للمحاربة لا تتحقق بدون التوبة من تبعاتها و آثارها و أذنابها و الا فلا اثر لتوبته عن المحاربة.

و الحاصل أنه ما دام لم يؤد حق الناس المتعلق بالمحاربة فلم تتحقق التوبة عن المحاربة حقيقة.

و أما الفرض الثاني و هو أنه لو كانت توبته بعد الظفر عليه فإنه لا يسقط عنه الحد و لا القصاص و لا الغرم، فالدليل عليه عندنا هو نفس الآية الكريمة و ذلك لأن الخارج عن تحت الحكم هو من تاب قبل ان يقدر عليه فهذا الفرد بالخصوص قد خرج عن العام و هو قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله إلخ فإن الموصول يفيد العموم كما أن نفس الاستثناء أيضا دليل العموم و على هذا فالعام شامل لجميع الأفراد سواء كان تائبا قبل القدرة عليه أو بعدها و حيث إن الاستثناء الواقع عقيبه أفاد خروج

التائب قبل القدرة عليه فيبقى ما سواه تحت العام و يكون

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 264

محكوما بحكم الآية الكريمة و تقام عليه عقوبة المحاربين و لا حاجة إلى شي ء آخر أصلا و بهذا يتم المطلوب.

و قد يتمسك في إثبات المراد بالمفهوم و تقرير ذلك أن منطوق قوله تعالى «إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ» صريح في عدم إجراء الحد عليهم، و مفهومه أنه إذا تٰابُوا مِنْ بعد أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فهناك لا بد من إقامة الحد بلا كلام.

و كذلك قد يتمسك هنا بالأصل و هو أصالة عدم السقوط بذلك بعد أن ثبت الحد بالمحاربة فوجوب الحد ثابت بحكم الاستصحاب.

هذا كله مضافا إلى تحقق التهمة هنا دون الفرض السابق و ذلك لأنه بعد القدرة عليه فهو في معرض الحد فإذا تاب يتهم لا محالة بقصد الدفع عن نفسه و أما قبل القدرة عليه فهو ممتنع عن طاعة الإمام فتكون توبته لله، بعيدة عن التهمة، قريبة من الحقيقة فلذا أسقطت التوبة الحد في هذا الفرض دون الآخر فالقول بتسوية الحالتين قياس مع الفارق.

و لو صارت هذه الوجوه موردا للخدشة بأن يخدش مثلا في الأخذ بالمفهوم أو غيره من الوجوه ففي ما ذكرناه من الوجه غني و كفاية.

نعم لو تاب عن محاربته مع كونه كافرا فأسلم و بعبارة أخرى: لو كان المحارب كافرا و تاب و أسلم بعد القدرة عليه و كانت توبته عن محاربته بتوبته عن كفره فهناك أمكن سقوط الحد بالتوبة.

قال في الجواهر: بناء على جب الإسلام مثل ذلك و إن كان فيه بحث ستعرفه بل ظاهرهم العدم انتهى.

أقول: إن قاعدة الجب لا تشمل كل الأحكام كالزكاة و حقوق الناس

فيجب على الكافر الذي قد أسلم أداء زكاة ماله كما يجب عليه أداء زكاة ماله كما يجب عليه أداء ما كان عليه من حقوق الناس. و لو قتل أحدا ثم أسلم فإنه يقتص منه. و أما أنه هل يسقط عنه ما كان من قبيل حد المحاربة لقاعدة الجب ففيه كلام و بحث و هو موكول الى محله و موضعه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 265

المسألة الثالثة في اللص

اشارة

قال المحقق: اللص محارب فإذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته فإن أدى الدفع إلى قتله كان دمه ضائعا لا يضمنه الدافع و لو جنى اللص عليه ضمن و يجوز الكف عنه أما لو أراد نفس المدخول عليه فالواجب الدفع و لا يجوز الاستسلام و الحال هذه و لو عجز عن المقاومة و أمكن الهرب وجب.

أقول: قال في مجمع البحرين: اللص بالكسر واحد اللصوص و هو السارق و بالضم لغة. و لص الرجل لصا من باب قتل سرق، و أرض ملصة ذات لصوص.

انتهى [1].

و الكلام هنا في المراد من اللص و أنه هل هو مطلق اللص أو المراد اللص الذي كان محاربا؟

عبارة المحقق مطلقة، و لكن قيدها في الجواهر بقوله: إذا تحقق فيه معناه السابق بلا خلاف و لا إشكال إلخ و مراده من معناه السابق هو شهر السلاح للإخافة.

و في المسالك: اللص إن شهر سلاحا و ما في معناه فهو محارب حقيقة لما تقدم من أن المحارب يتحقق في العمران و غيرها و إن لم يكن معه سلاح بل يريد اختلاس المال و الهرب فهو في معنى المحارب في جواز دفعه و لو بالقتل إذا توقف الدفع عليه. و أطلق المصنف اسم المحارب عليه مطلقا تبعا للنصوص

[ثم نقل رواية منصور و رواية غياث بن إبراهيم ثم قال:] و إنما عدلنا عن ظاهر الروايات إلى ما ذكرناه من التفصيل لقصورها سندا عن إفادة الحكم مطلقا فيرجع الى القواعد المقررة إلخ.

و في الروضة بعد قول الشهيد: اللص محارب. قال: بمعنى أنه بحكم المحارب في أنه يجوز دفعه و لو بالقتال و لو لم يندفع إلا بالقتل كان دمه هدرا أما لو تمكن الحاكم منه لم يحده حد المحارب مطلقا و إنما أطلق عليه اسم المحارب تبعا لإطلاق

______________________________

[1] و في المصباح المنير أيضا: اللص: السارق. و كذا في المنجد.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 266

النصوص. نعم لو تظاهر بذلك فهو محارب و بذلك قيد المصنف في الدروس و هو حسن.

و في الرياض- بعد أن حكى عن السرائر الإجماع على كونه محاربا و حكايته عنه أنه قال: حكمه حكم المحارب، قال:- و ظاهره الفرق بينهما و عدم كونه محاربا حقيقة و عليه نبه شيخنا في المسالك و الروضة. ثم نقل صاحب الرياض كلام الشهيد الثاني ثم قال: أقول: و يعضده عدم عمل الأصحاب بما فيها من جواز القتل و أن دمه هدر مطلقا بل قيدوه بما إذا روعي فيه مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فتدرج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى. انتهى.

فمقتضى هذه الكلمات أنه إذا كان قد شهر سلاحه و أخاف فهو محارب حقيقة أما لو لم يكن شاهر السلاح مخيفا للناس فليس هو بمحارب حقيقي و إنما هو بحكم المحارب في جواز الإقدام على قتله.

و لكن ظاهر عبارة المحقق هو كونه محاربا و لا يعتبر هنا شهر السلاح و لا الإخافة، نعم يعتبر التغلب حيث قال بعد ذلك:

فإذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته. إلخ.

و تظهر الثمرة فيما إذا دخل اللص دارا متغلبا و لا يريد الإخافة فإنه على فرض كونه محاربا تشمله أحكام المحاربة و إلا بأن يكون استعمال المحارب فيه مجازا فقد نزل منزلته في حكم من الأحكام وجهة من الجهات فيجوز قتله و إن لم يكن بيد الحاكم.

و يمكن أن يقال: إن للمحارب حكمين حكم دفاعي و حكم جزائي فما تعرضناه من قبل كان هو حكمه الجزائي بعد ما ارتكب المحاربة و أقدم عليها، و ما ذكره رحمه الله في المقام هو حكمه الدفاعي و هو وظيفة صاحب البيت و رب الدار، فإذا رأى أن اللص حمل عليه و على داره فله أن يقاوم و يمانع عنه و ان كان بقتله و لا يصح له أن يصبر إلى أن يقتل بيده و يؤل الأمر إلى الحاكم و يجري عليه أحكام المحاربة الجزائية.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 267

نعم لو وصلت النوبة إلى الحاكم فهناك تصل النوبة إلى الأحكام الخاصة، و لو قتل المحارب في هجومه إلى دار فدمه هدر كما أنه لو جنى على صاحب الدار فهو ضامن لهذه الجناية.

و على هذا فلا يجوز له أن يقتله من أول الأمر و ما دام أمكن دفعه بغير ذلك، و عدم ذكر مراتب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فلعله لتصادق العنوانين في المقام و ربما يجعل الشارع على من له حكم خاص بعنوان كونه موضوعا للحكم المزبور حكما آخر بلحاظ عنوان آخر و هنا و إن كان من موارد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي تعتبر فيه مراعاة المراتب و المراحل لكنه محكوم بهذا الحكم الخاص بعنوان

كونه محاربا و إطلاق المحارب عليه.

ثم إن مستند الحكم هو الروايات.

منها عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اللص محارب لله و لرسوله فاقتلوه فما دخل عليك فعلى «1».

و منها خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: إذا دخل عليك اللص يريد أهلك و مالك فإن استطعت أن تبدره و تضربه فابدره و اضربه و قال: اللص محارب لله و لرسوله فاقتله فما منك منه فهو على «2».

و منها خبر أبي أيوب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من دخل على مؤمن داره محاربا فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن و هو في عنقي «3».

و عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن لصا دخل على امرأتي فسرق حليها- حليتها- فقال: أما إنه لو دخل على ابن صفية لما رضي بذلك حتى يعمه بالسيف [1].

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 11 باب 46 من جهاد العدو ح 1، و المراد بابن صفية الزبير بن العوام و قد كان مشهورا بالغيرة. و في مرآة العقول ج 18 ص 393: حتى يعمه في بعض النسخ بالعين المهملة أي حتى يعم جميع أعضائه بالسيف و في بعضها بالغين المعجمة من قولهم: غممته اى غطيته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 7 من أبواب حد المحارب ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 7 من أبواب حد المحارب ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 7 من أبواب حد المحارب ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 268

و عن وهب عن جعفر عن أبيه أنه قال: إذا دخل عليك رجل يريد أهلك

و مالك فابدره بالضربة إن استطعت فإن اللص محارب لله و لرسوله فما تبعك من شي ء فهو عليّ «1».

و في خبر آخر عن أنس أو هيثم بن البراء قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

اللص يدخل على في بيتي يريد نفسي و مالي قال: أقتله فاشهد الله و من سمع أن دمه في عنقي «2».

و عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

إذا دخل عليك اللص المحارب فاقتله فما أصابك فدمه في عنقي «3».

عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن عامر قال: سمعته يقول: و قد تجارينا ذكر الصعاليك: حدثني أحمد بن إسحاق أنه كتب إلى أبي محمد عليه السلام يسأله عنهم فكتب اليه: أقتلهم [1].

و عن أحمد بن أبي عبد الله و غيره أنه كتب إليه يسأله عن الأكراد فكتب إليه:

لا تنبهوهم إلا بحر- بحد- السيف «4».

و الظاهر أن المراد من الأكراد من يقطع الطريق و يأخذ المال منهم [و في مرآت العقول ج 24 ص 57: و لعل المراد بالاكراد اللصوص منهم فإن الغالب فيهم ذلك كذا فهمه الكليني انتهى.] و عليه فهم طائفة خاصة من الأكراد فإن الغالب فيهم ذلك.

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب الدفاع ح 1، قوله: تجارينا ذكر الصعاليك أي جرى بيننا ذكرهم. و في مجمع البحرين: الصعلوك الفقير الذي لا مال له و جمعه صعاليك. و في أقرب الموارد: صعاليك العرب ذؤبانها اي لصوصها و فقراؤها

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 11 باب 46 من جهاد العدو ح 3.

(2) وسائل الشيعة ج 11 باب 46 من جهاد العدو ح 6.

(3) وسائل الشيعة ج 11 باب 46 من جهاد العدو ح 7.

(4) وسائل

الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب حد المحارب ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 269

و ظاهر هذه الأخبار هو جواز الإقدام على قتل من دخل دار غيره بلا حاجة إلى مراعاة الأسهل فالأسهل في الدفاع عنه و هذا يخالف و ينافي القواعد الكلية لكنه حكم ثبت بروايات عديدة و على ذلك فلا يلزم هنا مراعاة المراتب من النصحية و الصياح و الضرب و غير ذلك كما أن ظاهر عبارة المحقق أيضا أن اللص محارب فيكون هذا الحكم حكم المحارب إذا هجم دارا و قوله: فاذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته إلخ الظاهر أنه لبيان حقيقة المحارب بأن يكون قد شهر السلاح و هجم، أو دخل مع إظهار القدرة و السطوة بحيث يشهد شواهد الحال أنه بصدد الفتنة و الفساد في المجتمع، فإن السراق مختلفة فبعضهم بصدد سرقة مال خائفا مع قصد الهرب قاصدا الفرار إذا اطلع صاحب الدار و بعضهم بصدد المحاربة فيأتي مسلحا و هنا يجوز قتله من بدو الأمر. و على الجملة فمراده كون اللص محاربا حقيقة لا حكما على ما استظهره بعض الشراح.

نعم استشكل في الجواهر بقوله: إلا أنى لم أجده قولا لأحد في المحارب الأصلي فضلا عن اللص المحارب و لو لا ذلك لأمكن القول به إلخ.

و على هذا فالأخبار المذكورة معرض عنها و إن أمكن أن يورد عليه بأنه أ ليس المحقق بظاهر عبارته عاملا بهذه الأخبار؟

اللهم إلا أن يقال: إن المحقق لا يقول بالقتل من أول الأمر بل الظاهر أنه يقول بالمدافعة متدرجة و إن أدى الأمر إلى قتله.

و على الجملة فعدم عمل الأصحاب يوجب الإعراض، و العمل بمقتضى القواعد من التدرج.

ثم قال: و

من ذلك و غيره يعلم الحال في مدافعة قطاع الطريق و إباحة دمائهم- ثم ذكر خبر الصعاليك إلى أن قال: بل إن لم يكن إجماعا أمكن أن يقال بجواز قتل اللص غير المحارب أيضا حال دفاعه ابتداء للأخبار المزبورة مضافا إلى خبر السكوني إلخ. و هنا نقل أخبارا نذكرها نحن أيضا تبعا له.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 270

عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: إن الله ليمقت العبد يدخل عليه في بيته فلا يقاتل «1».

و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني إلا أنه قال فلا يحارب.

و عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام في رجل دخل دار آخر للتلصص أو الفجور فقتله صاحب الدار أ يقتل به أم لا؟ فقال: اعلم أن من دخل دار غيره فقد أهدر دمه و لا يجب عليه شي ء «2».

و عن الحسين بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن امرأة دخل عليها لص و هي حبلى فوقع عليها فقتل ما في بطنها فوثبت المرأة على اللص فقتلته فقال: أما المرأة التي قتلت فليس عليها شي ء و دية سخلتها على عصبة المقتول السارق «3».

و عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن لص دخل على امرأة حبلى فوقع عليها فألقت ما في بطنها فوثبت عليه المرأة فقتلته قال: بطل دم اللص و على المقتول دية سخلتها «4».

و عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: لو دخل رجل على امرأة و هي حبلى فوقع عليها فقتل ما في بطنها فوثبت عليه فقتلته؟ قال: ذهب دم اللص هدرا

و كان دية ولدها على المعقلة [1].

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 19 باب 13 من أبواب العاقلة ح 3 و المراد بالمعقلة العاقلة فراجع الوافي ج 2 باب القصاص ص 121.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 11 باب 46 من أبواب جهاد العدو ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 19 باب 27 من أبواب القصاص في النفس ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 19 باب 13 من أبواب العاقلة ح 1.

(4) وسائل الشيعة ج 19 باب 13 من أبواب العاقلة ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 271

ثم ذكر رحمه الله أن الأخبار بهذا المضمون ليست منحصرة في هذا المقدار و كلها تدل على هدر دم اللص، ثم أيد ذلك بما دل على هدر دم الداخل الى دار غيره بغير اذنه و على فقأ عين الناظر، ثم ذكر هذه الروايات المؤيدة:

عن علاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلل شي ء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقأوا عينيه فليس عليهم غرم و قال: إن رجلا اطلع من خلل حجرة رسول الله صلى الله عليه و آله فجاء رسول الله صلى الله عليه و آله بمشقص ليفقأ عينه فوجده قد انطلق فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: أي خبيث أما و الله لو ثبت لي لفقأت عينك [1].

و عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اطلع رجل على النبي صلى الله عليه و آله من الجريد فقال له النبي صلى الله عليه و آله: لو اعلم أنك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى افقأ به عينيك قال: فقلت له: و ذاك

لنا؟

فقال: و يحكم أو ويلك أقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه و آله فعل و تقول:

ذلك لنا؟ «1».

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 19 باب 25 من قصاص النفس ح 6، فقأ عينه اي شقه. المشقص كمنبر نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، الجريد كما في مجمع البحرين هو سعف النخل بلغة أهل الحجاز، و الواحد الجريدة. و في مرآة العقول 24- 48: من الجريد اي من خلل جرائد النخل الداخلة في البناء، و يدل الخبر على وجوب التأسي بالنبي صلى الله عليه و آله في كلما لم يعلم فيه الاختصاص. و المغازل قال في الوافي ج 2 ص 120 من أبواب القصاص: المغازل جمع مغزل مثلثة الميم و هو ما يغزل به القطن.

قوله انحسك قال في مرآة العقول ج 24 ص 49 قوله صلى الله عليه و آله أبخسك في بعض النسخ بالنون و في بعضها بالباء الموحدة و قال الفيروزآبادي: نخس الدابة كنصر و جعل غرز مؤخرها أو جنبها بعود و نحوه و قال: البخس النقص و الظلم، و فقأ العين بالإصبع و غيرها انتهى. و قال بعض:

أبخسك أي أنقصك و منه قوله تعالى: و شروه بثمن بخس أي ناقص انتهى.

و في روضة المتقين ج 10 ص 299 حتى أبخسك أو أبخصك، و البخس بالباء الموحدة و الخاء المعجمة فقأ العين بالإصبع و غيرها و كذا بالصاد المهملة انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 19 باب 25 من أبواب قصاص النفس ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 272

و عن عبيدة بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بينا رسول الله صلى الله عليه و آله في حجراته مع

بعض أزواجه و معه معاذل يقلبها إذا بصر بعينين تطلعان فقال: لو اعلم انك تثبت لي لقمت حتى أبخسك فقلت: نفعل نحن مثل هذا ان فعل مثله؟ فقال: إن خفي لك فافعله «1».

و عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله في بعض حجراته إذا طلع رجل في شق الباب و بيد رسول الله صلى الله عليه و آله مدراة فقال: لو كنت قريبا منك لفقأت به عينك [1].

هذه جملة الأخبار التي تدل على أن حد من دخل دار غيره هو قتله و من أشرف على دار غيره هو جواز فقأ عينيه سواء كان نظره من شق الباب أو من الحائط أو من كوة إلى الدار من السطح أو غيره.

لكن قال صاحب الجواهر قدس سره بعد نقلها: إلا أنه لم أجد مصرحا بالعمل بها على الوجه المزبور بل ستسمع من غير واحد ما يقضي بتقييد النصوص الأخيرة بما إذا لم يندفع بالزجر و نحوه و الا كان ضامنا و ربما يأتي هناك نوع زيادة تحقيق للمسألة.

أقول: و الحق أن هذا أيضا في غاية الإشكال لأنه على أي شي ء تحمل تلك الأخبار الكثيرة المتعددة التي هي صريحة الدلالة، أ فهل تحمل كلها على الكذب؟

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 19 ب 25 من أبواب قصاص النفس ح 1، و في تذييلات من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 101 المذراة آلة تذري بها الحنطة و في بعض النسخ بالدال المهملة و المدراة المشط و القرن، و الثاني أنسب إذا كان بمعنى القرن انتهى.

و في روضة المتقين ج 10 ص 298: مدار أي الذي يغزل منه الصوف و

يدور باليد و هو مغزل الرجال غالبا أو مذراة بالمعجمة و هي التي لها أسنان كأسنان المشط و يحك به الظهر، لفقأت به عينك أي أعميتها بما في يدي و الضمير المذكر يؤيد النسخة الأولى انتهى.

و في الوافي ج 2 باب القصاص و الديات ص 120: المدراة بالمهملتين القرن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 19 باب 25 من أبواب قصاص النفس ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 273

و كيف كان فقال بعد ذلك: و لكن الذي يظهر منهم هنا و هناك أنه لا فرق بين دفاع المحارب و اللص و غيرهما من الظالمين و إن اختلفت الحدود إلا أن الجميع متحدة في كيفية الدفاع الذي ذكروا فيه التدرج فلاحظ و تأمل.

ثم قال: بل قد يقال بوجوب القصاص على من قتل المحارب بعد أن كف عنه و إن كان مفسدا و من حده القتل.

يعني إنه لا يجوز الإقدام على القتل إذا لم يتوقف الدفاع عليه لوجوب التدرج في الدفاع و الأخذ بالأسهل فالأسهل فإن أمكن بالنصيحة و إلا فبالصياح و إلا فبالضرب و هكذا و على ذلك يقول القائل بأنه إذا كف المحارب فلا يجوز الاقدام على قتله فلو قتله صاحب الدار مثلا يجب الاقتصاص منه.

هذا كلام القائل المزبور. لكن لا يخفى التهافت البين بين صدر كلامه و ذيله لأنه مع تصريحه بعدم جواز قتله لأنه قد كف بل و بوجوب الاقتصاص عن قاتله، قال: و ان كان مفسدا و من حده القتل. فلو كان بعد مفسدا و من حده القتل فكيف يقاد من قاتله [1].

الا أن يقال: يشترط في جواز قتل المحارب مباشرة الحاكم أو المأذون منه.

و أجيب عنه بأن المفسد مهدور لا قصاص

له غاية الأمر أنه اثم القاتل في ترك الاستيذان من الحاكم و هو يوجب التعزير [2].

و قد أورد صاحب الجواهر على القائل المزبور بأمر آخر غير ما ذكرناه من التناقض فقال: و لكن بناءا على ما ذكرناه [3] من التخيير لم يكن القتل متعينا فلا

______________________________

[1] يمكن أن يقال: ليس مراد القائل من الكلام المزبور أنه الآن أي بعد كفه يكون مفسدا و من حده القتل حتى يورد عليه ما أورده سيدنا الأستاذ بل انه ناظر الى ما قبل الكف يعني: و ان كان قبل كفه مفسدا محاربا و من حده القتل الا أنه بعد الكف لا يجوز قتله و حيث انه قد أقدم على قتله فلذا يجب القصاص.

[2] هذا المطلب الأخير قد أخذناه من دفتر مذكراته.

[3] أقول: إذا كان هذا من كلام صاحب الجواهر فلا بد من ان يكون المراد من قوله: ذكرناه. أي تعرضنا لنقله، لا اخترناه و ذلك لأنه قدس سره قد رد القول بالتخيير.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 274

يكون مباح الدم، نعم على القول الآخر و الفرض أنه قتل يكون كذلك و إن أثم غير الحاكم بمباشرته و قد يحتمل الإطلاق.

و عبارته هنا مجملة غير خالية عن القصور في تأدية المقصود لأنه إن كان المراد أنه بناءا على ما ذكر سابقا من القول بالتخيير لم يكن قتل هذا المحارب متعينا- حيث إن التخيير يقتضي جواز الإتيان بأي واحد من أطراف التخيير- فلا يساعده قوله بعد ذلك: فلا يكون مباح الدم لأنه إذا كان قتله جائزا فلا يصح أن يقال بأنه ليس مباح الدم بل إنه حينئذ مباح الدم.

و بتعبير آخر إن مجرد عدم التعين لا يوجب عدم الإباحة

و إنما عدم الجواز يوجب عدم الإباحة فكيف يقال بأنه ليس بمتعين القتل فلا يكون مباح الدم؟

نعم لعل الظاهر ان مراده قدس سره أنه على القول بالتخيير فقد قتل صاحب الدار من كان من مجازاته الأربعة القتل و إن كان أمر قتله بيد الحاكم لكنه بالآخرة يجوز قتله فلذا لا يجوز الاقتصاص من صاحب الدار مثلا الذي أقدم على قتل المحارب المزبور بخلاف ما إذا قلنا بالقول الآخر اي التفصيل و الترتيب فإنه يقتص منه حيث إنه قد أقدم على قتل من لم يكن مستحقا للقتل أصلا [1].

______________________________

[1] أقول: الظاهر أن هذا التوجيه غير تام و ذلك لأنه لا بد و ان يكون قول سيدنا الأستاذ: بخلاف ما إذا قلنا بالقول الآخر إلخ مشيرا إلى الفرع الثاني في عبارة الجواهر و هو قوله: نعم على القول الأخر إلخ و الحال انه لا ينطبق عليه كاملا حيث إن لازم كلام سيدنا الأستاذ أنه على القول بالتفصيل فقد قتل صاحب الدار من لم يكن جزاءه القتل فيكون قتله متعينا.

و إذا كان الأمر كذلك فما معنى قول الجواهر بعد ذلك: و ان أثم غير الحاكم بمباشرته؟ اللهم الا ان يكون هذا متعلقا بالصورة الأولى.

و الذي ينبغي ان يقال هنا انه لو كان قوله: و لكن بناءا إلخ من كلام صاحب الجواهر مجيبا به القائل المزبور فمعنى الكلام أنه على القول بالتخيير فلم يقدم صاحب الدار بقتل محقون الدم بل إنه قد قتل مهدور الدم أي من كان أحد عقوباته القتل- غاية الأمر لا بد من كونه بيد الحاكم- فحينئذ لم يكن القتل متعينا على القاتل و ليس هو بمباح الدم و أما على القول بالتفصيل و الترتيب فصاحب

الدار يقتص منه مع فرض اقدامه على القتل.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 275

لكن على هذا أيضا يرد عليه أنه لا يصح تعبيره بقوله: لم يكن القتل متعينا بل اللازم ان يقال: لم يكن قتله جائزا- لأنه قد قتل من كان مباح الدم و ان كان هو آثما- و التوجيه في تعبيره بقوله: متعينا، بأن السر في ذلك أنه في قبال القائل بوجوب القصاص، و من المعلوم أن تعين القتل عين وجوب القصاص [1].

غير وجيه و لا يصلح العبارة بل تأدية المطلب كذلك يشبه الأكل من القفا.

ثم قال قدس سره: و يحتمل الإطلاق. يعني يحتمل عدم الفرق بين الصورتين أصلا [2].

ثم قال: و على كل حال فقد عرفت أن المفروض في المتن و القواعد و الإرشاد و غيرها من كتب المتأخرين اللص الذي يندرج في المحارب إلخ.

يعني إن مفروض كلامهم رضوان الله عليهم هو اللص الذي كان على خصوصيات المحارب و لذا قيدوا دخوله بالتغلب تبعا لما في النصوص مما يؤدي هذا

______________________________

و على هذا فيكون قوله: و إن أثم إلخ. متعلقا بالصورة الاولى.

و يمكن توجيه العبارة بحيث لا يرد هذا أصلا و هو أن يقال: ان قوله: و لكن بناءا إلخ ليس من صاحب الجواهر في مقام الجواب بل هو من متعلقات كلام القائل فهو قد قال بأنه لو قتله و قد كف يجب القصاص على قاتله و ان كان هذا المحارب الذي قد كف مفسدا و من جملة حدوده الأربعة القتل إلا أنه بناء على التخيير لم يكن قتل هذا المفسد متعينا لأنه ربما لا يختار الحاكم قتله بل ينفيه مثلا و على هذا فلا يكون هذا المحارب مباح الدم حتى

يجوز قتله فلذا يجب قصاص قاتله نعم على القول الآخر اي الترتيب و التفصيل و الفرض أنه قد أقدم المحارب على القتل و كان جزاءه القتل فهنا كان قتله متعينا و هو مباح الدم إلا أنه قد اثم صاحب الدار بإقدامه على قتله فان حكمه و ان كان هو القتل الا أن ذلك بيد الحاكم و بعد أن ثبت ذلك عنده، و حيث إن صاحب الدار قد أقدم عليه فلذا يكون آثما و لا يخفى ان بيان استأذنا الأعظم أيضا قد انتهى بالآخرة الى هذا.

و الإنصاف ان هذا البيان اولى من سابقه لأنه على هذا يكون قوله: و ان أثم إلخ متعلقا بالصورة الثانية الذي هو الظاهر.

[1] أوردته في يوم 15 ربيع الآخر سنة 1410 ه و قد أجاب بما في المتن.

[2] الظاهر أن المراد أنه يحتمل الإطلاق و عدم الفرق بين المبنيين فيقتص من صاحب الدار مطلقا فإنه قد أقدم على قتل من لم يكن له قتله. و كان كلام سيدنا الأستاذ مجملا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 276

المعنى فان هذا التقييد جي ء به لإفادة أن المراد من اللص هو اللص المندرج في المحارب و لو لا ذلك لما كانت لهذا القيد فائدة معتد بها بعد أن الدفاع مطلقا سواء كان في قبال المحارب أو اللص المحارب أو غير ذلك من الظالمين مقيد بالتدرج و مراعاة الأدنى فالأدنى، فإذا كان الدفاع عن اللص بالتدرج سواء كان محاربا أم لا فلا ثمرة في القيد المزبور سوى جعله بهذا القيد من مصاديق المحاربين حتى يحكم عليه بأحكام المحارب الخاصة.

و إذا كان حكم الدفاع هو التدرج فيبدأ بالأدنى و هكذا، و لو توقف الدفع على

قتل المهاجم فقتله فلا ضمان عليه [1] لأن الشارع أسقط احترام الجنايات الواردة عليه في الفرض بخلاف الجنايات الصادرة عن اللص فإنها مضمونة حتى و لو وقعت عنه بالنسبة إلى صاحب الدار مدافعة عن نفسه.

ثم أن في عبارة المحقق: فإن أدى إلى قتله إلخ اشعارا بالتدرج كما لا يخفى.

حكم الكف و الدفع

قال المحقق: و يجوز الكف عنه أما لو أراد نفس المدخول عليه فالواجب الدفع و لا يجوز الاستسلام و الحال هذه و لو عجز عن المقاومة و أمكن الهرب وجب.

أقول: أما الأول أي جواز الكف فهو بالنسبة للمال كما يظهر ذلك من الفرع التالي له لكن لا يخفى أنه لا يجب الدفع عنه و يجوز الكف عند إرادته المال إذا لم يكن المال مما يتوقف عليه حفظ نفسه أو عياله و أما إذا توقف عليه ذلك فهناك يجب الدفاع.

و يدل على جواز المدافعة و جواز تركها قوله: الناس مسلطون على أموالهم، و كذا بعض الأخبار كخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من قتل دون ماله فهو شهيد و قال: لو كنت أنا

______________________________

[1] للأصل و المرسل كالموثق أو كالصحيح و كذا خبر أيوب بن نوح فراجع و للإجماع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 277

لتركت المال و لم أقاتل «1» و خبر علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يقاتل عن ماله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: من قتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد فقلنا له: أ فيقاتل أفضل؟ فقال: إن لم يقاتل فلا بأس أما أنا لو كنت لتركته و

لم أقاتل «2».

و غير خفيّ أن المراد من كونه بمنزلة الشهيد هو أنه بمنزلته في ثواب الشهيد و إلا فلا يجري عليه أحكام الشهيد.

و هل يجوز المدافعة عن المال حتى مع العلم بأنه يؤدي ذلك إلى قتله؟ الظاهر أن إطلاق الخبر يشمله فلا اختصاص بما إذا لم يكن هنا في معرض القتل.

و هل يفرق في ذلك بين مال نفسه و مال غيره الذي كان امانة عنده؟ الظاهر عدم الفرق بينهما و إن قيل بوجوب الدفع عن الأخير من باب النهي عن المنكر.

قال في الرياض عند ذكر موارد وجوب الدفاع: و كذا في الثاني- يعني الدفاع عن المال- مع الاضطرار به و التضرر بفقده ضررا يجب دفعه عقلا.

ثم قال: قيل أو كان المال لغيره أمانة في يده و ربما وجب الدفع عنه مطلقا من باب النهي عن المنكر.

و هنا قال: و هو حسن مع عدم التغرير بالنفس و إلا فلا يجب بل لا يجوز إلخ و قد أجاد فيما أفاد، فإنه يجب على من عنده و بيده الأمانة أن لا يقصر في حفظها بحيث لا يكون تلفها مستندا إليه و أما وجوب الدفاع عن اللص حفظا له و تحمل الضرر في ذلك فلا يجب ذلك- كما لم يكن واجبا بالنسبة لمال نفسه- إلا من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي يبتدأ فيه بالأدنى فالأدنى و عليه لا يجب مع خوف الضرر، كما أن الأمر هكذا بالنسبة إلى غير ذلك أيضا فإذا رأينا مالا للغير فإنه و إن كان يحرم علينا إتلافه لكنه لا يجب علينا حفظه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من الدفاع ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من الدفاع

ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 278

و أما أن من مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو القتل ففيه أن ذلك موقوف على إحراز الأهم و المهم و إلا فلا يجوز القتل لكل معصية من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بل يختص ذلك بموارد خاصة، و قد حول رسول الله صلى الله عليه و آله صورة ابن عباس حينما رآه ينظر إلى امرأة و قال: رجل شاب و امرأة شابة. [1] و اقتصر على ذلك حتى إنه صلى الله عليه و آله لم يضربه على فعله.

و على الجملة فلا يجب المدافعة عن مال الغير بأزيد مما ذكرناه فلو سرق فلا شي ء علينا بعد ذلك و إنما السارق و جزاءه، و عقوبته المقررة شرعا.

و أما ما قد يقال من أن الرواية تقول: حرمة مال المسلم كحرمة دمه. ففيه أنه محمول على المبالغة و تشديد الأمر في أموال المسلمين و إلا فهل يقتل على أخذ مال الغير كما يقتل على قتل نفسه؟! و الحاصل أنه لا يجب على الإنسان تحمل الضرر لحفظ مال الغير.

نعم لو كان بحيث كان التلف مستندا إليه فلا محالة يكون ضامنا كما إذا لم يهتم بحفظه أو جعله في معرض التلف كما أنه يجب عليه النهي عن المنكر مع تحقق شرائطه.

و أما الثاني و هو ما إذا أراد اللص نفسه فهنا يجب الدفاع و لا يجوز الاستسلام لديه إذا أراد نفس المدخول عليه، و في الجواهر: أو غيره ممن في الدار ممن يضعف عنه. كما أنه أضاف بعد قول المحقق: فالواجب الدفع، قوله: مع ظن السلامة بل أو عدم العلم بالحال لإطلاق النصوص. انتهى.

______________________________

[1] قال في المبسوط

ج 4 ص 160 روى أن الخثعمية أتت رسول الله صلى الله عليه و آله في حجة الوداع تستفتيه في الحج و كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأخذ ينظر إليها و أخذت تنظر إليه فصرف النبي صلى الله عليه و آله وجه الفضل عنها و قال: رجل شاب و امرأة شابة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 279

و يمكن أن يقال: إذا أراد نفسه يجب الدفاع و إن لم يظن بالسلامة فإذا كان هو بصدد قتله و لم تكن له قدرة المقاومة فأي تأثير لظن السلامة، و على الجملة فمفهوم كلامه أنه مع عدم الظن بالسلامة لا يدافع و الحال أنه ليس كذلك على إطلاقه بل لو علم أنه يقتل بيد هذا المهاجم و لا مفر و لا منجى منه فإنه يجب عليه المدافعة كما أنه رحمه الله قد صرح بذلك في آخر البحث.

و كيف كان فان كان عاجزا عن المقاومة فإما ان يمكنه الهرب منه أو لا فعلى الأول يجب عليه الهرب كما أنه يجب عليه غير ذلك مما فيه نجاته و يتوقف عليه حفظ نفسه. و على الثاني تجب عليه المدافعة كما قال في الجواهر: و لو لم يمكنه الهرب و لا غيره من أفراد النجاة دافع بما يمكن. انتهى. و ظاهر قوله: دافع، هو الوجوب.

لا يقال: و إن كان كذلك إلا أنه رحمه الله قال بعد ذلك: إذ هو أولى من الاستسلام المفروض عدم احتمال النجاة معه انتهى. و الأولوية لا تساعد الوجوب [1].

لأنا نقول: إنه بهذه الجملة بصدد بيان وجه تقدم الدفاع و تعينه و تقريب الوجوب

لا أن يكون المراد هو أولوية الدفاع كما لا يخفى فإن حفظ النفس واجب و إن كان ذلك بدقائق أو دقيقتين.

ثم أنه لو أمكنه أن يقاوم و يقتله و لكن يمكنه أيضا أن يفر منه، و المفروض أن اللص قد أراد نفسه فهل يقاوم و يقتله أو يهرب منه؟

ظاهر عبارة المحقق هو الأول فإنه قد علق الهرب على صورة العجز عن المقاومة لكن ظاهر كلمات العلماء و حكمهم بلزوم التدرج في الدفع يقتضي خلاف ذلك و الاحتياط في الدماء أيضا يوافقهم و على هذا فلو لم يمكنه الهرب يقتله لا أنه يهرب إن لم يمكنه القتل.

______________________________

[1] أورده هذا العبد و أجاب سيدنا الأستاذ بما قررناه في المتن و قد أيده بعض الزملاء بأنه من باب:

و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 280

المسألة الرابعة في صلب المحارب

قال المحقق: يصلب المحارب حيا على القول بالتخيير و مقتولا على القول للآخر.

أقول: ان مستند الأول هو ظاهر الآية الشريفة و كذا ظاهر بعض الروايات كخبر على بن حسان عن أبي جعفر عليه السلام قال: من حارب «الله» و أخذ المال و قتل كان عليه أن يقتل أو يصلب و من حارب فقتل و لم يأخذ المال كان عليه أن يقتل و لا يصلب. «1» إلى غير ذلك من الروايات المتضمنة للقطة «أو» الدالة على التخيير و أن الصلب قسيم للقتل.

و مستند الثاني هو بعض الأخبار كخبر المدائني عن أبي الحسن الرضا عليه السلام فان فيه: إذا حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا فقتل قتل به و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب. «2».

و رواية داود الطائي عن بعض أصحابنا عن أبي

عبد الله عليه السلام فان فيها:

فإذا ما هو قتل و أخذ قتل و صلب و إذا قتل و لم يأخذ قتل. «3».

و رواية الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام. و إذا حارب و قتل و صلب قتل و صلب. «4».

و هنا بحث و هو أنه على الأول اي على تقدير صلبه حيا فلو مات بذلك في الثلاثة فهو و أما لو مضت الثلاثة و انقضت و لم يمت بل بقي بعد حيا فما يصنع هناك؟

و قد يتوهم عدم إمكان ذلك فإن حبل الصليب اي ما يصلب عليه، إذا علق

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 11.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 4.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 6.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المحارب ح 10.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 281

على رقبة المصلوب فلا بد من خنقه و موته بذلك فلا مجال لهذا البحث أصلا حيث إنه يموت بسرعة و لا يدوم أصلا.

و فيه أنه غير صحيح أما أولا فإن التأريخ يذكر عدة ممن صلب و بقي حيا مدة على صليبه و كان يتكلم و ينطق من أعلى الصليب و منهم ميثم التمار و حجر بن عدي رضوان الله عليهما. [1] حيث كانا يتكلمان من أعلى الخشبة فأمر بإنزالهما بعد مدة و قتلهما بعد الإنزال.

و ثانيا فإن الظاهر أن الصليب كان في السابق على غير ما هو عليه اليوم و في هذه الآونة و الأعصارن فكانوا يشدون المصلوب بالخشبة بيديه مثلا و لم يكونوا يعلقونه برقبته على حبل الصليب

حتى يموت المصلوب فورا أو في مدة قليلة بالخنق بل كان يبقى بحاله إلى أن يموت جوعا و عطشا.

و كيف كان فلو بقي حيا و لم يمت حتى انقضت الثلاثة فلا تعرض في الأخبار لذلك.

نعم ورد ذلك في بعض الكلمات ففي كشف اللثام و المسالك أنه يسرع في قتله بعد ذلك قال في الأول: و إن كان لم يمت في الثلاثة أجهز عليه. انتهى.

و قال في الثاني: ثم على تقدير صلبه حيا إن مات بالصلب قبل ثلاثة أيام و إلا أجهز عليه. انتهى [2].

و المقصود من الإجهاز هو الإسراع، فيقتل حينئذ و يغسل و يدفن.

و أورد عليه في الجواهر بعدم وجدان ما يدل عليه. ثم قال قدس سره: و لعله بناءا على ما تسمعه من حرمة إبقائه بعد الثلاثة.

______________________________

[1] في إرشاد شيخنا المفيد قدس سره: فلما صلب. فجعل يحدث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد فقال: الجموه. و كان أول خلق الله ألجم في الإسلام. فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن ميثم بالحربة فكبر ثم انبعث في آخر النهار فمه و أنفه دما.

أقول و أما حجر بن عدي الذي ذكره سيدنا الأستاذ فلم أتحقق ذلك بالنسبة له.

[2] أقول: و مثله قال في الروضة فراجع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 282

يعني يمكن أن يكون مستندهما فيما ذكراه هو الأخبار الدالة على وجوب إنزاله عن الخشبة بعد الثلاثة و عدم جواز الإبقاء بعد ذلك.

ثم استدرك قائلًا: لكن يمكن منع انسياقه إلى الفرض المزبور.

يعني يمكن أن يقال بأنها متعلقة بغير فرضنا هذا فتكون متعرضة لحال من صلب مقتولا أو من مات في الثلاثة.

و أيد ذلك بما ذكره السيد صاحب الرياض قدس

سره من أنه يصلب المحارب حيا إلى أن يموت على القول بالتخيير و اختاره الإمام لأنه أحد أفراد الحد و قسيم للقتل و هو يقتضي كونه حيا.

فان صاحب الرياض لم يقل بالإجهاز عليه بل أفتى ببقائه على الصليب إلى أن يموت.

ثم ذكر صاحب الجواهر أنه لا تنافي بين ما ذكر و بين ما افاده المحقق في المسألة الخامسة و هي:

الخامسة في أنه لا يترك مصلوبا أكثر من ثلاثة أيام

اشارة

قال المحقق: لا يترك على خشبة أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل و يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن.

أقول: و في المسالك: ظاهر الأصحاب أن النهي عن تركه أزيد من ثلاثة أيام على وجه التحريم. انتهى.

كما أن في كشف اللثام: و لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام بالإجماع كما في الخلاف.

و يدل على ذلك أيضا بعض الأخبار الشريفة ففي خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله في اليوم الرابع فصلى عليه و دفنه «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المحارب ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 283

و عنه عن الصادق عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل فيدفن «1».

و عن الفقيه قال الصادق عليه السلام: المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام و يغسل و يدفن و لا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام «2».

و عن الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل و يدفن «3».

و وجه المنافاة ان ظاهر

هذه العبارات هو تحريم كونه مصلوبا أزيد من ثلاثة أيام.

و قد ذكر صاحب الجواهر في وجه عدم المنافاة إمكان تنزيل العبائر و النصوص على غير الفرض الذي هو الصلب حيا.

و فيه أن ظاهر هذه الأخبار هو الإطلاق يعني لا يجوز إبقاء المصلوب على خشبته أزيد من ثلاثة أيام سواء كان قد صلب حيا أو ميتا و على هذا فلم يكن الأمر خاليا عن المنافاة و مقتضى الإطلاق أنه إذا مضت الثلاثة و كان بعد حيا أيضا فهناك يجهز عليه حتى يموت و يدفن فكيف نقول بعدم منافاة بين ما ذكره من إبقائه على الصليب في مفروض البحث و بين هذه العبائر و النصوص؟

فالإنصاف عدم خلوهما عن المنافاة. و مقتضى الإطلاق أنه إذا كان بعد الثلاثة أيضا حيا فهناك يجهز عليه حتى يموت و يدفن فكيف نقول بأنه يبقى على الخشبة إلى أن يموت و لو كان عشرة أيام أو أكثر من ذلك؟

فهذا ينافي الأخبار المذكورة و لا يصار إليه فيبقى ما ذكراه من وجوب الإجهاز عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المحارب ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المحارب ح 3.

(3) وسائل الشيعة ج 2 باب 49 من الاحتضار ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 284

و لو قيل إنه ينافي التخيير المذكور في الآية الكريمة و جعل الصلب قسيما للقتل [1] أمكن أن يقال بأنه على هذا فلا بد من أن ينزل هذا المصلوب من خشبته و يخلى سبيله لأن مفاد الآية الكريمة هو الصلب، و صريح الروايات عدم الإبقاء أكثر من ثلاثة أيام فلو لم نقل بما قالاه لم يبق طريق الا

أن يخلى سبيله حيث إنه لم يصرح في الآية بأنه يصلب حتى يموت بل المعيار هو الصلب بظاهر الآية و كونه ثلاثة أيام بصريح الأخبار و على هذا فيطلق هذا المصلوب الذي بقي حيا بعد انقضاء الثلاثة و يكفي في حده كونه مصلوبا في مدة ثلاثة أيام و لا يجوز صلبه أكثر من ذلك فإن المصلوب المذكور في رواية الفقيه الذي حكم عليه بانزاله بعد الثلاثة جنس محلى بالألف و اللام و هو يفيد العموم و خروج الفرد يحتاج إلى دليل.

و مجرد إمكان تنزيل ما في النص و الفتوى على غير الفرض لا يصلح لتخصيص العام بلا دليل عليه كما أن مجرد استبعاد البقاء حيا بعد ثلاثة أيام ليس دليلا على تنزيل الروايات على غير الفرض.

ثم إن صاحب الجواهر قدس سره استشهد على ما ذكره من التنزيل بقوله:

خصوصا بعد ما سمعته من الدفن و غيره.

و نحن نقول: إنه إذا كان هذا شاهدا على صلبه ميتا فلا يصح ذلك لأنه لو كان مصلوبا بعد الموت لكان مغتسلا قبله فقوله عليه السلام في الرواية: المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام و يغسل و يدفن كان دليلا على صلبه حيا و أما الميت فكان تغسليه قبل موته [2].

______________________________

[1] أورده هذا العبد و أجاب سيد مشايخنا بما في المتن.

[2] كذا أفاده في دفتر مذكراته و يمكن ان يقال كما قال بعض زملائنا الأفاضل: ان المراد: خصوصا بعد ما سمعته من الدفن و غيره و عدم ذكر عن الإجهاز مع كونه أهم لأن الميت لا محالة يدفن مثلا فهذا كاشف عن أنه كان ميتا فصلب أو أنه مات بعد الصلب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 285

يعني كيف

يحمل كلام المصنف و الرواية على من صلب بعد قتله و الحال أنه في الفرض قد اغتسل قبل قتله قطعا لوجوبه عليه بلا كلام؟ و من المعلوم عدم لزوم غسلين على الميت فهذا الغسل غسل الميت الذي قد قدم.

ثم قال: و كيف كان فلا أجد خلافا بيننا في الحكم المزبور إلخ.

و مراده من الحكم المزبور هو أن لا يترك فوق الخشبة أكثر من ثلاثة أيام، فإن هذا الحكم إجماعي عند الأصحاب و ما ذكر من صاحب الرياض فهو نظير الاحتمالات في مقام البحث بعد أن المطلب إجماعي.

نعم في العامة أقوال و كلمات في هذا المقام فعن بعضهم- كابن أبي هريرة على ما في الخلاف مسألة 5- لا ينزل بعد ثلاثة أيام بل يترك حتى يسيل صديدا و عن بعض منهم يترك حتى يسيل صليبه و هو الودك لأنه لذلك سمي صليبا.

أي سمى صليبا لسيلان صليب المصلوب كما قد يحكى عن بعضهم عدم تغسيله و الصلاة عليه. و لا يصار الى تلك الأقوال بعد دلالة النصوص على غير ذلك.

المصلوب بعد القتل لا يغسل

قال المحقق: و من لا يصلب الا بعد القتل لا يفتقر إلى تغسيله لأنه يقدمه أمام القتل.

أقول: و أشكل عليه كما في الجواهر بعدم الفرق بينه و بين من أريد قتله بصلبه في التقديم المزبور بل ظاهر الأدلة الأعم و لذا كان المحكى عن جماعة الإطلاق و هو الأقوى. انتهى.

و الظاهر أن مقصود المحقق ان المحارب إن كان قتله بالصلب فإنه يحتاج إلى الغسل قبله أما إذا قتل قبل الصلب فلا يحتاج إلى غسل آخر، و بعبارة أخرى إذا كان الصلب بعد القتل لا يحتاج إلى غسلين أحدهما للقتل و الآخر للصلب بل

الدر المنضود في أحكام

الحدود، ج 3، ص: 286

يكفيه غسله قبل القتل عنهما و ظاهر عبارة الشرائع أنه إن صلب قبل الغسل و مات بالصلب أو بعد الصلب ينزل و يغسل و إن مات بعد الغسل و القتل فلا يحتاج إلى غسل جديد للصلب.

و ظاهر كلام الجواهر أنه استفاد من كلام المصنف: من لا يصلب إلخ أن الصلب مطلقا لا يفتقر إلى الاغتسال قبله سواء صلب حيا أو ميتا فأشكل عليه بعدم الفرق بين القتل و الصلب و ظاهر الأدلة العموم.

لكن المصنف لم يفرق بين القتل و الصلب الذي به يقتل بل فرق بين الصلب قبل القتل و الصلب بعده و الفرق واضح [1].

ثم إنه قال في المسالك: أن المعتبر من الأيام، النهار دون الليل نعم تدخل الليلتان المتوسطتان تبعا.

أقول: و على هذا فلو تمت ثلاثة أيام مع مضي ليلتين لكفى ذلك و اقتصر عليه و ينزل من الخشبة و اما الليلتان المتوسطتان فهما من باب التبعية فلا دخل لليلة الثالثة في ذلك أصلا بعد تحقق ثلاثة أيام.

إلا أنه ربما يستشكل في ذلك بفعل أمير المؤمنين عليه السلام ففي خبر السكوني المنقولة آنفا أن أمير المؤمنين عليه السلام أنزل الرجل الذي صلبه بالحيرة في اليوم الرابع «1» و على هذا فكيف نقول بلزوم إنزاله عن الخشبة في الثلاثة؟

و فيه أنه لا تصريح في هذا الخبر بأنه عليه السلام صلبه في أول اليوم كي

______________________________

[1] هذا كلامه الشريف في دفتر مذكراته و حاصل الكلام أن الجواهر استفاد من عبارة الشرائع أن المصلوب يحتاج الى الغسل بعد القتل لأنه لا يؤمر بالغسل قبل الصلب. و الحال أن مراد الشرائع هو أن المصلوب يحتاج إلى الغسل قبل الصلب إلا أن يكون مقتولا

فلا حاجة الى الغسل لا قبله و لا بعده لأنه اغتسل للقتل و على هذا فلا يرد عليه الاشكال السابق.

نعم يبقى قوله قبل ذلك كما في الرواية: ينزل و يغسل إلخ و لعله يحمل على فرض الإخلال بالغسل قبله هذا مفاد كلام سيدنا الأستاذ على ما نفهم و العلم عند الله.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المحارب ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 287

يكون دليلا على جواز إبقاء المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام فلعله كان قد صلبه في أثناء اليوم و كان إتمام المنكسر بضم المقدار الباقي من اليوم الرابع.

و في الجواهر: بل ينبغي القطع بها إذا توقف عليها تمام المنكسر بناءا على تلفيقه ضرورة كونها حينئذ كالمتوسطتين بل قد يحتمل ذلك في غيره أيضا بناءا على دخول الليالي في مفهومها فيعتبر حينئذ ثلاثة أيام بلياليها.

ثم قال: أجل إن الظاهر من الروايات المتقدمة هو عدم جواز إبقاء المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام لا وجوب إبقائه ثلاثة أيام و تحتم ذلك و لا يستفاد منها ذلك أصلا و على هذا فالاحتياط يقتضي ترك إبقائه الليلة الثالثة أيضا و ذلك لدوران الأمر حينئذ بين الجائز و الحرام.

لكن فيه أن ذلك لا يتم على القول بلزوم الصلب و ذلك لدوران الأمر هناك بين المتباينين: الواجب و الحرام، و الحكم فيه هو التخيير.

ثم إن من الفروض المتعلقة بالمقام هو كون الثلاثة من يوم صلبه لا من يوم موته و حين وفاته فربما يموت في اليوم الثاني أو الثالث مثلا فلا يكون المبدأ في الثلاثة إلا يوم صلب فيه.

و منها أنه لا فرق بين الأيام الطويلة و القصيرة و

الحارة و الباردة و إن كان يتفاوت ذلك بالنسبة إلى ساعات صلبه لأنه لو كان في الأيام الطويلة لبقي على الخشبة أكثر من الأيام القصيرة و لكن المعتبر بحسب إطلاق الأدلة هو ثلاثة أيام كائنة ما كانت.

و منها أنه لو مات المحارب قبل استيفاء الحد لم يصلب لفوات محل العقوبة و إن قلنا بصلبه بعد القتل لأن المقصود الصلب بعد القتل للإعلان و الاعتبار و لا يتحقق ذلك في الصلب إذا مات حتف أنفه.

لكنه لا يخلو عن كلام و ذلك لعدم فوات محل العقوبة فإن محلها هو بدنه و إنما يتحقق الفوات إذا افتقدت جنازته و بعبارة أخرى إن محل عقوبة القتل قد

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 288

انتفى بالموت لا محل عقوبة الصلب و الاعتبار يحصل بصلبه ميتا كما كان يحصل بصلبه مقتولا فهل ترى من نفسك أن الذي يدفن بعد موته كمن يصلب بعده؟

نعم لو كان الموضوع هو الصلب المتعاقب للقتل لتم ما ذكره و لكن الظاهر أنه مجعول ليكون حاله عبرة للناظرين و تنبها للباقين، و على الجملة فصلب الميت هنا نظير ما ورد من إحراق بعض الموتى.

المسألة السادسة في نفي المحارب

اشارة

قال المحقق: ينفى المحارب عن بلده و يكتب الى كل بلد يأوي إليه بالمنع من مؤاكلته و مشاربته و مجالسته و مبايعته.

أقول: قد عبّر قدّس سره كغيره من العلماء بنفيه عن بلده في حين أنّ تعبير القرآن الكريم هو النفي من الأرض. لكنّ النفي من مجموع الأرض و كلّه غير ممكن لأنّه إلى أين ينفى فهو في الأرض لا خارج عنها فلذا قد يعبّر بأنّه ينفى من بلده الى بلد آخر و هكذا، و على هذا فالنفي عن الأرض كناية عن

عدم تمكينه في استقراره في مكان، و حيث إنه دائما في حال الانتقال و لا يزال ينقل من بلد إلى بلد و لا يخلّى سبيله كي يستقرّ في مكان و على ارض فهو في معنى النفي عن الأرض مطلقا.

بيان ذلك أنّه إذا كان النفي هو الإبعاد من الأرض و كان لا يمكن ذلك أي ابعاده من الأرض جملة و بكلّها فلا بدّ من ان يفعل من ذلك ما يقدر عليه و بحسب الطاقة و الإمكان.

و قد فسّر بعض العامّة النفي عن الأرض بالحبس [1] لإطلاق الخروج عن الدنيا

______________________________

[1] المقرّر: و في الرياض بعد ذكر المعنى الأول: و في رواية أن معناه إيداعه الحبس كما عليه بعض العامة و ادعى عليه الإجماع في الغنية لكن على التخيير بينه و بين المعنى المتقدم انتهى. و قال الشهيد في غاية المراد: و قال بعض الجمهور هو الحبس، قال صالح بن عبد القدّوس و قد حبس على التهم:

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 289

على الحبس مجازا فقد أريد من نفيه عن الأرض سلب حريّته فان المسجون لا ينتفع بشي ء من طيّبات الدنيا.

و هنا قول ثالث و هو أنه يحمل و يقذف في البحر قال الشيخ الصدوق قدس سرّه: و ينبغي ان يكون نفيا يشبه الصلب و القتل يثقل رجليه و يرمى في البحر انتهى كلامه «1».

و هذا الطريق و التفسير للنفي خلاف المشهور و ان كان يدلّ عليه بعض الروايات كما ستقف على ذلك [1].

و اللازم هو المراجعة إلى الروايات و التأمل فيها حتّى يعلم ما هو المستفاد منها:

عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ و جلّ إنّما جزاء

الذين يحاربون الله و رسوله الآية قال: لا يبايع و لا يؤوى (و لا يطعم) و لا يتصدّق عليه «2».

و عن عبيد الله المدائني عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث المحارب قال: قلت كيف ينفى؟ و ما حدّ نفيه؟ قال: ينفى من المصر الذي فعل فيه الى مصر غيره و يكتب إلى أهل ذلك المصر أنه منفي فلا تجالسوه و لا تبايعوه و لا تناكحوه و لا تؤاكلوه و لا تشاربوه فيفعل ذلك به سنة فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتّى تتمّ السنة قلت: فإن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها؟

قال إن توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها «3».______________________________

خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها و لا الموتى

إذا جاءنا السجّان يوما بحاجة لقلنا جاء هذا من الدنيا

و يضعف بأنه خلاف الظاهر.

[1] و ستطلع على أقوال أخر كقول الشيخ في المبسوط فانتظر.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه نشر الجامعة ج 4 ص 68.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حدّ المحارب ح 1.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حدّ المحارب ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 290

و عن إسحاق المدائني عن ابي الحسن عليه السلام نحوه إلا أنّه قال: فقال: له الرجل: فإن أتى أرض الشرك فدخلها؟ قال: يضرب عنقه إن أراد الدخول في أرض الشرك «1».

و عن عبيد الله بن إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام مثله الا أنه قال في آخره:

لفعل به سنة فإنّه سيتوب و هو صاغر، فإن أمّ أرض الشرك يدخلها؟ قال: يقتل «2» و عن عبد الله بن طلحة عن

أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل: إنّما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا، الآية: هذا نفى المحارب غير هذا النفي قال: يحكم عليه الحاكم بقدر ما عمل و ينفى و يحمل في البحر ثم يقذف به لو كان النفي من بلد إلى بلد كان يكون إخراجه من بلد الى بلد عدل القتل و الصلب و القطع و لكن يكون حدّا يوافق القطع و الصلب «3».

و عن بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا نفى أحدا من أهل الإسلام نفاه إلى أقرب بلد من أهل الشرك إلى الإسلام فنظر في ذلك فكانت الديلم أقرب أهل الشرك إلى الإسلام «4».

و عن أبي بصير قال: سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟ قال: ينفى من بلاد الإسلام كلّها فإن قدر عليه في شي ء من أرض الإسلام قتل و لا أمان له حتّى يلحق بأرض الشرك «5».

قال الشيخ المحدث العاملي: هذا و الذي قبله لا تصريح فيهما بنفي المحارب فلعلّ المراد نفي غيره و يمكن الجمع بتخيير الإمام في كيفيّة النفي و بالحمل على التقسيم بأن يكون كلّ نفى موافقا للحدّ الخاصّ بتلك الحالة و هذا أقرب انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حدّ المحارب ح 3.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حدّ المحارب ح 4.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حدّ المحارب ح 5.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حدّ المحارب ح 6.

(5) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حدّ المحارب ح 7.

الدر المنضود في أحكام

الحدود، ج 3، ص: 291

لكن يشكل ما ذكره من عدم التصريح فيهما بنفي المحارب و ذلك لأنّ الظاهر أنّه متعلّق به.

ثم ان مقتضى رواية المدائني عن الرضا انّه يكتب الى أهل المصر الذي نفي اليه ان يجتنبوا عن مجالسته و مبايعته و مناكحته و المؤاكلة معه إلى سنة كما انّ المصرّح به فيها أنّه إن توجّه إلى أرض الشرك قوتل أهلها. و لعلّ ذلك لأنّ من آوى الذي حارب أمّة الإسلام فهو أيضا يحاربهم.

و رواية عبد الله بن طلحة هي التي تدلّ على قذفه في البحر، نعم مقتضاها أنّه يعاقب و ينفى أوّلا ثم يقذف به في البحر.

و أمّا رواية بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام فهي تدلّ على النفي إلى أقرب بلد من أهل الشرك إلى الإسلام.

و لعلّ وجه عمله عليه السلام على ما تقتضيه هذه الرواية هو أن ينفى إلى بلد من الإسلام كان أهلها أبعد من الحضارة الإسلامية و العواطف الإنسانية و صفاء الأخلاق و الرفق و لين العريكة.

ثم إنّ ما ذكره المحقّق قدّس سرّه ربّما يوافق رواية المدائني نعم فيها التصريح بأنه يفعل به ذلك سنة كما أنّ ذلك مذكور في بعض الروايات الأخرى أيضا، و الأكثر لم يقيّدوه بالسنة بل لم يحك ذلك الا عن ابن سعيد [1].

و في الجواهر بعد ذكر ذلك قال: كما لم يحك العمل بما في حسن، جميل.

إلّا عن الصدوق في المقنع.

و حسن جميل هذا: عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ و جلّ: إنّما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم، إلى آخر الآية،

أيّ شي ء عليه من هذه

______________________________

[1] قال في الجامع ص 241 كتاب الجهاد: فإن أخاف و لم يجن نفى من الأرض بأن يغرق على قول أو يحبس على آخر أو ينفى من بلاد الإسلام سنة حتى يتوب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 292

الحدود التي سمّى الله عزّ و جلّ؟ قال: ذلك إلى الإمام إن شاء قطع و إن شاء نفى و إن شاء صلب، و إن شاء قتل، قلت: النفي إلى أين؟ قال: من مصر إلى مصر آخر. و قال: إنّ عليّا عليه السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة «1».

و في المقنع ص 152: و سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ و جلّ:

إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. قال: ذلك إلى الإمام ان شاء قتل و ان شاء صلب و ان شاء نفى قال: النفي إلى أين؟ قال من مصر الى مصر غيره فإنّ عليا عليه السلام نفي رجلين من الكوفة إلى البصرة. انتهى.

فقد صرح بأن النفي هو نفيه من مصر الى غيره.

و لكن في الهداية ص 77: و المحارب يقتل أو يصلب أو يقطع يده و رجله من خلاف أو ينفى من الأرض كما قال الله عزّ و جلّ، و ذلك مفوّض الى الإمام إن شاء صلب و ان شاء قطع يده و رجله من خلاف و ان شاء نفاه من الأرض. انتهى.

فاقتصر هنا على ما هو ظاهر الآية الكريمة و لم يتعرّض لبيان كيفيّة النفي من الأرض.

ثم إنّ في وجه تعرّض صاحب الجواهر لحسن جميل

نوع إجمال فيمكن أن يكون نظره في ذلك اختصاص النفي من مصر إلى مصر المذكور في هذا الخبر و عن فعل أمير المؤمنين عليه السلام فيكون مقصوده قدّس سرّه أنّه لم يحكم العمل بهذه الخصوصية أي كون النفي من المصر الى المصر الا عن الصدوق في المقنع و يمكن ان يكون نظره الى ما اقتصر عليه في حسن جميل من نفيه من المكان الأوّل إلى الثاني في قبال ما ذكر من نفيه عن بلده إلى آخر ثم الى الثالث و هكذا [1].

______________________________

[1] أقول: لعل الظاهر هو الثاني كما يشهد بذلك قوله بعد ذلك: بل قيل هو لا ينافي ما في

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حدّ المحارب ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 293

و أمّا ما ذكره الصدوق قدّس سرّه في الفقيه من تثقيله و قذفه في البحر فلعلّه لخبر عبد الله بن طلحة المذكورة آنفا.

و امّا قوله عليه السلام في هذا الخبر: يحكم عليه الحاكم بقدر ما عمل، فالظاهر أنّ معناه: انّه لو كان هذا المحارب قد ارتكب القتل مثلا فعلى الحاكم أن يقتله طبقا لعمله و لكن لو كان محاربا لم يصدر منه سوى الإخافة و الخروج شاهرا فهناك ينفى بقذفه في البحر، و لكنّ الرواية غير معمول بها الا عن الصدوق رضوان الله عليه.

قال في الجواهر: و لم نعرفه قولا لغيره نعم عن الجامع نفى من الأرض بأن يغرق على قول أو يحبس على آخر أو ينفى من بلاد الإسلام سنة إلخ قال: و لعلّه للعامة.

ثم تعرّض قدّس سرّه لنقل كلام عن الشيخ في المبسوط و حيث إنّه لا يخلو عن فائدة فلذا نحن أيضا ننقله

من المبسوط قال بعد أن عنوان كتاب قطّاع الطريق و افتتح بذكر الآية الكريمة (إنّما جزاء الذين يحاربون الله): و اختلف الناس في المراد بهذه الآية فقال قوم: المراد بها أهل الذمّة إذا نقضوا العهد و لحقوا بدار الحرب و حاربوا المسلمين فهؤلاء المحاربون الذين ذكرهم اللّه في هذه الآية

______________________________

غيره من النفي من كل مصر يقصده إلى آخر و هكذا انتهى. و قد ذكرت ذلك في مجلس الدرس يوم السبت ثالث ج 1- 1410 ه.

ثم ان في هذه الرواية مطالب أخر منها ما تعرض في مرآة العقول ج 23 ص 385 بقوله: (لو كان النفي) لعل هذا استفهام إنكاري لو كان مجرد الإخراج من بلد إلى آخر كيف يكون معادلا للقتل و الصلب بل لا بدّ أن يكون على هذا الوجه المتضمّن للقتل حتى يكون معادلا لهما و لم يقل بهما أحد من الأصحاب سوى ما يظهر عن كلام الصدوق في الفقيه حيث قال: و ينبغي أن يكون نفيا يشبه الصلب و القتل يثقل رجليه و يرمى به في البحر انتهى.

و قد صرّح العلّامة المجلسي بضعف هذا الخبر. و منها قوله: هذا نفي المحارب إلخ و يظهر منه أن النفي جار في غير مورد المحارب أيضا و هو كذلك فإن الزاني ممّن ينفى. راجع 18 وسائل الشيعة باب 24 من أبواب حدّ الزنا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 294

و حكمهم فيما ارتكبوه من المعصية هذه العقوبة التي ذكرها الله. و قال قوم: المراد بها المرتدّون عن الإسلام إذا ظفر بهم الإمام عاقبهم بهذه العقوبة لأنّ الآية نزلت في العرينيّين لأنّهم دخلوا المدينة فاستوخموها فانتفخت أجوافهم و اصفرّت ألوانهم فأمرهم النبيّ عليه و

آله السلام أن يخرجوا إلى لقاح إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها و أبوالها ففعلوا ذلك فصحّوا فقتلوا الراعي و ارتدوا و استاقوا الإبل فبعث النبيّ عليه و آله السلام في طلبهم فأخذهم و قطع أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم و طرح في الحرّة حتّى ماتوا فالآية نزلت فيهم. و قال جميع الفقهاء: إنّ المراد بها قطّاع الطريق و هو من شهر السلاح و أخاف السبيل لقطع الطريق.

و الذي رواه أصحابنا: أنّ المراد بها كلّ من شهر السلاح و أخاف الناس في برّ أو في بحر و في البنيان أو في الصحراء و رووا أنّ اللّص أيضا محارب و في بعض رواياتنا أنّ المراد بها قطّاع الطريق كما قال الفقهاء.

فمن قال: المراد بها قطّاع الطريق اختلفوا في أحكامهم و كيفيّة عقوبتهم فقال قوم: إذا شهر السلاح و أخاف السبيل لقطع الطريق كان حكمه متى ظفر به الإمام التغريب و هو أن ينفى من بلده و يحبس في غيره و فيهم من قال: يحبس في غيره و هذا مذهبنا غير أنّ أصحابنا رووا أنّه لا يقرّ في بلده و ينفى عن بلاد الإسلام كلّها فإن قصد بلاد الشرك قيل لهم: لا تمكّنوه، فان مكّنوه قوتلوا عليه حتّى يستوحش فيتوب.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 3، ص: 294

و ان قتلوا و لم يأخذوا المال قتلوا و القتل يتحتّم عليهم و لا يجوز العفو عنهم و إنّما يكون منحتما إذا كان قصده من القتل أخذ المال و أمّا إن قتل رجلا لغير هذا فالقود واجب غير منحتم

و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف فمتى ارتكبوا شيئا من هذا نفوا من الأرض.

و نفيهم ان يتبعهم أينما حلّوا كان في طلبهم فإذا قدر عليهم أقام عليهم الحدود الّتي ذكرناها و قال قوم: الإمام مخيّر فيه بين أربعة أشياء أن يقطع يده و رجله من

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 295

خلاف و يقتل، أو يقطع من خلاف و يصلب و إن شاء قتل و لم يقطع و إن شاء صلب و لم يقطع، و الأوّل مذهبنا.

الى أن قال: و أمّا قوله أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ معناه إذا وقع منهم في المحاربة ما يوجب شيئا من هذه العقوبات يتبعهم الإمام أبدا حتّى يحدّه و لا يدعه يقرّ في مكان، هذا هو النفي من الأرض عندنا، و عند قوم: المنفي من قدر عليه بعد أن يشهر السلاح و قبل ان يعمل شيئا و النفي عنده الحبس، و الأوّل مذهبنا انتهى. «1»

أقول: فالنفي على ما ذكره الشيخ قدّس سرّه شي ء آخر غير النفي المعروف و ما هو المعهود.

و لا يخفى عليك أنّ هذه المسألة من مشكلات المسائل و ذلك لكثرة تضارب الأخبار و الأقوال، و الجمع بين ظاهر الآية الكريمة و هذه الروايات أمر مشكل كما ان الجمع بينها و بين الكلمات أيضا مشكل بل أصل مسألة المحارب من المشكلات كما صرّح بذلك بعضهم. فترى المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه في شرح الإرشاد بعد تحقيقات له حول كلام العلّامة قال:

و اعلم أنّ تحقيق هذه المسألة مشكل للخلاف فيها و اختلاف الروايات و الآيات بحيث لا يمكن الجمع مع اعتبار سند

في البعض، و لكن لمّا كان الأمر إلى الإمام كما يظهر في الرواية فلا يضرّ إشكاله علينا غاية الأمر أنّه يلزم جهلنا بها، و المجهولات كثيرة فتأمّل انتهى.

و هو قدّس سرّه قد استراح عن هذه المشكلة بكون الأمر موكولا إلى الإمام فإنّ مذهبه أنّ الحدود لا يباشرها و لا يتصدّيها غير الإمام فلا تقام في زمن الغيبة.

لكن ذلك لا ينفع القائل بجريان الحدود حتّى في عصر الغيبة فإنّه يجب إقامتها على العلماء الأعلام، و نوّاب الحجّة عليه السلام، فإنّه على ذلك لا بدّ من تعيين الوظيفة.

______________________________

(1) المبسوط ج 8 ص 47.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 296

و حيث إنّ وضع المسألة على هذا المنوال فلا بدّ من التأمّل التامّ فيها كما و أنّه لا بدّ من ارتكاب نوع من المسامحات في بعض الموارد و إلّا فلا يكاد تلتئم الأدلّة و الأقوال.

و نحن نقول هنا: انّهم اختلفوا في معنى النفي عن البلد على أقوال بعد العلم بعدم إرادة المعنى الحقيقي منه لعدم إمكان نفيه من مطلق وجه الأرض.

أحدها: إنّ المراد منه منعه من الاستقرار في نقطة و بقعة من الأرض و هذا هو الظاهر من عبارة الشرائع كما و انّه يستفاد من بعض الأخبار بل المستفاد منها أنّ لا يؤوى في مكان حتّى في بلاد الشرك فلا يدعونه ينزل بها فالمحارب لا بدّ من ان يكون مطرودا لا يأويه مكان و تضيق به الأرض برحبها إلى أن يموت، و لذا لو آواه المشركون يجب مقاتلتهم على ذلك.

و أمّا الكتابة إلى كلّ بلد يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته و مشاربته و غير ذلك فالظاهر أنّ المراد منه هو التضييق عليه في هذه الأمور كي لا

يكون في رفاهية و راحة و إلا فلو كان المراد هو المنع المطلق فإنه لا يدوم و لا يلبث و لا يعيش الا قليلا و كان يموت بمضيّ يومين أو ثلاثة أيّام مثلا و في الحقيقة كان هذا نوعا من أنواع القتل.

ثانيها: أنّ المراد نفيه من أرض الإسلام. و هذا و إن كان بحسب الثبوت ممكنا بل و ربّما تدل عليه رواية أبي بصير (ب 4 ح 7) حيث ورد فيها: و لا أمان له حتّى يلحق بأرض الشرك إلا أنه خلاف المساق من الآية الكريمة و الروايات فإنّها في مقام بيان العقوبة و من المعلوم أنّ كثيرا ما يعاون المشركون المحاربين و يؤونهم و يهيّئون لهم ما فيه غضارة عيشهم و أنواع ما يقتضي رفاه حالهم فتكون تلك البلاد كهفا و مقرا للمحاربين يستقرّون فيها في أحسن الأحوال و أتمّ العيش و يثيرون فيها الفساد و يعارضون الإسلام و المسلمين بما لا يتيسّر أدناه في دار الإسلام، و على الجملة فهذا لا يناسب مساق الآية الكريمة و لا الروايات خصوصا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 297

بلحاظ ما ورد في بعضها كخبر إسحاق المدائني (ب 4 ح 3) من أنّه إن أراد الدخول في أرض الشرك يضرب عنقه.

هذا مضافا إلى كون ذلك خلاف الفتوى. فهذا القول لا يمكن الأخذ به.

ثالثها: المراد منه إلقائه في البحر و قد دلّت عليه خبر عبد الله بن طلحة (ب 4 ح 5) لكنّها لم يعمل بها سوى الصدوق في الفقيه، و لم يوجد بها قائل سواه. نعم قد قال به ابن سعيد مخيّرا بين الغرق على قول و بين الحبس على قول آخر و بين نفيه من

بلاد الإسلام سنة. و على هذا فلا يصار إليه أيضا [و قال الشهيد في غاية المراد بعد نقل رواية طلحة بن عبد الله: و هذا ضعيف لشذوذه انتهى].

رابعها: ان يكون المراد حبسه و قد مرّ انّه قول بعض العامّة و إن ورد في بعض أخبارنا أيضا.

خامسها: انّ المراد بنفيه نفيه من بلده الى بلد آخر حتّى لا يكون في بلده.

أقول: و هذا لا ينافي القول الأوّل أي نفيه من الأوّل إلى الثاني و منه الى الثالث و منه الى الرابع، فان قوله عليه السلام في حسن جميل: النفي إلى أين؟ قال: من مصر إلى مصر آخر، يلائم دوام نفيه الى البلدان و لا ينافيه.

لا يقال: إنّ ذيل الخبر ينافيه و ذلك لأنّه عليه السلام قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام نفي رجلين من الكوفة إلى البصرة، حيث اقتصر على ذكر البلدتين أي نفيه عليه السلام لهما من الكوفة إلى البصرة [1].

لأنّا نقول: هذا أيضا لا ينافيه و ذلك لأنّه ربما اقتصر على ذكر هاتين و سكت عما عداهما و ما بعدهما و لعلّه كان عليه السلام قد نفاهما بعد ذلك من البصرة الى بلدة اخرى و لم يذكر ذلك في كلام الامام الصادق عليه السلام.

______________________________

[1] أورده هذا العبد يوم 4 من ج 1 سنة 1410 ه و قد أجاب دام ظله بما قرّرناه و ذكرناه لكنه بعد لا يخلو عن كلام و ذلك لأن الإمام الصادق عليه السلام كان في مقام البيان كما يستفاد ذلك من صدر الخبر فكيف اقتصر على ذكر نفيهما من الكوفة إلى البصرة و الحال هذه؟.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 298

ثمّ إنّه قد يقال بأن النفي واجب إلى

أن يتوب لا دائما إلى أن يموت و يدلّ على ذلك بعض الأخبار كخبر عبيد الله بن إسحاق (ح 4) إلا أنّ ذلك مخالف لظاهر الآية الكريمة حيث قال اللّه تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

فان الظاهر منها أنّ التوبة النافعة هي ما إذا كانت مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فالملاك بظاهرها هو التوبة قبل القدرة على المحارب دون بعدها.

و قد يقال بأنّ مقتضى الجمع بين الآية الكريمة و ما حكى من العلماء بل و إنّه مذهب الإمامية كما في مجمع البيان [1] من كون الحكم محدودا و مغيى بالتوبة

______________________________

[1] قال في مجمع البيان ج 2 ص 188 بعد ذكر قوله تعالى: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، قيل فيه أقوال، و الذي يذهب إليه أصحابنا الإمامية أن ينفى من بلد الى بلد حتى يتوب و يرجع و به قال ابن عباس و الحسن و السدّي و سعيد بن جبير و غيرهم و إليه ذهب الشافعي إلخ.

و انا انقل هنا كلام جمع من العلماء الأكابر الدال على انتهاء الحكم بالتوبة:

قال الشيخ في التبيان ج 3 ص 504: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، في معناه ثلاثة أقوال أحدها انه يخرج من بلاد الإسلام ينفى من بلد الى بلد إلى أن يتوب و يرجع و هو الذي نذهب اليه و قال في الخلاف ص 170 مسألة 3: قد بيّنا أن نفيه عن الأرض أن يخرج من بلده و لا يترك ان يستقرّ في بلد حتى يتوب فإن قصد بلاد الشرك منع من دخوله. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.

و قال في النهاية ص 730: بعد ذكر نفيه من بلد إلى بلد و

هكذا و التضييق عليه: فلا يزال يفعل به ذلك حتى يتوب.

و قال المفيد في المقنعة ص 129: و ان شاء نفاهم عن المصر إلى غيره و وكل بهم من ينفيهم عنه إلى ما سواه حتى لا يستقرّ بهم مكان إلا و هم منفيّون عنه مبعدون إلى أن تظهر منهم التوبة و الصلاح.

و قال ابن البرّاج في المهذّب ص 553 بعد ذكر التضييقات: و لا يزال يفعل به ما ذكرناه إلى أن يتوب.

و قال ابن حمزة في الوسيلة ص 206:. و ان لم يجن و أخاف نفى عن البلد و على هذا حتى يتوب.

و قال المحقق في النافع: و ينفى المحارب عن بلده و يكتب بالمنع عن مؤاكلته و مجالسته و معاملته حتى يتوب.

و قال ابن سعيد في جامعه ص 241: فإن أخاف و لم يجن نفى من الأرض. أو ينفى من بلاد الإسلام سنة حتى يتوب. و قد مرّ تمام كلامه في المتن.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 299

هو أنّ التوبة قبل القدرة عليه دافعة للحكم و بعد القدرة عليه في خصوص مورد النفي يكون دافعة.

______________________________

و قال العلامة في القواعد: فلا يباع و لا يعامل و يمنع من مؤاكلته و مشاربته و مجالسته الى أن يتوب انتهى.

و في كشف اللثام بعد ذلك: كذا أطلقه أكثر الأصحاب.

و قال في التحرير ص 233: ينفى المحارب عن بلده و عن كل بلد يقصده و يكتب الى كل بلد يدخله بالمنع من معاملته. إلى أن يتوب.

و قال في التبصرة ص 115: و إذا نفى كتب الى كل بلد بالمنع من معاملته. إلى أن يتوب.

و قال في الدروس ج 2 ص 60: و النفي و يكاتب البلدان التي

يقصدها بالمنع من مؤاكلته و مجالسته إلى أن يتوب.

و في اللمعتين ص 363: و ينفى على تقدير اختيار نفيه أو وجود مرتبته عن بلده الذي هو بها إلى غيرها و يكتب إلى كلّ بلد يصل إليه بالمنع من مجالسته و مؤاكلته و مبايعته و غيرها من المعاملات إلى أن يتوب فإن لم يتب استمرّ النفي الى أن يموت.

و في المسالك: و ظاهر المصنف و الأكثر عدم تحديده بمدّة بل ينفى دائما إلى أن يتوب و قد تقدّم في الرواية كونه سنة و حملت على التوبة في الأثناء و هو بعيد.

و في كشف الغطاء ص 419: رابعها النفي من محله إلى محل آخر و يكاتب أهل المحال بالنهي عن معاملته و مؤاكلته و مجالسته و مخالطته إن لم يتب فان تاب ارتفع الحرج عنه و مع عدم التوبة و العود يكون الخيار بين الثلاثة الباقية.

و قال الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان:. و بين النفي عن بلده الذي حارب فيه ثم يكتب إلى كل بلد يقصده ان يمنعه أهله من مؤاكلته و مشاربته و معاملته و مصاحبته إلى أن يتوب، و في الرواية إلى سنة حملت على التوبة و إلا فإلى أن يتوب لظاهر الآية لعموم النفي قيد بعدم التوبة لبعض الأخبار كأنه الإجماع أيضا. انتهى.

و في الرياض ص 502 بعد كلام النافع المذكور آنفا: فإن لم يتب استمرّ النفي إلى أن يموت.

و مع ذلك كله قال في مباني التكملة ص 324: ثم ان صريح المحقق في النافع و الشهيد الثاني في الروضة تقييد زمان النفي بعدم التوبة فإذا تاب يسقط حكم النفي فيسمح له بالاستقرار في أي مكان شاء و هذا مما لا نعرف له

وجها ظاهرا و مقتضى إطلاق الدليل من الآية و غيرها أن التوبة بعد الظفر به لا أثر لها فيبقى منفيا حتى يموت. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 300

و فيه أنّه و ان قال بانقطاع الحكم بعد التوبة في باب النفي جمع من العلماء و قد دلّ عليه بعض الأخبار أيضا و كونها رافعة و دافعة بالنسبة إلى المقامين إلّا أنّ رفع اليد عن ظاهر الآية الكريمة مشكل، و تخصيص الآيات و إن كان ممكنا إلا أنّ الآية الكريمة لعلّها تكون آبية عن التخصيص و ان كان ذهاب جمع من العلماء الأعلام الى انقطاع الحكم بالتوبة ربّما يشكل ما ذكرناه.

لو قصد بلاد الشرك

قال المحقق: و لو قصد بلاد الشرك منع منها و لو مكّنوه من دخولها قوتلوا حتّى يخرجوه.

أقول: و يدلّ على ذلك رواية المدائني.

السابعة لا يعتبر هنا أخذ النصاب

اشارة

قال المحقّق: لا يعتبر في قطع المحارب أخذ النصاب و في الخلاف يعتبر و لا انتزاعه من حرز و على ما قلناه من التخيير فلا فائدة في هذا البحث و لأنّه يجوز قطعه و إن لم يأخذ مالا.

أقول: إنّ من جملة العقوبات المقرّرة للمحاربة هو قطع الأيدي و الأرجل من خلاف و حيث انّ القطع كذلك من باب المحاربة فلا يعتبر فيه أخذ النصاب و إن قيل بالتفصيل و ترتّب القطع على أخذ المال، خلافا لشيخ الطائفة قدّس سرّه في الخلاف فاعتبر ذلك [1].

______________________________

[1] قال في المسألة 7 من كتاب قطاع الطريق: قد قلنا أن المحارب إذا أخذ المال قطع و لا يجب قطعه حتى يأخذ نصابا يجب فيه القطع في السرقة و للشافعي فيه قولان أحدهما مثل ما قلناه و عليه عامة أصحابه و قال بعضهم يقطع في قليل المال و كثيره و هو قوي أيضا لأن الأخبار وردت أنه إذا أخذ المال وجب قطعه و لم يقيدوا فوجب حملها على عمومها، دليلنا أن ما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع به و ما قالوه ليس عليه دليل، و أيضا قوله عليه السلام: القطع في ربع دينار. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 301

و لكن إطلاق الأدلّة يقتضي الأوّل و ليس الحكم هنا دائرا مدار عنوان السرقة حتى يتوقّف على تحقّق أخذ النصاب بل المدار هنا عنوان المحاربة. كما أنّه لا يعتبر في القتل هنا المكافئة مع اعتبارها في باب القتل و القصاص فلا يقتل الأب بالإبن و لا المسلم

بالكافر هناك و فيما نحن فيه يقتل المحارب مطلقا و إن لم تتحقق المكافئة و الموافقة. و لا يعتبر هنا الأخذ من الحرز لعين ما ذكرناه من انّ القطع هنا ليس من باب السرقة حتّى يعتبر شرائطها كما أنّ القطع هنا ليس مثل القطع في باب سرقة الأموال بل إنّه تقطع يده اليمنى و رجله اليسرى فالقطع هنا يتعلّق باليد و الرجل من خلاف من أوّل الأمر بخلاف باب السرقة فإنّه يؤتى بذلك.

ثم لا يخفى أنّ هذا البحث جار على القول بالترتيب و التفصيل حيث إنّه لا بدّ عليه في القطع من أخذ المال فيجري البحث في أنّه هل يعتبر الأخذ بمقدار النصاب كما اعتبره الشيخ أم لا كما يقوله الآخرون، و أمّا على القول بالتخيير فلا مجال و لا مورد لهذا البحث أصلا و ذلك لأنّ للحاكم على ذلك ان يقطع و ان لم يكن قد أخذ مالا أصلا فضلا عن كونه بمقدار النصاب أم لا.

و المستند هو إطلاق الآية الكريمة و الروايات الشريفة فإنّ على القول بالتخيير يكون مقتضى الآية مثلا ترتّب هذه الأحكام الأربعة التي منها القطع على مجرّد المحاربة بلا اعتبار أخذ المال و كذلك الروايات الدّالة على التخيير كما أنّه على القول بالترتيب و التفصيل يقال بأنّ الآية ساكتة عن ذكر المال فتبقى الروايات المفصّلة المتعرّضة لذلك بلا تعرّض للنصاب أصلا.

ففي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: و من شهر السلاح في مصر من الأمصار و ضرب و عقر و أخذ المال و لم يقتل فهو محارب فجزاؤه جزاء المحارب. «1»

و في خبر عليّ بن حسّان عن أبي جعفر عليه السلام قال: من حارب اللّه و أخذ المال

و قتل كان عليه أن يقتل أو يصلب. «2» إلى غير ذلك من الروايات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حدّ المحارب ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حدّ المحارب ح 11.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 302

في كيفية القطع

قال المحقّق: و كيفية قطعه أن تقطع يمناه ثمّ تحسم ثم تقطع رجله اليسرى و تحسم و لو لم تحسم في الموضعين جاز.

أقول: أما قطع يده اليمنى و رجله اليسرى فهذا هو القطع من خلاف المصرّح به في الكتاب و تجري فيه العلّة المذكورة في قطع اليمنى أوّلا في السرقة و الرجل اليسرى بالسرقة الثانية و هي أنّه لو كان يقطع يده اليمنى و رجله اليمنى لما اعتدل و قام بل سقط على جانبه الأيسر بخلاف ما إذا قطعت اليمنى من يديه و الأيسر من رجليه فإنّه اعتدل و استوى قائماً «1».

و امّا الحسم و هو الكيّ ليقطع دمه فإذا قطع يده حسمه ثم قطع رجله و حسمه.

لكن ذلك ليس بواجب بل جاز تركه في الموضعين لعدم الدليل على ذلك و إن ورد في باب السرقة.

إن قلت: كيف لا يجب ذلك و الحال أنّه يموت بتركه و لم يكن المراد من ذلك قتله فإنّ القطع في قبال القتل و الصلب [1].

نقول: لا بأس بذلك و إن ادّى إلى قتله فكأنّه من أنواع القتل و أقسامه كالصلب. هذا مضافا الى عدم المنع من الحسم من ناحيته فإنّه إن أراد ان يعالج ذلك بنفسه مثلا و يحسم موضع القطع من يده و رجله فلا يمنع من ذلك.

إن قلت: لا خصوصيّة لباب السرقة و قد ورد هناك أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه

السلام بعد أن قطع أيدي سرّاق قال: يا قنبر ضمّهم إليك فداو كلومهم و أحسن القيام عليهم [2].

______________________________

[1] أورده هذا العبد في مجلس الدرس و أجاب سيّدنا الأستاذ بما قررناه في المتن.

[2] وسائل الشيعة ج 18 باب 30 من السرقة ح 3 و قد أورده أيضا هذا العبد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حدّ السرقة ح 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 303

نقول: فرق بين السارق و المحارب فربّما قطع الله سبحانه لطفه عن المحارب رأسا فلا يبالي بكلومه و جراحاته و لا يعتنى بذلك و إن أدّى ذلك إلى قتله [1].

ثمّ إنّه لا تعرّض في الأدلّة هنا بالنسبة إلى موضع القطع من اليد أو الرجل فقد أهمل ذكر أنّه تقطع اليد من أيّ موضع منها و هكذا بالنسبة للرّجل.

و لكنّ الظاهر هو أنّه لا فرق بين المحارب و السارق من هذه الجهة فتقطع يده و رجله على ما تقدّم في باب السرقة [2].

كما أنّه بعد ثبوت كون القطع من خلاف بصريح الآية الكريمة و الروايات الشريفة فحينئذ يبحث في أنّ القطع من خلاف لا يختصّ بالطريق المألوف من قطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى فكيف لا يكون بعكس ذلك بان تقطع يده اليسرى و رجله الأيمن فإنّ القطع من الخلاف يتحقّق بكلتا الصورتين.

و حلّ ذلك أنه و ان لم يكن في الأدلّة ما يدلّ على شي ء هنا و ذلك لسكوت الآية و الروايات عن ذلك و إهمالهما بالنسبة إليه إلا أنّه يستفاد ذلك من أخبار باب السرقة فراجع «1».

و أمّا من حيث البدأة باليد أو الرجل عند اجراء هذا الحدّ فيمكن استفادة ذلك من نفس الآية الكريمة و ذلك

لأنّ مقتضى قوله تعالى: أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، و تقديم الأيدي على الأرجل هو البدءة بقطع اليد و إن لم يكن العاطف فاءا أو ثمّ، الدّالتين على الترتيب لكن الظاهر عند لزوم الإتيان لهذين

______________________________

[1] أقول: و هل هذا إلا مجرّد الإمكان و الاحتمال؟ فكيف يجاب بذلك عما نعلم من عدم ارادة قتله حينما يؤخذ بالقطع.

[2] أقول: قد صرح بذلك بعض الأساطين في كشف الغطاء ص 419 قال: ثالثها القطع من خلاف يد اليمنى من أصول الأصابع الأربعة و الرجل اليسرى من المفصل في قبّة القدم و يترك له العقب و الاولى حسمهما بالدهن انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 ب 5 من أبواب حدّ السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 304

العملين هو الابتداء بما ابتدأ به في كلام الله تعالى و الانتهاء بما انتهى به فيه [1].

ثم إنّه لا إمهال في قطع هذين العوضين و ذلك لانّه حدّ واحد غاية الأمر أنّه مركّب فلا يجوز الفصل بينهما. و على هذا الأساس: لو استحقّ قطع يمناه بالقصاص ثم بعد ذلك. قد قطع الطريق يقدم قطع اليد قصاصا لأنّه حق الناس و لا تصل النوبة إلى قطعها محاربة لتقدّم حقّ الناس فحينئذ لا بدّ من قطع رجله اليسرى من جهة المحاربة بلا فصل و إمهال كما صرّح به في القواعد.

و في الجواهر: و لعلّه لأنّهما و إن كانا حدّين لكن لو لم يكن الحقّ في يمناه بالقصاص لقطعت مع الرجل بلا إمهال و الحاصل أنّ الإمهال تخفيف له و إبقاء عليه و هو بقطع الطريق لا يستحقّه [2].

نعم لو كان هناك حدّان مستقلّان لا تعلّق لأحدهما بالآخر فهناك لا توالي

بينهما و ذلك مثل ما إذا استحقّ يمناه بالسرقة و يسراه بالقصاص فحينئذ يقدّم القصاص لأنّه حقّ الناس خاصّة و يمهل حتّى يندمل جرحه ثم يقطع يمناه بالسرقة فإنّ القصاص و السرقة حدّان مستقلّان و لا توالى بين الحقّين و الحدّين إذا كانا كذلك.

______________________________

[1] أقول: صرح باعتبار البدءة باليد في المبسوط ج 8 ص 48 فقال: و اما قطع يديه و رجليه من خلاف، يقطع يده اليمنى أولا و يحسم بالنار ثم يقطع الرجل بعدها انتهى.

و قال العلامة في التحرير ص 234: يبدأ في قطع المحارب بيده اليمنى ثم يقطع رجله اليسرى.

و يوالي بين القطعين بعد الحسم.

و قال الفاضل المقداد في كنزل العرفان ص 352: القطع مخالفا و هو ان يقطع يمناه أولا حيا ثم يقطع رجله اليسرى. انتهى.

و قال العلامة في القواعد: فاذا قطع بدأ باليد اليمنى ثم يحسم ثم يقطع رجله اليسرى إلخ.

و في كشف اللثام بعد كلمة (اليمنى): كما في المبسوط لأنها أدخل في المحاربة و لما ورد من الابتداء بما بدء الله به انتهى.

أقول: و اللازم هنا الفحص عن هذا الدليل اي الابتداء بما بدء الله به. ثم ان في كشف اللثام بعد ذكر أسطر ادعاء الإجماع على ارادة اليد اليمنى و الرجل اليسرى من النصوص.

[2] أقول: كأنه اتخذ ذلك من كشف اللثام فراجع ج 2 ص 253.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 305

و على الجملة ففي المقام تجب ثلاثة أمور أحدها قطع اليد اليمنى و الثاني قطع الرجل اليسرى و الثالث الاتصال و التوالي بينهما فلا بدّ من مراعاة الأمور الثلاثة و أمّا إذا استحقّ قطع يمناه بالقصاص ثم قطع الطريق فحيث إنّ القصاص حقّ الناس و يقدّم

لا محالة فيقطع يمناه قصاصا فانتفى واحد من موضعي القطع في المحاربة و ذلك لقطع يمناه بسبب السرقة فيبقى الأمران الآخران اعنى قطع الرجل اليسرى و مراعاة الاتّصال بينهما، و انتفاء جزء من الكلّ لا يوجب انتفاء الباقي.

لا يقال: إنّ الحدّ في المقام حيث كان واحدا على ما صرّح به فلازم ذلك هو انتفاء حدّ المحارب إذا استحقّ قطع يمناه بالقصاص ثم قطع الطريق و ذلك لأنّه قد انتفى قطع اليد للمحاربة فلم يبق إلا موضع واحد و هذا لا دليل على وجوب قطعه [1].

و ذلك لأنّا نقول: إنّ الحدّ و ان كان واحدا لكنّه مركّب و إذا انتفى واحد من أجزاء المركّب وجب الإتيان بالباقي مع صدق كونه ميسورا للكلّ.

إذا فقد أحد العضوين

قال المحقّق: و لو فقد أحد العضوين اقتصرنا على قطع الموجود و لم ينتقل الى غيره.

أقول: و قد استدل على ذلك في كشف اللثام ص 252 بانتفاء المحلّ و أصالة عدم الانتقال إلى غيره مع المخالفة لمنطوق النصوص من القطع من خلاف و كونهما بمنزلة عضو واحد فاذا فقد بعض منه لم يجب الّا قطع الباقي. انتهى.

و لو لم يبق له من هذين العضوين شي ء بأن فقدا جميعا ففي الانتقال وجهان أحدهما ذلك، ذهب اليه الشيخ فقال في المبسوط ص 49: فإن كانت الأطراف كاملة قطعنا يده اليمنى و رجله اليسرى، و إن كان هذان الطرفان معدومين قطعنا

______________________________

[1] أورده هذا العبد.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 306

يده اليسرى و رجله اليمنى، و إن كان أحدهما معدوما و الآخر موجودا مثل أن كانت يده اليمنى موجودة و رجله اليسرى مفقودة أو رجله اليسرى موجودة و يده اليمنى مفقودة قطعنا الموجودة منهما وحدها

و لم ينتقل الى غيرها لأنّ العضوين كالواحد بدليل أنّهما يقطعان معا بأخذ المال انتهى.

و قد استدلّ في كشف اللثام ص 252 له بعموم نصّ اليدين و الرجلين و تحقق المخالفة في القطع انتهى. و احتمل هو قدس سرّه السقوط للإجماع على ارادة اليد اليمنى و الرجل اليسرى من النصوص و أصل عدم الانتقال و اندراء الحدّ بالشبهة و لذا نسب في التحرير الانتقال الى الشيخ انتهى.

و امّا عبارة التحرير فهي ما ذكره في ص 234: قال الشيخ رحمه الله: إذا كان الطرفان معدومين قطعنا يده اليسرى و رجله اليمنى انتهى.

الثامنة في المستلب و المختلس و المحتال

اشارة

قال المحقّق: الثامنة لا يقطع المستلب و لا المختلس و لا المحتال على الأموال بالتزوير و الرسائل الكاذبة بل يستفاد منه المال و يعزّر.

أقول: إنّ العناوين الثلاثة المذكورة هنا خارجة عن عنوان المحارب فلا يصدق هو عليها حيث إنّه يعتبر في صدق المحارب الإخافة و شهر السلاح و قصد المحاربة، و المستلب مثلا لا يقصد الإيذاء لصاحب المال بل يقصد ماله و كذا المختلس فهو من يأخذ المال مع غفلة صاحبه و يفرّ، و المحتال هو من يأخذ المال بالاحتيال فلذا لا يجري عليها أحكام المحارب و ان كان قد يرى اختلاف في تفسير هذه العناوين.

فلنراجع الأخبار الواردة في المقام، و هذه الاخبار أوردها المحدّث العاملي في باب السرقة.

ففي باب عنونه بقوله: باب أنّه لا قطع على المختلس علانية و عليه التعزير.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 307

عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: سمعته يقول قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا أقطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة و لكن أعزّره «1».

و عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه

السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اختلس ثوبا من السوق فقالوا قد سرق هذا الرجل فقال: إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة و لكن أقطع من يأخذ ثم يخفى «2».

قوله عليه السلام: ثم يخفى، يمكن أن يكون مجرّدا كما يمكن ان يكون مزيدا فيه من باب الإفعال، و كيف كان فالظاهر أنّ المراد الخفاء حال الأخذ لا بعد ذلك و عليه فينطبق على السرقة المصطلحة التي توجب قطع اليد.

عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أربعة لا قطع عليهم: المختلس و الغلول و من سرق من الغنيمة و سرقة الأجير فإنّها خيانة «3».

و بهذا الاسناد انّ أمير المؤمنين عليه السلام أتى برجل اختلس درّة من أذن جارية فقال: هذه الدغارة المعلنة فضربه و حبسه «4».

عن سماعة قال: قال: من سرق خلسة خلسها لم يقطع و لكن يضرب ضربا شديدا «5».

محمد بن علي بن الحسين بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا قطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة و لكن أعزّره و لكن أقطع من يأخذ و يخفى «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حد السرقة ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حدّ السرقة ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حدّ السرقة ح 3.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حدّ السرقة ح 4.

(5) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حدّ السرقة ح 5.

(6) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حدّ السرقة ح 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 308

عن السكوني عن جعفر عن

أبيه عن علي عليه السلام قال: ليس على الطرّار و المختلس قطع لأنها دغارة معلنة و لكن يقطع من يأخذ و يخفى «1».

ففي الرواية الأولى قد فسّرت الدغارة المعلنة بالخلسة، و في الثانية اقتصر على ذكر الدغارة المعلنة، و في الثالثة عدّ المختلس- بلا تفسير عنه- من الأربعة التي لا قطع عليهم، و في الرابعة جعل الاختلاس الدعارة المعلنة، و في الخامسة أقتصر على ذكر الخلسة فقط، و السادسة كالأولى، و في السابعة علّل عدم القطع في المختلس بأنّها الدغارة المعلنة.

و في الباب المعنون بحكم الطرّار:

عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس على الذي يستلب قطع و ليس على الذي يطرّ الدراهم من ثوب قطع «2».

عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام بطرّار قد طرّ دراهم من كمّ رجل، قال: ان كان طرّ من قميصه الأعلى لم اقطعه و إن كان طرّ من قميصه السافل (الداخل) قطعته «3».

عن منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يقطع النباش و الطرّار و لا يقطع المختلس «4».

عن عيسى بن صبيح قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطرّار و النبّاش و المختلس قال: لا يقطع «5».

و هنا و ان كانت الروايات متعارضة بالنسبة إلى الطرّار مثلا لكن بالنسبة للمختلس لا تعارض في البين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 12 من أبواب حدّ السرقة ح 7.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 13 من أبواب حدّ السرقة ح 1.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 13 من أبواب حدّ السرقة ح 2.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 13 من أبواب حدّ

السرقة ح 3.

(5) وسائل الشيعة ج 18 باب 13 من أبواب حدّ السرقة ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 309

و في بعض أبواب أخر أيضا ما يناسب المقام ففي ب 14 ح 2 عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أربعة لا قطع عليهم: المختلس و الغلول و من سرق من الغنيمة و سرقة الأجير فإنها خيانة «1».

و هو عين الحديث الثالث من الباب 12.

و حاصل المطلب أنّه كلّما صدقت المحاربة بمعناها و تفسيرها الخاصّ يحكم على مرتكبها بحكم المحارب و لو صدق عنوان السرقة فيحكم بقطع اليد و بدون سبق هذين العنوانين يعزّر و يضمن ما أخذه لصاحبه بل و لو شك في صدق العنوانين لا يجري حكمهما فضلا عن التصريح في هذه الروايات بعدم القطع في المختلس كما ذكر ذلك كثيرا أو المستلب كما في ح 1 من الباب 13، أو الطرّار كما في بعض الأخبار المتقدّمة.

و امّا تفسير هذه العناوين فلا يهمّنا بعد أنّ حكم المحارب و السارق معلوم و لا يجري بدون القطع و العلم بصدق العنوانين و تحقّقها، و إن كان الظاهر من الطرّار هو ما يسمّى في الفارسية ب جيب بر و أمّا المستلب و المختلس فقد اختلف في تفسيرهما و حيث إنّ الحكم هو التعزير فسواء كانا واحدا أو متعددا فلا أثر لذلك في المقصود فإنّ من المسلّم عدم القطع كما لا يجري هناك حكم المحارب.

نعم في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال في رجل استأجر أجيرا و أقعده على متاعه فسرقه قال: هو مؤتمن و قال في رجل أتى رجلا و قال:

أرسلني فلان

إليك لترسل اليه بكذا و كذا فقال: ما أرسلته إليك و ما أتاني بشي ء فزعم الرسول أنّه قد أرسله و قد دفعه إليه فقال: إن وجد عليه بينّة أنّه لم يرسله قطع يده و معنى ذلك أن يكون الرسول قد أقرّ مرّة أنّه لم يرسله و إن لم يجد بيّنة فيمينه بالله ما أرسلته و يستوفي الآخر من الرسول المال، قلت: أ رأيت ان زعم أنّه إنما حمله على ذلك الحاجة فقال: يقطع لأنّه سرق مال الرجل «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 14 من أبواب حدّ السرقة ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 15 من أبواب حدّ السرقة ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 310

و من المعلوم أنّ هذا المورد من جملة العناوين المذكورة لا من باب السرقة المصطلحة حتّى يحكم بالقطع فإنّه من باب الاحتيال على الأموال بالرسالة الكاذبة و التزوير في أخذ المال.

و قد حمل شيخ الطائفة الرواية على قطعه لإفساده لا لسرقته [قال قدّس سرّه بعد ذكرها: فالوجه في هذا الخبر ان نحمله على انّ من يعرف بذلك بأن يحتال على أموال المسلمين جاز للإمام أن يقطعه لأنّه مفسد في الأرض لا لأنّه سارق لانّ هذه حيلة و ليست بسرقة يجب فيها القطع] [1].

لكن هذا الحمل مشكل و ذلك لأنّه بعد أن علّل الإمام عليه السلام القطع بالسرقة قائلًا: يقطع لأنّه سرق مال الرجل، فكيف يحمل على أنّ الفساد هو العلّة في ذلك دون السرقة؟! و لعلّ نظره الشريف إلى أنّ السرقة بعد أن لم تكن واجدة لشرائط القطع فربّما تكون من مصاديق الفساد في الأرض و المقام كذلك و إلا فهل يمكن ان يقال إنّه قدّس

سرّه- مع مقامه السامي و شأنه الرفيع- لم يلتفت إلى تعليل الرواية بالسرقة مع هذا الظهور أو الصراحة؟.

في المبنّج و من سقى غيره مرقدا

قال المحقق: و كذا المبنّج و من سقى غيره مرقدا لكن إن جنى ذلك شيئا ضمن الجناية.

أقول: قد ذكر أوّلا عناوين خاصّة كالمستلب و غيره مصرّحا بأنّه لا قطع في تلك الموارد، و هنا يقول بانّ المبنّج و من سقى غيره المرقد أيضا كذلك اي لا تقطع يدهما.

______________________________

[1] راجع الاستبصار ج 4 ص 243 و العجب انه مع نقله الرواية في التهذيب ج 10 ص 109 لم يتعرض أصلا لحملها على ذلك.

ثم ان في كشف اللثام حمله على انه قضية في واقعة اقتضت المصلحة فيها القطع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 311

و المبنّج هو من أشرب غيره البنج و هو معرّب البنگ و هو في الأصل حبّات يورث شبه الإسكار و يسلب شعور الشارب و التفاته بحيث لا يدري ما يقول و ما يفعل، و معروف بين الناس كالمثل السائر يقال لمن يتكلّم بما لا يعني و لا مفهوم له:

ا فهل شربت البنگ؟

و المرقد هو ما يورث الرقود. فمن أشرب غيره البنج أو المرقد فأخذ مالهما في حال السكر أو الرقود فإنّه و إن فعل محرّما و كان ضامنا لهذا المال المأخوذ منه لكن لا حدّ عليه فأمره موكول إلى نظر الحاكم الشرعي كما أنّه يضمن ما يصيب الشارب بسبب هذا البنج أو المرقد من نقصان عقل أو عضو أو حسّ، و على الجملة فالموارد المذكورة لا تقطع فيها يد المجرم و إن كانت مقرونة بأخذ المال فليس كلّ أخذ مال بسرقة و لا كل آخذه سارقا يترتب عليها قطع اليد كما و أنّه لا

يصدق على تلك الموارد عنوان المحارب فلا يجري فيها أحكامه.

نعم بناءا على ما حمل الشيخ القطع في رواية الحلبي أي الفساد لا لسرقته فالمبنّج و الساقي غيره المرقد مفسدان في جنايتهما بهذه الكيفية.

ثم انه حيث حمل الشيخ رواية الحلبي على من أفسد في الأرض و وجّه قطع اليد في هذه الموارد بأنّه مفسد فهنا يناسب ان نتعرّض لبحث المفسد في الأرض حيث انّ المستفاد من كلامه أنّ الفساد في الأرض عنده سبب خاص للحدّ في قبال المحارب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 313

المفسد في الأرض

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 315

الكلام حول المفسد في الأرض

بعد أن ثبت أن عنوان المحاربة موجب لترتّب الأحكام الخاصة و الحدّ الخاصّ، فهل عنوان المفسد في الأرض أيضا عنوان خاصّ يترتّب عليه الحدّ الخاصّ اي التخيير في مجازاته بين الأمور الأربعة أم لا؟.

قد يقال بأنّهم قدّس الله أسرارهم أهملوا هذا العنوان و لم يتعرّضوا له في كلماتهم.

و فيه أنّه قد تعرّض بعضهم له و عنونه كذلك، و ذلك مثل إشارة السبق و و الوسيلة فقال الشيخ علاء الدين الحلبي: و المفسدون في الأرض كقطّاع الطرق و الواثبين على نهب الأموال يقتلون إن قتلوا فإن زادوا على القتل بأخذ المال صلبوا بعد قتلهم و يقطعون من خلاف إذا تفرّدوا بالأخذ دون القتل و إن لم يحدث منهم سوى الإخافة و الإرجاف نفوا من بلد الى بلد و أودعوا السجن إلى أن يتوبوا أو يموتوا انتهى «1».

______________________________

(1) اشارة السبق ص 144.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 316

ترى انّه قدّس سرّه عنون المسألة بعنوان المفسدون في الأرض لا المحارب.

و قال ابن حمزة في الثاني: فصل في بيان أحكام

المفلّس و النبّاش و المحتال و المفسد و الخناق و المبنّج «1».

فذكر قدّس سرّه مع هذه العناوين: عنوان المفسد، و قال بعد ذلك: و المفسد المحارب إلخ فقد عبّر عن المحارب بالمفسد.

و كيف كان فالبحث تارة في الموضوع و أخرى في الحكم.

امّا الأوّل فنقول: إنّه ليس المراد من الفساد هو عنوانه العام و مفهومه الوسيع الذي يشمل الإتيان بكلّ معصية من المعاصي و لا شك في ذلك بل المراد منه ما كان منه في مسير اختلال نظام المجتمع بحيث يوجب سلب الثبات و القرار على الناس، و بتعبير آخر المراد هو كلّ عمل لو شاع مثله بين الناس انحلّ نظام المجتمع.

و لا بدّ في مقام ترتيب الحكم من إحراز الموضوع بأن يكون لهذا الفساد مفهوم معين ظاهر عرفي ينطبق على مصاديقه أو تعيين ذلك على لسان الشرع و في الأخبار الواردة كبيع الزوجة نعوذ بالله مثلا.

و ليعلم أنّ النسبة بين المحاربة و الفساد في الأرض هو العموم و الخصوص فإنّه لا شك في أنّ المحارب مفسد في الأرض، و المحاربة أجلى مصداق له في حال أنّه ليس كل مفسد محارب، و البحث فعلا في الفساد المفترق عن المحاربة.

و أمّا من جهة الحكم فما يمكن ان يستند عليه و يتمسّك به في المقام بعض الآيات و الروايات.

فمن الأولى قوله تعالى في الآية المبحوث عنها: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ.

تقريب الاستدلال انّ قوله تعالى: وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً، عنوان مستقل في قبال المحاربين فما كان للمحارب من الأحكام الأربعة فهو للمفسد.

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل

الفضيلة ص 423.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 317

و لكن الظاهر انّ الاستدلال بها غير تام و ذلك لأنّ قوله تعالى: و يسعون إلخ تجري فيه ثلاثة احتمالات:

أحدها: ان يكون في مقام التعليل للحكم المترتّب على المحاربين، و عليه فالحكم المذكور في الآية للمحارب جار عليه بسبب أنّه مفسد في الأرض، و بتعبير آخر:

إنّما يعاقب المحارب بأحد الأمور الأربعة لأنّه قد أفسد.

ثانيها: أن يكون امرا مستقلا معطوفا على: الذين يحاربون الله و رسوله فيكون الواو في حكم (أو) و على هذين الاحتمالين يجري على المفسد حكم المحارب و يكون الحكم لهما.

ثالثها: أن يكون عطفا تفسيريا لسابقه فهو شارح و بيان للمحارب و على هذا فليس هنا عنوان آخر متعلّقا للأحكام سوى المحارب، و لا بعد في ذلك أصلا فإنّ الواو في: و يسعون، ربّما تكون كالواو في: و رسوله، فهل المحاربة بالنسبة إلى الرسول أمر آخر وراء المحاربة بالنسبة لله تعالى؟ معلوم أنّ محاربة الرسول ليست مباينة لمحاربة الله بل هي هي، و الثانية كالتفسير للأولى فإنّ المحارب بعمله الخبيث يحارب ثلاثا: يحارب الله، و يحارب رسول الله، و يحارب عباد الله، كما في كل مورد يحارب الإنسان مأمورا و ممثّلا لأحد فإنّه قد حارب المأمور و حارب الآمر بمحاربة المأمور. فكذلك السعي بالفساد في الأرض تبيين لها.

فالمفسد في الأرض الذي لا يكون محاربا لا يستفاد حكمه من الآية الكريمة، و مع وجود هذا الاحتمال يحصل الإجمال للآية الكريمة و لم يبق لها ظهور في الوجه الأوّل أو الثاني كي يحكم عليه بعين حكم المحاربين، و تأدية المطالب بهذه الصورة عرفية فهو مثل ان يقال: من شرب الخمر و سكر فهو كذا، و

من المعلوم أنّه ليس المراد من هذه العبارة إفادة مطلب جديد و إنّما هو للإشارة إلى أثر الأوّل و ما يترتّب عليه.

و منها قوله تعالى بعد ذكر حكاية ابني آدم و قتل هابيل بيد أخيه قابيل: من أجل

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 318

ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعا «1».

تقريب الاستدلال انّ قتل أحد إذا لم يكن للقصاص فهو في حكم قتل جميع الناس، و كذا قتله لا لأجل الفساد في الأرض، فإنّه في حكم قتل جميع الناس و من قتل جميع الناس فإنّه يقتل لا محالة لأنّه لو قتل واحدا كان يقتل فكيف بمن قتل جميع الناس فلا ينكر وجوب قتله إلا من حيث إنّه لم يبق أحد حتى يقتله! و فيه أنّ الآية الكريمة بصدد أكبار شأن قتل الأشخاص بغير نفس، و في مقام بيان عظمة هذه المعصية اي معصية السعي في الفساد في الأرض و لا تعرّض فيها لجزاء المفسد أصلا و لو فرض دلالتها على وجوب القتل فلا دلالة فيها على جريان حكم المحارب اي العقوبات الأربعة على المفسد و ليست في مقام بيان عقوبة المفسد و جزاءه و أنّه كالمحارب في ترتب الأحكام الأربعة عليه و ان سلّمنا دلالتها على لزوم القتل فلا دلالة فيها على جريان الأحكام الأربعة و لكن الظاهر من سياق الآية أنّها ليست في مقام بيان الجزاء بل بصدد أكبار القتل و الفساد في الأرض و عليه فهي بمعزل عمّا نحن بصدده.

و امّا الثانية أي الروايات فمنها رواية المدائني عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: سئل عن قوله الله

عزّ و جلّ: إنّما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا الآية فما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع؟ فقال:

إذا حارب الله و رسوله و سعي في الأرض فسادا إلخ «2».

و لكن هذه الرواية و إن كانت متضمّنة لعبارة: السعي في الأرض فسادا، إلا أنّها لم تزد على لفظ الآية شيئا، و في الحقيقة هي ليست جوابا عما سأله السائل بل أتى في الجواب عين ما هو مورد السؤال و لم يبيّن الإمام عليه السلام له كيفية

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 32.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حدّ المحارب ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 319

المحاربة و السعي، بإراءة مصداق لذلك و لعله عليه السلام كان في ظروف و أحوال يرى المصلحة في إعراضه عليه السلام عن جوابه أو لم يكن الراوي متحمّلا لجوابه عليه السلام.

و على الجملة فهذه الرواية لا يصحّ التمسك بها في المقام أصلا.

و منها رواية العيون عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: و لا يجوز قتل أحد من النصّاب و الكفّار في دار التقيّة إلا قاتل أو ساع في فساد و ذلك إذا لم تخف على نفسك و أصحابك «1».

و هذا الخبر يفيد جواز قتل القاتل و الساعي في الفساد بل لعلّه يستفاد من الفرق بينهما و بين الكفّار و النصّاب و الحكم بعدم جواز قتل الكفّار و النصّاب في دار الكفر و جوازه في مورد القاتل و الساعي إذا لم يكن خوف على نفسه أنّه يقل التقيّة في الموردين فإنّ قتل القاتل أو الساعي في الفساد أمر يتّفق الكلّ فيه.

بقي الكلام فيما قاله بعض العلماء

بالنسبة الى بعض الاخبار السابقة الآمرة بقطع اليد من حملها على المفسد في الأرض.

لكن بعد عدم تعرّض الأكثر لهذا العنوان و عدم وروده في كلماتهم و أنّهم لم يجعلوه عنوانا مستقلا في قبال المحارب يشكل القول بجريان الحدّ على المفسد غير المحارب الا أنّه حيث كان من المعاصي بل و من أعظمها فلا محالة يعزّر من كان كذلك حتّى يرتدع عن عمله.

و أمّا الموارد الخاصّة كسرقة الحرّ المذكورة في الروايات فهناك نقول إنّها بعنوانها الخاصّ محكومة بحكمها الخاصّ الوارد في الأدلّة و إن انطبق عليها عنوان المفسد أيضا كما أنّهم قدّس الله أسرارهم عنونوا هذه الموارد تحت عنوانها الخاصّ المذكور في الأدلّة كسرقة الحرّ مثلا و غير ذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حدّ المرتد ح 2 و عيون اخبار الرضا 2- 124.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 321

حد المرتد

اشارة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 323

القسم الثاني من كتاب الحدود- و الكلام الآن في المرتد-

قال المحقق: فيه أبواب الباب الأوّل في المرتدّ و هو الذي يكفر بعد الإسلام و له قسمان الأوّل من ولد على الإسلام و هذا لا يقبل إسلامه لو رجع و يتحتّم قتله و تبين منه زوجته و تعتدّ منه عدّة الوفاة و تقسم أمواله بين ورثته و ان التحق بدار الحرب أو اعتصم بما يحول بين الإمام و قتله.

أقول: البحث هنا في موارد أحدها في الموضوع و الآخر في أقسامه و ثالثة في الأحكام.

أمّا الأوّل فالارتداد هو الردّ و الرجوع و قد عرّفوا المرتدّ بأنّه الذي يكفر بعد الإسلام فهو في الحقيقة قد ردّ الإسلام و رجع عنه إلى الكفر و عدل عنه اليه.

و

لا فرق في ذلك بين أن يكون من قبل إسلامه كافرا ثم أسلم و الآن رجع عن الإسلام أو لم يسبق إسلامه الكفر بأن كان مسلما من الأوّل و لا يزال كان على إسلامه إلى أن ارتدّ و عدل عنه، و ذلك لصدق الرجوع و الردّ في الموردين بلا فرق بينهما.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 324

و لا بدّ من ثبوت ذلك في إجراء الأحكام. و طريق ثبوته أمّا البيّنة على ذلك أو إقراره بنفسه بأنّه قد كفر و خرج عن الإسلام أو إتيانه بفعل دال صريحا على الاستهزاء بالدين و الاستهانة به و رفع اليد عنه كإلقاء المصحف في المقذر و تمزيقه و استهدافه و وطئه و تلويث الكعبة المشرفة و الضرائح المقدسة أو السجود للصنم و عبادة الشمس و غير ذلك من الأفعال و لا يحتاج بعد أن سجد لغير الله سبحانه الى الاعتقاد بربوبيته كما يدلّ على ذلك خبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام:

أنّ رجلين من المسلمين كانا بالكوفة فأتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فشهد أنّه راهما يصليان للصنم فقال له: ويحك لعلّه بعض من تشبه عليك:

فأرسل رجلا فنظر إليهما و هما يصليان الى الصنم فاتى بهما فقال لهما: ارجعا، فأبيا فخدّ لهما في الأرض خدّا فأجّج نارا فطرحهما فيه «1».

نعم لا بدّ من كون الفعل صريحا في رجوعه عن الإسلام و إقباله إلى الكفر، و لم يتعرضوا للكتابة، و لكن الظاهر أنّه لا فرق بين الفعل و الكتابة بل هي من أنواعه.

ثم إنّ الأمر يشكل بالنسبة لعصرنا هذا الذي قد كثر و شاع هذا الأمر فيستهزءون بالدين و يسخرون من أحكام الشرع بمجرّد ما

شاهدوا شيئا- لا يلائم طباعهم- من أهل الشرع و رجال الدين أو من بيدهم أمور المسلمين، و ربّما يقولون بانّا رفعنا اليد عن الإسلام أو الدين أو تركنا الصلاة أو غير ذلك، أو إنا نرفع اليد عن ذلك، أعاذنا الله و المسلمين من فتن الزمان و تغاير الأمور و سوء العاقبة.

و كذا يثبت الكفر بالقول الدال صريحا على جحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة أو على اعتقاده ما يحرم اعتقاده بالضرورة من الدين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 9 من أبواب المحارب ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 325

بل و الحق بعضهم إنكار ما علم أنّه ضروريّ المذهب و رتّب عليه أحكامه.

و في الجواهر بعد قول المصنّف: (المرتد و هو الذي يكفر بعد الإسلام): سواء كان الكفر سبق إسلامه أم لا. ثم قال: و يتحقق بالبيّنة عليه و لو في وقت مترقّب أو التردّد فيه و بالإقرار على نفسه بالخروج عن الإسلام أو ببعض أنواع الكفر.

و بكلّ فعل دال صريحا على الاستهزاء بالدين و الاستهانة به و رفع اليد عنه. و ان لم يقل بربوبيتها [1].

ثم انّ ما ذكرناه في تعريف المرتدّ و بيان حقيقته المستفاد من الشرائع و الجواهر

______________________________

[1] أقول: إن عبارة الجواهر في الطبعة القديمة و الحديثة كذلك: و يتحقق بالبيّنة عليه و لو في وقت مترقب أو التردد فيه.

و لعل معناها على هذا أنه يتحقق الكفر و يثبت بقيام البينة عليه و ان كان ذلك أي كفره في وقت مترقب فتارة يقوم البينة على أنه كافر أو أنه قد كفر، و أخرى على أنه سيكفر بالليل أو بالغد، و قوله:

أو التردد فيه اي بالبينة على أن فلانا

قد تردد في الكفر بعد إسلامه.

لكن في الروضة 2- 368: و الكفر يكون بنيّة و بقول كفر و فعل مكفر- اي موجب للكفر- فالأول العزم على الكفر و لو في وقت مترقب و في حكمه التردد فيه، و الثاني كنفي الصانع لفظا أو الرسل. و الثالث ما تعمّده استهزاء صريحا بالدين أو جحودا له كإلقاء مصحف أو بعضه بقاذورة قصدا و سجود لصنم. إلخ.

و ربّما يبدو في الذهن أن يكون عبارة الجواهر أيضا غلطا مطبعيا بان يكون الصحيح: و يتحقق بالنيّة عليه إلخ و على هذا فتوافق عبارة الجواهر عبارة الروضة و ان كان ذكر الإقرار بعد ذلك في عبارة الجواهر ربّما يرجح صحّة العبارة لكن يمكن الملائمة بين ذكر الإقرار و كون اللفظ الصحيح هو النيّة و على ذلك فكأنه قال: يتحقق الكفر بعزمه على الكفر و نيّة ذلك و إن كان في وقت يأتي و زمان قابل و كذلك يتحقق كفره بإقراره على نفسه بالخروج عن الدين و بكل فعل دال صريحا إلخ و بكل قول كذلك. نعم ذكر لفظ (على) ربّما يوهم أن الصحيح هو البينة فإنّ النيّة تتعدّى بدون لفظة على و كيف كان فالأمر سهل.

و في دفتر مذكرات سيدنا الأستاذ الأكبر: و ظاهر عبارته أن الكفر يتحقق بالبينة و الحال أن الكفر لا يتحقق بها و انما هي طريق إليها كما أن الإقرار أيضا كذلك و الظاهر أن النسخة غلط، و الصحيح النيّة انتهى و يأتي في المتن ما يتعلق بذلك إن شاء الله.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 326

مذكور في سائر الكتب و على لسان غيرهما أيضا من العلماء و الأساطين رضوان الله عليهم أجمعين.

ففي الدروس المرتدّ

و هو من قطع الإسلام بالإقرار على نفسه بالخروج منه أو ببعض أنواع الكفر سواء كان ممّا يقرّ اهله عليه أو لا، أو بإنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة أو بإثبات ما علم نفيه كذلك أو يفعل ذلك صريحا للشمس و الصنم، و إلقاء المصحف في المقذر قصدا، و إلقاء النجاسة على الكعبة أو هدمها، أو إظهار الاستخفاف بها انتهى.

و قال في الروضة- مزجا- الارتداد و هو الكفر بعد الإسلام أعاذنا الله ممّا يوبق الأديان. و الكفر يكون بنية و بقول كفر و فعل مكفر فالأوّل العزم على الكفر و لو في وقت مترقّب و في حكمه التردّد فيه. و الثاني كنفي الصانع لفظا أو الرسل و تكذيب رسول و تحليل محرّم بالإجماع كالزنا و عكسه كالنكاح و نفي وجوب مجمع عليه كركعة من الصلوات الخمس و عكسه كوجوب صلاة سادسة يوميّة، و الضابط إنكار ما علم من الدين ضرورة.

و امّا أقسام المرتدّ فهو على قسمين: فطريّ و ملىّ و الأوّل قد عرّفه. المحقّق بأنّه من ولد على الإسلام و ظاهر ذلك كفاية مجرّد ولادته عن أبوين مسلمين في صدق الفطري و جريان أحكامه و كذا إذا كان أحدهما مسلما حين ولادته و هو الظاهر من عبارة كشف اللثام مع إضافة: أن يصف الإسلام بعد أن بلغ، قال:

و المراد به من لم يحكم بكفره قطّ لإسلام أبويه أو أحدهما حين ولد و وصفه الإسلام حين بلغ إلخ.

و عليه فلا يكون مرتدّا إلا إذا ولد مع إسلام أبويه أو أحدهما و ثمّ وصف الإسلام و اعترف به بعد بلوغه، فزاد هو قيدا زائدا.

قال في الجواهر: و كأنّه أخذ القيد الثاني ممّا تسمعه في بعض النصوص

من الرجل، و المسلم، و نحوهما ممّا لا يصدق على غير البالغ بل ليس في النصوص

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 327

إطلاق يوثق به في الاكتفاء بصدق الارتداد مع الإسلام الحكمي و لعلّه لا يخلو عن قوّة انتهى.

[و فيه نظر و لا مانع من إسلام المميّز و لذا قال جمع بصحّة عبادته و إن رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم، و الأقوى ما عن المسالك و القواعد و غيرهما] [1].

ثمّ إنّه تظهر الثمرة فيما إذا كان أبواه مسلمين حين ولادته لكنّه بلغ و لم يصف الإسلام بل كفر بعد بلوغه بلا سبق وصف الإسلام فإنّه لا يكون مرتدا فطريّا حتّى يقتل مثلا.

و ظاهر عبارة المسالك هو اعتبار الإسلام عند الانعقاد، قال في تعريف الفطري: فالأول ارتداد من ولد على الإسلام بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه و هذا لا يقبل إسلامه انتهى، كما انه رحمه الله لم يعتبر وصف الإسلام بعد البلوغ.

و قال العلّامة أعلى الله مقامه عند ذكر التبعية في الإسلام: إنّ النظر هنا في أمور ثلاثة الأول إسلام الأبوين أو أحدهما و ذلك يقع على وجهين:

أحدهما أن يكون الأبوان أو أحدهما مسلما حال علوق الولد فيحكم بإسلام الولد لأنّه جزء من مسلم فإن بلغ و وصف الإسلام فلا بحث و إن أعرب عن نفسه بالكفر و اعتقده حكم بارتداده عن فطرة يقتل من غير توبة و لو تاب لم تقبل توبته.

و الثاني أن يكون أبواه كافرين حالة العلوق ثم يسلما أو أحدهما قبل الولادة أو بعدها إلى قبل البلوغ بلحظة فيحكم بإسلام الولد من حين إسلام أحد الأبوين و يجري عليه أحكام المسلمين فيقتص له من المسلم لو قتله و

يحكم له بدية المسلم و يرث قريبه المسلم. و لا شك في أنّ الولد يحكم له بالإسلام إذا كان أبواه أو أحدهما مسلما بالأصالة أو تجدّد إسلامه حال علوق الولد فإذا بلغ الولد و وصف

______________________________

[1] هذه القسمة من دفتر مذكرات سيدنا الأستاذ الأكبر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 328

الإسلام تأكّد ما حكم به و انقطع الكلام، و إن أعرب الكفر فهو مرتدّ عن فطرة يقتل في الحال، و إن كان الأبوان كافرين و علقت الأمّ به قبل إسلام أحدهما ثم أسلم أحدهما بعد العلوق و قبل بلوغ الصبي فإنه يحكم على الصبيّ بالإسلام من حين إسلام أحد أبويه فإذا بلغ فإن أعرب بالكفر فهو مرتدّ، و هل يقبل توبته و يكون ارتداده كارتداد من أسلم عقيب كفره أو يكون مرتدا عن فطرة لا تقبل توبته و يكون ارتداده كارتداد من هو مسلم بالأصالة لا عقيب كفره حالة بلوغه؟

الأقوى الأول لأنّه كافر أصلي حكمنا بكفره أوّلا ثم أزيل كفره بالتبعية فإذا استقلّ انقطعت التبعية فوجب أن يعتبر بنفسه «1».

و نحن نقول: العبائر كما ترى مختلفة فقد يذكر وصف الإسلام بعد البلوغ أيضا و يعتبر هو أيضا شرطا في صدق كون ارتداده فطريّا فبدونه يكون ارتداده مليّا كما أنّهم قد يذكرون في كلماتهم حال الولادة و قد يقيّدون إسلام الأبوين أو أحدهما.

و يظهر من العبائر أنّ نظرهم من إسلام الصبيّ هو التبعيّة و كونه في حكم المسلم و لذا ربّما يعتبرون وصف الإسلام بعد بلوغه و الحال أنّ الصبيّ إذا كان ممّن يعقل و يتميز و اعترف بالتوحيد و الرسالة و اعتقد بذلك فهو مسلم حقيقة لأنّه قد اعتقد بالله و بالنبيّ الخاتم صلى

الله عليه و آله و سلم، و المفروض أنّه أقرّ بالشهادتين في حال كونه مميّزا و لم يكن ممّن لا يعقل و لا يتميّز حتّى لا يصدق عليه المسلم، و على الجملة فإنّه و إن لم يكن مكلّفا فلا يعاقب لو لم يعتقد و لم يعترف حال صباه إلا أنّه لو أعتقد و اعترف فإنّه يقبل منه و يكون مسلما و قد افتى جمع من العلماء الأعلام بصحّة عبادات الصبيّ.

و أمّا رفع القلم عن الصبيّ فهو ناظر إلى التكليف و العقاب، و قد ذكرنا أنّه لا تكليف و لا عقاب عليه و لا يدل على عدم تحقّق إسلامه أو عدم قبوله منه، و بعبارة

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 274.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 329

أخرى هو متعلّق بما فيه جهة العقوبة و المجازات لا أنه يرفع ما كان فيه جهة الثواب و عنوان رحمة الله تعالى الواسعة.

و امّا عمد الصبي خطأ، فهو أيضا غير متعلق بالمقام بل هو راجع إلى ما يوجب العقوبة و الالتزام فلذا يكون ارتداده في حال صغره كعدم الارتداد و مسلوب الأثر و امّا إسلامه فلما ذا لم يقبل؟.

و العجب أنّه قد صار أمر الصبيّ و شدّة ذكائه و فطانته إلى أن اشتهر أنّ بعضا من العلماء قد نالوا مرتبة الاجتهاد و الفقاهة من قبل أن يبلغ، و مع ذلك يتردّد في قبول إسلامه! و عليه فيمكن أن يكون الطفل مجتهدا و لا يمكن أن يكون مسلما و هذا ممّا يبعد الالتزام به جدّا.

و على ما ذكرنا فالإسلام هنا إسلام حقيقي لا حكمي، فارتداده بعد البلوغ ارتداد المسلم عن إسلامه و إقباله إلى الكفر و هو من

قبيل المرتدّ الفطريّ و يترتّب عليه أحكامه خلافا للجواهر الذي نفى تبعا لكشف اللثام الإطلاق الموثوق به في الاكتفاء بصدق الارتداد مع الإسلام الحكمي فلو كان مسلما حكميا محضا لأمكن الترديد في انّ ارتداده بعد البلوغ قبل وصف الإسلام فطريّ أم لا أمّا بعد صدق المسلم عليه فارتداده بعد بلوغه ارتداد عن فطرة.

و كيف كان فبالنسبة إلى ولد الكافر اختلف الأنظار و العبارات فترى أن كاشف اللثام قد اعتبر وصف الإسلام مضافا الى إسلام أبويه عند بدو أمر هذا الولد و من ناحية أخرى قد عبّر العلّامة في التذكرة بحال العلوق، و هو حبل المرأة و كلّ أنثى بالولد في حال أنّ في بعض العبائر التعبير بالولادة كما في عبارة الشرائع حيث قال: من ولد على الإسلام، نعم لا يتضح أنّ مراده من ذلك هو الولادة المصطلحة أو المراد هو الانعقاد.

قال العلامة في القواعد في أحكام ولد المرتد: إذا ولد أو علق قبل الردّة فهو مسلم انتهى و قال في كشف اللثام في شرحه: حكما و لذا لو ماتت الأم مرتدّة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 330

و هي حامل به دفنت في مقابر المسلمين و إن قتله قاتل قبل البلوغ اقتصّ منه. ثم قال العلّامة: فإن بلغ مسلما فلا بحث و ان اختار الكفر بعد بلوغه استتيب.

و في الشرح: و إن حكم له بالإسلام من العلوق و لم يتحقق، قتله و إن ظنّ أنّه ارتدّ عن فطرة فإنه ليس كذلك إذا لا يتحقق الارتداد عن فطرة إلا ان يكون وصف الإسلام بعد البلوغ إذ لا عبرة بعبارته و لا باعتقاده قبله، و التوبة من المسلم إنّما يفيده لحوق حكم الإسلام به، و

حكم في التذكرة بان من كان حين العلوق أحد أبويه مسلما فإذا بلغ و وصف الكفر فهو مرتد عن فطرة يقتل و لا يستتاب و قوى أنّ من كان أبواه حين العلوق كافرين ثمّ أسلما أو أسلم أحدهما قبل بلوغه فاذا بلغ و وصف الكفر كان مرتدا مليا فأجرى تبعية الإسلام مجرى نفسه، و الأقرب ما عرفت انتهى كلامه رفع مقامه «1».

و حاصل المطلب أنّ في المقام ثلاثة أقوال:

أحدها أنّ الملاك هو مجرّد إسلام الوالدين أو أحدهما حال علوقه و هو الذي ذهب إليه في المسالك بل الظاهر من كلامه أنه موضع الوفاق.

الثاني أن الملاك هو حال الولادة و قد ذهب إليه الجزائري.

الثالث كون الملاك هو إسلام الأبوين أو أحدهما حال علوقه مع وصفه الإسلام عند البلوغ و هذا هو المتيقن و لو شكّ يؤخذ به للدرء.

و لا يخفى أنه يمكن كون الملاك الثاني أقوى بحسب الأخبار، إلا أنه يترجّح الأول حيث ادّعى عليه الإجماع، و تحمل الأخبار الناطقة بالولادة على أنّ من كان حين ولادته كذلك فهو في حال علوقه أيضا كان كذلك بحسب النوع.

و كما أن الكلمات مختلفة من حيث ملاحظة حال العلوق أو الولادة فالأخبار أيضا مجملة من هذه الحيثية فعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الصبيّ يختار الشرك و هو بين أبويه قال لا يترك و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيا «2».

______________________________

(1) كشف اللثام ج 2 ص 257.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب حدّ المرتد ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 331

قوله عليه السلام: إذا كان أحد أبويه نصرانيا، اي و الآخر مسلما.

و عن ابان بن عثمان عن بعض

أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في الصبيّ إذا شبّ فاختار النصرانية و أحد أبويه نصراني أو مسلمين قال: لا يترك و لكن يضرب على الإسلام «1».

و هنا حكم عليه السلام في المتولد من أبوين، المسلم كلاهما أو أحدهما بأنّه إذا شبّ يضرب على الإسلام و لم يحكم بأنّه يقتل و ليس الضرب ظاهرا في القتل، و لعلّه لم يكن بالغا و لا ينافي ذلك قوله: إذا شبّ اي صار شابا و ذلك لإطلاق الشاب على المراهق للبلوغ.

و كيف كان فمن جهة كون المعيار هو العلوق أو الولادة، لا تعرّض هنا [1].

و المتيقن في الحكم بالارتداد الفطري هو ما إذا كان أبواه حال علوقه و ولادته مسلمين أو كان أحدهما كذلك، ثم بعد ذلك بلغ و وصف الإسلام، و أمّا سائر الموارد فيشكل الحكم بالقتل بدون الاستنابة.

و على الجملة فالنزاع في الحقيقة يرجع إلى أنّ ولد المسلم مسلم أو في حكمه فمن قال بأنّه مسلم يحكم بأنّ وصفه للكفر بعد البلوغ يوجب الارتداد الفطري و من قال بأنه في حكم المسلم فعلا فهو يحتاج بعد البلوغ إلى وصفه للإسلام، و بدون ذلك يكون ارتداده ارتداد مليا.

ثم ان لصاحب الجواهر كما تقدم في تفسير عبارة المحقّق كلاما مجملا و هو قوله: و يتحقّق بالبيّنة عليه و لو في وقت مترقّب أو التردّد فيه و بالإقرار على نفسه بالخروج عن الإسلام أو ببعض أنواع الكفر إلخ.

و ذلك لأنّه لو كان ضبط العبارة ما هو الموجود الان أعني البيّنة فإنّه يرد عليه ان الكفر لا يتحقق و لا يوجد بالبيّنة و إنّما يثبت بها كسائر الأمور و امّا أنّه أراد

______________________________

[1] هذا مضافا الى أن الخبر الأول

مجهول و الثاني مرسل. راجع مرآة العقول ج 23 ص 398 و 399.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب حد المرتد ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 332

قدس سره من «يتحقق» يثبت و يوجد فهو بعيد منه رحمه الله و هو من العرب و أهل اللسان و لا يستعمل هذا اللفظ في ذاك المعنى فإن البينة كاشفة عن تحقق الكفر لا أنها محققة و موجدة له.

و ما يقال من احتمال كون العبارة غلطا و كان الصحيح هو النيّة- بدل- البيّنة- و على هذا فيتوافق العبارة عبارة الشهيد الثاني في الروضة و حيث إنه لم يوجد مثل هذه العبارة في كلمات غيره فلعلّ صاحب الجواهر أخذها منه و يحصل الاطمئنان أو الظن بان الصحيح هو النيّة و ذلك لأنّه قال في الروضة: و الكفر يكون بنيّة و بقول كفر و فعل مكفر فالأول العزم على الكفر و لو في وقت مترقّب و في حكمه التردّد فيه و الثاني كنفي الصانع لفظا أو الرسل و الثالث ما تعمّده استهزاء صريحا بالدين. إلخ [1].

ففيه أنه لعلّه كان خلاف سياق العبارة، مضافا الى عدم وضوح المعنى على ذلك، أيضا فإن نيّة الكفر و لو في وقت مترقّب ليس بمتّضح المراد.

و الإنصاف أنّ عبارة الروضة أوضح من عبارة المحقق و الشهيد الأول في اللمعة و من عبارة صاحب الجواهر، و يكون معنى عبارته أنه يمكن ان يكفر الإنسان بمجرّد النيّة أو بالقول أو بالفعل الموجب للكفر.

و قوله: فالأول العزم على الكفر و لو في وقت مترقب و في حكمه التردّد فيه، يعني إن حصول الكفر بالنيّة هو أن يعزم الإنسان على الكفر و ان كان

بالنسبة إلى زمان ينتظر مثل الغد مثلا فان من كان عازما على الكفر في زمان منتظر فهو كافر الآن، و في حكم العازم على الكفر من كان متردّدا في أن يكفر أو لا، فان هذا ينافي الاعتقاد المعتبر في الإيمان.

ثم قال: و الثاني كنفي الصانع لفظا أو الرسل و تكذيب رسول أو تحليل محرّم بالإجماع كالزنا و عكسه كالنكاح و نفي وجوب مجمع عليه كركعة من الصلاة

______________________________

[1] أورده هذا العبد.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 333

الخمس و عكسه كوجوب صلاة سادسة يوميّة، و الضابط إنكار ما علم من الدين ضرورة و لا فرق في القول بين وقوعه عنادا أو اعتقادا أو استهزاء حملا على الظاهر و يمكن ردّ هذه الأمثلة إلى الأول حيث يعتقدها من غير لفظ.

ثم قال: الثالث ما تعمّده استهزاء صريحا بالدين أو جحودا له كإلقاء مصحف أو بعضه بقاذورة قصدا و سجود للصنم و يعتبر في ما خالف الإجماع كونه ممّا يثبت حكمه في دين الإسلام ضرورة كما ذكر لخفاء كثير من الإجماعيات على الآحاد و كون الإجماع من أهل الحل و العقد من المسلمين فلا يكفر المخالف في مسألة خلافية و ان كان نادرا، و قد اختلف عبارات الأصحاب و غيرهم في هذا الشرط فاقتصر بعضهم على اعتبار مطلق الإجماع و آخرون على اضافة ما ذكرناه و هو الأجود و قد يتفق للشيخ ره الحكم بكفر مستحلّ ما خالف إجماعنا خاصّة كما تقدّم نقله عنه في باب الأطعمة و هو نادر، و في حكم الصنم ما يقصد به العبادة للمسجود له فلو كان لمجرّد التعظيم مع اعتقاد عدم استحقاقه للعبادة لم يكن كفرا بل بدعة قبيحة و ان

استحق التعظيم بغير هذا النوع لان الله تعالى لم ينصب السجود تعظيما لغيره انتهى «1» و قد تعرّضنا لكلامه مع طوله كي تتضح الموارد التي يحكم فيها بالكفر و تتميّز عن غيرها حتى لا يقع الإنسان في الحكم بكفر من ليس بكافر أو بإسلام من ليس بمسلم فإنه ربّما تشتبه الموارد، و الاحتياط فيها مشكل.

ثم إن له قدس سره الشريف كلاما آخر حول الكفر و الإيمان ذكره في كتاب حقائق الإيمان. قال: عرّف الكفر جماعة بأنّه عدم الإيمان عمّا من شأنه ان يكون مؤمنا سواء كان ذلك العدم بضدّ أو بلا ضد فبالضد كان يعتقد عدم أحد الأصول التي بمعرفتها يتحقق الإيمان أو عدم شي ء منهما و بغير الضد كالخالي من الاعتقادين إي اعتقاد ما به يتحقق الايمان و اعتقاد عدمه و ذلك كالشاك أو الخالي

______________________________

(1) الروضة ج 2 ص 368.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 334

بالكلية كالذي لم يقرع سمعه شي ء من الأمور التي يتحقق الايمان بها، و يمكن إدخال الشك في القسم الأول إذ الضد يخطر بباله و إلا لما صار شاكا.

و خلاصة كلامه أن الكفر هو عدم الاعتقاد بواحد ممّا يتحقق به الإيمان كالأصول الخمسة عندنا أو الثلاثة عند العامة أو عند بعضهم فالأيمان هو الاعتقاد بهذه الأمور و الكفر عدم الاعتقاد بها سواء كان مقرونا باعتقاد ما يخالفه أو لا.

ثم قال: و اعترض بأنّ الكفر قد يتحقق مع التصديق بالأصول المعتبرة في الإيمان كما إذا القى إنسان المصحف في القاذورات عامدا أو وطأه كذلك أو ترك الإقرار باللسان جحدا و حينئذ فينتقض حدّ الايمان منعا و حدّ الكفر جمعا.

يعني إن التعريف بالنسبة إلى الايمان ليس مانعا للأغيار و

ذلك لأنّ ملقى القرآن في المقذر مثلا مع كونه معتقدا بالأصول الاعتقادية داخل في التعريف فهو مؤمن و الحال أنه كافر بلا كلام فالتعريف شامل له و لذا ليس بمانع للأغيار كما أنه بالنسبة إلى الكفر ليس جامعا للافراد و ذلك لان مقتضى التعريف أن الكفر يتحقق بعدم الاعتقاد و الحال أن ملقى القرآن كافر بلا كلام و عليه فتعريف الكفر بعدم الاعتقاد ليس جامعا للأفراد لأن ملقى القرآن معتقد ليلزم أن لا يكون التعريف جامعا لأفراد المعرف.

ثم قال: و أجيب تارة بأنا لا نسلّم بقاء التصديق لفاعل ذلك و لو سلّمنا بقاؤه حالة وقوع ذلك لكن يجوز ان يكون الشارع جعل وقوع شي ء من ذلك علامة و امارة على تكذيب فاعل ذلك و عدم تصديقه فيحكم بكفره عند صدور ذلك منه و هذا كما جعل الإقرار باللسان علامة على الحكم بالايمان مع أنه قد يكون كافرا في نفس الأمر و تارة بأنه يجوز أن يكون الشارع حكم بكفره ظاهرا عند صدور شي ء من ذلك حسما لمادّة جرأة المكلّفين على انتهاك حرماته و تعدّى حدوده و ان كان التصديق في نفس الأمر حاصلا و غاية ما يلزم من ذلك جواز الحكم بكون شخص واحد مؤمنا و كافرا و هذا لا محذور فيه لأنا نحكم بكفره

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 335

ظاهرا و إمكان ايمانه باطنا فالموضوع مختلف فلم يتحقق اجتماع المتقابلين ليكون محالا و نظير ذلك ما ذكرناه من دلالة الإقرار على الإيمان فيحكم به مع جواز كونه كافرا في نفس الأمر «1».

أقول: انه قدس سره ذكر في دفع الإشكال ثلاثة وجوه: الأول أن الاشكال وارد إذا كان هذا الذي يأتي بهذه

الأمور العظيمة باقيا على تصديقه و نحن لا نسلم ذلك بل ننكره و نقول بأن اعتقاده قد ارتفع و زال و إلا لما كان يقدم على تلك الأمور.

الثاني سلّمنا بقاء تصديقه و لكن من الممكن أن يكون الشارع جعل صدور شي ء من هذه الأفعال علامة و امارة على تكذيب من أتى به و أنه لا تصديق له فيحكم عليه بالكفر بمجرّد صدوره منه و إقدامه عليه كما ترى أن الشارع جعل الإقرار باللسان علامة على الإيمان و حكم بإيمان المقر مع أنه ربما يكون في الواقع و نفس الأمر كافرا.

الثالث أنه يمكن ان يكون الشارع حكم بكفر هذا الشخص في الظاهر و إن كان باقيا على تصديقه واقعا و ذلك لقلع مادّة فساد اجتراء المكلفين و إقدامهم على هتك حرمات الله و التعدي عن حدود سبحانه فلو لا ذلك الحكم الشديد لكثر المتجرءون على ذلك و شاع الارتداد عن دين الله، و لا يرد عليه شي ء سوى الإشكال بأن لازم ذلك اتصاف شخص واحد بكونه مؤمنا و كافرا، و نحن نلتزم بذلك لعدم محذور فيه أصلا لعدم اجتماعهما بلحاظ واحد فان كفره بلحاظ الظاهر و ايمانه في نفس الأمر و الواقع، فلم يجتمع الكفر و الايمان في مقام واحد كي يلزم المحال هذا.

و لكن كلّ هذه الوجوه محلّ النظر و الكلام.

أما الأول فلانّا ننكر الملازمة بين الإتيان بشي ء من الأمور المزبورة و ارتفاع

______________________________

(1) حقائق الإيمان ص 107- 105.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 336

التصديق فإنه قد يقدم الإنسان على ذلك لا لكونه منكرا و مكذبا أو راجعا عمّا هو عليه من الاعتقاد بل يأتي به لغلبة هواه نعوذ بالله أو غير ذلك

كشدّة الغضب و ان لم يكن غضبه بحيث يخرجه عن حاله الطبيعي و بعبارة اخرى إنّ القول بعدم الاعتقاد بالأصول ممّن صدرت منه تلك الأفعال أو الأقوال بحيث يكون صدورها عن المعتقد محالا خلاف الوجدان فترى أن الامام المعصوم علي بن الحسين و حجة ربّ العالمين يقول في دعائه الشريف و مناجاته السامية: الهي ما عصيتك حين عصيتك و انا بربوبيتك جاحد و لا لأمرك مستخف و لا لوعيدك متهاون. و لكن. غلبني هواي. [1]

فكم يأتي الإنسان في مواقف غلبة الهوى بأمور لا يلتزم بها و لا ما يلازمها في نفسه بل ينكره أشدّ الإنكار.

لا يقال: إن التصديق هو الاعتقاد و هو نظير الحبّ حالة نفسانيّة لا يجتمع مع الأمور المزبورة فإنّها ناقضة لتصديقه فهل يمكن ان يكون من يدّعي حبّ زيد، حبّا شديدا، صادقا في ادعائه و هو يقدم على قتله؟! [2] لأنا نقول: قد يجتمعان، فترى أن فلانا يعلم أن أمر كذا يضره جدّا و هو قاطع بذلك و مع ذلك يرتكبه أو لا يدعه، و حكاية حيوان وضع ابنه تحته لسلامة نفسه في الحمام الحار جدّا معروفة. نعم يصحّ أن يقال بزوال كمال الحالة بسبب الإتيان بهذه الأمور.

و امّا الجواب الثاني ففيه أنّه إذا سلّمتم بقاء التصديق فكيف يجوز ان يكون الشارع جعل وقوع شي ء من ذلك امارة و علامة على عدمه فاذا علم و قطع بوجود شي ء فهل يمكن جعل الامارة على خلافه؟

______________________________

[1] من فقرأت دعاء أبي حمزة الثمالي رضوان الله عليه.

[2] قاله هذا العبد و قد أجاب سيدنا الأستاذ الأكبر دام ظله- نور الله قبره- بما قررناه مع ما ذكره من المثالين، و مع ذلك ففي النفس شي ء و لم

اقتنع كاملا لأنه لا يجتمع- كما ذكرته- كمال الحب لأحد مع الاقدام على قتله للمحبوب و كم فرق بين الاقدام على المعاصي المتداولة و بين الإتيان بهذه الأمور فإن الفاء القرآن. يعتبر تكذيبا و نقضا و لا بوجه بأنه مجرد غلبة الهوى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 337

و من المعلوم أن جعل الامارة مختصّ بالأمور المشكوكة.

و أمّا الجواب الثالث ففيه أنه لا محصّل له لان الحكم الظاهري و الواقعي يتمّ فيما إذا كان هناك واقع مشكوك و مجهول فيجعل على هذا المشكوك حكم في الظاهر كما أن للخمر بواقعة حكم و هو الحرمة و لكن إذا كان الشي ء مشكوك الخمرية فله حكم في الظاهر و هو الحل فلا يجري هذا الكلام في المقام حيث إن المفروض هو العلم بالواقع فاذا كان الشخص مسلما واقعا و علم ذلك فيكف يحكم بكفره ظاهرا و هل هذا إلا القول باجتماع الضدّين؟ و على هذا فيمكن أن يقال بأنّ الايمان ليس هو مجرّد الاعتقاد بل هو مع الإقرار باللسان بل و العمل بالأركان غاية الأمر ان يراد بالعمل بالأركان ان يكون عباداته التي يأتيها بجوارحه لله تعالى في مقابل العبادة للصنم مثلا التي هي ملازمة للكفر، لا مطلق أفعاله و ما يأتيه بجوارحه و بعبارة أخرى المعاصي التي يقترفها فإنها ليست ملازمة للكفر، بل هي توجب الفسق، و قد ورد في الآثار أن الإيمان تصديق بالجنان و إقرار باللسان و عمل بالأركان.

و امّا الإسلام فهو الإقرار بالشهادتين و هذا كاف في الحكم بالإسلام إذا لم يأت بما يخالف و يناقض إقراره، فالمنافقون الذين أخبر الله تعالى بكذبهم في تصديقهم رسالة رسول الله صلى الله عليه و آله

كما في سورة المنافقين لم يكونوا مؤمنين لعدم التصديق و لكن كانوا يقرّون ظاهرا بالإسلام و كان يحكم عليهم بأحكام الإسلام و هذا الحكم جار في مطلق من أقرّ بالإسلام و الشهادتين ما لم يأت بما يناقض شهادته فعلا أو قولا كما إذا ألقى القرآن في المقذر أو قال: بأني لا أقبل الإسلام مثلا.

و الذي يدلّ على ما ذكرنا هو قصّة الشيطان فإنه كان على اعتقاده بالنسبة إلى الله تعالى و قد طلب من الله سبحانه الإنظار إلى يوم الدين فلم يكن منكرا لله تعالى إلا أنّه لم يأت بما امره الله تعالى به من السجود لآدم (عليه السلام) فلذا صار كافرا كما في صريح القرآن الكريم

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 338

و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ابى و استكبر و كان من الكافرين. «1»

فالاستكبار في قبال الله تعالى و الإباء عن طاعته و إحساس الاستقلال في جنب الله تعالى كفر و ان كانت اعتقاداته باقية على حالها.

و على الجملة فذهاب الايمان أي الاعتقاد بمجرّد الإتيان بالأفعال المزبورة ممّا يكذّبه الوجدان.

لا يقال: إنّ التعبير ب «كان» في الآية الكريمة يدلّ على أنه كان من قبل ذلك كافرا لا أنه صار من الكافرين باستكباره، و يعتبر استكباره مناقضا لاعتقاده.

لأنّ المراد من كونه كافرا هو ذلك و قد قيل بأن المعنى: و صار من الكافرين.

ثم إن ما نقلناه عن الشهيد الثاني قدس سره كان قد نقل عنه السيد الشبر أيضا في حق اليقين و مع ذلك فله قدس سره تتميم كلام لم يذكره السيد رضوان الله عليه و هو قوله: و أقول أيضا: النقض المذكور لا يرد على جامعيّة تعريف

الكفر و ذلك لأنه قد بيّن أن العدم المأخوذ فيه أعمّ من ان يكون بالضد أو غيره و ما ذكره من موارد النقض داخل في غير الضدّ كما لا يخفى و حينئذ فجامعيّته سالمة لصدقه على الموارد المذكورة و الناقض و المجيب غفلا عن ذلك.

ثم قال: و يمكن الجواب عن مانعيّة تعريف الايمان أيضا بأن نقول: من عرّف الايمان بالتصديق المذكور جعل عدم الإتيان بشي ء من موارد النقض شرطا في اعتبار ذلك التصديق شرعا و تحقق حقيقة الايمان و الحاصل أنا لمّا وجدنا الشارع حكم بإيمان المصدق و حكم بكفر من ارتكب شيئا من الأمور المذكورة مطلقا علمنا أن ذلك التصديق إنّما يعتبر في نظر الشارع إذا كان مجرّدا عن ارتكاب شي ء من موارد النقض و أمثالها الموجبة للكفر، فكان عدم الأمور المذكورة شرطا في حصول الإيمان و لا ريب أن المشروط عدم عند عدم شرطه و شروط المعرف

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 34.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 339

التي يتوقف عليها وجود ماهيته ملحوظة في التعريف و إن لم يصرّح بها فيه، للعلم باعتبارها عقلا لما تقرّر في بداهة العقول أنه بدون العلّة لا يوجد المعلول، و الشرط من اجزاء العلّة كما صرّحوا به في بحثها و الكلّ لا يوجد بدون جزئه.

و يرد على ما افاده من الجواب الأول بأنا لا نلتفت كاملا انه كيف يكون ما ذكره المعترض من موارد النقض داخلا في غير الضد بعد إمكان وجود الاعتقاد مع الإتيان بالأفعال المذكورة كهتك القرآن الكريم، فلا يمكننا تصديقه في ذلك.

نعم ما افاده ثانيا أعني عدم مانعية تعريف الايمان فهو صحيح و قد استحسن و استرضى هذه النكتة التي أفادها و

اعتبرها من هبات الواهب تعالى و تقدس و قال:

و لم نقدم لذلك مثلا و ان لم نكن له أهلا انتهى كلامه رفع مقامه «1».

و على هذا التحقيق الذي أفاده قدس سره فليس كل من أقدم على الأمور العظيمة المذكورة ممّن زال اعتقاده بل يمكن بقاء اعتقاده بعد، إلا أنه يستفاد من الأدلة كالآية الحاكية عن حكاية الشيطان أن هذه الأمور توجب الكفر و ان كان الاعتقاد بحاله فإنه مشروط بعدم الإقدام على هذه الأمور و ان لم يكن مركبا بل كان بسيطا فان من أتى بها فهو كمن يقول بالتناقض.

و قد تحصل ممّا ذكرنا أن الإتيان بما هو هتك لساحة الكعبة أو القرآن يوجب الكفر و الارتداد و ان كان اعتقاده باقيا كما إذا فعل ذلك لغلبة الهوى أو جدلا و اعتراضا على فعل خصمه، فعدم الإقدام على ذلك شرط و ذلك بلحاظ الأخبار كما ربّما يستفاد اشتراط الايمان بعدم ردّه الأئمة عليهم السلام.

و أمّا المنحرفون السابقون الى الشرّ و الفساد المخالفون لعترة رسول الله و المنافقون فهم- كما ورد في الأخبار- لم يكونوا بمؤمنين و لم يؤمنوا بالله طرفة عين الا أنه قد عومل معهم معاملة المؤمن بالله لمصلحة الإسلام و تثبيت أمر الدين فحكم عليهم بمقتضى شهادتهم الظاهرية بحكم الإسلام و هو في الحقيقة نظير الحكم الاضطراري.

______________________________

(1) حقائق الايمان 108- 107.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 340

لا يقال: و كيف يكون الحكم الاضطراري ثابتا على مرّ الدهور و الأيّام، حادثا من صدر الإسلام و باقيا إلى قيام القائم عليه السلام، و هل يمكن الحكم بإسلام جمع غفير في الدهر الطويل للاضطرار إلى ذلك؟

و ذلك لأنا نقول: لا بأس بذلك إذا اقتضت

المصلحة ذلك فمن أبطن الكفر و لم يظهره بل أبدى الشهادتين لا يترتب عليه أحكام الكفر و لا يعامل معه معاملة الكفار بل هو مسلم ظاهرا فيكون الحكم حكما واقعيا ثانويا لا حكما ظاهريا فان الحكم الظاهري كان في مورد الشك كالحكم بطهارة مشكوك الطهارة و النجاسة و هنا قد ثبت كفر المنافقين فالحكم بإسلامهم من باب الحكم الثانوي الواقعي.

ثم إن صاحب الجواهر بعد أن ذكر ما يتحقق به الكفر و أن من جملته إنكار الضروري قال: بل الظاهر حصول الارتداد بإنكار ضروري المذهب كالمتعة من ذي المذهب أيضا لأن الدين هو ما عليه، و لعلّ منه إنكار الإماميّ أحدهم عليهم السلام إلخ.

و ذكر رحمه الله بعض الروايات الدالة على مراده و عليه فمثل إنكار الإمامة أو مسح الرجلين أو المتعة الذي لا يوجب الكفر بالنسبة إلى سائر الفرق الإسلامية يوجب الكفر إذا أنكره الشيعة و ذلك لأنه من جملة مجموعة الدين عنده فإنكاره إنكار للدين و لا محالة يقتضي الكفر.

و لا يخفى أنه على ذلك يشكل الأمر جدّا بالنسبة إلى بعض من ينتحل التشيع ممّن يكتب أو يقول ببعض مقالات العامة و يروّج بعض معتقداتهم أو ما يلائم مذهبهم.

و قد عقد المحدّث الحرّ العاملي رحمة الله عليه، تحت عنوان: باب جملة ممّا يثبت به الكفر و الارتداد و خرّج هناك سبعة و خمسين حديثا ننقل نحن شطرا منها:

عن ياسر الخادم قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 341

يقول: من شبّه الله بخلقه فهو مشرك و من نسب اليه ما نهى عنه فهو كافر «1».

فعدم تشبيه الله تعالى بخلقه من ضروريات مذهبنا فلا يجوز

عندنا تشبيهه بأحد و بأي نحو من التشبيه، و لعلّ السرّ في إطلاق المشرك عليه هو أنه قد جعل الخلق في قبال الله تعالى فالمشبه و المشبه به عنده، الله تعالى.

عن المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام و عليّ ابنه في حجره و هو يقبّله و يمصّ لسانه و يضعه على عاتقه و يضمّه إليه و يقول: بأبي أنت ما أطيب ريحك و اطهر خلقك و أبين فضلك، إلى أن قال:

قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم، من أطاعه رشد و من عصاه كفر «2».

و ظاهر هذا أيضا هو العموم و أن كل من عصاه فهو كافر و لعلّ المقصود إنكار إمامته عالما بأنه امام فتنطبق على محلّ البحث من إنكار ذلك من أهل المذهب.

عن عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عليه السلام في حديث قال: من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر «3».

عن يزيد بن عمر الشامي عن الرضا عليه السلام في حديث قال: من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذّبنا عليها فقد قال بالجبر و من زعم أن الله فوّض أمر الخلق و الرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض و القائل بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك «4».

قد عدّ القائل بالجبر كافرا حيث قال: بانّ العباد مجبورون في أفعالهم، و القائل بتفويض الأمور إلى العباد فقد أشرك بالله و جعل له سبحانه شريكا لقوله له بإدارة الأمور بيد غيره تعالى أيضا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من

أبواب حد المرتد ح 3.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 342

و مذهب الشيعة هو أنه لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين.

و عن الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام في حديث قال: من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك و نحن منه برءآء في الدنيا و الآخرة «1».

عن الحسن بن الجهم قال: قال المأمون للرضا عليه السلام: يا أبا الحسن ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال الرضا عليه السلام: من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذّب بالجنّة و النار «2».

و أمّا التناسخ فقال في مجمع البحرين: التناسخ الذي هو أطبق على بطلانه المسلمون هو ما مرّ في روح من تعلّق الأرواح إلى آخر ما ذكره هناك. قال الفخر الرازي نقلا عنه: ان المسلمين يقولون بحدوث الأرواح وردها في الأبدان لا في هذا العالم، و التناسخية يقولون بقدمها و ردّها إليها في هذا العالم و ينكرون الآخرة و الجنة و النار و انّما كفروا من هذا الإنكار. انتهى و الحكم بكفرهم معلوم إذا قالوا بقدم الروح فإن الروح حادث كما مرّ فإنه كالبدن.

إلى غير ذلك من الروايات الشريفة فراجع، و دلالة بعضها على المقصود و ان كانت غير تامّة إلا أنه لا ترديد في دلالة بعضها الآخر.

فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت من جحد اماما منكم ما حاله؟ فقال: من جحد إماما من الأئمة و بري ء منه و من دينه فهو كافر و مرتدّ عن الإسلام لأن الإمام من الله و دينه دين الله و من بري ء من دين

الله فدمه مباح في تلك الحالة إلا أن يرجع أو يتوب الى الله ممّا قال «3».

و عن أحمد بن محمد بن مطهر قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمد عليه السلام يسأله عمّن وقف علي ابي الحسن موسى عليه السلام: فكتب: لا تترحم

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 5.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 6.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 38.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 343

على عمّك و تبرأ منه انا إلى الله منه بري ء فلا تتولّهم و لا تعد مرضاهم و لا تشهد جنائزهم وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً، من جحد اماما من الله أو زاد اماما ليست إمامته من الله كان كمن قال: ان الله ثالث ثلاثة، إن الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا «1».

و الإنصاف ان هذه الأخبار أيضا لا يخلو عن اشكال و ذلك لأن الجحد هو الإنكار عن علم و معلوم أن الجاحد العالم كافر.

إن قلت: الجاحد أعمّ و لذا قال الله تعالى: و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم «2» و لو كان يعتبر في الجحد، العلم، لما كان مجال لقوله: و استيقنتها [1].

نقول: إنه توضيح لمعنى الجحد و مؤكّد له.

و على الجملة فالحكم بكفر هذه الفرق مشكل خصوصا مع وجودهم في أعصار الأئمة الطاهرين عليهم السلام و عدم معاملتهم معاملة الكفار، فهل كانوا يعاملون مع الواقفية معاملة الكفار؟ ثم أ لم يكن العلوي المشهور قد سعى لموسى بن جعفر عليه السلام عند هارون حتّى أقدم على قتل الإمام فهل كان هو كافرا عندهم عليهم

السلام؟ فلعل ما ورد من أن من عصاهم فقد كفر، يراد به عصيانهم مع إنكارهم علما، أو يراد به عدم كمال إيمانهم.

و قد يقال بأنّ صاحب الجواهر الذي استظهر هنا حصول الارتداد بإنكار ضروري المذهب، استشكل في ذلك في مسألة من ادّعى النبوّة قائلًا: و قد يلحق مدّعى الإمامة بمدّعي النبوة و كذا من شكّ فيه و كان على ظاهر التشيع كي يكون بذلك منكرا لضروري الدين بعد أن كان عنده من الدين هو ما عليه من المذهب فهو حينئذ كمن أنكر المتعة ممّن كان على مذهب التشيع، و في جملة من النصوص أن الشاك في عليّ كافر، إلا أنّ الإنصاف بعد ذلك كلّه عدم خلوّ

______________________________

[1] أورده هذا العبد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 40.

(2) سورة النمل الآية 14.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 344

الحكم المزبور من إشكال إلخ «1» هذا مضافا إلى إطلاق الكفر على غير المصطلح منه كما في تارك الحج لا منكره حيث قال سبحانه: و من كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين «2» و مع ذلك يشكل الحكم بالارتداد و التهجّم على الدماء [1].

و هو كذلك فإن منكري ضروريّات المذهب كانوا في أعصار الأئمة الطاهرين عليهم السلام كثيرين و لم يكونوا صلوات الله عليهم أجمعين يعاملون معاملة الكفار و المرتدين بل و كان يصدر أمثال الأمور المزبورة من بعض في محضر النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و لم يكن صلى الله عليه و آله يحكم بارتداده كما حكي أن بعض أزواج الرسول قالت في واقعة: إن الله سمع من فوق العرش. فكانت في بساطة من الدين و المعارف

بحيث كانت تتخيل أن الله تعالى مستقر فوق العرش نظير ما يقوله المجسّمة و مع ذلك فكانت مع رسول الله و لم يطردها و لم يخرجها عن بيته و لا استتابها و لا حكم بقتلها مع اباءها، و على ذلك يحمل الكفر في كثير من الموارد المبحوث عنها أي إنكار ضروريات المذهب على نوع من الكفر و مرتبة من مراتبه الكثيرة.

بقي في المقام أنّه يكفي في تحقّق الارتداد ترك الدين و العدول عنه بلا فرق في حكم الارتداد بين ما إذا انتحل بعد الارتداد نحلة من النحل الباطلة أو لا و ذلك لصدق الاسم و إطلاق الأخبار.

هذا كلّه بالنسبة للموضوع و أما بالنسبة إلى الحكم فقالوا بأنّه لو كان المرتد فطريا فإنه لا يقبل إسلامه لو رجع و تاب و بعبارة أخرى إنّ توبته غير مقبولة لاقتضاء الأخبار ذلك.

و هذا أيضا محل البحث و الكلام عندهم فقد قال جمع بأنّه لا تقبل من أي

______________________________

[1] أورده هذا العبد في يوم الأربعاء 28 ج 1- 1410 ه ق.

______________________________

(1) راجع الجواهر ج 41 ص 442.

(2) سورة آل عمران الآية 97.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 345

ناحية لا ظاهرا و لا واقعا و قال فرقة بأنه تقبل توبته واقعا و إنّما لا تقبل من ناحية الأحكام الخاصة الثلاثة قال الشهيد: و لا تقبل منه التوبة ظاهرا و في قبولها باطنا وجه قوى «1».

و عليه فهو لا يعذّب في الآخرة، و امّا الأحكام الخاصّة فهي تجري عليه و أمّا طهارة بدنه فإنه يبحث في أنّه يرجع بدنه طاهرا كما أنّ عليه العبادات أو أنه بعد نجس كما كان أيام ردّته.

و أمّا الأحكام الثلاثة فالأول تحتّم قتله فيجب

ان يقتل بعد ارتداده و لا يجوز التأخير في ذلك و يدلّ على ذلك أمور بعد ان لم يكن في القرآن منه شي ء.

أحدها النبويّ صلى الله عليه و آله: من بدّل دينه فاقتلوه «2».

و المراد من تبديل الدين هو ترك الإسلام مع الإقبال الى نحلة أخرى و بدونه.

و امّا ترك النصرانية مثلا و الإقبال إلى الإسلام فمعلوم أنه غير مراد من الحديث الشريف.

ثانيها الأخبار الخاصة.

فعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتد فقال: من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و آله بعد إسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسم ما ترك على ولده «3».

و هذه الرواية و إن كانت مطلقة لكنّها تخصّص بالمرتدّ الفطري بقرينة غيرها من الروايات.

و عن عمّار الساباطي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمدا صلى الله عليه و آله نبوته و كذّبه فإنّ

______________________________

(1) الدروس الطبع الجديد ج 2 ص 52.

(2) مستدرك الوسائل ج 18 ص 163 نقلا عن الدعائم.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المرتد ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 346

دمه مباح لمن سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ و يقسم ماله على ورثته و تعتدّ امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها و على الامام أن يقتله و لا يستتيبه «1».

و عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام: إن رجلا من المسلمين تنصر فأتى به أمير المؤمنين عليه السلام فاستتابه فأبى عليه فقبض على شعره ثم قال: طئوا

يا عباد الله فوطؤوه حتى مات «2».

و لا بد من حمل هذه على المرتدّ الملّي و ذلك لمكان الاستتابة المختصة به.

و عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن مسلم تنصر قال: يقتل و لا يستتاب. قلت: فنصراني أسلم ثم ارتد قال: يستتاب فإن رجع و إلا قتل «3».

و عن الحسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: رجل ولد على الإسلام ثم كفر و أشرك و خرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل و لا يستتاب؟ فكتب عليه السلام: يقتل «4».

و قال شيخ الطائفة أعلى الله مقامه: روى أن شيخا تنصر فقال له عليّ عليه السلام: ارتددت؟ فقال: نعم. فقال له: لعلّك أردت أن تصيب مالا ثم ترجع؟

قال: لا قال: لعلّك ارتدت بسبب امرأة خطبتها فأبت عليك فأردت أن تتزوّج بها ثم ترجع؟ قال: لا قال: فارجع، قال: لا حتّى ألقى المسيح، فقتله «5».

لكن هذه الرواية أيضا محمولة على المرتدّ المليّ بقرينة الاستتابة فإنها تختصّ به.

ثالثها الإجماع. قال الشيخ في الخلاف عند ذكر قسمي المرتدّ: أحدهما ولد

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المرتد ح 3.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المرتد ح 4.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المرتد ح 5.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 1 من أبواب حد المرتد ح 6.

(5) المبسوط ج 7 ص 281.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 347

على فطرة الإسلام من بين مسلمين فمتى ارتدّ وجب قتله و لا يقبل توبته. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم إلخ «1».

و قال في المبسوط: فمن ارتد

عن الإسلام لم يخل من أحد أمرين أمّا ان يكون رجلا أو امرأة فإن كان رجلا قتل لإجماع الأمّة «2».

فلو فرض عدم تواتر الأخبار المذكورة فإنه يكفي كونها معمولا بها و مجمعا عليها [1].

و الظاهر أنه لا حاجة إلى إذن الولي بل يجوز لكلّ من علم بذلك أن يقتله إذا لم يفض ذلك إلى قتله بعدم إمكان إقامة البينة على ردّته و إثبات ذلك بها.

و امّا إبانة زوجته عنه بالارتداد و كذا اعتدادها عدة الوفاة و قسمة أمواله فلا خلاف فيها أيضا و قد دلّت عليها الأخبار الشريفة كصحيح محمد بن مسلم و موثق عمّار الساباطي و قد تقدّم ذكرهما آنفا.

و لو تاب فالظاهر قبول توبته و جريان أحكام المسلم عليه الا في الأحكام الخاصة المذكورة و مقتضى الأصل لو شك في جريان أحكام المسلم عليه أم لا هو الاقتصار في عدم الجريان بهذه الأحكام الخاصة و امّا في غيرها فهو محكوم بحكم الإسلام و ذلك بمقتضى أنه قد رجع و أسلم.

______________________________

[1] و لا مخالف في المسألة سوى ما حكى عن ابن الجنيد من قوله بان المرتد مطلقا يستتاب فإن لم يقبل قتل فلا يجوز قتله من أول الأمر و إن كان فطريا و لم يفرق بينهما من هذه الجهة هكذا قالوا.

لكن لا يخفى عليك انه قد مال إلى ذلك في المسالك فإنه بعد ان استظهر من ابن الجنيد ذلك و التصريح بأنه مذهب العامة على اختلاف بينهم في مدة إمهاله قال: و عموم الأدلة المعتبرة يدل عليه و تخصيص عامها أو تقييد مطلقها برواية عمار لا يخلو من إشكال و رواية علي بن جعفر ليست صريحة في التفصيل إلا أن المشهور بل المذهب هو

التفصيل المذكور انتهى.

أقول: و قد مر آنفا نقل رواية علي بن جعفر باب 1 ح 5 و رواية عمار باب 1 ح 3.

______________________________

(1) الخلاف ج 3 كتاب المرتد مسألة 3.

(2) المبسوط ج 7 ص 281.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 348

و على هذا فيطهر بدنه لأنه مسلم بلا حاجة إلى التصريح بذلك كما و أن الحكم بنجاسته بردّته لم يكن مصرحا به في الأدلة إلا أنه كان ذلك مقتضى كونه كافرا فبعد ان ارتفع العلة و هي الكفر يرتفع المعلول أعني النجاسة.

و قال الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر الخبرين: و هذا الحكم بحسب الظاهر لا إشكال فيه بمعنى تعيين قتله و أما فيما بينه و بين الله تعالى فقبول توبته هو الوجه حذرا من تكليف ما لا يطاق لو كان مكلفا بالإسلام، أو خروجه عن التكليف ما دام حيّا كامل العقل و هو باطل بالإجماع و حينئذ فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله أو تأخر قتله و تاب قبلت توبته فيما بينه و بين الله تعالى و صحّت عباداته و معاملاته و لكن لا يعود ماله و زوجته إليه بذلك و يجوز له تجديد العقد عليها بعد العدة أو فيها على الاحتمال كما يجوز للزوج العقد على المعتدّة بائنا حيث لا تكون محرّمة مؤبّدة كالمطلّقة ثلاثا إلخ.

أقول: وجه جواز نكاح غير زوجته بعد توبته واضح، لأنه صار مسلما، و أمّا جواز تجديد العقد عليها بعد عدّتها فلأنها تكون كالبائنة و من المعلوم جواز عقدها بعد عدّتها و هي لا تكون من المحرّمات بالأبد. و امّا وجه احتمال جواز عقدها في العدة- اي للزوج فان النكاح في العدّة محرّمة

على الغير- فهو عدم لزوم اختلاط المياه هنا بخلاف نكاحها لغير زوجها.

و أمّا ماله فحيث إنه انتقل بمجرّد كفره إلى ورثته المسلمين فلا وجه لعوده إليه بعد توبته.

و امّا وجوب قتله فقد مرّ انّه لا يردّ بالتوبة.

و لا يخفى أنّه و ان كان يحتمل أن يكون وجه قتله هو أنه كافر واقعا فلذا يقتل و لا ينفعه التوبة بالنسبة إليه بل توبته فيما بينه و بين الله و ينفعه في الآخرة لا في الخلاص عن القتل.

لكن من المحتمل عندنا أنه ليس هذا تعبدا خاصا بالمقام بل هو كسائر المقامات

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 349

الذي ثبت أنه بعد ثبوت الحدّ لا يدفع ذلك بالتوبة فهنا أيضا لو تاب قبل أن يصل الخبر إلى الحاكم و قبل أن يثبت فان التوبة رافعة للحد امّا إذا ثبت ذلك فإنّه يجري عليه و لا يدفع عنه فهنا لو ارتدّ و لم يطّلع عليه غيره و تاب فإنّه يعيش مع المسلمين و لا اطلاع لغيره على حاله كي يقتله، و لا داعي له الى إخبار الآخرين على أنه ارتد و تاب كي يقدموا على قتله، فهو يعمل بوظائف المسلمين و يعيش معهم و لا يخبرهم مخافة نفسه حيث إنهم لو علموا به لقتلوه لأنه مباح الدم.

و على الجملة فالقاعدة أنّ كلّ مسلم محقون الدم حتى يعلم بسبب مبرّر لقتله كالارتداد مثلا فلو حصل للمسلمين العلم بذلك فلهم أن يقتلوه و أمّا بدون ذلك فإنّهم يعاملون معه بالطبع معاملة المسلمين حيث لا يعهدون منه الكفر و الارتداد، فلو علموا بذلك فهو كسائر من ثبت عليه الحدّ بلا خصوصيّة للمقام فإن القتل هو الحدّ المجعول على المرتد الفطري.

و

الحاصل أن هذه الأحكام جارية على المرتد و ان تاب، و الإجماع قائم على ذلك، مضافا إلى بعض الروايات الواردة في المقام الدالة على المرام و هو المتيقن من الأحكام، و أمّا غيرها من الأحكام كالطهارة و قبول العبادات و ملك مالا يمكن تملكه للكافر فهو في هذه الأحكام كالمسلم بلا فرق بينهما و ذلك لاقتضاء التوبة ذلك.

و قد استدل على ذلك بأنه لو لم نقل بذلك للزم إمّا سقوط التكليف عن البالغ العاقل، و امّا التكليف بما لا يطاق لأنه بعد عدم قبول توبته لا يخلو عن كونه مكلّفا.

فعلى الأول يلزم التكليف بما لا يطاق فكيف يكلفه الله بما لا يمكن له إتيانه و لا يتيسّر صدوره عنه و كيف يصلي و هو نجس لا يمكن له الطهارة و بعبارة اخرى إنه مأمور بالصلاة الصحيحة و العبادة كذلك مع أنه لا يقدر على ذلك أبدا و من المعلوم أن التكليف بما لا يطاق محال على مذهب العدليّة و قواعدهم.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 350

و على الثاني يلزم عدم توجّه التكليف إلى من هو بالغ عاقل و هو ممتنع لأن كلّ بالغ عاقل فهو مكلّف بتكاليف الله سبحانه إذا فلا محيص عن القول بقبول توبته في غير الأحكام الخاصة فيصح أعماله و عباداته.

و في الجواهر: بل لعلّه المراد ممّا وقع من بعضهم من عدم قبولها ظاهرا و قبولها باطنا إلخ.

فقد حمل هذه العبارة على قبول توبته عند الله و في جميع الأحكام إلا في هذه الأحكام فلا يسقط قتله مثلا.

و ذكر هنا احتمالين آخرين- بالنسبة إلى الأحكام المزبورة- و ردّ عليهما.

أحدهما أن يكون المراد به مجرّد سقوط العقاب عنه في الآخرة و

إن حكم بنجاسته و بطلان عباداته.

يعني ان توبته إنّما تؤثر في الآخرة فتنجيه من عذاب الله سبحانه و امّا بالنسبة إلى الدنيا فلا اثر لها أصلا بل هو في حكم الكفار سواء في هذه الأحكام أم غيرها.

ثانيهما ان يكون المراد به قبول توبته في الطهارة و العبادات بالنسبة إليه خاصّة دون غيره ممّن يباشره.

يعني إنه يرى نفسه طاهرا يصحّ منه الصلاة و العبادات و أمّا غيره ممّن يباشره فيعامل معه معاملة النجس فيجتنب عن مسّه بالرطوبة السارية مثلا.

توضيح حال ذلك أنه كمن لا يقدر على التطهير مع أنه نجس قطعا حيث إن الشارع أسقط عنه حكم التطهير فيقبل منه صلاته و عباداته و ان كان غيره لا يعامل معه معاملة الطهارة و على الجملة فصلاته صحيحة مع كونه نجسا.

و كيف كان فقد نفاهما و ردّ عليهما بقوله: إذ هما كما ترى، ثم أيّد أولا التقريب المتقدّم أي قبول توبته مطلقا إلا في الأحكام الخاصّة المتقدّمة فقال: مؤيّدا ذلك كلّه بما وقع من غير واحد في بحث القضاء من الصلاة من أن المرتد يقضي

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 351

زمان ردته و إن كان عن فطرة بل لا خلاف معتد به فيه عندهم بل حكى غير واحد الإجماع عليه بل في ناصريات المرتضى إجماع المسلمين على ذلك و هو لا يتم الا على قبول توبته في غير الأحكام المزبورة إلخ.

أقول: هنا ثلاثة وجوه:

أحدها: وجوب قضاء صلوات أيام ردته بإجماع الأصحاب بل و إجماع المسلمين على ما ادعاه السيد و هذا يكشف عن قبول توبته و صحة أعماله و الا فكيف يقضي ما لا يقبل منه و لا يمكن له إتيانه.

و هنا بحث و

هو أن من جملة القواعد المسلّمة قاعدة الجبّ و هي أن الإسلام يجبّ ما سلف و لذا حكموا بأن الكافر إذا أسلم لا يجب عليه قضاء صلوات أيام كفره و لازم ذلك عدم وجوب القضاء على المرتد بعد توبته أيضا الذي هو من أقسام الكفر فكيف نقول بوجوب القضاء؟

فلا بد من إثبات أن القاعدة قد خصّصت بهذا و إلا فمقتضى شرف الإسلام و ترغيب الكافرين إلى الإسلام هو عدم الفرق بين إسلام الكافر ابتداء و الكافر المسبوق بالإسلام اللهم إلا أن يدلّ دليل قطعي كالإجماع على الفرق بينهما و أن قاعدة الجبّ لا تجري هنا.

ثانيها: ظهور التقييد في قوله تعالى: و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة «1» في أن من لم يمت كذلك أي في حال الكفر بل مات و هو مسلم لم يكن له الجزاء المذكور في الآية و المفروض أن هذا الكافر قد تاب و أسلم و على هذا فلا يحبط اعماله بل تصحّ منه ذلك.

ثالثها: عمومات التوبة المؤيدة بالعقل و غير ذلك مثل: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإن هذه العمومات تقتضي قبول توبته و صحّة اعماله و عباداته.

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 217.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 352

هذا و لكن صاحب الجواهر قدّس سرّه قد ناقش في المطلب قائلًا: لا مانع عقلا من عدم القبول و ان عوقب عقاب المكلّفين على ما وقع من سوء اختياره خصوصا بعد أن تقدم إليه في ذلك، بل لو سلّم اقتضاء العقل ذلك أمكن أن يخذلهم الله عن التوفيق لها.

إلى أن قال: و على كلّ حال فلا داعي إلى تنزيل

عموم نفي التوبة في النص و الفتوى و معقد الإجماع على خصوص الأحكام المزبورة، و الإجماع على قضاء زمان الردّة و لو على فطرة إنّما هو في مقام بيان أن الكفر الارتدادي لا يسقط القضاء لو تعقّبه الإسلام بخلاف الكفر الأصلي و يكفي في المثال للفطري المرأة التي تقبل توبتها و لو كانت عن فطرة كما ستعرف انتهى.

فأجاب عن اشكال التكليف باختيار كونه مكلّفا و عدم سقوط التكليف عنه، و أمّا لزوم تكليف ما لا يطاق ففيه أنه محال إذا كان ابتدائيا كما في أمر الشارع المكلّف بالطيران مع عدم القدرة على ذلك، و أمّا إذا كان عدم القدرة و الامتناع بسوء اختياره فلا إشكال كما قيل: الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فهذا كان قد أوقع نفسه في هذا المشكل خصوصا إذا كان قد بلغه أنّ أمر المرتدّ كذا و أنه لا تقبل توبته.

ثم ذكر أنه لو سلّم اقتضاء العقل قبول توبته و صحّة أعماله أمكن أن يخذله الله تعالى عن التوفيق للتوبة.

و هذا الكلام و إن كان قد ينقل ما يشابهه- معتبرا أو ضعيفا- عن علي بن الحسين عليهما السلام بالنسبة ليزيد لعنه الله الا أن الإنصاف ضعف هذا الكلام و عدم صلاحيته جوابا عن الاشكال، فكيف يمكن ان يقال إن الله تعالى لا يوفق المرتد بالتوبة و مفروض البحث هو ما إذا تاب الى الله و أسلم و هل ما ذكره الا لخروج عن محل الكلام؟

كما أن ما ذكره أخيرا أيضا بالنسبة إلى القضاء ليس بتام و ذلك لأن الإجماع

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 353

قائم على لزوم قضاء صلوات أيام ردته و من المعلوم أنه لو لم تكن توبته

مقبولة لما أمكنه ذلك أبدا، و ليس المقام مثل تكليف الكفار بالفروع لأن معنى ذلك أنه يجب عليهم الإتيان بالفروع بشرائطها، أي يجب عليهم ان يسلموا ثم يصلّوا و هذا ممكن جدّا بخلاف ما نحن فيه الذي قد أسلم، فبناء على عدم قبول توبته يستحيل تكليفه بالقضاء و إنما يصحّ ذلك و يتمّ على القول بقبول توبته كي يكون العمل منه صحيحا فهذا الإجماع بنفسه كاشف عن قبولها منه و أن كلّ ما كان واجبا على المسلم يجب عليه في هذا الحال اي بعد توبته.

و على الجملة فلا فرق بعدها بينه و بين سائر المكلفين، و الإجماع القائم على وجوب قضاء الصلوات على من تاب عن ارتداده عام فكيف يحمل على خصوص المرأة في الفطري؟

لا يقال: ان الدليل على وجوب القضاء هو الإجماع و لا لسان له كي يتمسك بعمومه بل يؤخذ منه المتيقن [1].

لأنا نقول إنهم قد تمسّكوا بالإجماع في مورد المرتد مطلقا رجلا كان أو امرأة فهو هنا ذو لسان لتمسّكهم به في الموارد المختلفة، و وجوب القضاء دليل على التكليف و قبول التوبة.

و على الجملة فعمومات التوبة تقتضي قبول توبة المرتد الفطري أيضا غاية الأمر تخصيصها في خصوص الأحكام الخاصة، و هذه العمومات غير مخصصة.

لا يقال: انها مخصصة كما قال الله تعالى في قصة فرعون: الآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين «1» «2».

و ذلك لأن الآية واردة بالنسبة إلى فرعون و توبته بعد أن عاين الموت و من المعلوم أنه لا توبة حينئذ لأنه قد فتح عليه باب الآخرة و البحث في التوبة في الدنيا

______________________________

[1] أورده هذا العبد.

______________________________

(1) سورة يونس الآية 91.

(2) أورده هذا العبد.

الدر المنضود في أحكام

الحدود، ج 3، ص: 354

لا في الآخرة، فهذه الآية بنفسها دليل على عدم التخصيص و أن التوبة مقبولة مطلقا حتى بالنسبة للمرتد [1].

ثم إن صاحب الجواهر بعد ذكر المناقشات في قبول توبة المرتد الفطري قال:

و ما جاء من عموم التوبة و هو إن لم يكن للأول للشهرة المحكية و غيرها فلا أقل من الشك، و الأصل يقتضي عدم القبول انتهى.

أقول: يمكن أن يقال: ان المسلم و الكافر بنظر العرف موضوعان مختلفان فلا يجري فيه الاستصحاب.

[و لو قيل: إن الموضوع هو الرجل قبل التوبة كافرا، و بعد التوبة نشكّ في بقاء كفره، و الاستصحاب يقتضي كفره، نقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له دليل، و الأصل لا يعارضه بل لا اعتبار به بعده] [2].

ما يعتبر في الارتداد؟

قال المحقّق: يشترط في الارتداد البلوغ و كمال العقل و الاختيار فلو اكره كان نطقه بالكفر لغوا و لو ادّعى الإكراه مع وجود الأمارة قبل.

أقول: ظاهر العبارة اعتبار هذه الصفات في تحقّق الارتداد و صدقه فلو لم يكن من قال بالردّة بالغا أو عاقلا أو مختارا بل كان صبيّا أو مجنونا أو مكرها فلم يتحقّق الردة.

______________________________

[1] كذا افاده سيدنا الأستاذ الأكبر، و في النفس شي ء و ذلك لأنا نسئل: هل لا يكون هذا الشخص المشرف على الموت مكلفا على الصلاة؟ فما هو صلاة الغريق؟ و المفروض أن فرعون كان بحيث يشعر و يفهم و يتكلم و لذا قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل و انا من المسلمين:

يونس- 90 فكيف لا يكون من باب التخصيص؟ و على الجملة فالظاهر أنه توبة غير مقبولة.

هب أنه لا يكون من باب التخصيص فما يقال بالنسبة إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ

كَفَرُوا بَعْدَ إِيمٰانِهِمْ ثُمَّ ازْدٰادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الضّٰالُّونَ- آل عمران- 90.

[2] هذه القسمة من دفتر مذكراته مد ظله العالي- نور الله مرقده.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 355

و هذا ليس بتامّ فإن الأمر في الموارد الثلاثة ليس على نسق واحد بل هو مختلف قطعا و ذلك لأنّ الصبيّ يمكن ارتداده مع صباه بأن يرجع عمّا اعتقده من التوحيد و الرسالة بحيث لو سألناه: هل رجعت عمّا كنت عليه و عمّا كنت تقوله؟

لأجاب بقوله: نعم قد عدلت و رجعت، و أمّا المكره فلا يتحقق في حقّه الردّة حيث إن اعتقاده ثابت لا يزول و إنّما الممكن في حقه هو التفوّه بكلمة الردة بل إجبار المؤمن على الرجوع قلبا عن إيمانه و اعتقاده، كالتناقض في الحقيقة.

و على الجملة فلا يمكن إجبار أحد على الرجوع عمّا يعتقده و إنّما الممكن هو الإجبار على التكلم بكلمة الكفر كما في مورد عمّار رضوان الله عليه حيث إنه تكلم بها و قلبه مطمئن بالإيمان على ما صرح به القرآن الكريم «1» و المجنون أيضا لا يتحقق فيه الإيمان و الكفر و إنّما يحكم بإسلامه تبعا مثلا في قسم من الأحكام كالطهارة بدنه و وجوب تجهيزاته و دفنه بعد موته و غير ذلك من الأحكام.

و على هذا فالمراد اعتبار الصفات المزبورة في الارتداد شرعا أو في جريان أحكام المرتد فلا تجري تلك الأحكام كوجوب القتل و غيره إلا إذا كان بالغا.

و كيف كان فيعتبر في إجراء أحكام المرتد البلوغ و ذلك لأدلة رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم.

و خالف في ذلك شيخ الطائفة قدس سره فذهب إلى أن المراهق إذا ارتد بعد إسلامه يجري عليه

الأحكام و ذلك للخبر الذي رواه من أن الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامة و اقتصّ منه و نفذت وصيّته و عتقه.

و فيه أنه خبر مرسل لا يقاوم الأدلة القوية الدالة على رفع القلم عن الصبيّ، و إن كان المراد هو قلم المؤاخذة و العقاب فإنها مترتبة على التكليف فضلا عن كون المراد منه هو قلم التكليف.

و أجاب عنه في الجواهر بقوله: و لكن شذوذه و عدم صراحته و معارضته بما هو أقوى منه من وجوه يمنع من العمل به.

______________________________

(1) سورة النحل الآية 106.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 356

و قد يقال: كيف يكون الخبر شاذّا و الحال ان الشيخ الطوسي نسبه إلى الأصحاب قائلًا: روى أصحابنا أن الصبيّ إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامّة. [1].

و فيه مضافا إلى أن الخبر مرسل، أنه كيف روى الأصحاب كلّهم ذلك الخبر و لا يوجد منه في كتب المتأخرين عين و لا اثر فهل يمكن أن يكون الخبر قد رواه الأصحاب و لم ينقله أحد من المتأخرين؟ و لعلّه قدس سرّه الشريف وجد رواية بعض الأصحاب له فنسبه إلى الأصحاب.

و أمّا الإشكال بأنّه أيّ إجمال في الخبر بعد التصريح بأنّ الصبيّ الذي بلغ عشرا أقيمت عليه الحدود التامّة [2].

ففيه أنه و إن صرّح بإقامة الحدود التامّة المراد منها ما يقابل التعزير إلا أنه لم يصرّح فيه بالارتداد، و المرتد، و حدّه، و الحاصل انه لا تصريح فيه بإقامة حدّ الارتداد عليه.

و المراد من المعارضة بالأقوى معارضة هذه المرسلة بالأدلّة القويّة الدّالة على اعتبار البلوغ في الكفر و ترتب أحكامه، و على هذا فلا يقام الحدّ على الصبيّ لارتداده. نعم يعزّر كي

يرتدع عن ذلك، و التعزير وظيفة الوليّ فإن عليه أن يؤدبه فليس التعزير دليلا على تكليف الصبي.

و بتعبير آخر: يعتبر في إجراء أحكام الارتداد عدم الصباوة فلا يجري الأحكام مع صدق المرتد على الصبي، و إنما الاختلاف في غاية الصباوة فالمشهور على أنه يمتد الحكم إلى البلوغ، و ذهب الشيخ إلى إجراء الأحكام على المراهق و من بلغ عشرا و قد تقدم استدلاله و الجواب عنه. هذا.

______________________________

[1] أورده هذا العبد.

[2] أورده هذا العبد و قد أجاب سيد مشايخنا بما قررناه و مع ذلك يرد أن (الحدود) جمع محلّى باللام و هو مفيد للعموم كما أن الشيخ صرح بذلك في آخر كلامه قائلًا: و ذلك عام في جميع الحدود. فراجع الخلاف كتاب اللقطة المسألة 20.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 357

و أمّا العقل فهو أيضا معتبر في إجراء أحكام المرتدّ فلا يقتل المجنون الذي أتى بالردة و هو ليس بمرتدّ واقعا فكما أن إسلامه لا يعتبر إسلاما كذلك كفره لا يعتبر كفرا، و إنّما هو محكوم بحكم المسلم و يعامل معه كذلك فيحكم بطهارة بدنه و حفظ نفسه و وجوب غسله و تجهيزه و دفنه بعد موته و إلا فلا عبرة بأقواله و أفعاله.

و لا فرق فيما ذكر من عدم تحقق الردة بين كون جنونه إطباقيا دائميا أو أدواريا يعرض و ينقطع بشرط صدور الردّة حال جنونه.

و من جملة الشرائط هو الاختيار فلا عبرة بردة المكره على ذلك و قد ذكرنا أن المكره لا يحصل منه الارتداد غاية الأمر أنه يكره على التلفظ باللفظ الخاص أو الفعل كذلك كما في قصة عمّار فهو نظير من أكره في نصف النهار على أن يقول بأنه في

ظلام الليل، فإن الإكراه على خلاف أمر واقعي مع اعتقاد القلب به غير معقول.

و الدليل على ذلك من الكتاب قوله تعالى: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1».

و من السنة قوله صلى الله عليه و آله: رفع عن أمتي تسعة الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه. «2» و على ذلك فللمكره أن يأتي بالأفعال أو الكلمات الدالة على الكفر و الصريحة فيه مطلقا حتى السب و البراءة.

نعم ورد النهى عن خصوص البراءة في بعض الأخبار و الآثار [1].

______________________________

[1] ففي الوسائل ج 11 ب 29 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ح 8 عن مجالس ابن الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ستدعون إلى سبي فسبوني و تدعون إلى البراءة مني فمدّوا الرقاب فإني على الفطرة.

______________________________

(1) سورة النحل الآية 106.

(2) توحيد الصدوق ص 353.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 358

لكن لا بد من حملها و توجيهها على ضرب من التأويل و التوجيه [1] أو أنّها

______________________________

[1] و أيضا عنه علي بن علي أخي دعبل الخزاعي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: إنكم ستعرضون على سبي فإن خفتم على أنفسكم فسبوني الا و إنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تفعلوا فإني على الفطرة. ح 9.

و في نهج البلاغة خطبة 57 من كلام لأصحابه: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد فاقتلوه و لن تقتلوه الا و انه سيأمركم بسبي و البراءة مني فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة

و لكم نجاة و أما البراءة فلا تتبرءوا مني فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة.

و في أنساب الأشراف للبلاذري ص 119 عن شهاب مولى علي عليه السلام: و انكم مستعرضون على سبي و البراءة مني فسبوني و لا تتبرءوا مني.

[1] أقول: من جملة التوجيهات هو حمل البراءة المنهي عنها على البراءة القلبيّة، و السبّ على التلفظ بكلمة السبّ و اللعن كما و قد يجمع بهذا بين ما دلّ على المنع عن البراءة و ما دلّ على جوازها فيحمل البراءة المنهي عنها على البراءة القلبيّة و المجوّزة على اللفظية. و هذا لا يساعد مذهب سيدنا الأستاذ و سيصرّح بذلك.

و منها ما ذكره ابن أبي الحديد من حمل البراءة على اللفظية إلا أنه لمّا لم تطلق البراءة في الكتاب الكريم إلا في حق المشركين كقوله تعالى: بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

و قوله عزّ و جلّ: أَنَّ اللّٰهَ بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ، فيحمل النهي في كلامه عليه السلام على أنّ التحريم في البراءة أشدّ و إن كان الحكم في كلّ من السب و البراءة التحريم.

و يرد عليه كما في مرآة العقول 9- 177 ان النهي عن البراءة في كلامه عليه السلام في حال الإكراه و لا فرق كما يقول هو أيضا به بينهما فيه فيجوز البراءة كما يجوز السب.

و منها ان يحمل النهى على التنزيه فيكون إظهار البراءة مكروها و الصبر على القتل مستحبا.

و منها أن يكون كل من السب و البراءة مكروها مع الإكراه و شدّتها في الثاني و يحمل الأمر بالسب في كلامه عليه السلام على الجواز و لو على وجه الكراهة.

و قال الشهيد قدس سره

في القواعد: التقية تبيح كل شي ء حتى إظهار الكفر و لو تركها حينئذ اثم إلا في هذا المقام [في قتل المسلم] و مقام التبري عن أهل البيت عليهم السلام فإنه لا يأثم بتركها بل صبره إمّا مباح أو مستحب خصوصا إذا كان ممّن يتقدى به انتهى.

هذا كله مضافا إلى ورود خلاف في ذلك الأخبار كما في خبر مسعدة بن صدقة راجع الوسائل- 11 باب 29 من الأمر بالمعروف ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 359

تطرح كما في الجواهر للمعارضة بالأقوى من وجوه، قال: خصوصا بعد قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً. بل الظاهر وجوبه مع الخوف على النفس أو الطرف نعم ينبغي له التورية مع إمكانها انتهى.

و أما الجمع بحمل ما ورد من البراءة على البراءة القلبية و أما السب فهو من مقولة الألفاظ، فهو غير وجيه و ذلك لمّا تقدم من عدم إمكان الإكراه على خلاف ما اعتقده بالقلب.

ثم إنه كما لا عبرة بما يقع من المكره هكذا لا عبرة بما يقع من الغافل و الساهي و النائم و المغمى عليه من الأقوال و الأفعال المقتضية للكفر لو وقعت من غيرهم.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 3، ص: 359

هكذا في الجواهر ثم قال: بل لو ادعى عدم القصد إلى ما تلفظ به و إنما سبق به اللسان أو لغفلة من معناه أو عن أدائه إلى ما يقتضي الكفر أو السهو عن ذلك أو الحكاية عن الغير صدّق بلا يمين إذا لم يعلم كذبه.

و استدل على ذلك بثلاثة وجوه: الأصل

و الاحتياط و الشبهة. و المراد من الأصل هو الاستصحاب فإنه جار بالنسبة إلى ما كان عليه من الإيمان.

و أما الشبهة فلعدم العلم بإباحة دمه و جواز قتله و بذلك يدرء الحدّ.

و امّا الاحتياط فهو لا يخلو عن إجمال أو إشكال لأن المراد منه لو كان هو الاحتفاظ على الدماء و عدم التهجم فيها فهو متفرع على إحراز الأهمية بالنسبة إلى إجراء حدّ المرتدّ و لم يحرز ذلك بل لعله يستفاد العكس أي إن التفوه بكلمة الكفر أعظم الأشياء و أهم من كل شي ء حتى من حفظ النفس، و على الجملة فهنا واجبان مستقلان يتردد الأمر بينهما و يدور امره بين وجوب حفظ نفسه و وجوب قتله، و لا يمكن الاحتياط و الحال هذه.

و كما أن جواز قتله مشكوك كذلك وجوب حفظه مشكوك لدوران أمره بين كونه مسلما أو مرتدا.

و إن كان المراد من الاحتياط هو قاعدة الدرء فلا وجه لعده شيئا آخر و وجها مستقلا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 360

ثم تعرض هنا لفرع آخر بقوله: بل لعلّ من ذلك ما يصدر عند الغضب الذي لا يملك نفسه معه.

و في كلامه هنا أيضا نوع إجمال فلا يتّضح مراده من عدم ملك نفسه كاملا فإن كان المراد صيرورته من الغضب بحيث لم يدر ما يقول و لا يشعر ما يتكلم به كوقوع الإنسان بسبب حدوث الزلزلة على أحد و قتل الثاني به فهو صحيح فلا يترتب عليه أثر.

لكن قلّما يتفق ذلك جدّا، و امّا لو لم يكن المراد خصوص ذلك و أراد الأعم منه و ما كان دون ذلك فيشكل الحكم بأنه لا يترتب عليه الآثار، فان كل من يتفوه بالكلمات الخبيثة الموجبة

للرد فإن غضبه و شدة فوران نفسه حمله على التلفظ بذلك كما ان من يأتي بالفعل الموجب للردّة فإن شدة غيظه حملته على ذلك و ليس كلّ أحد كالإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان حاكما و غالبا على نفسه عند غضبه فيترك عمرو بن عبد ود و لا يقتله كي يخمد ثورة نفسه غضبا عليه فيقتله خالصا لله تعالى [1] «1».

و لو كان الأمر كذلك لوجب إحراز عدم كونه مسلوب الاختيار حتى يقتل و كيف لا يقال بذلك في باب القصاص؟! ثم إنه لو سلم ان المراد هو الاحتمال الأول فالذي يشكل الأمر هو أنه يصعب جدا تشخيص ذلك فمن أين يقطع بأنه بلغ في غضبه الى ان لم يبق له الاختيار.

نعم لو ثبت و تحقق ذلك لتم ما أفاده.

و كيف كان فما ورد في بعض الأخبار محمول على هذا المعنى فعن علي بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت عنده و سأله رجل عن رجل يجي ء

______________________________

[1] أقول: يمكن أن يكون المراد من الاحتياط هو أن الأمر دائر بين حق الناس و حق الله تعالى فان قتل المرتد حق الله و حفظ نفس المسلم حق الناس فهنا لو كان هو مسلما واقعا و لم يصر مرتدا فيجب حفظ نفسه و هو حقه و ان كان مرتدا يجب قتله لحق الله و التقدم لحق الناس.

______________________________

(1) قد مر ذكره في ج 2 من الدر المنضود ص 291.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 361

منه الشي ء على جهة غضب، يؤاخذه الله به؟ فقال: الله أكرم من أن يستغلق عبده- و في نسخة يستقلق عبده- [1].

في ادعاء الإكراه

قال المحقق: و لو ادعى الإكراه مع

وجود الأمارة قبل.

أقول: و الأمارة مثل كونه أسيرا بيد الكفار أو كان مخالطا لهم و الظاهر هو الإكتفاء بمجرد قوله و ادّعائه و إن لم يقرنه الإمارة و ذلك لأنه شي ء متعلق به و هو بنفسه يوجب الشبهة كما قد استدلّ على المطلب بحقن الدم و استصحاب الإسلام و درء الحدّ بالشبهة.

و مقتضى التقييد بوجود الأمارة هو الإشكال مع عدمها كما أن العلامة أعلى الله مقامه استشكل فيه و ان كان فرضه ليس هو عين محل البحث قال في القواعد: و لو شهد بردته اثنان فقال: كذبا لم يسمع منه و لو قال: كنت مكرها فإن ظهرت علامة الإكراه كالأسير قبل و إلا ففي القبول نظر أقربه العدم.

ترى أنه استشكل فيما إذا ادعى الإكراه بلا أمارة و قرب عدم القبول و وجه الإشكال أن ترجيح حقن الدم و استصحاب الإسلام و درء الحد بالشبهة يقتضي

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 ب 28 من أبواب حد القذف ح 1 و قوله: يستغلق عبده اي يكلفه و يجبره فيما لم يكن له فيه اختيار، و عن القاموس: استغلقني في بيعته، لم يجعل لي خيارا في رده.

و يمكن رجوع الاستغلاق بمعنى الاضطراب إلى الأول.

ثم إن صاحب الجواهر تعرض هنا لنكتة لم يتعرض لها سيدنا الأستاذ دام ظله- قدس الله روحه- في الدرس و هي أن ما ورد من أن الغضب يفسد الإيمان محمول على ما يقع منه مختارا لأجل الغضب لا ما يشمل الفرض المزبور انتهى.

و إني أظن أن مثل هذه الأخبار ليس من الاخبار الفقهية فليس المراد من إفساد الإيمان الارتداد كي يحتاج إلى التوجيه بل هو من الأخبار الأخلاقية فإن الغضب يؤثر قليلا قليلا إلى أن

يئول الأمر إلى زوال الإيمان عن قلب الغضبان.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 362

القبول، و من ناحية أخرى إن دعواه تتضمن تكذيب الشهود حيث إنهم قد شهدوا بالارتداد و هو يستلزم الاختيار إذ هو شرطه و لا ردة مع الإكراه.

ثم قال: و لو نقل الشاهد لفظا فقال: صدق لكني كنت مكرها قبل إذ ليس فيه تكذيب. انتهى.

فان اللفظ يحتمل ان يكون ناشيا عن الاختيار و عن الإكراه بلا فرق بين ما إذا لاح امارة الإكراه أم لا، إلا إذا علم بانتفاء الإكراه أو ثبت عدم كونه مكرها بالبينة، و الأصل و الاحتياط و الشبهة تمنع من التهجّم على قتله، و ان كان ما ذكرناه في الاحتياط سابقا يجري هنا أيضا.

هذا إذا شهدا باللفظة، و اما إذا شهدا بنفس الارتداد فمقتضى ما ذكره في القواعد هو الإشكال في قبول ادّعائه الإكراه مع عدم أمارة على الإكراه.

و استشكل في الجواهر بل قوى القبول إذا لم يكذب الشاهدين بأن ادّعى سببا خفيّا لم تعلم به البينة و كان مستند شهادتهما الأخذ بظاهر الحال.

أقول: و الحق ان ما أفاده صاحب الجواهر أقرب إلى الصواب بحسب الظاهر بالنسبة إلى ما قاله العلامة أعلى الله مقامه فإن الشهادة بالردة و ان كانت شهادة بالمسبب إلا أنها بالآخرة تئول إلى الشهادة باللفظ أو الفعل فيجري فيها ما يجري في الشهادة على اللفظة فإذا لم يكذب الشاهدين صريحا بل ادعى الإكراه فإنه يقبل قوله لإمكان وقوع الإكراه و استناده إلى سبب خفي عن الشاهدين، و الحدود تدرء بالشبهات.

ثم إنه إذا ثبت كونه مكرها فهل يفتقر بعد ذلك إلى تجديد الإسلام؟ الحق كما أنهم ذكروه عدم الافتقار إليه و ذلك لعدم تحقق

الارتداد منه كي يحتاج إلى تجديد الإسلام حيث إن عبارة المكره كالعدم و لفظه مثل لفظ بعت الذي قاله المكره فكما أنه لا يحتاج إلى قوله: فسخت، بعد ذلك لعدم وقوع البيع بعد حتى يحتاج في رفعه إلى الفسخ كذلك في المقام لم يصر مرتدا بلفظه الذي ألقاه حتى يفتقر إلى كلمة الإسلام و لا موقع لعرضها عليه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 363

و لو عرض عليه تجديد الإسلام فأبى عن ذلك فما يصنع به؟

قال العلامة في القواعد: و لو امتنع من تجديده حيث عرض عليه دل على اختياره في الردة.

يعني إنه لو لم يكن ارتداده عن اختيار فلما ذا يأبى عن التجديد حينئذ؟ ورد عليه صاحب الجواهر و هو الحق و ذلك لأنه ربما لا يخلو تجديده الإسلام عن إقرار ضمني بأنه قد ارتد سابقا و هو عار عليه و لذا يمتنع عن ذلك فلم يبق الا لفظ صدر منه و هو لغو بحكم الشرع فلا يتعقبه شي ء و هذا واضح.

و على الجملة فهو كسائر المسلمين فكما لا يستدعي المسلم أن يقرّ بالشهادتين كذلك لا يستدعي هذا الذي أدى الكلمة الخبيثة مكرها.

الكلام في المرأة

قال المحقق: و لا تقتل المرأة بالردة بل تحبس دائما و إن كانت مولودة على الفطرة و تضرب أوقات الصلاة.

أقول: و في الجواهر بالنسبة إلى عدم قتلها: إجماعا بقسيمه و نصوصا و على هذا فالإجماع المحصل و المنقول قائم على عدم قتلها بالردة كما أن الاخبار صريحة في ذلك، و قد أوردها في الوسائل تحت عنوان: باب أن المرأة المرتدة لا تقتل بل تحبس و تضرب و يضيق عليها.

محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب

بن يزيد عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن أبي عبد الله عليه السلام في المرتدة عن الإسلام قال: لا تقتل و تستخدم خدمة شديدة و تمنع الطعام و الشراب الا ما يمسك نفسها و تلبس خشن الثياب و تضرب على الصلوات «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد المرتد ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 364

قوله: و تضرب على الصلاة، و إن كان يحتمل أن يكون المراد به ضربها عقوبة إلا أن الظاهر منه ضربها كي تتوب و ترجع.

عن غياث بن إبراهيم عن أبيه عن علي عليه السلام قال: إذا ارتدت المرأة عن الإسلام لم تقتل و لكن تحبس أبدا «1».

و هذه صريحة في لزوم حبسها أبدا.

و عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يخلد في السجن إلا ثلاثة:

الذي يمسك على الموت و المرأة ترتد عن الإسلام و السارق بعد قطع اليد و الرجل [1].

عن عبّاد بن صهيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المرتد يستتاب فان تاب و إلا قتل، و المرأة تستتاب فإن تابت و إلا حبست في السجن و أضرّ بها «2».

عن ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام في المرتد يستتاب فإن تاب و الا قتل و المرأة إذا ارتدت عن الإسلام استتيب فإن تابت و إلا خلدت في السجن و ضيق عليها في حبسها «3».

نعم هنا رواية تخالف الأخبار المتقدمة و هي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة كانت نصرانية فأسلمت و ولدت لسيدها ثم إن سيدها مات و

أوصى بها عتاقة السرية على عهد

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد المرتد ح 3 و رواها الشيخ في التهذيب 10- 144 و في الكافي 7- 270 إلا أن فيه: الذي يمثل (بدل يمسك) و في الفقيه 3- 31 و فيه: الذي يمسك على الموت يحفظه حتى يقتل.

أقول: فهذه الجملة التي زيدت في الفقيه بيان ل يمسك اي أمسك حتى قتله آخر. و في قصاص الشرائع: و لو أمسك واحد و قتل الآخر فالقود على القاتل دون الممسك لكنّ الممسك يحبس أبدا.

و في الوافي 2- 71 من الحدود يمسك على الموت اي يمسك إنسانا حتى يقتله آخر بغير حق.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد المرتد ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد المرتد ح 4.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد المرتد ح 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 365

عمر فنكحت نصرانيا ديرانيا و تنصرت فولدت منه ولدين و حبلت بالثالث فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام فعرض عليها الإسلام فأبت فقال: ما ولدت من ولد نصرانيا فهم عبيد لا فيهم الذي ولدت لسيدها الأول و انا أحبسها حتى تضع ولدها فإذا ولدت قتلتها «1».

لكن هذه الرواية مشتملة على ما لا يوافق القواعد مثل صيرورة ما ولدت بعد أن صارت. نصرانية عبيدا لا فيهم أي الذي ولدت في حال الإسلام و لا وجه لذلك ظاهرا فإنها حين مات سيدها فحيث كانت مسلمة فهي تعتق من سهم إرث ولدها و إن لم يكن المولى اوصى بعتقها فبعد ذلك و ان تنصرت و ارتدت فهي حرة و لا وجه لصيرورة

أولادها عبيدا أصلا هذا.

و من جملة ما فيها من الخلاف هو قتلها بعد وضع حملها مع أن المرتدة لا تقتل و لذا قال الشيخ الطائفة في التهذيب ج 1- 143 بعد نقلها: قال محمد بن الحسن: هذا الحكم مقصور على القضية التي فصلها أمير المؤمنين عليه السلام و لا يتعدى الى غيرها لأنه لا يمتنع أن يكون هو عليه السلام راى قتلها صلاحا لارتدادها و تزويجها و لعلها كانت تزوّجت بمسلم ثم ارتدت و تزوّجت فاستحقت القتل لذلك و لامتناعها من الرجوع إلى الإسلام. فأما الحكم في المرتدة فهو أن تحبس أبدا إذا لم ترجع إلى الإسلام [1].

فقد وجه قتلها بأنها تزوّجت مع كونها ذات بعل. وهب انه حمل هذا على ما ذكره فما هو الوجه في رقيّة الإخوة لأخيهم؟ [2].

______________________________

[1] كما أنه قدس سره قال في الاستبصار- 4- 256 بعد ذكر الخبر: إنه لا ينافي الأخبار الأولة لأن هذا الخبر إنما وجب فيه قتلها لأنها ارتدت عن الإسلام و تزوجت كافرا فلأجل ذلك وجب عليها القتل و لم لم يكن تزوجت كان حكمها أن تخلد في الحبس حسب ما تضمنته الروايات الأولة.

[2] أقول: ان الشيخ روى هذا الخبر في باب الحدود من التهذيب في حدّ المرتدّ و المرتدّة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب حد المرتد ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 366

و على الجملة فهذه الرواية ممّا لا بدّ ان يقال فيها بأن علمها عند أهلها فيرد علمها إليهم صلوات الله عليهم أجمعين و لعله كانت القضية متضمنة لجهات لم تذكر في هذه الرواية و كان الحكم بلحاظها على حسب القاعدة.

و أمّا الروايات الأخرى فهي متفقة على عدم

قتلها بل تحبس دائما.

نعم هنا بحث و هو انه هل تحبس إلى أن تتوب أو أنها تحبس دائما بأن يكون الحبس الأبد حدها؟

مقتضى عدم كون الحبس مغيى بالتوبة في هذه الروايات الشريفة هو الثاني فراجع رواية حماد و غياث و حريز و غيرها.

و قد وقع النزاع في هذا المطلب بين علمي الفقه الشهيد الثاني و صاحب الجواهر.

فقال الأول بأنه ليس في هذه الأخبار ما يقتضي قبول توبتها في الحالين و الخبر الأول- صحيحة الحسن بن محبوب- كما تضمّن توبتها تضمن قبول توبة المرتد المذكر و لو حمل المرتد الذكر على الملي فيرد عليه ورود مثل ذلك في المرأة أيضا بأن يقال بان قبول التوبة منها مختصة بما إذا كانت ملية، قال رحمه الله: فيمكن

______________________________

و قال المجلسي في ذيله في كتاب ملاذ الأخيار 16- 285: صحيح و قد مرّ القول فيه انتهى و كذا في باب إرث المرتدّ من كتاب الإرث.

و قال في الملاذ 15- 406: موثق، و قد مضى في آخر باب السراري و ملك الأيمان و هناك: فأصابها عتاق السرية و هو الظاهر و عمل بمضمونه الشيخ في النهاية و ردّه ابن إدريس. و قال في القاموس:

الداري العطار منسوب إلى دارين قرية بالبحرين بها سوق يحمل المسك من الهند إليها. و كذا في باب السراري و ملك الأيمان. و قال في ذيله في الملاذ ج 13 ص 419: موثق و قال في القاموس:

الداري العطّار منسوب إلى دارن جزيرة بالبحرين بها سوق يحمل المسك من الهند إليها انتهى.

و قال في المختلف: قال الشيخ في النهاية: ان أعتق الرجل أمّ ولده فارتدت بعد ذلك و تزوّجت رجلا ذميا و رزقت منه أولادا كان أولادها الذمي

رقّا للذي أعتقها فإن لم يكن حيا كانوا رقا لأولاده و يعرض عليها الإسلام فإن رجعت و إلا وجب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 367

حمل الأخبار الدالة على حبسها دائما من غير تفصيل على الفطرية بأن يجعل (يحمل ظ) ذلك على حدّها من غير أن يقبل توبتها كما لا يقبل توبته إلخ.

و قال صاحب الجواهر رضوان الله عليه بان الأنسب حملها- اي الأخبار الدالة على حبسها دائما- على عدم التوبة بقرينة الخبرين المجبورين بالعمل- مرسل ابن محبوب و خبر عباد بن صهيب- قال: و لا ينافي اشتمالها على قبول توبة المرتد الذكر المحمول على الملي كغيرهما من النصوص المعتضدة بالعمل أيضا.

انتهى.

و الظاهر أن الحق معه فإن ما دل على قبول توبة المرأة المرتدة مطلقا بعد الاستتابة أظهر من كون صدر الخبرين في المرتد مطلقا شاملا للفطري و الملي الذي لا بد من حمله على الملي، فلا وجه لحمل الجملة الأخيرة الواردة في المرأة و استتابتها و قبول توبتها على الملية بل يبقى الذيل على إطلاقه فالمرأة المرتدة تقبل توبتها.

و أما مناسبة الحكم و الموضوع و أن المرتد الذكر يفرق بين قسميه و كان حكم الفطري أشد من الملي حيث كان يقتل الفطري بلا استتابة فهنا أيضا يكون حكم المرتدة الفطرية أشد من الملية و حيث ثبت عدم قتلها مطلقا فيحكم بان الفطرية محكومة بالحبس الدائم و لا تنفعها التوبة بخلاف الملية فإنها تستتاب و تقبل توبتها و يخلى سبيلها كما يؤيد ذلك حمل صدر الخبرين على الملي، و المسألة أي قبول توبتها مطلقا ليست قطعية إجماعية كما هو مقتضى تعبير العلامة في التحرير ب «الوجه القبول» كما ذكر ذلك في المسالك و كشف

اللثام.

ففيه أن التقديم مع التصرّف في إطلاق المرتدّ هنا و تقييده بالملىّ و كون المرتدّة باقية على إطلاقها و ذلك للتصريح بالتفاوت بين الفطريّ و المليّ في سائر الأخبار إذا كان رجلا و كون الشهرة على ذلك.

هذا كلّه بالنسبة للرجل و أمّا الخنثى المشكل ففي الجواهر: قد يقال: إنّ مقتضى

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 368

كون الحدّين من قبيل المتباينين هو التخيير بينهما لا الإلحاق بالمرأة كما جزم به بعض الأفاضل، و لا ينافي ذلك تعليق الحكم على الولادة على الفطرة المعلوم عدم سياقها لنحو ذلك انتهى.

أقول: مقتضى كون الحدّين من قبيل المتباينين هو التخيير بينهما لا الإلحاق بالمرأة فإنّ قاعدة الشبهة غير جارية مع العلم الإجمالي بأحد الحدّين اللهم إلا أن يعلم كون حفظ النفس أهمّ فهناك يصحّ الإلحاق [إلا أن يقال إن حفظ النفس بهذه الكيفية و العذاب ليس بأهمّ من القتل فالمتعين التخيير] [1].

و أما درء الحدّ بالشبهة فربّما يقتضي عدم إجراء حدّ عليه أصلا و هو إن كان لا بأس به لو قلنا بكون الخنثى طبيعة ثالثة لكنّه خلاف ما عليه الأصحاب.

______________________________

[1] لعل وجهه أنه خلاف مفهوم الحصر في قوله تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ. الشورى- 49 و قوله تعالى: خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثىٰ. النجم- 45.

ثم إني أقول: و يحتمل القرعة في تعيين أحدهما. كما و أنه يحتمل الحاقة بالذكر كما عن ظاهر عبارة الروضة 2- 370 و في إلحاق الخنثى بالرجل و المرأة وجهان تقدما في الإرث و أن الأظهر إلحاقه بالمرأة.

و قال في أوائل الإرث ص 290 عند ذكر حكم المرأة المرتدة و أنه لا تقتل: و كذلك الخنثى للشك

في ذكوريته المسلطة على قتله.

و يحتمل أن يلحقه حكم الرجل لعموم قوله صلى الله عليه و آله: من بدل دينه فاقتلوه. خرج منه المرأة فيبقى الباقي داخلا في العموم إذ لا نص على الخنثى بخصوصه و هذا متجه لو لا أن الحدود تدرء بالشبهات.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 369

في المرتد المليّ

قال المحقق: القسم الثاني من أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ فهذا يستتاب فإن امتنع قتل و استتابته واجبة و كم يستتاب؟ قيل ثلاثة أيّام و قيل القدر الذي يمكن معه الرجوع و الأول مرويّ و هو حسن لما فيه من التأنّي لإزالة عذره.

أقول: الكلام هنا في المرتدّ المليّ أمّا عدم قتله من أول الأمر و إنّما يقتل إذا امتنع عن التوبة بعد الاستتابة ففي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص التي تقدم بعضها.

و قد تقدم بعض الروايات الدالّة على ذلك فراجع، مضافا إلى قيام الإجماع من المحصّل و المنقول على ذلك.

و أمّا أنّ الاستتابة واجبة فقد خالف في ذلك أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه حيث استحبها.

و قد استدلّ هو بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: من بدل دينه فاقتلوه «1».

و استدلّ القائل بالوجوب بالأمر بها في الروايات و هو يفيد الوجوب، و بالاحتياط في باب الدماء.

و أما النبوي فهو تعبد بما بعد الاستتابة في المليّ بسبب تلك الروايات الآمرة بالاستتابة و عمل الأصحاب فالقتل يقيد بالامتناع عن التوبة.

و امّا زمانها ففي الشرائع القول بتحديدها بثلاثة أيام و ذهب الشيخ و متابعوه إلى أنه يمهل بمقدار يمكن معه الرجوع.

و يدلّ على الأول ما رواه الكليني و الشيخ عن مسمع بن عبد الملك عن أبي

عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليها السلام: المرتدّ عن الإسلام تعزل عنه امرأته و لا تؤكل ذبيحته و يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب و إلا قتل يوم الرابع «2».

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 370

لكن الرواية رواها الشيخ بطريق ضعيف جدا إلا أنّ المحقّق استحسن هذا القول لما ذكره من التأنّي لإزالة عذره فإنه من الممكن عروض شبهة له فعدم التهجم على الدماء يقتضي ذلك، و حفظ النفس أهمّ من إجراء الحدّ فيمهل ثلاثة أيام.

أقول: و الاستصحاب أيضا يقتضي عدم جواز قتله قبلها: فإنه كان محقون الدم و كان لا يجوز قتله و الآن نشك في ذلك فهو بعد باق على كونه مصون الدم.

و أما الموضوع فهو هذا الشخص فلا يتفاوت بتفاوت الأحوال.

و اما القول الآخر فمستنده إطلاق الأدلّة.

فعن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في حديث قال: قلت: فنصراني أسلم ثم ارتد؟ قال: يستتاب فان رجع و الا قتل «1».

عن غير واجد من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام في المرتد يستتاب فإن تاب و إلا قتل «2».

و هي محمولة على المليّ.

و عن جميل بن درّاج و غيره من أحدهما عليهما السلام في رجل رجع عن الإسلام فقال: يستتاب فإن تاب و إلا قتل «3».

و هي أيضا محمولة على المليّ.

عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل من بني ثعلبة قد تنصّر بعد إسلامه فشهدوا عليه فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:

ما يقول هؤلاء الشهود؟

فقال: صدقوا و أنا أرجع إلى الإسلام فقال: أما إنّك لو كذّبت الشهود لضربت عنقك و قد قبلت منك فلا تعد فإنّك إن رجعت لم اقبل منك رجوعا بعده «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 3.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 371

هذا لكن التقديم مع قول الثلاثة لما ذكرناه.

و قال العلامة في القواعد: و لو قال: حلّوا شبهتي، أحتمل الإنظار إلى أن تحل شبهته و إلزامه التوبة في الحال ثم يكشف له. انتهى.

أما الأول أي احتمال الإمهال إلى حلّ شبهته فهو (كما في كشف اللثام) لوجوب حلّ شبهته و كون التكليف بالإيمان مع الشبهة من التكليف بما لا يطاق.

و أمّا الثاني أي احتمال إلزامه بالتوبة فورا فلوجوب التوبة على الفور، و الكشف و إن وجب فورا أيضا لكنّه يستدعي مهلة و ربّما طال زمانه، و يكفي في الحكم بإسلامه التوبة ظاهرا و إن كانت الشبهة تأبى الاعتقاد و لا تجامعه و أيضا ربّما لا يأبى الاعتقاد تقليدا [1].

و أورد عليه في الجواهر بقوله: و فيه أن ذلك كلّه مناف لإطلاق ما دلّ على قتله مع عدم التوبة نصا و فتوى و لعلّه لعدم معذوريته في الشبهة.

و هذا لبيان إلزامه بالتوبة فورا و لزوم قتله مع عدم توبته و علّل ذلك بعدم كونه معذورا في الشبهة.

بيانه أنه لم يحقق كاملا حتى يستقر أركان إيمانه و يرتفع من الأول أنواع الشبهة فإن الإسلام

كان من الاستحكام و المتانة بحيث لو دقق فيه النظر و جدّ و اجتهد في الاستدلال لوصل الى مدارج اليقين و بلغ أفق الاطمئنان بحيث لا تعريه الشكوك و لا يعرضه التردد فإذا رأينا أنه وقع في الشبهة فهو دليل على أنه لم يبذل جهده في النظر و الاستدلال فليس معذورا في حصول الشبهات لعدم استفراغ وسعه في تحصيل الاعتقاد الجازم و الإيمان المصون عن الخطأ و الخطل و الشبهة و الزلل فهو جدير بأن يغلّظ في حقّه.

______________________________

[1] و قال فخر المحققين في شرحه: وجه الأول ان حل شبهته واجب فيجب الانظار لإزالة عذره و وجه الثاني ان وجوب الرجوع و الإقرار بالإسلام على الفور واجب مضيق فلا ينافي وجوب حل الشبهة لإمكان أن يأتي بالإسلام ثم يحل شبهة و هو الأقوى عندي.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 372

نعم الاحتياط و مراعاة أمر الدماء يقتضي إمهاله إلى ثلاثة أيام.

و أما الإشكال بأنه كيف يكلف بالتوبة مع أنّه يمكن عدم ارتفاع شكّه و شبهته؟ و هل يمكن التوبة و قبول الإسلام مع بقاء الشبهة في صفحة قلبه؟.

ففيه أنه و إن صح ما ذكر من إمكان عدم رفع شبهته بل و ربّما تبقى و لا تزول إلى مدة مديدة إلا أن التوبة في الظاهر ممكنة له و في الحقيقة يمكن له كالمنافقين الذين شهد الله بكذبهم في شهادتهم بالتوحيد و الرسالة إلا أنهم مصونون باعترافهم و إقرارهم في الظاهر و على هذا فيجب عليه أن يتوب و يظهر الشهادتين و إن لم تزل شبهته و طال الزمان على هذا.

و أمّا إمهاله في شبهته مع عدم إقراره بالإسلام فهو خلاف مبناهم و على هذا فلو أقر

و تاب فإنه يصان بذلك دمه و إلا فإنه يقتل، غاية الأمر أنه يؤخر الأمر إلى ثلاثة أيام و يمهل في خلالها.

نعم يظهر من بعض الروايات أنه لا مهلة أصلا و إنما تعرض عليه التوبة فإن تاب و إلا يقتل.

فعن معاوية بن عمار عن أبيه عن أبي الطفيل أن بني ناجية قوما كانوا يسكنون الأسياف و كانوا قوما يدعون في قريش نسبا و كانوا نصارى فأسلموا ثم رجعوا عن الإسلام فبعث أمير المؤمنين عليه السلام معقل بن قيس التميمي فخرجنا معه فلما انتهينا إلى القوم جعل بيننا و بينه أمارة فقال: إذا وضعت يدي على رأسي فضعوا فيهم السلاح فأتاهم فقال: ما أنتم عليه؟ فخرجت طائفة فقالوا نحن نصارى فأسلمنا لا نعلم دينا خيرا من ديننا فنحن عليه و قالت طائفة: نحن كنا نصارى ثم أسلمنا ثم عرفنا إنه لا خير في الدين الذي كنا عليه فرجعنا إليه فدعاهم إلى الإسلام ثلاث مرات فأبوا فوضع يده على رأسه قال: فقتل مقاتليهم و سبى ذراريهم فأتى بهم عليا عليه السلام فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمأة الف درهم فأعتقهم و حمل إلى علي عليه الصلاة و السلام خمسين ألفا فأبى أن يقبلها

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 373

قال: فخرج بها فدفنها في داره و لحق بمعاوية قال: فخرب أمير المؤمنين عليه السلام داره و أجاز عتقهم [1].

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 6. ثم لا يخفى أن الأسياف جمع سيف بالكسر و هو ساحل البحر، ذكره في الوافي.

و قال المجلسي في الملاذ ج 16- ص 276: مجهول. قوله: يسكنون الأسياف اي السواحل، قال في النهاية: سيف البحر سائله.

ثم قال المجلسي: قد أوردت هذه القصة بطولها في كتاب الفتن من كتابنا الكبير، و ساق إلى قوله: قيل لعلي عليه السلام حين هرب مصقلة سبوا و لم تستوف أثمانهم في الرق فقال فقال: ليس ذلك في القضاء بحق، قد عتقوا إذا أعتقهم الذي اشتراهم فصار مالي دينا على الذي اشتراه. قوله: فأبى أن يقبلها لنقص الثمن و كأنه لعلمه عليه السلام بأنه كان قادرا على أكثر من ذلك و أراد أن يصالح بهذا المبلغ.

و في فتن البحار ص 569: قيل لعلي عليه السلام حين هرب مصقلة: اردد الذين سبوا و لم يستوف أثمانهم في الرق فقال: ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا الى آخر مثل ما نقلناه عن الملاذ.

و في نهج البلاغة خطبة 44: من كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية و كان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام و أعتقه فلما طالبه بالمال خاص به و هرب إلى الشام: قبح الله مصقلة فعل فعل السادات و فر فرار العبيد فما أنطق مادحه حتى أسكته و لا صدق واصفه حتى بكته و لو أقام لأخذنا ميسوره و انتظرنا بماله و فوره. التبكيت يعني التقريع.

و في مروج الذهب ج 2 ص 419 فقال علي: قبح الله مصقلة فعل فعل السيد و فر فرار العبيد، لو أقام أخذنا ما قدرنا على أخذه فإن أعسر أنظرناه و إن عجز لم نأخذه- لم نؤاخذه- بشي ء و أنفذ العتق و في ذلك يقول مصقلة:

تركت لنساء الحي بكر بن وائل و أعتقت سبيا من لؤي بن غالب

و فارقت خير الناس بعد محمد لمال قليل لا محالة ذاهب

و قد نقل المجلسي في الفتن ص 569: و اقبل معقل إلى أمير المؤمنين فأخبره بما كان من الأمر فقال:

أحسنت و أصبت و وفقت، و انتظر علي عليه السلام مصقلة أن يبعث بالمال فأبطأ به و بلغ عليا عليه السلام أن مصقلة خلي الأسارى و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي ء. ثم كتب اليه اما بعد فإن من أعظم الجناية خيانة الأمة و أعظم الغش غش الإمام و عندك من حق المسلمين خمسمائة الف درهم فابعث بها إلى حين يأتيك رسولي و إلا فاقبل إلى حين تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي أن لا يدعك ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا ان تبعث بالمال.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 374

و مفاد الرواية أن هذه الطائفة كانوا كلّهم في بدو الأمر نصرانيين و بعد ذلك أسلموا جميعا ثم رجعوا و عند ما جاءهم مبعوث علي عليه السلام معقل بن قيس بأمر أمير المؤمنين و سألهم عمّا فعلوا انقسموا قسمين و إن كان ظاهر الصدر أنهم ارتدوا جميعا فقال قوم منهم بأنا كنا نصرانيين و أسلمنا و الآن لا نعلم دينا خيرا من هذا الدين الذي اعتنقناه، اي الإسلام و قال الآخرون بأنا كنا نصرانيين ثم أسلمنا و الآن نرى أن الإسلام ليس خيرا من النصرانية فرجعنا إليها.

و كان قيس قد جعل وضع يده على رأسه علامة إذا أتى بها هجم أصحابه عليهم و آل الأمر إلى أنه قد أظهر العلامة فحملوا و قتلوا رجالهم و سبوا ذراريهم.

ثم أتى بهم إلى علي عليه السلام ثم اشتراهم مصقلة بن هبيرة بمأة و أعتقهم لكنّه لم يؤدّ إلا خمسين منها و لم يقبلها

الإمام فلذا خرج مصقلة و دفن الخمسين.

في داره و ترك الإمام و لحق بمعاوية و صار من أصحابه ثم خرب أمير المؤمنين داره و لعلّه عليه السلام أخرج الخمسين و أجاز عتق الذراري.

و حيث إنه كان ممثّل أمير المؤمنين و مأموره فقد فعل ما فعل بإذنه صلوات الله و سلامه عليه و لم ينكر الامام عليه السلام في ما فعله فيعلم أنه بعد الاستتابة و عدم قبول التوبة فالحكم هو القتل بلا تأخير في ذلك. و على ذلك فالإمهال مطلقا لا يستفاد من الاخبار.

نعم بملاحظة ما تقدم من ورود الثلاثة في الخبر- و إن كان ضعيفا- مع ملاحظة الاحتياط في الدماء يستتاب ثلاثة أيام و يمهل إليها لو تاب فتوبته مقبولة و انما الترديد في السرعة في قتل الكافر حيث لم يتب أو حفظ النفس إلى الثلاثة و لعلّه يتوب و يسلم، و لعلّ الأحب عند الله تعالى هو الثاني.

ثم إنه قال الفاضل الأصبهاني قيل: و إن اعتذر بالشبهة أول ما استتيب قبل انقضاء الثلاثة أيام أو الزمان الذي يمكن فيه الرجوع أمهل إلى رفعها و إن أخر

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 375

الاعتذار عن ذلك لم يمهل لأدائه إلى طول الاستمرار على الكفر و لمضي ما كان يمكن فيه إبداء العذر و إزالته و لم يبده فيه انتهى «1».

و محصله أن اعتذاره بالشبهة في الثلاثة مثلا عند أول زمان استتيب يوجب الإمهال إلى أن ترتفع شبهته أما لو أخر الاعتذار بعد الاستتابة إلى أن مضت الثلاثة مثلا فإنه لا يمهل و ذلك لوجهين:

أحدهما أنه ربما ينجرّ ذلك إلى طول الاستمرار على الكفر.

ثانيهما مضي ما كان يمكن فيه إبداء العذر و إزالته

و لم يبده.

و ردّ عليه في الجواهر بقوله: و لم أجده لأحد من أصحابنا و لعلّه لبعض العامّة و لا ريب في وضوح ضعفه بمنافاته لإطلاق الأدلّة ضرورة اقتضائه الإمهال و لو سنين على الأول.

يعني إنه على الفرض الأول (و هو ما إذا أبدى العذر في الثلاثة الذي ذكر أنه يمهل إلى رفع شبهته) ربّما يلزم الإمهال طول سنين كثيرة متوالية و هذا خلاف إطلاقات الأدلة الناطقة باستتابته و قتله مع عدم التوبة و أضاف رحمه الله على ذلك و قال: و يمكن دعوى القطع بأنه خلاف النص و الفتوى فالتحقيق حينئذ ما عرفت من استتابته و الأحوط الانتظار ثلاثة أيام فإن لم يتب قتل ذكر شبهة أو لم يذكر. انتهى.

في عدم زوال أملاكه و في انفساخ عقد زوجته

قال المحقق: و لا يزول عنه أملاكه بل يكون باقية عليه و ينفسخ العقد بينه و بين زوجته و يقف نكاحها على انقضاء العدّة و هي كعدّة المطلقة.

أقول: فبالنسبة لماله فهو على خلاف الفطري الذي قد تقدم أنه يزول عنه ملكه بمجرّد ارتداده، فالملى لا يزول ملكه بل هو ثابت بحاله.

و علّل في الجواهر بالأصل و غيره.

______________________________

(1) كشف اللثام ج 2 ص 256.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 376

و مراده من الأصل استصحاب بقاء ملكه.

و لكن الظاهر أنه لا مورد للاستصحاب لعدم الشكّ بعد عدم وجود دليل على زوال ملكه فهو كسائر الناس الذين لا مورد للشك في بقاء ملكهم حتى يحتاج إلى الأصل.

و أما غير الأصل فلعل المراد هو معاملة الناس معه معاملة المالك و لأن ترك ذكره في موقع البيان دليل على عدم زواله.

و أمّا انفساخ العقد بينه و بين زوجته فلأجل أنه لا يصحّ نكاح الكافر المرأة المسلمة لا

ابتداء و لا استدامة فإن أريد نكاح المرأة فهو موقوف على انقضاء عدّتها و هي عدّة الطلاق أي ثلاثة أقراء.

و استدل على ذلك أيضا برواية مسمع المذكورة آنفا باب 3 من أبواب حدّ المرتد ح 5.

و لم يتعرض أن المراد هو نكاح الزوج لها أو غيره و الظاهر أنه لا فرق بينهما.

نعم إن تاب في أيام عدتها كان الزوج أحق بها و كأنها تكون كالمطلقة الرجعية فيرجع إليها.

إن قلت: ان عبارة الجواهر: فاذا تاب فيها كان أحق بزوجته، موهمة و ذلك لأن «أحق» المذكور في كلامه افعل التفضيل و الحال أنه لا يحق لأحد غيره الرجوع إليها أو عقدها في العدة.

نقول: إن أفعل لا يكون دائما للتفضيل بل ربما يستعمل في أصل المادة التي اشتق منها نظير: و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله «1» و هنا يراد منه انه حقه بالخصوص و هي له خاصة.

و قد يقال: إن ظاهر عبارة الأصحاب [1] بل و صاحب الجواهر في كتاب النكاح هو أنه مع التوبة لا حاجة إلى الرجوع أصلا.

______________________________

[1] قال الشيخ في الخلاف بالنسبة للمرتد الملي: و الآخر من كان أسلم عن كفر ثم ارتد و قد

______________________________

(1) سورة الأنفال الآية 75.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 377

فترى أنه قال في النكاح (ج 30- 49): فإن رجع أو رجعت قبل انقضاء العدة كانت زوجته و إلا انكشف إنها بانت من أول الارتداد كما أنه ينكشف بالإسلام منها أن مثل هذه الردّة غير مانعة و أن النكاح باق لما ستعرفه من النصوص الدالة على ذلك في نكاح الكفار إذا أسلموا بل هو ظاهر العزل في الخبر السابق: (باب 3 من أبواب المرتد ح

5) بل منها يعلم أن الرجوع إلى الزوجية بالإسلام قهري لا حاجة فيه إلى قول (رجعت) و نحوه كالمطلقة انتهى.

و فيه أن هذا لا يساعد قوله هنا بالانفساخ و ذلك لأن مقتضى الانفساخ تحقق الفصل و البينونة بينهما رأسا بل الانفساخ لا يساعد جواز الرجوع في أيام العدة فلم يبق إلا جواز تجديد النكاح بعد انقضاء العدة و عليه فلا يتم ما تقدم من إن

______________________________

دخل بزوجته فان الفسخ يقف على انقضاء العدة فإن رجع في العدة إلى الإسلام فهما على النكاح و ان لم يرجع حتى انقضت العدة وقع الفسخ بالارتداد و به قال الشافعي إلا انه لم يقسم المرتد و قال أبو حنيفة يقع الفسخ في الحال و لا يقف على انقضاء العدة و لم يفصل، أيضا دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم.

و قال الحلبي في الكافي ص 311: فإن رجع إلى الإسلام من يصح ذلك منه و زوجته في العدة فهو أحق بها بالنكاح الأول و إن خرجت عن العدة قبل رجوعه إلى الإسلام فلا سبيل له عليها إلا أن يختار مراجعتها فبعقد جديد و مهر جديد.

و في الإرشاد: و تعتد زوجته في الحال عدة الطلاق فإن رجع في العدة فهو أملك بها و إلا بانت.

انتهى.

و في القواعد للعلامة: و تعتد زوجة المرتد من غير فطرة من حين الارتداد عدة الطلاق فإن رجع في العدة فهو أحق بها و إلا بانت منه بغير طلاق و لا فسخ سوى الارتداد.

و في الشرائع كتاب النكاح في المرتد الملي: و لو وقع بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة من أيهما كان.

و في اللمعة و شرحها ج 2 ص 369 باب الحدود: و كذا لا تزول

عصمة نكاحه إلا ببقائه على الكفر بعد خروج العدة التي تعتدها زوجته من حين ردته و هي عدة الطلاق فإن خرجت و لم يرجع بانت منه.

و في الدروس: و ان كان مليا وقف نكاحه على انقضاء عدة الطلاق فإن عاد فيها و الا بانت.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 378

الزوج أحق بها، و عبارة الشرائع هنا ظاهرة جدا في البينونة قهرا و توقف نكاحها على انقضاء العدة فلا سبيل له إليها إلا بالعقد المجدد بعد انقضاء العدة.

و تدل على ذلك رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا و تعتد منه كما تعتد المطلقة فإن رجع إلى الإسلام و تاب قبل أن تتزوج فهو خاطب و لا عدة عليها منه له و إنما عليها العدة لغيره إلخ «1».

فإنها و ان لم تكن بصدد ان المقام كالمطلقة ثلاثا تحتاج إلى المحلل إلا أنها تفيد كونها مثل المطلقة ثلاثا من حيث عدم إمكان الرجوع نعم يمكن له ان يتزوج بها بعقد جديد و هو خاطب لها و لا عدة عليها بالنسبة له، و الرواية معتبرة و دالة على عدم سبيل له إليها إلا بالعقد و إن كان في العدة و هي مختصة بالملي أو يعمه و الفطري و على هذا فكيف يقال بأنه لو تاب في العدة فهي زوجته بلا أي شي ء حتى الرجوع؟ مع تصريحها بأنه خاطب.

و الإنصاف أن روايات إسلام أحد الكتابين لا تخلو عن إشعار ببقاء النكاح كما ان التعبير بالعزل في رواية مسمع كذلك فعن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام

قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: المرتد عن الإسلام تعزل عنه امرأته و لا تؤكل ذبيحته و يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب و إلا قتل يوم الرابع «2».

فان العزل غير الإبانة و البينونة، فهو نظير فاعتزلوا النساء في المحيض «3» إلا أن الخطاب فيه متوجه الى الرجل و في المقام إلى المرأة، و ان كان قوله فيها: و لا تؤكل ذبيحته، ظاهرا في الكفر، و الاحتياط حسن فلو أراد نكاحها فالأحوط تجديد عقد النكاح و ان كان الأقوى كونه مراعى فلو تاب فهي زوجته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 17 باب 6 من أبواب موانع الإرث ح 5.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 5.

(3) سورة البقرة الآية 222.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 379

و الحاصل إن التعبير ب «يعزل عن امرأته» ظاهر في بقاء النكاح و الزوجية لكن الأحوط مع ذلك تجديد النكاح بعد التوبة و لو في العدة.

ثم إنه يرد على قول الجواهر في المقام: فإذا تاب فيها كان أحق بزوجته كما مر في كتاب النكاح ذلك انتهى، بأن ما مر من الشرائع كان على خلاف ذلك.

أداء ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة من ماله.

قال المحقق: و تقضى من أمواله ديونه و ما عليه عن الحقوق الواجبة و يؤدى منه نفقة الأقارب ما دام حيا و بعد قتله يقضى ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة دون نفقة الأقارب.

أقول: إن قضاء ديونه من أمواله و كذا ما عليه من الحقوق الواجبة كنفقة الزوجة و غيرها و كذا نفقة الأقارب ما دام حيا، لأنه مديون و كان في ذمته أموال الناس كما أنه بمقتضى كونه مكلفا يجب عليه ما دام حيا أداء النفقات و عليه أداء

حقوق الناس إلا أنه لما كان محجورا عليه من التصرف في أمواله فلذا يباشر تلك الأمور الحاكم الشرعي.

و في الجواهر: و كذا تؤدى له نفقته إلى أن يموت أو يقتل لكن عن الخلاف [1] أن لأصحابنا قولين: يعني القول ببقاء ملكه و القول بأنه مراعى فإن تاب علم بقاؤه و إلا علم زواله من حين الردة و حينئذ يشكل أداء نفقته له بل و كذا أداء ما يتجدد عليه من الحقوق إلا أن القول المزبور مع أنه غير معروف القائل، واضح الضعف ضرورة منافاته لجميع الأدلة من الاستصحاب و غيره.

يعني إنه لو قلنا بأن ملكه مراعى فلو لم يتب علم بزوال ملكه من حين الردة يشكل الأمر بالنسبة إلى أداء نفقته عن ماله حيث لم يكن مالكا حتى يؤدى نفقاته من أمواله.

______________________________

[1] الحاكي هو الأصفهاني في كشف اللثام ص 257 ج 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 380

و أما وجوب نفقاته على ابنه أو والده فهو أيضا مشكل لأن وجوب نفقات الأقارب إذا كانوا غير مؤمنين فهو غير معلوم أو معلوم العدم و على الجملة فيشكل الأمر بالنسبة إلى نفقاته بل و كذا بالنسبة إلى أداء ما يتجدد عليه من الحقوق، من ماله، لنفس العلة.

لكن أجاب في الجواهر بأن قائله غير معروف و بوضوح ضعفه لمنافاته لاستصحاب ملكه و غير الاستصحاب من الأدلة الأخرى.

و المراد من غير كالاكتفاء بالمتيقن من الخارج و بقاء الباقي تحت عمومات الأدلة.

و أما ما قد يقال من عدم ذكر هذا المطلب في الخلاف، فلعله اشتبه الأمر على الحاكي فذكر الخلاف موضع المبسوط و ذلك لأنه يستفاد المطلب من عبارة المبسوط حيث قال في كتاب المرتد:

فأما إن ارتد و

له مال فهل يزول ملكه عن ماله بالردة؟ قال قوم يوقف ماله و يكون مراعى فإن مات أو قتل تبينا أنه زال عنه بالردة و إن تاب تبينا أن ملكه باق بحاله و ما زال، فعلى هذا يكون تصرفه في ماله موقوفا و قال آخرون: لا يزول ملكه عن ماله و تصرفه صحيح و قال آخرون: يزول ملكه بنفس الردة و تصرفه باطل المبسوط 7- 283.

ثم قال قدس سره: و الذي يقتضيه مذهبنا أن المرتد إن كان من فطرة الإسلام فإنه يزول ملكه بنفس الردة، و تصرفه باطل، و إن كان عن إسلام قبله كان كافرا فإن ماله موقوف و تصرفه موقوف و إن قلنا لم تزل كان قويا لأنه لا دليل عليه و الأصل بقاء الملك انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 381

بعد قتله أيضا تقضى سوى نفقة الأقارب

قال المحقق: و بعد قتله تقضى ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة دون نفقة الأقارب.

أقول: هذا على حسب القواعد المقررة في باب النفقات من أن وجوب نفقة الزوجة من قبيل الحق فيجب أداءها بعد قتله أو موته كوجوب سائر الحقوق الواجبة بخلاف نفقة الأقارب فإنها من قبيل الحكم فلا وجوب بعد موته أو قتله باداءها إذا لم يكن قد أداها في حياته و بعبارة أخرى: هي من التكاليف الساقطة بالموت.

و لا يخفى أن المتصدي لهذه الأمور هو حاكم الشرع الجامع للشرائط.

تركته لورثته المسلمين و إلا فللإمام

قال المحقق: و لو قتل أو مات كانت تركته لورثته المسلمين فإن لم يكن له وارث مسلم فهو للإمام.

أقول: هذا أيضا لا بحث فيه فان تركة المرتد تكون لوارثه إذا كان مسلما فإن لم يكن له وارث مسلم فإن وارثه هو الإمام عليه السلام و لا ترثه أقرباءه الكافرون بلا ريب.

في أن ولده بحكم المسلم

قال المحقق: و ولده بحكم المسلم فإن بلغ مسلما فلا بحث و إن اختار الكفر بعد بلوغه.

استتيب فإن تاب و إلا قتل.

أقول: إذا ولد له قبل أن يرتد ولد فهو بحكم المسلم بعد أن ارتد و ذلك لأنه حين إسلام الأب كان مسلما و بعد ارتداده يشك في صيرورته بحكم الكافر فيستصحب الحكم الثابت له قبل ارتداد أبيه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 382

و استشهد في الجواهر على ذلك بأنه لو ماتت الأم المرتدة و هي حامل به تدفن في مقابر المسلمين.

فإن الولد محترم تبعا للمسلم فلذا يجب دفن أمه المرتدة في مقابر المسلمين حفظا لحرمة الولد و لا ينظر إلى حال الأم التي يجب دفنها في نفسها في مقابر الكفار.

ثم إن الولد الذي كان بحكم المسلم باق على ذلك إلى أن يبلغ، و عند ما بلغ فإن أقر بالإسلام فهو مسلم حقيقة و ان اختار الكفر و أظهره يجب استتابته فلو تاب فهو و إلا قتل فهو كالمرتد الملي و ان كان انعقاد نطفته أو ولادته في حال إسلام أبويه، و لا يجري عليه أحكام الفطري بناء على أنه يعتبر في الحكم بالارتداد الفطري وصف الإسلام بعد البلوغ فبدونه يجري عليه أحكام الملي، و من لمعلوم أن المفروض في المقام هو أنه لم يصف الإسلام بل وصف الكفر.

و في الجواهر: بل

في كشف اللثام: الظاهر أن ولد المسلم و المسلمين أيضا إذا بلغ كافرا استتيب، و لو ولد هو و أبواه على الفطرة. و قد نص على ذلك في لقطة المبسوط انتهى.

لكن لا يخفى أن المسألة محل الخلاف فقد قال بعضهم بأنه يجري على هذا الولد الذي اختار الكفر بعد البلوغ أحكام المرتد الفطري.

قال في المسالك: و إن أظهر الكفر فقد أطلق المصنف و غيره استتابته فإن تاب و إلا قتل، و هذا لا يوافق القواعد المتقدمة من أن المنعقد حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة و لا يقبل توبته، و ما وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا، و لو قيل بأنه يلحقه حينئذ حكم المرتد عن فطرة كان وجها و هو الظاهر من الدروس لأنه أطلق كون الولد السابق على الارتداد مسلما و لازمه ذلك.

و أورد عليه في الجواهر بأن ما حضرنا من النصوص ظاهر في الحكم بردة من وصف الإسلام عن فطرة بل هو الموافق لمعنى الارتداد الذي هو الرجوع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 383

و قد علمت أنه رحمه الله قال فيما تقدم بأن ظاهر التعبير بالمسلم، أو الرجل، الوارد في الروايات اعتبار سبق الإسلام بالكفر بعد البلوغ حتى يكون فطريا.

و إلى ذلك أشار بقوله: لكن قد عرفت سابقا ان ما حضرنا إلخ.

ثم استظهر ذلك من مرسل الفقيه عن علي عليه السلام: إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام فإن أبي قتل و إن أسلم الولد لم يجر أبويه و لم يكن بينهما ميراث [1].

و كذا خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام في الصبي يختار الشرك و هو

بين أبويه قال: لا يترك و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيا «1».

و هكذا مرسل أبان عنه عليه السلام في الصبي إذا شب و اختار النصرانية واحد أبويه نصراني أو بين مسلمين قال: لا يترك و لكن يضرب على الإسلام «2».

نعم استظهر منهما ذلك بناء على أن المراد منهما وصف الكفر بعد البلوغ و من عدم الترك الاستتابة. و استشكل بعد ذلك بقوله: و إن كان فيهما- أي إرادة وصف الكفر و ارادة الاستتابة من عدم الترك- معا منع.

ثم تمسك لعدم جريان حكم الفطري بالأصل بعد أن لو فرضنا الشك فيه و الأصل هو عدم جريان ذلك.

و إن أمكن أن يستشكل بأن الأصل أيضا عدم ثبوت حكم الملي كوجوب الاستتابة فهناك أيضا يجري الأصل، فالأصل المزبور معارض.

إلا أن الإنصاف عدم اثر لهذا الأصل الذي ذكرناه أي أصالة عدم جريان حكم الملي و ذلك لأنه لا يثبت كونه فطريا فلم يبق الا عدم جريان حكم الفطري كالقتل و غير ذلك فإن القتل حكم زائد فيرفع بالأصل. هذا مضافا إلى قاعدة درء الحدود بالشبهات و كذا الاحتياط في الدماء.

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 7. أقول: قوله «فمن أدرك» أي بلغ الحلم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب حد المرتد ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 2 من أبواب حد المرتد ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 384

في ما إذا قتل قبل وصفه الكفر.

قال المحقق: و لو قتله قاتل قبل وصفه الكفر قتل به سواء قتله قبل بلوغه أو بعده.

أقول: أما الأول فظاهر لأنه قبل بلوغه محكوم بحكم الإسلام لفرض تكونه قبل ارتداد الأبوين مثلا فلذا يقاد من قاتله و

إن كان هو مسلما.

و أما الثاني و هو ما إذا قتله بعد بلوغه فقد يستدل على وجوب القود بالنسبة إلى قاتله بأنه مسلم ما لم يصف الكفر.

لكن هذا لا يخلو عن كلام لأن الإسلام التبعي الحكمي قد زال بالبلوغ و لا دليل على التبعية بعد ذلك و الإسلام الاستقلالي مفروض العدم لعدم وصفه الإسلام أيضا.

و أما التمسك في بقاء إسلامه بالأصل فهو غير صحيح كما قال في الجواهر:

و الأصل بعد انقطاع التبعية بالبلوغ غير أصيل.

أقول: الظاهر من الآيات و الروايات و التعبير ب «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا،» و «الَّذِينَ كَفَرُوا،» هو أن الكفر أيضا أمر وجودي و عليه فالأصل جار بالنسبة إلى كل واحد منهما لو قيل: الأصل عدم الإسلام فإن في قباله: الأصل عدم الكفر فالأصل لا ينفع شيئا، نعم لو كان الكفر هو عدم الإسلام فيمكن تحققه بأصالة عدم الإسلام و الا فلم يكن هنا إسلام و لا كفر.

و اما أصالة الطهارة فهي و إن كانت جارية لكنها لا تقتضي إسلامه فإن الإسلام أمر وجودي، و الكفر هو عدمه أو وجود غير الإسلام.

و أما المتردد الذي يعيش في حال الشك بحيث إذا سئل عن دينه يقول: لا أدرى و انا شاك متردد في الله أو غيره من المقدسات و لا يصف الكفر و لا الايمان فقد ظهر حكمه مما تقدم و أنه محكوم بالكفر و كذا من جهل حاله مع كونه بالغا عاقلا إلى غير ذلك من الفروع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 385

في حكم ولد المرتد.

قال المحقق: و لو ولد بعد الردة و كانت أمه مسلمة كانت حكمه كالأول و إن كانت مرتدة و الحمل بعد ارتدادهما كان بحكمهما لا يقتل المسلم بقتله.

أقول:

أما الأول و هو كونه بحكم المسلم إذا ولد أو علق بعد ردة الأب فلأن أمه مسلمة فهو و إن تكوّن أو ولد بعد ارتداد أبيه إلا أن المفروض كونه أمه مسلمة، و الإسلام يعلو و لا يعلى عليه، فهو ملحق بها لأنها حسب الفرض أشرف الأبوين.

و أما الثاني و هو كونه بحكم المرتد إذا كان حمله بعد ارتدادهما فلا يقتل قاتله و لا يقتص منه فهو لعدم كونه مسلما و لا بحكم المسلم. نعم إذا بلغ و وصف الإسلام فهو مسلم و الا فلا إلا إذا أسلم الأبوان أو واحد منهما بعد العلوق ما لم يبلغ فإنه يلحق أيضا بالمسلم.

في استرقاق من كان حمله بعد ارتدادهما.

قال المحقق: و هل يجوز استرقاقه؟ تردد الشيخ فتارة يجيز لأنه كافر بين كافرين و تارة يمنع لأن أباه لا يسترق لتحرمه بالإسلام و كذا الولد و هذا أولى.

أقول: في المسألة وجوه و أقوال: منها ما ذكره الشيخ في كتاب المرتد من المبسوط و الخلاف من الجواز و لو في دار الإسلام أو الحرب.

و منها ما أفاده في كتاب قتال أهل الردة من المبسوط و هو القول بالمنع.

و منها ما ذكره في كتاب قتال أهل الردة من الخلاف من التفصيل بين ولادته في دار الحرب فيسترق و ولادته في دار الإسلام فلا يسترق.

و منها ما عن أبي علي من جواز استرقاقه إن حضر مع أبيه وقت الحرب.

و منها احتمال كونه مسلما.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 386

و قد استدل للأول بأنه كافر بين كافرين فيشمله العمومات الدالة على جواز استرقاق الكافر.

و للثاني بأن أباه لا يسترق لاحترامه بالإسلام في المدة التي كان معتنقا له قبل ردته.

و للثالث أولا بالإجماع و ثانيا بالأخبار

و ثالثا بأنه إذا ولد في دار الإسلام فهو في حكم الإسلام بدلالة أن أبويه يلزمان الرجوع إلى الإسلام و إن لم يرجعا قتلا.

و فيه كما في الجواهر أنه لم يتحقق الإجماع و الأخبار و بأن إلزام أبويه بالرجوع إلى الإسلام لا يقتضي ثبوت أحكام الإسلام له.

و هنا كلام آخر و هو أن لازم الاستدلال الثالث هو أن أبويه يلزمان الرجوع في دار الإسلام و الحال أنهما يلزمان على ذلك مطلقا [1].

و أما الرابع فهو كما في الجواهر مجرد اعتبار.

و اما الخامس فقد علل ببقاء علاقة الإسلام و حديث «كل مولود يولد على الفطرة.» «1».

و هذا أيضا ضعيف كالسابق.

و ذكر المحقق أن القول الثاني و هو المنع أولى، و قد أورد عليه بأنه لا دليل على التبعية في الوصف المزبور أعني التحريم و لذا قوى صاحب الجواهر القول الأول و هو جواز استرقاقه مطلقا فلو استرق فهو و أما لو لم يسترق حتى بلغ فإنه يؤمر بالإسلام أو الجزية إن كان من أهلها.

قال: و أما ولد المعاهد إذا تركه عندنا فإنه يبقى بعد البلوغ بوصفه الإسلام أو قبول الجزية أو يحمل إلى مأمنه ثم يصير حربيا فإن معاهدة الأبوين لا تؤثر بعد البلوغ.

______________________________

[1] يقول المقرر: لعله لا يرد عليه الإشكال و ذلك لأنه إذا ذهب إلى دار الحرب فلا مجال لإلزامه هذا مضافا إلى أنه يمكن أن يكون حكمه بعد ذلك هو القتل لا الإلزام لأنه بحسب الظاهر يصير حربيا، و البحث يحتاج إلى المراجعة و التأمل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 11 باب 48 من أبواب جهاد العدو ح 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 387

ثم إنه لو شك في صحة استرقاق ولده و

عدمها فالأصل الجاري هو استصحاب عدم الملك.

في حجر الحاكم له

قال المحقق: و يحجر الحاكم على أمواله لئلا يتصرف فيها بالإتلاف فإن عاد فهو أحق بها و إن التحق بدار الكفر بقيت على الاحتفاظ و يباع منها ما يكون له الغبطة في بيعه كالحيوان.

أقول: اما حجره فقد استدل عليه قدس سره بقوله: لئلا يتصرف فيها بالإتلاف و هذا لا يخلو عن كلام فإن كل مالك يمكن أن يتصرف في ماله كذلك [1] و علينا أن نتفحص في دليل ذلك و أنه هل على ذلك دليل أم لا فإنه خلاف مقتضى مالكيته حيث إن المالكية تقتضي جواز تصرفاته إلا بدليل قاطع كما أن المحقق الأردبيلي قد استشكل في ذلك في شرح الإرشاد فقال: و اعلم أن دليل حجر المرتد الملي عن ماله غير ظاهر فإنه مالك حر بالغ رشيد إلا أن يكون إجماعا أو نصا ما رأيتهما.

لكن لا يخفى أن ظاهر ما كان من كتب العلماء في متناول أيدينا كالشرائع و القواعد و المسالك و الجواهر و غير ذلك هو أنهم قد تلقوا ذلك بالقبول أي كونه محجورا مع مالكيته، و أرسلوه إرسال المسلّمات و أن ذلك عقوبة له على ردته فلعله كان عندهم قدس الله أسرارهم من النصوص ما يدل على ذلك و لم يصل إلينا [2].

______________________________

[1] أقول قد ذكر المحقق، الوجه المزبور في كتاب الحجر أيضا فقال: المقتضى للحجر صيانة المال عن الإتلاف. فراجع.

[2] أقول: و لذا ترى أن صاحب الجواهر قال في ج 26- 4 في كتاب الحجر في موجباته و هي كثيرة متفرقة في تضاعيف الأبواب كالرهن و البيع و المكاتبة و المرتد و غير ذلك لمن جرت عادة الفقهاء بالبحث عنها و عقد الكتاب

لها ستة الصغر و الجنون و الرق و المرض و الفلس و السفه. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 388

ثم إنه لو قلنا بالحجر كما هو الظاهر فلا فرق في ذلك بين أمواله السابقة على ارتداده و ما يتجدد له بالاحتطاب أو الاتهاب أو الاتجار أو غير ذلك.

ثم إنه لو عاد إلى الإسلام فهو أحق بأمواله و إن لم يرجع و لم يتب و التحق بدار الكفر تحتفظ و يباع ما كانت في بيعه الغبطة له كالحيوان و ما يفسد كالخضر و البقول، اما الحيوان فلأن في احتفاظه مؤنة و يحتاج الى مصارف.

و أما الثاني فواضح.

ثم إنه هل يكفي في حجره تحقق الردة و صدورها منه أو أنه يحتاج إلى إنشاء الحجر من الحاكم كما هو ظاهر الشرائع؟ فيه و جهان.

قال في المسالك بشرح عبارة المحقق و يحجر الحاكم إلخ: ظاهره توقف الحجر على حكم الحاكم و هو أحد الوجهين في المسألة، و وجهه أن الارتداد أمر اجتهادي يناط حكمه بنظر الحاكم، و قيل يحصل الحجر بنفس الردة لأنها العلة فوجودها يستلزم ثبوت المعلول و هذا أقوى و هو اختيار العلّامة في القواعد و الشهيد في الدروس. انتهى.

و قد قوى ذلك في الجواهر أيضا.

ثم إنه هل يختص الحكم بحجره بالتصرف في أمواله بالفعل أو يعم مطلق تصرفاته و إن كانت في الذمة؟

مثال ذلك ما إذا ضمن عن مديون مثلا أو اشترى نسية، و قد مثل في الجواهر بعد التمثيل بالضمان بقوله: أو اشترى شيئا محاباة [1] (قال:) و غير ذلك ممّا هو تصرف في الذمة لا في المال و إن عاد إليه بالآخرة إلخ.

______________________________

[1] المحاباة من الحباء و هو العطية ففي المصباح المنير:

حبوت الرجل حباء بالمد و الكسر أعطيته الشي ء بغير عوض. و حاباه محاباة سامحه مأخوذ من حبوته إذا أعطيته انتهى و في مجمع البحرين: يقال:

حبوت الرجل حباء بالكسر و المد أعطيته الشي ء بغير عوض و الاسم منه الحبوة بالضم و منه بيع المحاباة و هو أن يبيع شيئا بدون ثمن مثله فالزائد من قيمة المبيع عن الثمن عطية يقال: حابيته في البيع محاباة.

انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 389

و في هذا المثال خفاء لأنه إذا اشترى شيئا بدون ثمن المثل فهذا ليس إتلافا للمال بل هو تكثير للمال.

و كيف كان فقد يقال بأن مقتضى الإطلاقات جواز ذلك و أورد عليه في الجواهر بمنافاته لحكمة الحجر ضرورة إمكان التوصل له بذلك إلى إتلاف المال و من هنا يتجه القول بعدم مضيه.

و مع ذلك فقد ناقش في ذلك بخلو النصوص و الفتاوى عن ذكر مانعية الردة عن مثل هذا التصرف ضرورة اقتصارهم في سائر الأبواب على ذكر البلوغ و الرشد و غيرهما.

ثم استخلص عنها بقوله: اللهم إلا أن يكون ذلك من لوازم الحجر عليه المذكور في غير المقام.

يعني إنه إذا كان المرتد الملي محجورا عليه على حسب الفرض فمن لوازم حجره المذكور في غير المقام هو كونه ممنوعا و محجورا عن ذلك أيضا.

ثم تعرض لاحتمال آخر و هو بقاء هذا التصرف مراعى بعوده إلى الإسلام و عدمه فينفذ على الأول دون الثاني.

و شبّه ذلك بما ذكره غير واحد في تصرفه بماله بهبة و نحوها إلا العتق المشترط فيه التنجيز ضرورة عدم نقصانه عنه بل لو قيل بالبطلان في ذاك المورد أي

______________________________

أقول: قد تعرضوا للمحاباة في باب منجزات المريض في الوصية. قال في الدروس: منجزات

المريض المشتملة على تفويت المال بغير عوض كالهبة و العتق و الوقف أو على محاباة كالبيع بالثمن الناقص أو الشراء بالزائد حكمها حكم الوصية في أصح القولين انتهى. إلى غير ذلك من الكلمات.

و على هذا فالمحاباة لا تختص بالبيع الذي هو فعل البائع بل تشمل فعل المشتري أي الاشتراء و مقتضى كون الاشتراء في مقابل البيع و أن البيع المحاباتية هو البيع بأقل من ثمن المثل فلا محالة يكون الاشتراء محاباة بأكثر منه حتى يكون المشتري قد أعطى شيئا زائدا و قد علمت أن الجواهر عبر بقوله: اشترى محاباة. و لعل السر في ذكره هذا المثال مع قيده الخاص دون مجرد النسية هو تشديد جانب الشبهة و تقويته.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 390

التصرف في العين بهبة أو غيرها كما هو ظاهر محكي تحرير العلّامة أمكن الفرق بين ما نحن فيه و المورد الذي ذكره غير واحد بأن يقال هناك بالبطلان و ببقاءه مراعى فيما نحن فيه.

و إن كان قد يناقش في البطلان في المورد المزبور فإنه ليس مقتضى الحجر هو البطلان بل الحجر أعم منه.

ثم إنه يرد على الاستثناء الوارد في كلمات غير واحد بأن إنشاء العتق منجز فلم يعلق كلامه و إنشائه و لم يقيده بقيد و لا شرط و انما الواقع لا يخلو عن أحدهما فهو نظير ما يعزل للحمل و ينتظر ولادته حتى يرى أنه ذكر أو أنثى، واحد، أو أكثر ففي المقام أيضا إما أن يعود إلى الإسلام أو لا يرجع و هذا بالنسبة للواقع و أما بالنسبة إلى الإنشاء فهو بظاهر منجز [1].

ثم تعرض للمحكي عن الخلاف من أن في تصرفه أقوالا يعني الصحة و البطلان و

الوقف [2] و أورد قدس سره عليه بعدم وجه للصحة بناء على كونه محجورا عليه بالردة أو بعد حكم الحاكم بالحجر، اللهم إلا أن يراد بالصحة عدم الحجر عليه أصلا. قال: و ان كان هو كما ترى لم نعرفه قولا لأحد نعم هي متجهة قبل حجر الحاكم بناء على توقفه عليه و أنه لا تكفي الردة و أما بعده أو قلنا بكفاية الردة فالمتجه الوقف لا البطلان كما عرفت.

ثم إن التصرفات على قسمين فتارة يكون التصرف ماليا و أخرى لا يكون

______________________________

[1] أقول: إن التعليق لا يدور مدار حروف الشرط مثلا بل إذا أتى بلفظ ظاهره التعليق و لكن كان بحيث إنه قد أنشأ على فرض و لم ينشئ على فرض آخر فهو عين التعليق فكأنه في المقام قال: أعتقت عبدي مثلا إن حصل لي الرجوع و إلا فما أعتقته. و ما أفاده دام ظله من المثال و ان كان صحيحا لكنه ليس من الإنشاء بشي ء بخلاف المقام فإنه من الإنشائيات التي يعتبر فيها التنجيز (نعم على هذا يمكن أن يرد عليه بعدم اختصاصه بالعتق بل الهبة أيضا كذلك) و قد أوردناه في 26 شعبان 1410 ه لكنه دام ظله (قدس الله نفسه) كان يجيب بعدم التعليق.

[1] لم يكن الأقوال منه بل من الشافعية فراجع كتاب المرتد من الخلاف مسألة 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 391

كذلك، و ما تقدم كان حكم القسم الأول، و أما الثاني أي التصرف الذي ليس ماليا سواء كان تصرفا في نفسه كان يوجر نفسه أو يتصرف بالنكاح [1] أو غير ذلك، فإنه غير ممنوع منه و ذلك لعدم الدليل على عدم جواز تصرفه بالنسبة إلى نفسه كما

أن النكاح في نفسه مع صرف النظر عن الصداق ليس ماليا يمنع عنه.

و في الجواهر بعد الحكم بعدم المنع عن التصرف غير المالي: و كذا ما يتجدد عليه من الحقوق أو ما تشتغل ذمته به من إتلاف أو غصب فإن المتجه ضمانه و أداؤه عنه.

و في القواعد: لكن لا يمكن من التصرف فيها- إي الحقوق- و القضاء للمتجدد كما في المحجور عليه انتهى.

و هذا يشعر بأنه لا يمنع من قضاء الحقوق السابقة على الارتداد و قد صرح بذلك في كشف اللثام حيث قال بعد ذلك: اي كما أن أموال المحجور عليه لا يزول عن ملكه لكن لا يمكن من التصرف فيها و من قضاء ما يتجدد عليه من الحقوق لأنه. و يفهم منه أنه لا يمنع من قضاء ما تقدم من الحقوق على الارتداد و لعله كذلك لأنه أداء حق سبق لزومه انتهى.

و أورد عليه في الجواهر بأنه لا فرق بين قضاء الحقوق السابقة و المتجددة بعد وجوب قضاء الجميع من ماله فإن كان هو تصرفا ممنوعا منه ففي الجميع و إلا جاز مباشرته فيهما. انتهى.

و لعل الظاهر ذلك، فإن الممنوع عنه من التصرفات بحسب الظاهر هو ما كان تصرفا ابتدائيا، أما ما وجب عليه و لزمه من الحقوق فلا وجه لكونه محجورا عليه

______________________________

[1] مثل دام ظله- طاب ثراه- بالنكاح و لكن الظاهر انه لا يخلو عن شي ء و ذلك لأنه أولا تصرف مالي لجهة المهر و ثانيا انه لا يجوز للمرتد التزويج سواء كان المرتد فطريا أم مليا و سواء كان التزويج بالمسلمة أو بالكافرة. قال في القواعد في هذا المقام: و اما التزويج فإنه غير ماض من المرتد عن فطرة و غيرها

سواء تزوج بمسلمة لاتصافه بالكفر أو بكافرة لتحرمه بالإسلام انتهى. فالأولى التمثيل بالطلاق.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 392

بالنسبة إليه و لا دليل على ذلك، و ان شئت فقل: ان المقدار المسلم من التصرفات هو التصرفات الابتدائية لا ما وجب عليه قهرا، و على هذا فلا فرق بين ما وجب عليه متجددا و ما وجب عليه من السابق.

هنا مسائل

الأولى في من تكرر منه الارتداد

قال المحقق: مسائل من هذا الباب الأولى إذا تكرر الارتداد قال الشيخ يقتل في الرابعة قال: و روى أصحابنا: يقتل في الثالثة أيضا.

أقول: و قد استدل على ذلك بإجماع الأصحاب على أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة و بالأخبار الدالة على قتلهم في الثالثة أو الرابعة و إلا فلا دليل على المقام بخصوصه.

فعن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة «1».

و عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة يعني جلد ثلاث مرات «2».

و يشكل الأمر بأن المذكور في هذه الروايات هو قتلهم بعد أن جلدوا ثلاثا أو أقيم عليهم الحدّ كذلك و هو غير متحقق في المقام لان حد المرتد الملي ليس إلا القتل بعد الاستتابة و عدم قبولها فكيف يتصور أنه يحد ثلاثا ثم يقتل؟

اللهم إلا ان يقال إن اقامة الحد عليه فيما كان هناك حد قبل القتل، أو أن استتابته هنا في حكم الحد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 393

نعم روى الكليني عن

محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن جميل بن دراج و غيره عن أحدهما عليهما السلام في رجل رجع عن الإسلام قال: يستتاب فان تاب و إلا قتل، قيل لجميل فما تقول: إن تاب ثم رجع عن الإسلام؟ قال: يستتاب. قيل فما تقول إن تاب ثم رجع؟ قال: لم أسمع في هذا شيئا و لكنه عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل بعد ذلك و قال: روى أصحابنا أن الزاني يقتل في المرة الثالثة «1».

و لكن هذا لا ينفع شيئا لأنه ليس برواية مصطلحة تنفع الفقيه، و قد صرح جميل بأنه ليس عنده شي ء أي من الروايات، فما ذكره هو نظره و رأيه و لا يتمسك به.

و أما رواية جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل من بني ثعلبة قد تنصر بعد إسلامه فشهدوا عليه فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما يقول هؤلاء الشهود؟ فقال: صدقوا و أنا أرجع إلى الإسلام، فقال: أما انك لو كذّبت الشهود لضربت عنقك و قد قبلت منك فلا تعد فإنك إن رجعت لم أقبل منك رجوعا بعده [1] فهي و إن كانت صريحة في عدم القبول إن رجع إلا أن مقتضاها عدم قبول التوبة في المرة الثانية و لم يقل به أحد. هذا مضافا إلى أنه ربما يستظهر منه أنها متعلقة بالفطري دون الملي و من المعلوم أن الفطري يقتل من أول مرة.

و في المسالك عند شرح عبارة المحقق المذكورة آنفا: الرواية المشار إليها يمكن كونها صحيحة يونس المتقدمة عن الكاظم عليه السلام قال: إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة، و

الكفر من أعظم الكبائر.

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج 18 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 4 و قد أورد عليها بأن في سندها محمد بن سالم و هو مشترك بين الثقة و غيرها و عمرو بن شمر و هو ضعيف و أن متنها مخالف للمقطوع به.

أقول: و ظاهرها انها متعلقة بالمرتد الفطري، و أمره معلوم.

______________________________

(1) الكافي ج 7 ص 256، التهذيب ج 10 ص 137.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 394

أي إذا انضمّ هذا المطلب و هو كون الكفر من أعظم الكبائر إلى رواية يونس المصرّحة بقتل أصحاب الكبائر في الثالثة فالنتيجة أنه يقتل في الثالثة. ثم قال:

و يمكن كونها رواية جميل بن دراج عن أحدهما في رجل.

ثم قال: و الأصح قتله في الثالثة عملا بعموم الرواية الأولى و إن كان قتله في الرابعة أحوط.

ثم إنه قد خالف في ذلك بعض المعاصرين «1» رضوان الله عليه فاستشكل في جواز قتله بل استظهر عدم القتل، و مستنده هو ما تقدم منا من الإشكال و هو أن القتل في سائر الموارد مسبوق بإقامة الحد مرتين مثلا، فالرواية خاصة بذلك المقام و لا يمكن التمسك بها و أما رواية جميل فهي فتوى له و اجتهاد منه كما ذكرنا ذلك أيضا و على هذا فلو عاد و تاب و ارتد مرارا و لكن لم يمض على ارتداده ثلاثة أيام مع الاستتابة فإنه لا يقتل و إن تكرر ذلك مأة مرة أو أزيد.

و لعله لا يكون في المسألة مخالف سواه فإني قد بالغت حسب و سعي و طاقتي و حالي في الفحص عن قائل بالخلاف و رأيت أقوالهم و فتاواهم في الجوامع الفقهية و لم أعثر على أحد

خالف في ذلك و حكم بعدم قتله بعد الردة أربع مرات بل كلهم أفتوا بقتله و تسالموا على ذلك فيشكل رفع اليد عن هذه الشهرة العظيمة و الميل إلى الخلاف نعم يتم ذلك على مبناه في الشهرة و أما على ما نقول به من التمسك بها فلا.

نعم العجب أنهم لم يتعرضوا قدس الله أسرارهم للإشكال في التمسك بالروايات لاعتبار سبق اقامة الحد فيها فهي مختصة بمورد خاص.

و أما ارادة المعنى العام من الحد و كون المراد منه ما يعم الحد المصطلح و التعزير، ثم يضم إلى ذلك أن المرتد الملي يعزر على ارتداده أولا و ثانيا فاذا ارتد ثالثا فهو مصداق من أقيم عليه الحد مرتين فيقتل فتشمله الروايات فلا يرد الإشكال المتقدم.

______________________________

(1) راجع مباني تكملة المنهاج ج 1 ص 332.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 395

ففيه أنه غير صحيح و ذلك لأنه لا يعزر المرتد الملي بل إما أن لا يتوب حتى تمضي الأيام الثلاثة فحكمه القتل و إما أن يتوب و يرجع إلى الإسلام فالإسلام يجب ما قبله و كيف كان فلا تعزير في البين لعدم وجه لتعزيره مع جب الإسلام.

و على هذا فالإشكال المتقدم باق بعد فلا بد من وجدان دليل على ما ذكروه و اتفقوا عليه من قتله.

و الذي يبدو لي هو أن حكم قتل هذا المرتد كان من باب تنقيح المناط و الأولوية كما أن الظاهر من كلام يونس هو أنه أيضا قد قال بذلك من هذه الجهة لأنه قال بعد التصريح بعدم رواية في المقام: و لكن عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل انتهى. فهذا يفيد أنه لم ير خصوصية لباب الزنا بل

راى أن المناط الموجود هناك موجود هنا.

فإليك هذه الرواية: محمد بن علي بن الحسين في العلل و عيون الأخبار بأسانيده عن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام فيما كتب إليه: و علة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني و الزانية لاستخفافهما و قلة مبالاتهما بالضرب حتى كأنه مطلق لهما ذلك و علة أخرى أن المستخف بالله و بالحد كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر «1».

فإذا كان علة قتل الزاني بعد إقامة الحد عليه مرتين هو أنه مستخف بالله تعالى فهذه العلة موجودة في المقام باشد من ذلك المورد و لذا يقال له عرفا: أ تسخر و تستهزئ؟ مرة تسلم و أخرى ترتد؟ و على الجملة فإنه يتحقق بذلك أقوى صورة الاستخفاف بالله تعالى و أعظم مصاديقه فيقتل.

لا يقال: على ذلك يلزم الحكم بجواز قتل الزاني في المرة الثالثة و إن لم يتخلل الحد بينها، و بعبارة أخرى إن هذا المناط لم يؤخذ به في نفس مورد الرواية و هو باب الزنا فكيف يؤخذ به في غيره [1].

______________________________

[1] أورده هذا العبد في 2 ذي العقدة 1410 ه- و قد أجاب دام ظله- قدس الله روحه- بما

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 20 من أبواب حد الزنا ح 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 396

لأنا نقول: ورود دليل خاص في مورد الزنا مثلا على اعتبار تخلل الحد لا ينافي الأخذ بعموم العلة في سائر الموارد الشامل لها.

______________________________

قررناه و مع ذلك فقد يختلج بالبال الإشكال بأنه لم يبق الا تنقيح المناط ببركة رواية العلل و هل لا يشكل الحكم بالقتل بمجرد ذلك؟ نعم ما أفاده من عدم المخالف في المسألة، كذلك.

ثم إنه

قال بعض زملائنا الهمدانيين بان آية «آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا. لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ» كافية في كونها دليلا و أجاب عنه سيدنا الأستاذ الأكبر بأن الآية تقول: ثم ازدادوا كفرا فلو فرضنا أن هذا قد تاب و أسلم فلا تشمله الآية مع انه يقتل على حسب ما ذكرناه.

و عندي أن الآية لا يتم التمسك بها أصلا و ذلك لأنها بهذا المضمون وردت في موضعين الأول سورة آل عمران الآية 90 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمٰانِهِمْ ثُمَّ ازْدٰادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الضّٰالُّونَ. الثاني سورة النساء الآية 137: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدٰادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللّٰهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لٰا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا. و الصريح منهما في عدم قبول التوبة الآية الاولى و الظاهر أن المراد منها عدم قبول التوبة لعدم وقوعها على وجه الإخلاص هكذا في مجمع البيان 1- 472 قال: و يدل عليه قوله: وَ أُولٰئِكَ هُمُ الضّٰالُّونَ. و لو حققوا في التوبة لكانوا مهتدين إلخ.

و يمكن أن يكون المراد توبتهم عند حضور الموت و يشهد على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة آية 22- 21. إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّٰهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهٰالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولٰئِكَ يَتُوبُ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئٰاتِ حَتّٰى إِذٰا حَضَرَ أَحَدَهُمُ 395 الموت قال: إني تبت الآن و الذين يموتون و هم كفار إلخ. قوله: من قريب اي من عمرهم لا في آخره عند الموت الذي كان يرونه بعيدا كذا في آلاء الرحمن- 309 و في سورة يونس آية 90 حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت انه لا إله إلا الذي

آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين الآن و قد عصيت من قبل.

و يمكن أن يكون المراد من آية آل عمران عدم قبول توبتهم التي تكون في الآخرة و يوم القيامة بحيث كانوا قد ماتوا كافرين إلا أنهم في يوم القيامة يحاولون التوبة. قال في آلاء الرحمن ص 309: و ربما يرشد إلى ذلك، العدول عن قوله تعالى: لا تقبل توبتهم، إلى قوله: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، الذي هو نص على النفي في المستقبل مع أن قبول التوبة مقارن لها فيكون في ذلك إشارة الى أن توبتهم المستقبلة المتأخرة عن حياتهم العادية و آمالهم فيها لن تقبل منهم فهذه ثلاثة وجوه في توجيه الآية فإن إجماع الأمة على قبول التوبة إذا حصلت شرائطها كما في مجمع البيان 1- 472 و آلاء الرحمن- 309.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 397

الثانية في إكراه الكافر على الإسلام

قال المحقق: الكافر إذا أكره على الإسلام فإن كان ممن يقر على دينه لم يحكم بإسلامه و إن كان ممّن لا يقر حكم به.

أقول: قد قسم الكافر على قسمين: أحدهما من يثبته الشارع على دينه كالذميين ثانيهما من لا يقره و لا يثبته على ما هو عليه من الدين كالمرتد الملي و كالمحارب فالأول لا أثر لإسلامه إذا أكره على ذلك و ذلك لعدم صحة إكراهه بخلاف الثاني فإنه يؤثر إسلامه لو اكره عليه لجواز إكراهه و إجباره بل وجوبه فان الشارع لم يقره على دينه و لازم ذلك قبوله منه لو أتى به و إلا فلا معنى للاستتابة كما في المرتد الملي، و الإكراه كما في الكفار الحربيين و للزم كون ذلك لغوا.

قال في المسالك كتاب الطلاق: يستثني من الحكم ببطلان فعل المكره

ما إذا كان الإكراه بحق فإنه صحيح كإكراه الحربي على الإسلام و المرتد، إذ لو لم يصح لما كان للإكراه عليه معنى، و له موارد كثيرة ذكرناها فيما سلف من هذا الكتاب، و العبارة الجامعة لها مع السابقة أن يقال: ما لا يلزمه في حال الطواعية لا يصح منه إذا أتى به مكرها و ما يلزمه في حال الطواعية يصح مع الإكراه عليه.

ثم قال: و لا يخلو الحكم بإسلام الكافر مع إكراهه عليه من غموض من جهة المعنى و إن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي صلى الله عليه و آله فما بعده لأن كلمتي الشهادة نازلتان في الإعراب عمّا في الضمير منزلة الإقرار، و الظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب.

و حاصل إشكاله قدس سره أنه كيف يصح الحكم بإسلام من أكره على أداء الشهادتين و الحال أن الظاهر من حاله و أنه قد اكره عليه هو كونه كاذبا و لا ينفع الإقرار مع هذا الظهور مع أن الثابت من فعل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و من بعده هو القبول منه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 398

ثم أجاب عن ذلك بقوله: لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا و صحبة المسلمين و الاطلاع على دينهم يوجب التصديق القلبي تدريجا فيكون الإقرار اللساني سببا في التصديق القلبي انتهى.

و نحن نقول: هنا بحث و هو أن الإسلام ما هو؟ فإن كان يعتبر في صدقه و تحققه مضافا إلى الإقرار الاعتقاد و العمل فهذا لا موضوع له لعدم إمكان إجبار أحد على الاعتقاد فإن الاعتقاد مما لا يقبل الإكراه فكلما حصل فهو اختياري فكيف يمكن أن يضرب أحد

على أن يعتقد كون ضحى النهار ليلا مظلمة؟ و إن كان يتحقق بمجرد الإقرار فهذا المكره قد أدى ذلك و أقر فلما ذا لا تقبل منه؟

و الظاهر من أدلة الإسلام هو كفاية الشهادتين في الحكم بذلك ففي معتبرة سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الإسلام و الإيمان أ هما مختلفان؟ فقال: إن الايمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الايمان فقلت:

فصفهما لي، فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله و التصديق برسول الله صلى الله عليه و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس، و الايمان ارفع من الإسلام بدرجة إن الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر، و الإسلام لا يشارك الايمان في الباطن و إن اجتمعا في القول و الصفة «1».

إلى غير ذلك من الروايات فراجع.

كما أن الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه و آله و سيرته هو قبول إسلام كل من أقر به و كان هو صلى الله عليه و آله يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله». و من البعيد جدا أن كل من كان يقر بالشهادتين كان يقول بذلك اعتقادا بل لعل القرينة كانت على عدم ذلك فان غلبة المسلمين على الكفار و قيام الحروب العظيمة كانت تقتضي غلبة الخوف على الكفار فكانوا يشهدون الشهادتين خوفا بحسب الغالب.

______________________________

(1) أصول الكافي ج 2 ص 25.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 399

لا يقال: إن السيرة كانت على قبول الإسلام في المورد الثاني من الموردين أعني الكفار الحربيين فكانوا يكرهون على الإسلام و حيثما أقروا كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقبل ذلك

منهم. و أما الذميّون فلم نقف على مورد قد أكره ذمي على الإسلام و كان قد قبل منه رسول الله إسلامه و رتب عليه الآثار [1].

لأنا نقول: الملاك واحد فإن كان صلى الله عليه و آله قبل إسلام المكره عليه كما في المورد الثاني ففي المورد الأول أيضا مقبول و إلا فلا يقبل مطلقا و لا خصوصية للمورد الثاني.

و أما تقرير الذمي و تثبيته على دينه و عدم جواز إكراهه فهو و إن كان صحيحا و ذلك لان مقتضى عهد الذمة هو حفظ هذا العهد ما لم يخرج عن الذمة فلا يجوز إكراهه على الإسلام إلا أنه لو إكراهه أحد على الإسلام عصيانا فلا وجه لعدم قبول إسلام هذا المكره فإنه فرق بين عدم جواز الإجبار و عدم قبول إسلامه بعد أن المسلم هو عدم جواز الإكراه لا عدم الإسلام و أن الشارع يطلب منه الدخول في الإسلام بلا شك في ذلك فإن الشارع أجاز كونه باقيا على دينه مع تعهده بشرائط الذمة و لم يوجب ذلك أصلا بل هو بنفسه مكلف بالإسلام، فاذا أجبره أحد على الإسلام فأقر بالشهادتين الذي هو المعيار في الإسلام فلا بد من قبوله منه.

و قد ظهر بما ذكرنا أن ما أفاده الشهيد الثاني من المعيار في المقام و هو أنه كلما لم يلزم عليه فلا يصح لو أتى به مكرها، غير تام على كليته بل يصح منه إذا كان هذا الفعل المكره عليه واجبا عليه كما في المقام فهو نظير ما إذا أكره المديون على أداء دينه فهل يمكن أن يقال بعدم صحة ذلك؟

هذا و الإنصاف أن التمسك بإطلاق معتبرة سماعة كي يشمل إسلام المكره عليه مشكل فإنه لا

إطلاق لأدلة الإسلام بحيث يعدم حال الاختيار و الإكراه، و إنما الظاهر منها هو حال الاختيار.

______________________________

[1] أورده هذا العبد و قد أجاب سيدنا الأستاذ الأكبر بما قررناه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 400

اللهم إلا أن يكون المراد هو عدم شمول المكره المرفوع آثار فعله للمكره على ما كان فيه المنفعة له و ذلك لانصراف أدلة الإكراه عن ذلك و إنما الظاهر منها هو إكراهها على ما فيه ضرر عليه فلو أكره أحد و ضرب على قبوله الهبة فصار بحيث خاف و أنشأ القبول جدا لكن بسبب الخوف عمّا يترتب عليه لو أبى من القبول فإنه لا وجه لعدم قبول ذلك منه فلا يشمله الإكراه، و ما نحن فيه كذلك فإنه قد أجبر و أكره على الإسلام و في اعتناقه للإسلام منفعة تامة له فأدلة الإكراه لا تعمّه إذا فيصح و يقبل منه ذلك.

الثالثة في صلواته بعد ارتداده

قال المحقق: إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده سواء فعل ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام.

أقول: لا اختصاص لهذا البحث بالارتداد بل هذا جار فيه و في الكافر الأصلي أيضا فمن صلى مسبوقا بالكفر مطلقا لا يحكم بعوده إلى الإسلام إذا لم تسمع منه الشهادتان أو كان كفره بغير إنكار هما كما صرح به في الجواهر.

قال الشيخ الطوسي: فإن ارتد باختياره ثم صلى في دار الحرب قال قوم يحكم له بالإسلام و إن صلى في دار الإسلام لم يحكم له بالإسلام، و الفرق بين الدارين أنه لا يمكنه إظهار الإسلام في دار الحرب بغير الصلاة فلذا حكم بإسلامه بصلاته و يمكنه إظهار الإسلام في دار الكفر بغير الصلاة و هو الشهادتان فلذا لم يحكم بإسلامه بالصلاة و لأنه

إذا صلى في دار الحرب لم يحمل على التقية فإن التقية في ترك الصلاة فلذا حكم له بالإسلام بفعلها و ليس كذلك دار الإسلام لأنه إذا فعلها أحتمل أن يكون تقية فلذا لم يحكم له بالإسلام فبان الفصل بينهما.

ثم قال قدس سره: و يقوى في نفسي أنه لا يحكم له بالإسلام بالصلاة في الموضعين. انتهى «1».

______________________________

(1) المبسوط ج 7 ص 290.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 401

و التفصيل بين دار الإسلام و دار الكفر المذكور في كلام الشيخ، عن بعض العامة.

و استشكل العلامة أعلى الله مقامه في الحكم بعدم القبول و عدم العود، قال في القواعد في آخر الفصل الأول من المقصد الثامن في حدّ المرتدّ: و لو ارتدّ مختارا فصلى صلاة المسلمين لم يحكم بعوده سواء صلى في بلاد المسلمين أو دار الحرب على اشكال انتهى.

و قد وافق الشهيد الثاني في الروضة القول بعدم العود لكنه قدس سره تنظّر في ذلك في المسالك.

ففي الروضة: و لا تكفي الصلاة في إسلام الكافر مطلقا و إن كان يجحدها لأن فعلها أعم من اعتقاد وجوبها فلا يدل عليه و إن كان كفره بجحد الإلهية أو الرسالة و سمع تشهده فيها لأنه لم يوضع شرعا ثم للإسلام بل ليكون جزء من الصلاة و هي لا توجبه فكذا جزئها بخلاف قولها منفردة لأنها موضوعة شرعا له انتهى.

و قال في المسالك: إنما لم يكن الصلاة إسلاما لإمكان فعلها تقية أو إراءة. و هذا يتم مع عدم سماع لفظ الشهادتين أو مع كون الارتداد بإنكار غير الصلاة من فروض الإسلام. أما مع سماع لفظها و كون المطلوب من إسلامه ذلك فالمشهور أن الأمر فيه كذلك لأن الصلاة لم توضع

دليلا على الإسلام و لا توبة للمرتد و إنما وضعت الشهادتان دلالة عليه مستقلتين لا جزء من غيرهما و فيه نظر.

ثم إنه قد وجه في الجواهر إشكال الشهيد الثاني و تنظره في المسالك قائلًا:

قلت: لعله من إطلاق أو عموم ما دل على الحكم بإسلام قائلهما.

إلا أنه قد رد ذلك بقوله: و إن كان فيه منع واضح لأن المنساق من ذلك كون الشهادتين بمنزلة الصيغة للإسلام فلا بد من قولهما مظهرا لإرادة ذلك بهما كصيغة البيع. انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 402

هذا و لكن الظاهر عندنا هو الحكم بعوده و ذلك لأن مقتضى ما ذكره في الروضة من عدم وضع التشهد في الصلاة ليكون علامة للإسلام و إنما وضع ليكون جزء من الصلاة الى آخر ما ذكره غير تام و ذلك لعدم تعدد وضع للشهادة و إنما هي كلمة التوحيد أينما تحققت و وجدت تدل على الإسلام بلا فرق بين كونها مستقلة أو في ضمن الصلاة فهل التشهد في الصلاة ليس شهادة بالتوحيد و الرسالة؟ فهو شهادة وقعت جزء للصلاة.

لا يقال إن صلاته قبل أن يبلغ التشهد باطلة و ذلك لاشتراط الإسلام في الصلاة فإذا كانت باطلة فلا اعتبار بتشهده.

و ذلك لأنا نقول: يمكن أن يكون ذكر الشهادة فيما بعد أي في موضعها من قبيل الشرط المتأخر فبتحققها في موضعها تنكشف صحة صلاته من الأول. هذا.

لو لم نقل بأن صلاته بنفسها كافية في الحكم بإسلامه و عوده من الكفر إلى الإسلام.

و اما التفصيل بين دار الإسلام و دار الكفر بوجود احتمال التقية في الثاني دون الأول فهو في غير محله و ذلك لأنه لا يراد من الإسلام هنا الإسلام في الواقع بل البحث

في عوده إلى الإسلام في الظاهر و قد تقدم مرارا أن الشهادتين كلمة الإسلام أي يحكم على من أقر بهما بأنه مسلم ما لم يظهر الخلاف و لا يعتنى باحتمال التقية أو غير ذلك فإذا أتى بالشهادتين يحكم بإسلامه و إن كان في دار الإسلام و احتمل انه قال بذلك للتقية كما يقبل منه و يحكم بعوده إلى الإسلام إذا أتى بهما في دار الحرب و دار الكفر التي لا يحتمل التقية هناك.

ثم لا يخفى أنه قد اختلط كلماتهم في هذا المقام فإن النزاع في أن الصلاة هل تقوم مقام الشهادتين في تحقق الإسلام أو عوده فيحكم بإسلامه مع عدم سماع الشهادتين منه مستقلا بمجرد أنه صلى أم لا؟

و قد علمت أنه علل في الروضة عدم القبول بكون فعل الصلاة أعم من اعتقاد

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 403

وجوبها، و هذا يدل على أن احتمال التقية مانعة و لو لا ذلك لكان يكتفى بالصلاة فإذا علم بعدم كونها للتقية يكتفى بها في الحكم بإسلامه.

هذا مضافا إلى إمكان وقوع نفس الشهادتين أيضا للتقية، فهذا التعليل خروج عن مسير البحث فإن البحث في كفاية الصلاة عن الشهادتين إما بنفسها أو لتضمنها للشهادتين، و على الجملة فبين عدم الاكتفاء بالصلاة عن الشهادة و بين عدم تحقق الكاشف الواقعي بها فرق، و ظاهر من قال بعدم كفاية الصلاة أنه يقول بذلك حتى مع انتفاء احتمال التقية.

ثم قال: و إن كان كفره بجحد الإلهية أو الرسالة و سمع تشهده فيها، لأنه لم يوضع شرعا علاقة للإسلام بل ليكون جزءا من الصلاة و هي لا توجبه فكذا جزءها بخلاف قولها منفردة لأنها موضوعة شرعا له.

و هنا قد تمسك

بما هو العلة في المقام و هو عدم كون الصلاة موضوعة للإسلام في الشرع و علامة لذلك، فكذلك جزءها أى التشهد الذي كان فيها.

توضيح ذلك أنه كلما ورد في كتب السير و التواريخ من حكاية إسلام الكفار كان بعنوان: أسلم و قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص)، و لم يعهد ان يقال لهم: أسلم و صلّ، و كذا ورد في الكتب أن فلانا أسلم و قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله «صلى الله عليه و آله» لا أنه أسلم فصلى.

و محصل بحثه في المسالك أنه مع عدم سماع الشهادتين منه أو كون الارتداد بغير إنكار الصلاة فهنا لا يكفي الصلاة و ذلك لإمكان فعلها تقية و اراءة و أما مع سماع لفظ الشهادتين و كون المطلوب من إسلامه ذلك فالمشهور أنه كذلك.

اى أنه مع عدم سماع الشهادتين عنه في صلاته فان صلاته لا تنفع قطعا في الحكم بإسلامه كما لا تنفع إذا كان ارتداده بغير الصلاة من الفروض الإلهية و اما مع سماع الشهادتين عنه في الصلاة و كون المطلوب منه هو الشهادتين فالمشهور أنه لا يكفي ذلك أيضا كالصورة الأولى ثم علل بأن الصلاة لم توضع دليلا على

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 404

الإسلام في الكافر الأصلي و لا توبة للمرتد و إنما وضعت الشهادتان دلالة عليه مستقلتين لا جزء من غيرهما.

و قال بعض المعاصرين رضوان الله عليه: إذا صلى المرتد أو الكافر الأصلي في دار الحرب أو دار الإسلام فإن قامت قرينة على أنها من جهة التزامه بالإسلام حكم به و إلا فلا.

و ربما يظهر من هذه العبارة أنه إن قامت

قرينة على أن صلاته من جهة التزامه بالإسلام و لو من غير الشهادتين فإنه يحكم به.

و كيف كان فقد قال في شرحه: و ذلك لان مجرد الصلاة لا يكون دليلا على إظهار الشهادتين فالعبرة إنما هي باظهارهما فإن كانت الصلاة قرينة على ذلك فهو و إلا فلا تدل على إسلامه.

ثم قال: و قد يقال: ان الصلاة حيث إنها تشتمل على الشهادتين فالآتي بها مظهر لهما. و فيه أن المعتبر في الصلاة إنما هو لقط الشهادتين دون قصد معناهما و المعتبر في الإسلام إنما هو قصد معناهما فمجرد الإتيان بهما بعنوان جزء الصلاة لا يدل على الإسلام. انتهى.

و هذا الكلام الذي دفع به الإشكال غير خال عن المناقشة و ذلك لأن اعتبار قصد المعنى في الإسلام خلاف ما هو المعهود من إسلام أرباب الملل و المذاهب فلم يكن يسئل من شهد الشهادتين أنه قصد المعنى أم لا و لو كان الأمر كذلك لكان يلزم قبل أداءهم الشهادتين الاشتغال بتعلم معناهما و لكان يلزم على المسلمين الاشتغال بتعليمهم ذلك مدة ثم أمرهم باداءهما و الحال أنه كان يكتفى منهم في الحروب و الغزوات و غيرها ان يقولوا: لا إله إلا الله، و هذا هو الظاهر من قوله صلى الله عليه و آله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله.

لا يقال: يبعد جدا ان كان يكتفي منهم بشهادة التوحيد و الرسالة مع العلم بعدم علمهم بالمعنى أو عدم قصدهم ذلك بل اكتفاءهم عنهم بذلك كان لأجل أن

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 405

الظاهر هو علمهم بالمعنى. و يؤيد ذلك قول العلماء في تفسير الإسلام: شهادة.

ما لم يظهر الخلاف. فلو لم يعتبر في

الشهادة قصد المعنى بل كان يمكن تحقق الإسلام حتى مع عدم العلم بالمعنى فلم يكن وجه لهذا الشرط لأنه إذا لم يكن عالما بالمعنى فكيف يعلم أن فعل كذا و كذا مخالف للشهادة [1].

لأنا نقول: كانوا يعلمون أن الكلمتين توجبان التسليم لدين الله و إلقاء العداوة و ترك الحرب فكانت الشهادة آية لذلك و أما معناها و قصد ذلك المعنى فلا دليل على اعتباره بل الدليل على خلاف ذلك على ما تقدم.

الرابعة في إسلام السكران و ارتداده

قال المحقق: قال الشيخ في المبسوط: السكران يحكم بإسلامه و ارتداده و هذا يشكل مع اليقين بزوال تميزه و قد رجع في الخلاف.

أقول: إذا أسلم كافر و هو سكران أو ارتد مسلم كذلك فهل يحكم على الأول بالإسلام و على الثاني بالارتداد أم لا؟.

في المسألة قولان للشيخ قدس سره أحدهما ما اختاره في المبسوط و هو الحكم بذلك، فالكافر السكران الآتي بكلمة الإسلام يكون مسلما و المسلم السكران الآتي بكلمة الردة يكون مرتدا. فقد الحقه بالصاحي فيما عليه بل نسب ذلك الى مقتضى لمذهب.

- و الصاحي من زال سكره و في المصباح المنير: صحا من سكره يصحو صحوا و صحوا على وزن فعل و فعول، زال سكره و اصحى بالألف لغة و أصحت السماء بالألف أيضا فهي مصحية انكشف غيمها إلخ.

و مثل ذلك في مجمع البحرين-

______________________________

[1] أورده هذا العبد و كان يوم 18 ذي القعدة عام 1410 ه و 22- 3- 1369.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 406

ثانيهما قوله في الخلاف فأفتى يعدم الحكم بالإسلام في الأول و لا بالارتداد في الثاني. و قد استشكل عليه المحقق في قوله الأول أي مختاره في المبسوط.

و قال في المسالك: وجه ما اختاره في

المبسوط من لحوق حكم الارتداد للسكران التحاقه بالصاحي فيما عليه كقضاء العبادات و هذا ممّا عليه، و ادعى في المبسوط أنه قضية المذهب و يضعف بأن العقل شرط التكليف و وجوب القضاء بأمر جديد لا من حيث الفوات حال السكر.

ثم قال: و الحق ما اختاره في الخلاف من عدم الحكم بارتداده حينئذ لعدم القصد و أولى منه عدم الحكم بإسلامه حال السكر إذا كان كافرا قبله لأن ذلك مما له لا مما عليه. أما الغالط و الساهي و الغافل و النائم فلا حكم لردته و لا لإسلامه إجماعا و يقبل دعوى ذلك كله و كذا يقبل دعوى الإكراه مع القرينة كالأسير انتهى.

فأورد أولا بعدم القصد لان المفروض أنه سكران و مع عدم التميز لا قصد فلا يترتب على كلمته اثر، و ثانيا بإشكال مختص بصورة الحكم بإسلامه بعد كفره و هو أنه إذا كان الملاك هو إلحاق السكران بالصاحي في ما عليه، فالحكم بإسلامه ليس من هذا العنوان لأنه حكم له لا عليه.

و في الجواهر بعد قول المحقق (و هذا يشكل) قال: أولا بأن الحكم بإسلامه شي ء له لا عليه و ثانيا بمنع اندراج الارتداد في ذلك مع اليقين بزوال تميزه الذي هو شرط في التكاليف عقلا و شرعا و لعله لذا قد رجع عنه في الخلاف.

فاستشكل أولا بأن الحكم بإسلام السكران الكافر الذي أتى بكلمة الإسلام في حال سكره ليس داخلا تحت عنوان: ما عليه، فإنه حكم له لا عليه [1] (و قد تقدم ذلك من الشهيد الثاني).

______________________________

[1] لعله يرد عليه أنه إذا حكم بإسلامه فإنه يلزم بأحكامه و ربما لا يجب ذلك بل يريد أن يكون في راحة و بمعزل عن تلك الأحكام

و الإلزامات.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 407

و ثانيا بأن الحكم بصيرورته مرتدا عند ما كان مسلما و أتى بكلمة الردة في حال سكره و إن كان من مصاديق ما عليه لكن نمنع اندارجه فيه بل لا بد من إخراجه و ذلك لأنه إذا لم يكن له تميز فكيف يحكم بصيرورته مرتدا و الحال أن التميز شرط في التكاليف عقلا و شرعا [1].

و الظاهر ورود هذا الإشكال و عدم المفرّ عنه لأن العقل لا يجوّز تكليف من لا يميّز شيئا و مجرد أنه قد حصل له عدم التمييز بسوء اختياره و عصيانه لا يجوّز المحال، و أما أن الامتناع بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار، فهو جار فيما كان من قبيل إلقاء النفس من عال و مكان مرتفع كالشاهق الذي كان حفظ النفس الممتنع بعد ذلك مترتبا على الإلقاء لا في مثل المقام الذي أوجب شرب الخمر زوال التميز و هو قد أوجب إلقاء كلمة الردة و على الجملة ففرض سببية شرب الخمر هنا كسببية إلقاء النفس هناك مشكل و لا خصوصية في المقام تقتضي الخروج عن حكم العقل بعدم إمكان تكليف من لا يشعر شيئا.

و في الجواهر: و لكن قد يدفع الأخير بأن المراد جريان حكم المرتد عليه لإطلاق ما دل على أنه بحكم الصاحي.

يعني إنه يدفع اشكال منع اندراج الارتداد في ذلك مع اليقين بزوال تميزه بأنه لا يراد من الحكم بارتداده كونه مرتدا كي يستشكل بأنه مع عدم التميز فهو غير مكلف فكيف يحكم بارتداده و الحال انه يشترط فيه التميز، بل المراد منه هو

______________________________

[1] أقول: فإذا كان التميز شرطا عقلا و شرعا و لذا يشكل الحكم بارتداده فكيف يحكم

عليه بالجنايات و القذف و الزنا و غيرها على ما صرح به أولا؟ و قد أوردت ذلك في مجلس الدرس أيضا و أجاب دام ظله (قدس سره) بأنه لا يمكن الحكم مطلقا فإنه إذا لم يكن مميزا لا يتوجه اليه التكليف مطلقا.

أقول: و لكن الظاهر من عبارة الجواهر أن الحكم في تلك الموارد مسلم و إنما الإشكال في الحكم بالارتداد اللهم إلا أن يكون الاختصاص لمكان شدة الحكم في باب الارتداد و الا فالإشكال جار مطلقا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 408

اجراء حكم المرتد فمن الممكن ان يحكم على أحد بحكم المرتد مع عدم كونه مرتدا فالحكم بارتداده غير ممكن و أما إجراء حكم المرتد عليه فهو ممكن رعاية لما ورد ما أنه بحكم الصاحي.

و بعبارة أخرى لا ردة هنا حقيقة و إنما هي محققة تعبدا فالشارع حكم على هذا السكران بعد إلقاء الكلمة الخاصة بأنه كافر و مرتد عقوبة لعمله بلحاظ إلحاقه بالصاحي.

و نحن نقول: هذا التوجيه أيضا لا يدفع الإشكال لأن الكلام بعد في أن العقل يجوز هذا العقاب و هو سكران قد زال شعوره، أم لا؟

قال قدس سره بعد كلامه المزبور: اللهم الا أن يمنع وقوع ما يحصل به الارتداد من قول أو فعل لعدم قصد الإنكار و الاستخفاف.

يعني إنه مع كونه غير مميز كما هو المفروض فعبارته لا عبارة، و فعله كالعدم، لعدم القصد فكيف يحكم عليه بحكم الارتداد بعد انه لم يقصد بقوله أو فعله إنكارا و لا استخفافا.

لكنه رحمه الله قد عدل عن ذلك بقوله: و هو كما ترى ضرورة كونه مما يكون ارتدادا للصاحي و لا ينقص ذلك عن إلزامه بالطلاق الواقع منه المصرح به في

كلام بعضهم.

و نحن نقول: لم نقف على ما يدل على كونه بمنزلة الصاحي و إنما ذكره الشيخ.

رحمه الله في المبسوط و الظاهر أنه اجتهاده و رأيه و قد نسب ذلك إلى مقتضى المذهب اجتهادا منه، و هو قد رجع عنه في الخلاف «1» فكيف يحكم به مع عدم مساعدته لحكم العقل و أما إلزامه بالطلاق ففيه أنه كما ذكره مما ورد في كلمات البعض لا الكل [1].

______________________________

[1] أقول: و لا بد ان يكون هذا البعض من المتأخرين و الا فالمصرح به في كلام الشيخ في المبسوط في المقام هو عدم وقوعه قال: فاما طلاقه و عتقه و عقوده كلها فلا يصح عنه بحال. انتهى.

______________________________

(1) كتاب قتال أهل الردة مسألة 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 409

ثم إن في المقام كلاما آخر و هو أن كون السكران كالصاحي هل هو مختص بالسكران الآثم بسكره أي الذي شرب الخمر عصيانا لله سبحانه أو أنه كذلك مطلقا و إن لم يكن ذلك عن عصيان كما إذا شربه للتداوي به عند انحصار علاجه بذلك عند أهل الخبرة حيث إنه معذور و لا عقاب عليه؟

قد يتوهم كما في الجواهر من الإطلاق هنا، الثاني، فإن مقتضى إطلاق:

السكران ملحق بالصاحي، أو في حكمه، هو من صدق عليه عنوان السكران سواء كان ذلك عن عصيان أو عن عذر الا أن الظاهر هو الأول اقتصارا في الحكم المخالف للقواعد على المتيقن و من المعلوم أن كون السكران في حكم الصاحي خلاف القاعدة لأنه لا تميز له و لا قصد له و القاعدة تقتضي أن لا يترتب على قوله و فعله اثر فإذا بنى على ترتيب الأثر فإنه يكتفى بالمتيقن و هو ما

إذا عصى بشربه و كان سكره عن إثم لا عن عذر.

و قد انقدح له رحمه الله هنا الإشكال في أصل المطلب أيضا لما تقدم من عدم الدليل على ذلك و عدم القائل به سوى الشيخ و هو قد عدل عنه.

فتحصل أن مقتضى القواعد هو عدم ترتب أثر على ما قاله من الردة أصلا [1].

______________________________

[1] أقول: لكني بعد في شبهة من عدم اثر على ردته بعد أن كان قد عصى و شرب الخمر و أزال عقله و ليس بطلان عقابه من مستقلات العقل، و الذي يقوى الإشكال حكمهم في باب القصاص فترى أن المحقق قال هناك: و في ثبوت القود على السكران تردد و الثبوت أشبه لأنه كالصاحي في تعلق الأحكام انتهى.

و في الجواهر- 42- 187 بعد لفظة (أشبه) وفاقا للأكثر كما في المسالك بل قد يظهر من غاية المراد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل في الإيضاح دعواه صريحا عليه ناسبا له مع ذلك الى النص و لعله أراد بالنص خبر السكوني و قد نسب الجواهر إلحاق السكران بالصاحي إلى قول الشيخ و غيره قال: مؤيدا بكونه ممنوعا من ذلك أشد المنع فهو حينئذ من الخارج عن الاختيار بسوء اختياره المعامل معاملة المختار في إجراء الأحكام حتى طلاق زوجته و غيره من الأحكام.

ثم قال: و لكن مع ذلك كله في المسالك لعل الأظهر عدم القصاص وفاقا للفاضل في الإرشاد بل و القواعد و إن قال: على إشكال مما عرفت من انتفاء العمد و الاحتياط في الدم إلا أن الأقوى ما عرفت إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 410

المسألة الخامسة فيما يتلفه المرتد على المسلم

قال المحقق: كل ما يتلفه المرتد على المسلم يضمنه في دار الحرب أو دار

الإسلام حالة الحرب و بعد انقضائها و ليس كذلك الحربي و ربما خطر اللزوم في الموضعين لتساويهما في سبب الغرم.

أقول: إذا أتلف المرتد على المسلم نفسا أو طرفا أو مالا فهو ضامن له و ذلك لأنه ليس بأعظم من المتلف المسلم و عموم الأدلة شامل له و لا فرق في ذلك بين الفطري و الملي كما لا فرق فيه بين دار الإسلام و دار الكفر و لا بين حالة الحرب و بعد انقضائها.

إلا أنه خالف في الأخير أبو حنيفة و الشافعي على ما حكي عنهما فقالا بعدم ضمان المرتد ما أتلفه في حال الحرب.

ثم انا قد ذكرنا أنه لا فرق بين الفطري و الملي في الضمان لكن لا يخفى ان بينهما فرقا و هو ان الملي حيث إنه لا يخرج ماله عن ملكه بالارتداد فلا محالة يغرم من ماله بخلاف الفطري فإنه يخرج أمواله عن ملكه بالارتداد فلا مال له، فأثر ضمانه انه يكون عليه في الآخرة إن لم تقبل توبته كما أنه تظهر ثمرة ضمانه في الدنيا إذا تبرع عنه متبرع إذا قلنا بعدم قبول توبته و عدم تملكه بعد الردة شيئا.

و يتفرع هنا فروع:

منها أنه لو قتل المرتد الملي مسلما عمدا قتل به و ذلك لأنه أتلف نفسا على مسلم و حينئذ يكون محكوما عليه بالقتل قودا واحدا للارتداد، و عند اجتماع حق الله و حق الناس فالتقدم للثاني فلو استوفى الولي حقه و قتله قودا فهو، و إن عفى عنه ولي الدم أو صالح على الدية فحينئذ تصل النوبة الى قتله حدا.

و منها أنه لو قتل مسلما شبيه عمد فالدية في ماله على حسب القواعد و هكذا لو لم تدفع الدية بل

صولح على مال فإنه يدفع هذا المال منه.

و منها انه لو قتله خطأ فهل الدية هنا في ماله أو على العاقلة؟ اختلفوا في ذلك

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 411

فقد حكى عن شيخ الطائفة أنه قال بكون ذلك في ماله لأنه لا يعقله قومه و لم نعثر على كلام الشيخ [1] كما لم يعلم مستنده في ذلك و لعل نظره إلى أنه أدلة وجوب الدية على العاقلة منصرفة الى ما إذا كان القاتل مسلما و المفروض في المقام أنه المرتد.

و خالف في ذلك، الشهيد في الدروس و استشكل فيما ذكره الشيخ فإنه بعد الحكم بقتل المرتد إذا قتل مسلما أو مرتدا عمدا و أن الدية في شبه العمد في ماله، و الإشكال فيما إذا كان الارتداد عن فطرة لأنه لا مال له قال: و إن كان خطأ قال الشيخ في ماله لأنه لا يعقله قومه و يشكل بأن ميراثه لهم. انتهى «1».

و إذا لم يكن دليل يعتمد عليه على شي ء من القولين و شك في ذلك فاستصحاب ضمان العاقلة يقتضي كون الدية على العاقلة لا في ماله و الظاهر أن الموضوع محفوظ فإنه هو هذا، لا المسلم حتى يكون المرتد موضوعا آخر.

و منها ما لو قتل المرتد الفطري مسلما عن عمد و هنا يجتمع القتل قودا و حدا و يقدم القتل قصاصا على القتل ردة لتقدم حق الناس على حق الله سبحانه.

و منها هذا الفرض مع كون القتل خطأ أو شبه العمد و حيث إنه لا مال له فلا أثر له في ماله.

و منها ما لو قتل المرتد الفطري مرتدا مليا فتارة يقتله قبل استتابته و أخرى بعدها مع إبائه.

______________________________

[1] قد عثرنا

عليه فقد ذكر في المبسوط ج 7 كتاب المرتد ص 284: فأما إذا قتل المرتد لم يخل من أحد أمرين فإما أن يكون القتل عمدا أو خطأ فإن كان عمدا محضا يوجب القود فالولي بالخيار بين القصاص و العفو سواء تقدم القتل على الردة أو تأخر عنها فإن القصاص مقدم عليها فإن اختار القود قتلناه وفات القتل بالردة كما لو مات المرتد، و ان اختار العفو على مال يثبت الدية مغلظة في ماله و يقتل بالردة، و ان كان القتل خطأ لم يعقل عنه العاقلة و يكون الدية مخففة مؤجلة في ماله يستوفي في ثلاث سنين كل سنة ثلثها فإن مات أو قتل قبل انقضاءها حلت بوفاته لأن الديون المؤجلة يحل بالوفاة و يستوفي من ماله. انتهى.

______________________________

(1) الدروس ج 2 ص 53.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 412

أما الأول فلأنه يقتل قودا حيث إنه مرتد فطري قتل مرتدا مليا قبل الاستتابة- فكان محقون الدم.

و أما الثاني فلا أثر لقتله و ذلك لأن الملي إذا استتيب و أبى عن التوبة فلا حرمة لدمه و هو مهدور الدم فهذا الفرض بحسب الملاك يكون كالفرع الآتي:

و منها ما إذا قتل المرتد الملي مرتدا فطريا فهنا لا يقاد منه و ذلك لأن المرتد الفطري مهدور الدم مطلقا سواء كان قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد. و هذه الأحكام كلها على حسب القواعد الكلية المقررة في محالها.

هذا كله في المرتد و اما الحربي ففيه أقوال و اقتصر المحقق على نفي كونه كالمرتد و أوضح ذلك في الجواهر بقوله: فإنه إن أتلف في دار الحرب لم يضمن، و إن أتلف في دار الإسلام ضمن كما صرح به غير

واحد بل هو العمل المعهود في أهل الذمة و غيرهم ممن كان في دار الإسلام، بل في كشف اللثام: و أما الحربي فإن أتلف في دار الإسلام ضمن اتفاقا إذا أسلم.

و ذهب الشيخ الطوسي قدس سره الى عدم ضمانه فإنه قال: المرتد إذا جنى في حال ردته فأتلف أنفسا و أموالا نظرت فإن كان وحده أو في فئة غير ممتنعة فعليه الضمان كالمسلم سواء لأنه قد التزم حكم الإسلام و يثبت له حرمته فالزمناه ذلك (ثم قال:) و يفارق الحربي لأنه ما التزم حكم الإسلام فلهذا لم يكن عليه الضمان إلخ «1».

و ظاهر كلامه أنه قد تمسك بالتزام المرتد بأحكام الإسلام فلذا يكون ضامنا بخلاف المحارب لعدم التزامه بالأحكام الإسلامية فلا ضمان عليه.

و هذا مشكل جدا [1] فإن الظاهر أن ضمان النفوس لا يختص بالمسلم بل هو

______________________________

[1] لا يخفى انه كما استشكل السيد الأستاذ في جريان قاعدة الالتزام استشكل فيه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد فقال: و لا يخفى ان لا دخل للالتزام فان المسلم أيضا إذا لم يلتزم و يقول: انا ما أقبل أحكامه، لا يسقط عنه ضمان ما أتلفه فإن الحكم في شرع الإسلام ان المال المعصوم

______________________________

(1) المبسوط ج 7 ص 288.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 413

عام لكل أحد قال الله تعالى: و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا «1» فهذا يشمل كل من قتل مظلوما فان لوليه القصاص و قتل القاتل و كذا قوله تعالى:

النفس بالنفس «2» فكيف نقول بأنه إذا قتل المسلم مسلما يقاد منه و يكون ضامنا أما إذا قتل الحربي مسلما فلا ضمان عليه.

و لذا ترى المحقق قدس سره صرح في الآخر بأنه يخطر

بباله لزوم الضمان في الموضعين لتساويهما في سبب الغرم. و ذلك لأن إطلاق أدلة الضمان شامل لهما و استقرب ذلك العلامة في القواعد.

نعم هنا أمور:

أحدها: ادعاء الشيخ في موضع آخر الإجماع على عدم الضمان فقال في باب البغاة: و لا خلاف أن الحربي إذا أتلف شيئا من أموال المسلمين و نفوسهم ثم أسلم فإنه لا يضمن و لا يقاد منه.

ثانيها: خبر الجب [المذكور في المستدرك باب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2].

ثالثها: السيرة على عدم القصاص من الحربي بعد إسلامه فضلا عن تضمينه المال كما ان المحكى عن فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالنسبة لقاتل حمزة و غيره حيث انه صلوات الله عليه لم يقتله.

و في الجواهر: بل ربما كان في ذلك نوع نفرة للكفار عن الإسلام إلخ و لكنه قدس سره قال: و التحقيق الضمان في الدارين في حال الحرب و عدمها.

ثم قال: نعم إذا أسلم و كان ما أتلفه نفسا أو مالا من حيث الكفر و الإسلام

______________________________

مضمون على المتلف مطلقا فهو الوجه مطلقا سواء كان في دار الحرب و غيره و أن الضمان لا خصوصية له ببعدية وقوع الإسلام و الاستيمان فمتى حصل القدرة على أخذه منه يؤخذ فتأمل.

انتهى كلامه رفع مقامه.

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 33.

(2) سورة المائدة، الآية 45.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 414

و خصوصا حال الحرب أشكل الضمان للإجماع المزبور المؤيد بخبر جب الإسلام و لمعلومية ذلك من السيرة انتهى.

و هذا لا يخلو عن اشكال و ذلك لان السيرة كانت على عدم الضمان مطلقا و لم يكونوا يفرقون بين مورد و مورد و لا انهم كانوا يسألون و يتفحصون عن منشأ

الإتلاف هل هو كان جهة الكفر و الإسلام أو غير ذلك كالعداوة الشخصية بل لم يكن ذلك معهودا عنهم أصلا.

بفي شي ء و هو انه حيث كان البحث في حكم المال الذي أتلفه المرتد من المسلم قبل أن يرتد فنقول: يمكن ان يقال بأنه بارتداده لم يبق له مال، و الشارع حكم تعبدا بخروجه عن ملكه فيكون في ذمته الى يوم القيامة اللهم إلا أن يكون هناك إجماع على أن ما كان عليه قبل ارتداده يخرج من المال ثم ما بقي يخرج و ينقل إلى الورثة [1].

المسألة السادسة فيما إذا جن بعد ردته

قال المحقق: إذا جن بعد ردته لم يقتل لأن قتله مشروط بالامتناع عن التوبة و لا حكم لامتناع المجنون.

أقول: هذا الحكم مختص بالمرتد الملي و ذلك لأن المرتد الفطري يقتل في الحال بلا استتابة أصلا، فإذا ارتد مليا ثم حصل له الجنون فتارة يطرء الجنون قبل استتابته فهنا لا يجوز قتله لأن قتل الملي موقوف على الاستتابة و امتناعه عن التوبة فلا يجوز بدون ذلك.

______________________________

[1] كان دام ظله- قدس الله روحه- يصر على خروج كل ماله إلى الورثة و أنه لا يستثني شي ء حتى ما كان عليه قبل ذلك ثم رأيت ان المحقق القمي أيضا احتمل ذلك لكنه قال: لم أجد من قال ذلك.

و قد ذكرت ذلك لسيدنا الأستاذ الأكبر فقال: الظاهر هو ما ذكرناه الا ان يكون إجماع على خلافه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 415

و أخرى يطرء الجنون ثم يستتاب و يمتنع عن ذلك و هنا أيضا لا يجوز قتله لأن امتناع المجنون لا يؤثر شيئا لمكان جنونه.

و ثالثة يستتاب بعد ردته و يمتنع عن قبول ذلك ثم يطرء عليه الجنون فهنا قد حكموا بقتله

و ذلك لثبوت القتل عليه قبل طروء الجنون عليه.

و هذا و إن لم يكن خاليا عن الكلام لأنه لصيرورته مجنونا لا أثر لعقوبته أصلا بل ربما يأبى العقل عن إجراء الحد عليه فلا بد من التأخير في ذلك فلعله حصل له الإفاقة كما في المريض الذي حكموا بتأخير حده إلى أن يبرأ [1].

إلا أنه ربما لا يكون المقصود الوحيد و الأصلي من إقامة الحد عليه عقوبته و ردعه بشخصه بل ليكون عبرة للآخرين فلذا يمكن الحكم بإجراء الحد عليه خصوصا بلحاظ ما ذكر قبل ذلك من انه لا يسقط الحد جلدا أو رجما باعتراض الجنون و لا الارتداد «1».

و يدل على ذلك صحيح أبي عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام في رجل وجب عليه الحد فلم يضرب حتى خولط فقال: إن كان أوجب على نفسه الحد و هو صحيح لا علة به من ذهاب عقل أقيم عليه الحد كائنا ما كان «2».

كما أن المرتد الفطري يقتل على كل حال لعدم سقوط قتله بالتوبة.

______________________________

[1] كذا أفاد دام ظله- قدس الله روحه- في يوم 24 ذي القعدة- 1410 ه الا انه يمكن ان يلاحظ عليه بأن النظر الأصلي في إجراء الحدود ليس هو ردع المحدود و عقوبته دائما حتى يستشكل بذلك و إلا لما كان مورد لإجراء حد القتل و الرجم أصلا فإن المرتد الملي الممتنع عن التوبة عاقلا يقتل بلا كلام مع انه لا يتصور هناك ارتداعه و لعله لا يحصل عقوبته فتأمل.

هذا مضافا الى أن المرتد الفطري يقتل بلا كلام، فالظاهر ان الشارع يريد أن لا يبقى المرتد المحكوم بالقتل على وجه الأرض و هذا لا فرق فيه بين عروض الجنون و عدمه و قد

مر مثل ذلك في بعض ابحاثه السابقة.

______________________________

(1) راجع كتابنا الدر المنضود ج 1 ص 381.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 9 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 416

المسألة الثامنة في قصور ولايته

اشارة

قال المحقق: لو زوج بنته المسلمة لم يصح لقصور ولايته عن التسلط على المسلم و لو زوج أمته ففي صحة نكاحها تردد أشبهه الجواز.

أقول: الكلام هنا تارة في ولاية المرتد و الكافر على بنته المسلمة في نكاحها و عدم ذلك، و اخرى في ولاية المرتد في تزويج أمته.

أما الأول فلو زوج المرتد مطلقا فطريا كان أو مليا فضلا عن الكافر الأصلي بنته المسلمة لم يصح النكاح، و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه.

و قد استدل على ذلك بأمور:

منها الأصل و قد تمسك به في الجواهر.

و منها قصور ولايته عن التسلط على المسلم فإنه كافر و قد قال الله تعالى: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [1].

و لكن في الاستدلال بالأصل تأمل و إشكال و ذلك لأن الأصل يفيد خلاف ذلك فإنه قد كانت له الولاية على بنته المسلمة في نكاحها قبل الارتداد، فلو شك في بقاء ولايته بعده فالاستصحاب يقتضي بقاء الولاية فكيف يتمسك بالأصل في إثبات عدم الولاية.

إن قلت: إن المراد من الأصل ليس هو هذا الأصل بل المراد عدم جعل التسلط للكافر على المؤمن فإن جعل الولاية خلاف الأصل.

نقول: ليس هذا شيئا وراء الدليل الثاني، و لا يصح أن يعبر بالأصل لعدم الشك مع وجود القاعدة المستفادة من الآية الكريمة.

هذا كله في ولاية المرتد على بنته الصغيرة أو مطلقا بناء على القول بولاية الأب على بنته البالغة أيضا.

______________________________

[1] سورة النساء الآية 141، أقول: و يمكن أن

يستدل على ذلك بالحجر أيضا فإنه إذا كان الإنسان محجورا عليه في نفسه فكيف بكون وليا لغيره؟ راجع المسالك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 419

و أما الثاني و هو تزويج المرتد الملي أمته المملوكة فقد اختلفت الأقوال و تردد المحقق أولا في صحة نكاحها و عدم ذلك، و لكن صرح بعد ذلك بأن الأشبه هو الجواز.

و لا يخفى أن هذا الفرض جار في خصوص المرتد الملي و لا يعم الفطري أيضا لما تقدم مرارا من أن المرتد الفطري ينتقل أمواله بمجرد ارتداده إلى ورثته فلم يبق له أمة كي يبحث في تزويجها.

و وجه التردد هو أنه مالك و مقتضاه صحة النكاح و أن الله لم يجعل سبيلا للكافر على المؤمن فلا يصح.

و قد استدل للجواز بالأصل، و هو واضح لأصالة بقاء الولاية في موضع الشك، و بقوة الولاية المالكية، و استشهد على ذلك- أي القوة المالكية- بأنه يملك الكافر المسلم و إن أجبر على بيعه و يقدم ما يختاره الكافر من المشتري على ما يختاره الحاكم.

و بعبارة أخرى إنه و ان كان يجبر على البيع لكن لا يجبر على قبول المشتري المخصوص بل صحة البيع متوقفة على اختياره، فملكه للمسلم أولا و كون اختيار المشتري الى الكافر المالك يشهدان بقوة الولاية المالكية.

و الأقوى هو ما قواه في الجواهر من العدم و ذلك لانتفاء السبيل له على المؤمنة و لأنه محجور عليه من التصرف في أمواله.

و أما ما ذكره بقوله: و ان كان قد يناقش بعدم عموم يقتضي ذلك انتهى.

فوجهها تضارب تلك الأدلة على ما قررناه من أنه مالك بعد و أنه لا ولاية على المسلم، و الظاهر عدم وجه للمناقشة و أن الأقوى

و الأظهر هو عدم صحة النكاح.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 420

المسألة السابعة في تزوج المرتد

قال المحقق: إذا تزوج المرتد لم يصح سواء تزوج بمسلمة أم كافرة لتحرمه بالإسلام المانع من التمسك بعقد الكافرة و اتصافه بالكفر المانع من نكاح المسلمة.

أقول: قد افتى بعدم تزويج المرتد أصلا سواء تزوج مسلمة أم كافرة و لم يستند هو و لا غيره في ذلك إلى رواية بل إنه قد علل بالنسبة إلى الأول بتحرمه بالإسلام يعني إنه حيث كانت له سابقة في الإسلام فاحترام عهده، و سابقته في الدين يقتضي عدم جواز نكاح الكافرة التي لا حرمة لها أصلا هذا، و بالنسبة إلى الثاني أي تزوجه بالمسلمة و عدم صحة ذلك فلأنه مع اتصافه بالكفر فان تزوّجه بالمسلمة مستلزم لولاية الكافر على المسلمة و قد قال الله تعالى: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. «1»

و قد وقع التعليل المذكور في الفرض الأول أعني عدم صحة النكاح بالكافرة مورد إشكال شرّاح الشرائع كصاحبي المسالك و الجواهر و ذلك لأن التعليل بالتحريم و إن كان يتم في مثل الوثنية التي لا تباح نكاحها إلا أنه لا يتم في الكافرة التي يجوز للمسلم نكاحها للمسلم مطلقا أو متعة [1] و ذلك لأنه إذا كان يجوز ذلك للمسلم الخالص بالفعل فالمرتد أولى بجواز نكاحها لأن هذا له حرمة سابقته في الإسلام و ذاك مسلم بالفعل، فاذا جاز للمسلم بالفعل فإنه يجوز لمن له تحرم بالإسلام بالأولوية.

و بعبارة أخرى: إذا كان نكاح الكتابية جائزا للمسلم فهو جائز لمن يتحرم بالإسلام لكونه مسلما في برهة من الزمان، بالأولوية.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم

- ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 3، ص: 416

______________________________

[1] قال سيدنا الأستاذ الأفخم. و اما الكتابية من اليهودية و النصرانية ففيه أقوال أشهرها المنع في النكاح الدائم و الجواز في المنقطع و قيل بالمنع مطلقا، و قيل بالجواز كذلك و هو لا يخلو من قوة على كراهية خصوصا في الدائم بل الاحتياط فيه لا يترك ان استطاع نكاح المسلمة. راجع وسيلة النجاة ج 3 ص 191.

______________________________

(1) سورة النساء الآية 141.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 417

و حيث ان هذا الإشكال كان واردا فلذا لم يقتصر الشهيد قدس سره في الدروس بهذا التعليل، بل أتى بتعليلات أخر كي تشمل كل الفروض فقال: و لا يصح تزويج المرتد و المرتدة على الإطلاق لأنه دون المسلمة و فوق الكافرة و لأنه لا يقر على دينه، و المرتدة فوقه لأنها لا تقتل «1».

فترى أنه علل عدم جواز التزويج أولا بأنه دون المسلمة و فوق الكافرة. و لم يقتصر بذلك بل علل ثانيا بأنه لا يقر على دينه و بذلك يتم الحكم بعدم صحة نكاح المرتد للكتابية و ذلك لأن الزوج هنا لا يقر على دينه و الزوجة بمقتضى كونها من أهل الكتاب ممن يقر على دينها فلا تساوى بينهما فلا يجوز نكاحها له.

و أما قوله: و المرتدة فوقه لأنها لا تقتل، فالظاهر أن المراد منه انه لا يجوز نكاح المرتدة للمرتد و ان كان بينهما تساو من حيث الدين فان كل واحد منهما لا يقر على دينه الا أنه مع ذلك لا يجوز، فان الزوج محكوم عليه بالقتل و الزوجة غير محكومة عليها بالقتل لأن المرتدة لا تقتل و ان كانت فطرية.

ثم

إن ما ورد في كلام صاحب الجواهر هنا: تساويا في الارتداد جنسا و وصفا أو اختلفا فيه، فالظاهر أن المراد من التساوي و الاختلاف في الارتداد جنسا هو التساوي و الاختلاف من حيث الفطري و الملي و أما وصفا فهو من حيث منشأ الارتداد من إنكار الله أو رسوله أو إنكار الضروري.

______________________________

(1) الدروس، الطبع القديم ص 167 و الطبع الجديد ج 2 ص 55.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 418

المسألة التاسعة في كلمة الإسلام

اشارة

قال المحقق: كلمة الإسلام أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إن قال مع ذلك: و أبرء من كل دين غير الإسلام كان تأكيدا و يكفي الاقتصار على الأول، و لو كان مقرا بالله سبحانه و بالنبي صلى الله عليه و آله، جاحدا عموم نبوته أو وجوده احتاج إلى زيادة تدل على رجوعه عما جحده.

أقول: الكلام هنا فيما يتحقق به الإسلام بعد الارتداد مثلا. و قد ذكروا أن كلمة الإسلام هي الشهادتان و هما قول: اشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله.

و في الجواهر: أو ما في معناهما.

أقول: و ذلك كان يقول: و أن محمدا قد أرسله الله، أو بعثه الله. أو يقول بالنسبة للشهادة الاولى: اشهد أن الإله هو الله، أو يقول ذلك بلغته من الفارسية أو التركية أو غيرهما.

و هل يكتفي بهما بدون لفظ الشهادة بأن يترك و يسقط لفظة «أشهد» أم لا؟

قال في كشف اللثام: و كلمة الإسلام أشهد ان لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله من دون حاجة إلى التصريح بالشهادة و بهما يحكم بإسلامه ما لم يظهر منه ما ينافيه انتهى.

و على هذا فيكفي

أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله كما لو صدرهما.

بلفظ الشهادة، و قد نفى عنه البأس في الجواهر إذا كان ذلك منه لإرادة الإسلام.

لكنه يشكل ذلك مع الشك بل اللازم عنده هو الإتيان بلفظ الشهادة [1].

______________________________

[1] قد ذكر في بعض بياناته الشريفة على ما في تقريراتنا الاكتفاء بالصيغتين و لو بإسقاط الشهادة و هذا هو الذي ينبغي ان يتبع فإن النبي صلى الله عليه و آله كان يقول: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، لا قولوا: أشهد إلخ و كذا ما ورد من انه (صلى الله عليه و آله و سلم) أمر أن يقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. و في خطبة الإمام زين العابدين: انا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 421

و هل يكفي ان يقول: أشهد أن النبي (ص) رسول الله، أو لا يكتفي به؟

قال العلامة في القواعد: لم يحكم بإسلامه لاحتمال أن يريد غيره انتهى.

و على هذا فلا بد من التصريح باسمه الشريف الذي لا يحتمل غيره.

و فيه كما في الجواهر يحتمل الإكتفاء بذلك لظهور إرادته العهد فإن النبي المعهود بين المسلمين هو سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم.

و هل يحتاج في تحقق الإسلام مضافا إلى أداء الشهادتين أن يتبرأ من كل دين غير الإسلام أم لا؟

اعتبر ذلك بعض العامة و لكن الظاهر عدم الحاجة إلى البراءة لتحقق الإسلام بالشهادتين و على هذا فلو تبرأ كان ذلك تأكيدا كما صرح بذلك المحقق في كلامه في صدر المسألة كما و ان العلامة أعلى الله مقامه قال في القواعد مازجا:

و لا يشترط

ان يقول: و ابرأ من كل دين غير الإسلام كما اشترط بعض العامة، نعم إن قال اكدهما به إلخ.

و الحاصل انه كافر قد أنشأ الشهادتين اللتين هما كلمة الإسلام فلا يحتاج الحكم بإسلامه إلى شي ء آخر فلو أضاف ما ذكر لكان تأكيدا لكلمة الإسلام.

هذا إذا كان منكرا لله سبحانه أو النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم فإنه يكتفى عند توبته بما ذكر.

فلو لم يكن منكرا لذلك بل أقر بهما الا انه كان جاحدا عموم نبوته- فهو على رغم اعتقاد المسلمين بأنه مبعوث إلى كافة الناس- يقول بأنه مبعوث إلى جماعة خاصة من العرب مثلا أو انه معتقد بنبوته و عموم ذلك أيضا لكنه ينكر وجوده و يقول بأنه لم يولد بعد أو أنه لم يبعث إلى الآن و سيبعث بعد ذلك أو كان ينكر فريضة من الدين التي علم ثبوتها من دين الإسلام أو أصلا كذلك من أصول الدين و كحدوث العالم و المعاد الجسماني فهناك لا يكتفي في توبته بالإقرار بالشهادتين بل لا بد من ضم ضميمة و زيادة تدل على رجوعه عن جحد ما جحده

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 422

و عن اعتقاده الفاسد فيقول جاحد عموم النبوة: «أشهد أن محمدا رسول الله الى الخلق أجمعين» أو يتبرأ مع أداء الشهادة من كل دين خالف دين الإسلام.

و لو كان زاعما ان المبعوث ليس هو هذا بل هو آخر افتقر إلى أن يقول: محمد هذا الذي ظهر و ادعى أنه المبعوث، هو رسول الله، أو يتبرأ من كل دين غير الإسلام.

و في الجواهر لو كان جاحدا فريضة أو أصلا فتوبته الإقرار بذلك من دون اعادة الشهادتين.

فالميزان انه من

أنكر ضروريا من ضروريات الإسلام فلا بد من الإقرار بذلك مصرحا به مضافا الى الإقرار بالشهادتين بل لا يحتاج إلى ذلك بعد انه كان مقرا بهما و قد أقر بما كان يجحده.

فيعم الحكم من جحد نبيا معلوما نبوته ضرورة من دين الإسلام أو آية كذلك من كتابه تعالى أو كتابا كذلك من كتبه، أو ملكا من ملائكته الذين ثبت أنه من ملائكة الله أو استباح محرما معلوم الحرمة كذلك فلا بد في إسلامه من الإقرار بما جحده.

و لو قال: انا مؤمن، أو أنا مسلم فهل يكتفي بذلك في توبته؟

اختار العلامة أعلى الله مقامه في القواعد: الأقرب أنه إسلام في الكافر الأصلي أو جاحد الوحدانية بخلاف من كفره بجحد نبي أو كتاب أو فريضة و نحوه لأنه يحتمل أن يكون اعتقاده أن الإسلام هو ما عليه. انتهى.

فقد فصل بين الكافر الأصلي أو جاحد الوحدانية و بين ما كان كفره بجحد نبي أو كتاب أو فريضة و استقرب الكفاية في الأول دون الثاني.

و الفرق بينهما عنده ان اللّفظين حقيقتان عند العرف فيما ينافي ما كان عليه من الكفر في الفرض الأول أي الكافر الأصلي أو جاحد النبوة بخلاف الفرض الثاني فإنه يمكن ان يقول: انا مسلم أو مؤمن و كان يعتقد أن ما اعتنقه من العقائد الفاسدة و الآراء الكاسدة هو الإسلام و الايمان.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 423

و قد أورد عليه في الفرض الأول بأنه ليس للفظين المزبورين صراحة في ذلك فهناك أيضا يمكن إرادة الايمان بالنور و الظلمة و كونه مستسلما لهما فيقول أنا مؤمن أو مسلم مع اعتقاده بتعدد مبدأ الخلقة.

كما و ان الفرض الثاني أيضا محل الكلام و ذلك لما

قال في كشف اللثام بقوله: و فيه أنه إذا اعتقد ذلك لم يحكم بكفره، لجهله بأن ما جحده مما أتى به النبي صلى الله عليه و آله انتهى كما و ان صاحب الجواهر أورد أيضا بأنه مبني على كفر منكر الضروري و إن كان معتقدا للجهل و الا فهو غير كافر مع اعتقاده و لو جهلا فلا يحتاج إلى التوبة.

و قد تعرضنا لهذه الفروع المختلفة لما فيه من مسيس الحاجة إليه في هذه الآونة و الأعصار، و ليكن ذلك على ذكر من كان يباشر و يتعهد الحدود و ما يتعلق بها، و قد علمت أنه لا يقتصر بالشهادتين في كل مورد بل اللازم هو التوبة بالنسبة إلى نفس ما أنكره، بإقرار ذلك.

و هل تقبل توبة الزنديق أم لا؟

نقول: اما الزنديق فهو الذي يستسر بالكفر و يظهر الايمان.

و أما قبول توبته فاختلفوا في ذلك فقال الشيخ في الخلاف: الزنديق هو الذي يظهر الإسلام و يبطن الكفر [1] فاذا تاب و قال: تركت الزندقة روى أصحابنا أنه لا تقبل توبته، و عن أبي حنيفة روايتان مثل قول مالك و الشافعي دليلنا إجماع

______________________________

[1] ربما يختلج في النفس بأنه فما هو الفرق بينه و بين المنافق الذي يقبل توبته بلا كلام و هو أيضا يظهر الإسلام و يبطن الكفر؟

و لكن الظاهر أن بينهما فرقا أما أولا فلأن المنافق و ان كان كذلك لكن لم يجعل ذلك مذهبا له بخلاف الزنديق فإنه كما يظهر من تعبير الخلاف قد اتخذ ذلك له مذهبا. و ثانيا فالظاهر بقرينة ذكر الزنديق في كتاب المرتد إنه هو الذي قد ادعى كلمة الردة، فيبحث فيه بعد ثبوت ذلك كما ترى ذلك في كلام ابن سعيد و غيره.

الدر المنضود في

أحكام الحدود، ج 3، ص: 424

الفرقة على الرواية التي ذكرناها و أيضا فإن قتله بالزندقة واجب بلا خلاف، و ما أظهره من التوبة لم يدل دليل على إسقاط هذا القتل عنه و أيضا فإن مذهبه إظهار الإسلام فإذا طالبته بالتوبة فقد طالبته بإظهار ما هو مظهر له فكيف يكون إظهار دينه توبة؟ انتهى «1».

و قال في المبسوط: و اما الزندقة فقال قوم يقبل توبته و قال آخرون لم يقبل توبته و روى ذلك أصحابنا «2».

ترى انه نسب عدم القبول إلى روايات أصحابنا صريحا في الخلاف و ظاهرا في المبسوط.

و خالف في ذلك بعض كابن سعيد حيث قال: و الزنديق يقتل بعد الاستتابة إن كان ارتد عن غير فطرة و ان كان عن فطرة قتل بكل حال «3».

و قال العلامة في القواعد: و الأقرب قبول توبة الزنديق و هو الذي يستسر بالكفر.

و في كشف اللثام بعد ذلك: و يظهر الايمان، وفاقا لابن سعيد لأنا إنما كلفنا بالظاهر و لا طريق لنا الى العلم بالباطن و لذا قال النبي صلى الله عليه و آله لأسامة فيما تقدم من قصة الأعرابي: هلا شققت من قلبه؟، و التهجم على القتل عظيم خلافا للخلاف و ظاهر المبسوط قال: روى أصحابنا أنه لا تقبل توبته و حكى إجماعهم على هذه الرواية، قال: و أيضا فإن قتله بالزندقة واجب بلا خلاف و ما أظهره من التوبة لم يدل دليل على إسقاطه القتل عنه و أيضا فإن. (إلى آخر ما نقلناه من كلام الشيخ آنفا).

و أورد عليه في الجواهر بقوله: قلت: لا يخفى عليك جودته إن كان المراد عدم الاكتفاء بما يظهره في الحكم بتوبته بخلاف ما إذا شهدت القرائن بها.

______________________________

(1) الخلاف كتاب

المرتد مسألة 2.

(2) المبسوط كتاب المرتد ص 7.

(3) جامع الشرائع ص 568.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 425

هذا و لكن هنا روايات ظاهرة في عدم القبول و قد أوردها المحدث الحر العاملي رضوان الله عليه.

عن مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى بزنديق فضرب علاوته فقيل له: إن له مالا كثيرا فلمن تجعل ماله؟ قال لولده و لورثته و لزوجته «1».

و بهذا الإسناد ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان و شهد له الف بالبراءة جازت شهادة الرجلين و أبطل شهادة الألف لأنه دين مكتوم «2».

عن جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لو لا أني اكره أن يقال: إن محمدا استعان بقوم حتى إذا ظفر بعدوه قتلهم لضربت أعناق قوم كثير «3».

عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و آله فقال: و الله ما أدري أنبى أنت أم لا كان يقبل منه؟

قال: لا و لكن كان يقتله إنه لو قبل ذلك ما أسلم منافق أبدا «4».

عن عثمان بن عيسى رفعه قال: كتب عامل- غلام- أمير المؤمنين عليه السلام: إني أصبت قوما من المسلمين زنادقة و قوما من النصارى زنادقة فكتب إليه: أما من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه و لا تستتبه و من لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه فإن تاب و إلا فاضرب عنقه و اما النصارى فما هم عليه أعظم من الزندقة. «5» و رواه الصدوق مرسلا إلا

انه قال: ثم ارتد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المرتد ح 1.

(2) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المرتد ح 2.

(3) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المرتد ح 3.

(4) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المرتد ح 4.

(5) وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب حد المرتد ح 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 3، ص: 426

الى هنا بلغ إفادات سيد مشايخنا استأذنا الأكبر آية الله العظمى الگلپايگاني قدس الله نفسه الزكية حتى عرضت عليه الأسقام و انجر الأمر الى أن تعطلت دروسه الشريفة و طال الى ان مضت ما يقرب من ثلث سنوات حتى غربت شمس سماء الفقاهة و المرجعية و خسرنا بذلك ما عجزت عن ذكره اللسان و الأقلام و فقدنا أبا روحيا و معلما عظيما و زعيما كبيرا و مرجعا عالميا الا فصلوات الله على روحه الطاهرة و أسكنه الله أعلى غرف الجنة.

قم المشرفة الحوزة العلمية علي الكريمي الجهرمي

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.